الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صالة الإنتظار

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2021 / 12 / 13
الادب والفن


لاحظ السيد نون ظاهرة غريبة تحدث من حين لآخر، وتجعله يشك في حواسه السمعية والبصرية، ظاهرة الصمت المطبق في بعض الأوقات، الذي يتحول إلى نوع من الهمهمة والهمس البعيد، ثم يصبح في لحظات أخرى ذلك الهرج والمرج الذي يمكن سماعه في الشوارع العامة أو في الأسواق الشعبية الضخمة .. وكذلك ظاهرة النور القوي الذي يضيء هذا المكان الفسيح الذي لا يستطيع رؤية نهايته ولا بدايته، بل لا يستطيع تكهن شكله ولا معماريته، فهو في البداية بدا له كصالة ضخمة لأحد المطارات العملاقة، ثم في بعض الأحيان تتحول الصالة إلى مجرد أرضية بيضاء، وتتحول الإضاءة إلى شمس حارقة تعمي البصر. على كل حال سوف لن نهتم بما عاناه السيد نون في هذه اللحظات الطويلة من الملل والقلق والإنتظار، ولا بالمقابلات والمعارف العديدة التي كونها طوال هذه المرحلة من رحلته نحو الآخرة، سنذهب مباشرة إلى اللحظة التي سمع فيها إسمه ينطق بصوت عال وجهوري في ما يشبه مكبر الصوت ويطلب منه الإتجاه إلى الباب رقم ٢٢ ك. لا يدري بالضبط الوقت الذي قضاه للوصول إلى الباب المعين، فيبدو أن الوقت هنا لا وجود له على الإطلاق، حيث لا وجود لأي شيء يمكن بواسطته التكهن بمرور الوقت. لقد اجتاز العديد من الصالات المتشابهة أو الساحات الفسيحة وعشرات الممرات التي تؤدي بدورها إلى صالات وممرات أخرى، ثم أرشده شخص يبدو وكأنه من الإستعلامات أو ما شابه ذلك إلى أن الرقم يشير إلى الطابق الثاني، ثم اكتشف أن هذا الطابق يتكون بدوره من مجموعة كبيرة من الأقسام الكبيرة المتشابهة تحمل حروفا بدلا من الأرقام، وتمكن أخيرا بعد رحلة طويلة وشاقة من الوصول إلى الطابق الثاني ثم الوصول إلى القسم أو الجناح ك ثم الباب المعني رقم ٢٢.
فطرق على الباب بحكم العادة رغم عدم وجود اللافتة : اطرق قبل الدخول، ودخل إلى ما اعتبره مكتب الإستقبال حسب ما استنتجه من مظاهر المكتب والموظفين الذين يشغلونه. كانت هناك سيدة جالسة وراء مكتب كبير مقابل للمدخل وسيد يجلس إلى مكتب جانبي وأمامه عدة كمبيوترات وملفات ورقية، وفي عمق الصالة كان هناك عدة موظفين وموظفات يشتغلون في صمت ونظراتهم مركزة على شاشات أجهزتهم العديدة. وكانت هناك مجموعة من الكراسي بجانب الحائط على يمين المدخل ويساره يجلس عيها العديد من الرجال والنساء في إنتظار دورهم على ما يبدو لمقابلة السيدة التي تبدو منشغلة مع إمرأة تجلس قبالتها. خيل إليه أن الصالة تشبه أي صالة إنتظار في عيادة أو محطة قطار أو شيء من هذا القبيل، وجلس على أقرب كرسي شاغر ليس بعيدا عن المدخل. وبعد عدة لحظات قال له الشخص الذي كان جالسا بجانبه وهو يدفعه بمرفقه : عليك أن تأخذ رقما، وأشار إلى آلة لم يلاحظها عندما دخل، توزع الأرقام على المنتظرين ، فنهض من مقعده وأخذ الورقة الصغيرة التي لفظتها الآلة عندما ضغط على أحد الأزرار وعاد إلى مكانه، إنه يعرف هذا النوع من الأجهزة التي توزع الأرقام في صالات الإنتظار المزدحمة. كان المكان هادئا، ولا يسمع سوى بعض الأصوات الخافتة للمنتظرين، وبعض التمتمات الخفيفة الصادرة عن الموظفين والموظفات في المكتب. وبينما هو ينتظر أن يأتي دوره، جائت سيدة تحمل رزمة من الأوراق وأخذت توزعها على المنتظرين الجالسين في صالة الإنتظار. مطبوعة ملونة مكونة من أربعة أجزاء مطوية تشبه المطبوعات الدعائية التي توزعها المكاتب السياحية.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -شد طلوع-... لوحة راقصة تعيدنا إلى الزمن الجميل والذكريات مع


.. بعثة الاتحاد الأوروبي بالجزائر تنظم مهرجانا دوليا للموسيقى ت




.. الكاتب في التاريخ نايف الجعويني يوضح أسباب اختلاف الروايات ا


.. محامية ومحبة للثقافة والدين.. زوجة ستارمر تخرج للضوء بعد انت




.. الكينج والهضبة والقيصر أبرز نجوم الغناء.. 8 أسابيع من البهجة