الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما صرخ والدي-الارهابي- : أنا عراقي

فاروق صبري

2006 / 8 / 29
مواضيع وابحاث سياسية



إلى عطر النخيل البصري
إلى فؤاد سالم البهي كقصائد السيّاب
أنهض من كبوتك فلعراقنا شوق لصوتك المضاء
بالعشق والكبرياء والحلم



منِِ يحفر الماضي حتى ينثر غباره على الحاضر....
ومن يقرأه ، يٌقرّأه عبر عمامة بيضاء أو سوداء أو حمراء...
ومن يستحضره ويستحضر شخصياته وأحداثه لكي يحجب نذالته ويمجد سيف (رسالته الخالدة) الخشبي....
ومن يتغنى على أطلاله ويتلفع أسماء (ابطاله) ليسوّق حضوره الذي لا يقبل المساءلة لأنه راع للحاضر ومالك للمستقبل....
ومن ينبش في سِيّره وتوجهاته وتداخلاته ومحطاته ويقدّس ثوابته ويحجّر (أفعاله) ويؤطر وعيه بالتديّن المغمّس بالجهل واليقينيات ليعلن فناء الآن وليثبت خواء القادم .....
ومن ينشغل في استعادة حروبه وسجونه ومشانقه ومسالخه ، رآياته المدماة بأحقاد الروافض والنواصب والتعصب القومجي ، رماحه المحمّلات بالروؤس المتمردة ، كتاب الله ، بيارق خلفاء الغزوات الحنيفة وأمراء الجحيم العراقي.....
أنا الأخر ، اللحظة أزور أو يزورني الماضي ، ماض أقرب إلى القلب من نبضه ، ماضٍ بهيٍّ وقلق كفوطة أمي .. أمي التي لم تسمع أو تستمتع لموزارت أو بتهوفن ولم يكن في بيتنا الطيني جهاز راديو الذي كان يذيع الأغاني والموسيقى لذلك لم تستطع مثل أمهات العوائل الميسورة اسماعي وأنا في رحمها الموسيقى الكلاسيكية أو الحديثة لكنها أسمعتني وهي تتسوّق في سوق "قورية" وتتجول بين دكاكين "القيسرية" وتذهب إلى "عرفة" حيث بيت خالي محمد نوري، أسمعتني لغات ثلاث وأغانيها:
قلعنن ديبندا
بر داش أولايدم
كلن كيدن يولداش اولايدم
دمكري مكري جاواند ديشي
دايكت نماوه روله كان
نازت بكيشي
دللو يا ولد ي ابني
دللو
عدوك عليل وساكن الجول
وأنا أترعرع وأشبَّ بين دفء رحم مدينتي كركوك أدركت أن أمي الحنونة والحزينة كآلة الشمشال قد رفدت روحي بموسيقى أجمل وأعمق وأثمن من موسيقى بتهوفن وموزارت وباخ ، انها موسيقى الموجات الثلاث للعرب والكرد والتركمان ، موسيقى تعزف سيمفونية أنا عراقي.....
أنا عراقي .. هذه العبارة الحلوة زرعتها في أعماقي سيرة عائلتي الكردية التي كانت لغتها اليومية تركمانية بحكم تواجدها ومنذ فترات زمنية طويلة جداً في منطقة "كاور باغي" ويمكن الأشارة إلى احدى محطات تلك السيّرة ، ففي حوالي عام 1962بدأت الافرازات السلبية لأحداث 1959تظهر بين جهات تركمانية وكردية وشيوعية وكان أبرزها قتل شاب كردي طعناً بـــــــ(الدرنفيس) بالقرب من مقهى "أحمد آغا" ولأن أخي الكبير فائق كان منتمياً للمقاومة الشعبية فإن والدي توجس من ان يحصل لأبنه البكر حدث في حسبانه بحكم امتلاكه خبرة حياتية واسعة ومواقف مؤثرةٍ حدثني عن واحد منها قائلاً : نعم بصعوبة حصلت على مسدس صغير وتابعته وهو يريد الدخول إلى خيمة امرأة عراقية فقدت زوجها في الحرب في محاولة منه للاعتداء عليها ، لم أتحمل هذا الأمر فأطلقت عليه عدّة رصاصات ، وحينما سقط ذلك الضابط الانكليزي الكلب على الأرض هربت مع اختي زليخة ..
طبعا والدي لم يعتقله الجيش الانكليزي المحتل للعراق في حينه ومن المؤكد لويسمع (السيد) بلير أو (السيد) بوش هذه الحادثة سوف يضع والدي في قائمة الارهاب.... المهم في حينه قرر أهلي الانتقال إلى محلة اخرى ولكن حينما جاء والدي وهو يحمل بشرى الموافقة على امتلاك بيت من بيوت مشروع الاسكان التي قرر اعطاءها أشرف وأنبل رئيس للعراق عبدالكريم قاسم إلى العمال ، ومن شدّة فرح العائلة بالبيت الجديد وابعاد المكروه عن ابنها البكر جرت عملية الانتقال ليلاً وبسرعة وبعد مرور اسبوع واحد من تواجدنا في السكن الجديد وجدنا مع الفجر رسائل مرمية في "حوشنا" وكلها تتضمن عبارة واحدة : أيها التوران ارحلوا من هنا!!!
والدي"الارهابي" بعد تلقينا رسالة تهديد جديدة وبعد ان أنهى صلاة الفجر صعد إلى فوق سطح بيتنا وهو يوجّه صرخته صوب السماء: يا الله وين نولي ، عند التركمان نحن أكراد وشيوعيين وهنا بين الاكراد في مشروع الاسكان اعتبرونا توران ، ولك والله نحن عراقيون ، عراقيون...
واللحظة وبعد هذه السنوات المرّة ، المريرة
واللحظة ترّن في روحي صرخة والدي "الأرهابي" واسمحوا لي لنرددها معاً : أنا عراقي ، أنا عراقي ، أنا عراقي...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.. وتوقف دخول


.. بعد قتله جنديين.. حزب الله يستهدف مجدداً ضباطاً إسرائيليين ب




.. هل سيطرة إسرائيل على معبر رفح مقدمة للسيطرة على المدينة بكام


.. شقاق متزايد في علاقة الحليفين.. غضب إسرائيلي من -الفخ الأمير




.. ترامب يتهم بايدن بتزوير المحاكمة لأهداف سياسية