الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل ثمة ما قد يجمع البلدان المغاربية حول مكافحة الفساد؟

سعيد هادف
(Said Hadef)

2021 / 12 / 14
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


مع أن التاريخ يتشكل، في جانبه غير المرئي، بكيفية لا تثير الانتباه، فهناك دائما وقائع شبه مرئية تساعد على فك شفرة اللامرئي. في الأسبوع المنصرم، عاش المغاربيون جملة من الأحداث المترابطة، في السياسة كما في مجالات أخرى ذات صلة بالسياسة، كالعمليات الأمنية والتظاهرات الرياضية والفنية والمؤتمرات العلمية.
في ضوء التقارير والتحليلات السياسية، وفي ضوء الصراعات الأممية المتمترسة خلف البراديغمات الأيديولوجية، يمكن للقارئ المستشرف أن يتبين ملامح المنطقة المغاربية مستقبلا.
من الغياب المغاربي عن قمة مونبيليه الفرنسية الأفريقية، وغياب المغرب والجزائر عن منتدى الاتحاد من أجل المتوسط ببرشلونة وحضورهما بمنتدى التعاون الصيني الأفريقي بدكار. ومن تأجيل القمة الفرنكوفونية بتونس إلى تأجيل منتدى "العالم العربي ـ روسيا" بالمغرب، ومن إمكانية تأجيل رئاسيات ليبيا إلى احتمال تأجيل القمة العربية؛ ومن التقارب المغربي- الإسرائيلي- الخليجي في عهدة إخوان المغرب إلى عودة الملف الفلسطيني بقوة في عهدة تبون وقيس سعيد، ومن تصنيف بريطانيا لحركة حماس في خانة الإرهاب إلى انفتاح الحركة على الصين. بين كل حدث وآخر خيط رفيع يحيل على حدث ثالث، ويخفي حدثا رابعا ويوحي بحدث خامس.
في هذا العقد الذي سنلج عامه الثاني، سيطوي عالمنا ملفات عديدة كانت ذات صلة بالحرب العالمية الأولى، وسيضم إليها ما خف حمله من ملفات الحرب العالمية الثانية.
سيحدث ذلك في سياق صراع متعدد الجبهات يكون بمثابة الفرن الذي تتبلور فيه الجبهات والمحاور إلى قطبين: قطب بقيادة أمريكا، وقطب بقيادة الصين وفق رؤية صمويل هنتغنتون، ومع أن الطبعة الأولى فشلت تحت قيادة هيلاري كلينتون، غير أن السيناريو مازال ينطوي على شروط تحققه.
كيف يكون مآل المنطقة المغاربية خلال العام القادم؟ وماذا سيحدث في هذا البلد أو ذاك؟ هل ستنعطف المنطقة إلى الأفضل؟ أم ستنفلت الأمور إلى الأسوأ؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه؟
أولا: في الجزائر، ومباشرة بعد أن طُويت آخر انتخابات، بدا أن الرئيس تبون قد عبر نصف عهدته بسلام رغم كل الصعوبات. كانت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الجزائر أول حدث بارز، ثم زيارة وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان، ثم زيارة رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن إلى تونس، فضلا عن زيارة عميد مسجد باريس ولقائه بالرئيس تبون، واستقبال الوزير المكلف باقتصاد المعرفة ياسين وليد للمخترع الجزائري البروفيسور بلقاسم حبة، وتكريم الممثل الليبي الذي قام بدور الصحابي بلال في فيلم الرسالة، وأنشطة برلمانية وحكومية هنا وهناك. في هذا السياق جاء الإعلان الفرنسي عن قرار برفع السرية عن أرشيف التحقيقات القضائية، التي تمت خلال الثورة التحريرية، وهو قرار أثار جدلا بين مرحب ومستنكر.
ثانيا: يسير قيس سعيد بخطى واثقة، كما لو أنه استوحى بعض سياسته من دهاء الملكة عليسا مؤسسة قرطاج. هذه المرأة التي فاوضت وحصلت على الأرض بطريقة شرعية مستغلة عبقريتها في تأويل الاتفاق الذي تم بينها وبين ملك المنطقة، والحكاية معروفة كما سردها المؤرخ جوستين. وبعد أن نال قيس من جلد الدستور ما نالته إليسا من "جلد الثور"، فهل سينجح في إصلاحاته ويجعل من تونس بلدا كما يحلم به الشعب التونسي؟ وهل سيفتح باب الرحيل لراشد الغنوشي، الذي ضاقت به السبل، حتى أنه لم يعد يريد شيئا سوى الخروج إلى بلد في أرض الله الواسعة.
وتبدو سياسة قيس متناغمة بشكل من الأشكال مع سياسة تبون، وقد تجلى هذا التناغم في الديناميا السياسية بين البلدين، وزيارة الرئيس الفلسطيني لتونس حيث افتتح مقرا جديدا للسفارة الفلسطينية. فهل يمكن القول أن الجزائر وتونس تشكلان محورا إزاء البلدان المغاربية الأخرى؟ أم هو محور تحكمه خلفية الجوار فقط؟

ثالثا: تطورت العلاقة المغربية البريطانية بشكل ملحوظ، وقريبا سينعقد اجتماع ثلاثي رفيع المستوى بمناسبة الذكرى الأولى للإعلان المشترك المغربي الإسرائيلي الأمريكي، دون أن نغفل حضور سفيرة المغرب بواشنطن، في احتفال منظمة “إيباك” أكبر وأقوى لوبي يهودي في العالم.
ومنذ علاقته المستأنفة مع إسرائيل والاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وجد المغرب نفسه في وضعية متوترة مع جبابرة الاتحاد الأوروبي: ألمانيا، فرنسا وإسبانيا. وردا على هذا التوتر اتجه المغرب إلى شرق أوروبا، حيث يراهن على دول “فيشغراد” للحصول على دعم وسط الاتحاد الأوروبي. وتمر العلاقات مع البلدان المذكورة بأزمات مفتوحة على خلفية موقف مدريد من نزاع الصحراء الغربية التي تؤيد مساعي الأمم المتحدة دون غيرها، وعارضت موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الذي اعترف بسيادة المغرب على الصحراء. كما تمر علاقات المغرب بتوتر مع فرنسا؛ بسبب ما تعتقده باريس من قيام الرباط بالتجسس على مسؤوليها ومنهم الرئيس إيمانويل ماكرون. وسجلت علاقات المغرب مع دول أوروبية أخرى توترا بمستويات مختلفة مثل حالة ألمانيا ثم هولندا وبلجيكا؛ بسبب ملفات مختلفة منها حراك الريف والصحراء والهجرة. وتكمن أهمية البلدان الأربعة المنتمية لـ “مجموعة فيسغراد”، التي تم إحداثهم في 15 فبراير 1991 بمدينة فيسغراد الهنغارية، في كونها شريكا موثوقا لدى الولايات المتحدة الأمريكية.
رابعا: ليبيا تسير على إيقاع الرئاسيات المرتقبة، ورغم كل الزوابع التي تثار في المنعرجات، إلا أن الإصرار على تنظيم الرئاسيات في موعدها يبدو قويا. لكن هذا لا يعني أن ليبيا لا تعيش حراكا في المجالات الأخرى، بل هناك مشاريع ومبادرات لا يعكسها الإعلام بشكل نسقي، حيث أغلب المدن الليبية تعيش حراكا سياسيا، ثقافيا، وتنمويا. أما على مستوى السياسة الخارجية، يبدو أن ليبيا أكثر تناغما مع المغرب، وأنهما يتوفران على أسباب التقارب حتى يمكن القول أنه تقارب له قابلية التطور إلى محور أكثر تماسكا وقوة.
خامسا: موريتانيا منذ ثورات 2011، دخلت في مسار تخللته الإصلاحات مصحوبة بصراعات حول السلطة وحول رسم السياسة الخارجية، وسمح ذلك ببروز مؤسسات إعلامية ومراكز بحثية ساهمت في بلورة رؤية سياسية نوعية. وتبقى موريتانيا، ورغم حساسية علاقتها بالمغرب والجزائر، أكثر تحررا في سياستها القائمة على الحياد الإيجابي. فهي من جهة سبق أن دخلت في علاقة مع إسرائيل، وأن استئنافها لهذه العلاقة يبقى في وارد الاحتمالات وفق الشروط المتاحة، ومن جهة ثانية، عرفت علاقتها بالبوليساريو تغيرا في اتجاه الحياد، وهو حياد مفتوح على كل الاحتمالات، كما أنها البلد المغاربي الوحيد الذي يتمتع بعلاقة متميزة مع المغرب والجزائر والبوليساريو وباقي التنظيمات الصحراوية.
سادسا: يبدو ربط السلطة بمكافحة الفساد محددا أساسيا في السياسة المغاربية، من خلال الخطاب السياسي وسن القوانين والمحاكمات. الرؤساء الثلاثة (ولد الغزواني، قيس سعيد وعبد المجيد تبون)، ومنذ أن تولوا الحكم عام 2019، بنوا سياستهم على محاربة الفساد، منهم من تعهد بمحاربة كل أشكال الفساد، دون انتقائية أو تصفية حسابات، ومنهم من أكد على محو كل آثار السياسات والممارسات السابقة التي تأسست على الفساد، ومنهم من أكد أن قراره نحو محاربة الفساد والمفسدين لن يتوقف عند حد معين. أما ملك المغرب فقد رهن تطور اقتصاد بلاده بمكافحة الفساد منذ دستور 2011، وأعلن ذلك عام 2012، بعد عامين أكد مجددا أن "مفهومنا للسلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله"، مقرا أن مكافحة الفساد مهمة صعبة ومسؤولية الجميع، وأنه قد "تم تمييع مفهوم الفساد حتى أصبح كأنه أمر عادي". لكن حكومة العدالة والتنمية وعلى مدى عهدتين فشلت في سياسات مكافحة الفساد بسبب عدم القدرة على تحويل التعهدات إلى برامج ناجعة، وبطء تفعيل مؤسسات الحكامة، ومحدودية الموارد والقدرات. أما فتح ملفات الفساد في ليبيا، فمازال مجرد «أمنيات مؤجلة» في انتظار ما تجود به رئاسيات 24 ديسمبر.
انظر: القمة العربية بالجزائر.. هل ستكون فرصة لإصلاح البيت العربي؟ https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=740105








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سرّ الأحذية البرونزية على قناة مالمو المائية | #مراسلو_سكاي


.. أزمة أوكرانيا.. صاروخ أتاكمس | #التاسعة




.. مراسل الجزيرة يرصد التطورات الميدانية في قطاع غزة


.. الجيش الإسرائيلي يكثف هجماته على مخيمات وسط غزة ويستهدف مبنى




.. اعتداء عنيف من الشرطة الأمريكية على طالب متضامن مع غزة بجامع