الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شجرة القلوب السماوية / قصة قصيرة

اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)

2021 / 12 / 14
الادب والفن


"الى ابنتي الراحلة الحاضرة ، الرسامة والإنسانة الملهمة سماء الأمير"
وحيدة ، يدور بي دولاب الهواء المطل من المتنزه العام على حديقة داري ، أفكر بمصير خصلة الشعر الشقراء التي عثرت عليها في مجفف الشعر ، ووقعت من يدي في الحديقة وأنا في طريقي للمتنزه ، فدفنتها ، وأكملت سيري .
غمرني شعور غريب يجمع بين حزن وفرح ، حين عثرت على تلك الخصلة . شممتها . قبلتها. فقدت شعوري بأي شيء منذ بعض الوقت حتى لحظة عثوري على الخصلة . استفقت ذا يوم وأنا فاقدة ذاكرة حياتي وثوبي الأسود الذي ارتديه والثياب السود الأخرى التي وجدتها في خزانة الملابس . كان صمت الضياع يتجول بضجة في رأسي .. او رأسي كان يتجول بصمت وسط ضجة الضياع . لاأعرف كيف أصف شعور تصفير ذاكرتي ؟!! حتى دغدغت تلك الخصلات العطرة قلبي وأنا أسحبها من مجفف الشعر الذي كان على حافة الشباك . وتعلقت عيناي عبر الأفق الممدود وراء زجاج الشباك بأعالي دولاب هواء يتراءى من وراء أشجار تنتشر في الشارع بانتظام جميل .
يدور بي الدولاب ، ويسعدني شعور الطيران ، وفي كل دورة له أنظر بإتجاه مدفن الخصلة . أقول لنفسي .. إذا كانت البذرة في تراب الأرض تنمو الى وردة او شجرة ، فقد يكون بالإمكان أن ينمو من خصلة الشعر شيء ما !!
في دورة أخرى للدولاب ، ينمو المزيد من الجنون في رأسي وقلبي ، كأنني زرعت مع الخصلة هذا الجنون . يصعد أناس كبار وصغار ، ينزلون ، وأنا متسمرة في مقعدي ، وقلبي ينبض بشدة كلما يتراءى لي وجه صبية بشعر أشقر ، لاأعرفها ، وقد أعرفها .. أشعر بجمال التحليق حين يصل الدولاب بي للأعلى حيث أرى العالم من فوق ، وكلما رأيت شيئا جميلا في تلك الجغرافيات الممتدة أمام عيني ، يعود خيال الصبية جالساً الى جانبي . شيئا فشيئا لايعود خيالاً ، يستمرالدوران ، احتضن الصبية ، نضحك معاً ، ألمس شعرها الأشقر ، وأنظر الى حيث دفنت الخصلة .
أنظر بدهشة الى الصبية التي تقول لي ، قبل أن تغادر المقعد وتغيب عن ناظري من غير أن أعرف أين ذهبت ، شكرا ، لأنّ قلبك دلّكِ عليّ .
يااااه ، ذا يوم بعيد ، قلتُ لابنتي الجميلة إن ذاكرتي ضعفت وأخشى أن أنسى المزيد . سألتني .. وماذا عني إن نسيتني ؟ أجبتها .. أنتِ بالذات ، إن نسيتُ العالم كله ، قلبي سيدلني عليكِ .
بقيت وحدي بعد أن غادرتني ابنتي الصبية الى عالم آخر ، واستسلمتُ لفقدان الذاكرة كأنني أردت الهرب من الوجع الذي كاد يفتك بي ، بل لأنّ العالم الذي انتمي له لم يعد يعنيني .
الآن ، تغادرني صبيتي مجدداً ، لكنني أدرك أن دفني خصلة شعرها لم يكن عبثاً او مصادفة . كأنني خارج ذاكرتي المفقودة كنت أصنع ذاكرة متشبثة بحبل لامرئي يصلني بالسماء حيث أسأل خالقي أن يلبي رغبة لاعقلانية تعيد تشكيل قلبي المتكسر .
تتوالى الفصول على حلمي ولوعتي وانتظاري وأنا أدور بالدولاب ، ولاشيء ينبت في تلك البقعة ، حتى تطلق عيناي نهراً دمعياً الى هناك . هو آخر سقية من قلبي المفرط أمومةً .
ذا ربيع ، يستفيق الفجر في عيني وأنا ماكثة في مقعدي ، على أصداء زقزقة في الحديقة ، وشجرة جذعها بلون أشقر ، وأغصانها وأوراقها بلون السماء ، ترتفع من البقعة تلك ، ثمارها قلوب بلورية ، ملونة ، والطيور تحطّ على الأغصان ، وثمة أطفال يهرعون للتسلق عليها ، يصنعون على الأغصان أعشاشاً ، كأنهم طيور ، يربط بعضهم بأغصانها حبالاً صانعين منها أراجيح .
تظهر ابنتي لي محلقة على أغصان الشجرة ، والنسيم يداعب شعرها الأشقر . تلوح لي بقلب نقي تعلقه على أحد الأغصان بينما تستمر الشجرة في النمو حتى تعانق الغيوم التي يتحول بعضها الى خيول للأطفال المتقافزين عليها . يندي غيثها الشجرة والقلب المعلق .. نعم ذاك قلبي المتعافي في مشفى ذاكرة الحب ، بل هو قلب ابنتي الذي يشفيني من داء الحزن . تستمر الشجرة في صعودها ، أمام دولاب الهواء الذي يواصل دورانه بي ، وأنا أضحك .. أضحك .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا