الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنتخابات العراقية أزمة!

نجاح محمد علي
سياسي مستقل كاتب وباحث متخصص بالشؤون الايرانية والإقليمية والارهاب وحركات التحرر

(Najah Mohammed Ali)

2021 / 12 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


كان يفترض بالانتخابات النيابية المبكرة أن تساهم في تغيير المعادلة التي تفرضها الولايات المتحدة منذ الغزو العسكري للعراق، لكنّ الإدارة الأمريكية عبر مبعوثة الأمم المتحدة ، كانت لهم بالمرصاد، ولجأت أخيرا إلى التلويح بداعش ، والترويج لحكومة مقبلة تعتبر الحشد الشعبي عبئاً على البلاد، وتهدد بجر العراقيين الى اقتتال داخلي كي تصبح المهيمن على البلاد أكثر فأكثر.

تعطي نتائج الانتخابات العراقيّة فكرة عن سلوك أمريكي دولي يرفض الاعتراف بما يطمح إليه الشعب العراقي الذي يُفترض أن يكون تحرّر من نظام دكتاتوري ، كان على رأسه صدّام حسين، قبل ثمانية عشر عاما.
ظاهرياً تخلّص العراق من صدّام حسين الذي زج العراقيين بحربين مدمّرتين ليس للعراق وحسب بل للمنطقة، وتسببتا بإدخال القوات الأجنبية الى المنطقة بحجة الاطاحة به في حرب ثالثة وعدت بإقامة نطام ديمقراطي سيكون نموذجًا فريداً في الشرق الأوسط كما قال حينها الرئيس الأمريكي الأسبق جورج دبليو بوش.

لا حاجة إلى الذهاب بعيدا في وصف الوضع العراقي. ليس أفضل من يقوم بهذا الوصف في هذه الأيّام هي الأزمات المتواصلة منذ مجيء صدام للسلطة وحتى الآن، فهي لم ولن تكن وليدة الصدفة، بل هي كما يبدو خارطة طريق متفق عليه، بين القوى الدولية المشاركة فيما سمي بالتحالف الدولي ضد الارهاب وعلى رأسها الولايات المتحدة في الفترة المحددة تاريخياً، وبين القوى الاقليمية الفاعلة في تدخلاتها غير المباشرة عبر عملائها من جهة، وتدخلاتها المباشرة في الشأن العراقي بما فيه أستخدام القوة العسكرية، في حربيها 1991 و 2003 وما تلاها من عمليات عسكرية واعتداءات ، لتزيد في الطين بلة، من خلال أختيار برنامج طائفي مقيت وعنصري قومي شوفيني مدمر، على حساب الوطن والشعب.

الأزمات التي يعاني منها العراق تشعبت في جميع الأتجاهات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية والصحية والتعليمية والأنسانية الخانقة، خاصة وأن الولايات المتحدة تعمدت الابقاء عليها ، وأن لا تجد لها حلولا فيما الاحتلال البغيض باق دون وجه حق دولياً وانسانيا رغم الادعاء بالانسحاب الكامل للقوات القتالية أواخر العام الجاري.
أدى بقاء هذه الأزمات الى تدهور أمن البلاد والمواطنين، وبات المواطن الذي قسمت مواطنته الى مكونات، يعاني الويلات في جميع مجالات الحياة بما فيها الأمنية، ناهيك عن فقدان الخدمات العامة ، مع فساد تجذر في جميع مفاصل الدولة ، ونهب المال العام العلني أمام أنظار الشعب والعالم أجمع، تجاوز مئات المليارات من الدولارات، حتى تم دفع العراق الى التوجه نحو صندوق النقد الدولي، بالرغم من الزيادة الحاصلة في تصدير النفط وعائداته المالية الضخمة، ليصل الى أكثر من 5 مليون برميل يومياً، بالأضافة الى موارده الأخرى، كبريت وغاز وزراعة بالرغم من اخفاقها الحاصل، مع تعطيل الصناعة لصالح الاستيراد ، بدلاً من تصنيعها وخلق مجالات العمل لتخفيف معاناة الشعب وإنهاء البطالة.

لا تستطيع الولايات المتحدة الاعتراف بواقع يتمثّل في أنّ العراق بلد مستقل يرفض الوصاية ويرفض أن يكون ساحة لتسوية الصراعات الاقليمية والدولية . تعتبر واشنطن نفسها أنها حررت العراقيين من الديكتاتورية ومن داعش ، وتريد أيضاً أن تحرر العراق كما تزعم مما تسميه نفوذ ايران الذي خاض معها حربا استمرّت ثماني سنوات كاملة، بين 1980 و1988. انتهت الحرب عمليّا بهزيمة صدام والعودة مجددا الى اتفاقية الجزائر ، مع ملاحظة أن القوى العالميّة وقتذاك التي أقرت قرار مجلس الأمن رقم 598 ، أبقى على المسائل المتعلقة بالحدود الدوليّة قائمة بين البلدين. هذه حدود قديمة بين حضارتين كبيرتين، الحضارة الايرانية والحضارة العراقية ، على حد تعبير الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران الذي هبّ لنجدة صدام في العام 1981 عندما بدأت كفّة الحرب تميل إلى جانب “الجمهوريّة الإسلاميّة”…

ما عجزت عنه الولايات المتحدة في دعمها حرب صدام على ايران في ثمانينات القرن الماضي، تريد تحقيقه منذ غزوها العراق العام 2003 بعدما خاضت الولايات المتحدة حربا على الشعب العراقي وتدمير وحدته الوطنية. وزجه في أزمات متتالية أزمة تلد أخرى . تدفع الولايات المتحدة باتجاه أن يرفض العراقيون قبول نتائج تلك الحرب العبثية وهاهي تثير أزمة المياه وتسعى لتدويلها بما يعني أن الأزمات يجب أن تبقى كما كان يفعل صدّام.
لكن العراقيين الذين أجهضوا مشروع داعش ، وتظاهر المخلصون منهم ضد الفساد والاحتلال في آن، حاولوا تغيير المعادلة مرات عدة، لكنّ الولايات المتحدة كانت لهم بالمرصاد دائما، ولجأت أخيرا إلى فرض داعش كورقة يجري التلويح بها حسب الحاجة، لمواجهة “الحشد الشعبي” في معادلة غير متكافئة ، كي يكون التنظيم الارهابي بمثابة الحربة التي تجعل أمريكا المهيمنة على العراق أكثر فأكثر.

لا وجود لمفهوم الانتخابات في العراق بطبيعته الديمقراطيّة في العقلية الأمريكية . الانتخابات كما تريدها واشنطن وسيلة لا أكثر لتكريس نفوذها وقطع ما تعتقد أنه نفوذ ايراني متجاهلة استحقاقات الجوار الجغرافي و التأريخ.
إنّ الانتخابات العراقية كما أفرزت نتائجها المتلاعب بها، وسيلة أمريكية لفرض أمر واقع يؤمن به ما يسمى المجتمع الدولي وقائده الأعلى أي “مجلس الأمن” . قرّر هذا المجلس أن تكون الانتخابات نزيهة وأن نتائجها مقنعة للجميع!.
مطلوب الآن في العراق فرض نتائج الانتخابات الأخيرة التي أجريت قبل أسابيع قليلة ، بحجة أنّها تناسب العراق…

الأكيد أنّ الولايات المتحدة تمارس التصعيد على غير جبهة هذه الأيّام. تعتقد أنّ في استطاعتها أن تبقى القوّة المهيمنة على المنطقة حتى بعد الانسحاب من أفغانستان. ما تقوم به واشنطن في العراق حيث تدفع إلى فرض نتائج الانتخابات و الاعتراف بها تحت طائلة صعود داعش من جديد. ليس جديدا، سبق لها أن فعلت ذلك في العام 2018، عندما فرضت مصطفى الكاظمي رئيسا للوزراء بعد مظاهرات غير عفوية أجبرت رئيس الحكومة السابق عادل عبدالمهدي على الاستقالة.

نعم، لدى الولايات المتحدة مفهومها الخاص للانتخابات في الدول التي تريد الهيمنة عليها والتحكم بمقاديرها، طبقته في لبنان أيضا عبر أدواتها المحلّية لمواجهة حزب الله والمطالبة بنزع سلاح المقاومة ، وتطبقه في العراق تحت طائلة القوات القتالية التي ارتكبت جرائم استهدفت أمن العراق واستقراره، ومنها بالطبع ، اغتيال القائدين المهندس و سليماني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع