الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قيس سعيّد والدكتاتورية القراقوشية

جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)

2021 / 12 / 15
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


بعد بدعة «الانقلاب الدستوري» الخارق للدستور، شأنه في ذلك شأن كافة العمليات الانقلابية، ها أن الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي ادّعى الإلمام بالقانون الدستوري بحجة أنه كان مدرّساً له (برتبة تعليمية دنيا في الحقيقة) يكشّر عن كافة أنيابه (قصدنا تلك الباقية منها). فبعد تجميده «المؤقت» للبرلمان التونسي المنتخب دستورياً وديمقراطياً، وكان قد علّقه لمدة ثلاثين يوماً في 25 جويلية (تموز/ يوليو) الماضي، يوم عيد الجمهورية التونسية، متذرّعاً بمادة دستورية لم يحترمها قط إذ نصّت على ضوابط تحول دون استئثار رئيس الجمهورية بالقرار، ما لبث سعيّد أن مدّد التعليق يوم انتهاء مدّته وذلك «حتى إشعار آخر». أي أنه علّق حتى أجل غير مسمّى المؤسسة الديمقراطية المركزية، بنت الثورة التونسية ودستور سنة 2014 الذي صاغه المجلس الوطني التأسيسي الناجم عن انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2011، أول انتخابات كاملة الحرية شهدتها تونس في تاريخها. وبعد تمديد التعليق بأقل من شهر، في يوم 22 سبتمبر/ أيلول، أعلن الرئيس منح نفسه السلطة التشريعية كاملة، بعد السلطتين التنفيذية والقضائية اللتين اغتصبهما منذ بدء انقلابه، وإلغاء كل ما يتعارض مع سلطته المطلقة في الدستور.
فلم يكن مفاجئاً أن ينهي سعيّد ادّعاءه صون الدستور والعمل استناداً إليه، كما كان ينبغي عليه بموجب قَسَمه الدستوري، فيعلن يوم الخميس الماضي أنه اكتشف أن «المشكل في تونس اليوم دستوري، وهو نتيجة دستور سنة 2014 الذي ثبت أنه لم يعد صالحاً ولا يمكن أن يتواصل العمل به في السنوات المقبلة لأنه لا مشروعية له» (كذا). ثم يطلع على أهل تونس يوم الإثنين ويبلّغهم بنبرته السلطوية المعتادة (شبّهها أهل تونس بنبرة «روبوكوب») أنه سيشرف على صياغة دستور جديد يعرضه على الاستفتاء يوم عيد الجمهورية القادم، أي في الذكرى الأولى لاغتصابه السلطة، ويُجري بعد ذلك في 17 ديسمبر 2022، يوم الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد محمد البوعزيزي وانطلاق الثورة التونسية، انتخابات تشريعية بموجب الدستور الجديد والقوانين الانتخابية التي سوف ترافقه.

أما استكمال المسخرة (ويبدو أن زمننا العربي الراهن هو حقاً زمن المساخر) فهو في أن الدستور الجديد، عوضاً من أن يصيغه مجلس دستوري منتخب ديمقراطياً مثلما صيغ الدستور الذي قرّر قيس سعيّد إلغاءه، سوف يُشرف الرئيس نفسه على صياغته مستشيراً «الشعب» بواسطة الإنترنت بين فاتح الشهر القادم و20 مارس/آذار. أي أنه، فيما استغرقت صياغة الدستور المُقَرّ في عام 2014 سنتين ونصف من الجهد القانوني والبرلماني، سوف يصيغ سعيّد دستوره وجملة قوانين مرافقة في اقلّ من ثلاثة شهور، مستعيضاً عن التمثيل الشعبي في عملية الصياغة بمخاطبة الزعيم لما يَزعم أنه «الشعب» وذلك من خلال «منصّة إلكترونية» وعد بإنشائها لهذه الغاية (وكأن عامة الشعب، ولاسيما فقراءه، من روّاد الإنترنت).
والحقيقة أن قيس سعيّد المعروف لإعجابه الشديد بقدوة الديمقراطية الجماهيرية التاريخي، معمّر القذّافي، إنما يعد أهل تونس بصيغة حكم تبدو الصيغة القذّافية أكثر ديمقراطية منها. ذلك أن «العقيد» الذي اشتهر بإدانته للديمقراطية البرلمانية، معلناً أن «التمثيل تدجيل» وأن «لا نيابة عن الشعب» بغية استئثاره المطلق بالسلطة مدّعياً تجسيد «الشعب» بمفرده «العقيد» إذاً أراد إطلاق الإرادة الشعبية الخالصة من خلال «لجان ثورية» (تحت رقابة مخابراته). أما تلميذ القذّافي التونسي، فقد قرّر إعادة انتخاب «مجلس تشريعي» لعلمه أن العالم لن يعترف بشرعية مسرحية قذّافية تحلّ محلّ مجلس نيابي منتخب. لكنّه رأى أن يستعيض عن «اللجان الثورية» في عملية الصياغة الدستورية بمسرحية إلكترونية تبدو لجان القذّافي حيالها أكثر صُدقاً وشفافية في تعبيرها عن رأي «الجماهير».
هذا وبينما يُلهي قيس سعيّد أهل تونس بخزعبلاته الدستورية، يستمرّ السبب الحقيقي والأساسي لسخط الشعب التونسي، ولاسيما شبيبته، في التفاقم، ألا وهو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية الخانقة التي تعاني منها البلاد والتي لم تنفك تتفاقم بدل أن تسير على درب الحلّ، بعد أن تسبّبت بثورة 17 ديسمبر وبالهبّات الشعبية والشبابية التي تلتها بصورة متواصلة. هذه الأزمة هي التي حدت غالبية أهل تونس على تأييد انقلاب قيس سعيّد من منطلق التوهّم باستجابته للرغبات الشعبية كمن يتعلق بحبال الهواء. والحقيقة أن سعيّد لا برنامج اقتصادي-اجتماعي له سوى الشعوذة ودعوة أصحاب الثروات المراكَمة في ظلّ نظام بن علي إلى توظيف أموالهم في مناطق البلاد المحرومة، بينما قرّر إلغاء «القانون 38» الذي وعد بتوظيف الدولة للعاطلين عن العمل لمدة تزيد عن عشر سنوات، وفيما تؤكد رئيسة وزرائه، نجلاء بودن، المتخصصة في علم الجيولوجيا (أي أن لا علم لها بأمور الحكم والاقتصاد ولا شرعية شعبية لها حيث كانت مجهولة، بما يجعلها أداة طيّعة بيد الرئيس) تؤكد على التزام تونس بتسديد ديونها واتباع إرشادات صندوق النقد الدولي. والمفارقة المضحكة المُبكية هي أن أنصار سعيّد ينبذون باسم السيادة الوطنية كل من يُشير إلى رفض دول العالم الديمقراطية للانقلاب على الديمقراطية في تو نس، بينما لا ينبسون ببنت شفة إزاء خضوع زعيمهم وحكومته لإملاءات صندوق النقد الدولي…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روسيا والصين.. تحالف لإقامة -عدالة عالمية- والتصدي لهيمنة ال


.. مجلس النواب الأمريكي يصوت بالأغلبية على مشروع قانون يمنع تجم




.. وصول جندي إسرائيلي مصاب إلى أحد مستشفيات حيفا شمال إسرائيل


.. ماذا تعرف عن صاروخ -إس 5- الروسي الذي أطلقه حزب الله تجاه مس




.. إسرائيل تخطط لإرسال مزيد من الجنود إلى رفح