الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المعارضة السورية الجديدة، هل فعلاً من جديد؟

فارس إيغو

2021 / 12 / 15
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


لا أتكلم هنا عن مجمل ما صدر من تعبيرات سياسية ـ تصدرت أو لم تستطع تصدّر ـ المشهد السياسي للمعارضة السورية منذ انتفاضة الحرية والكرامة عام 2011، بل حديثي هو عن التشكيلات الحزبية والمجلسية والائتلافية التي ظهرت بالتتابع خلال الفترة 2011 ـ 2021.
بالتعريف، يمكن أن نحدّد (من دون أي معيارية ـ قيمية ما) ما يسميه الكثيرين بالمعارضة التقليدية والمعارضة الجديدة على النحو التالي:
المعارضة التقليدية، ظهرت من خلال أزمة عام 1979 ـ 1982 وتشكيل التجمع الوطني الديموقراطي الذي ضم ستة أحزاب سورية صغيرة (قومية عربية وبعثية وماركسية).
أخذت هذه التشكيلات منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي تنحو نحو معارضة نظام الاستبداد في سورية، وقد بلورت هذه القوى اليسارية والقومية رؤاها وتصوراتها وبرامجها مع نهاية عقد السبعينيات، ودخلت بعد ذلك رغم الضعف الذي كان يعتريها في مواجهة مريرة وقاسية مع النظام القائم بالقوة الأمنية المفرطة طوال أكثر من عقدين من الزمن (1980 ـ 2000).
تعرضت هذه القوى المجتمعة في التجمع الوطني الديموقراطي في تلك الفترة لكل أشكال القمع والاضطهاد التي اتسم بها هذا النظام، وقدمت تضحيات جسيمة، سوف تحفظها لها صفحات تاريخ سورية المعاصر.
إن هذه القوى، لم تطرح على نفسها فكرة الثورة، كما أنها لم تطرح في برامجها شعار إسقاط النظام، فهي انطلاقا من معرفتها بطبيعة النظام، وإدراكا منها بالتعقيدات المحيطة بالوضع السوري، والوضع المعقد والمركب في العالمين العربي والإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط، اكتفت في أن تطرح في برامجها مسألة الإصلاح والتغيير الجوهري للأوضاع السائدة في البلاد، وتحديدا مسألة الانتقال من نظام شمولي استبدادي ـ طغياني إلى نظام وطني ديموقراطي يحكم بالحق والقانون، بصورة تدرجية، آمنة وهادئة، يمكن أن توفر على البلد والمجتمع تكاليف وأثمان باهظة لا يستطيعان تحملها، إلى آخر ما هنالك. نهاية عام 2000 ظهر إعلان دمشق، ولكنه حافظ في بيانه الأول على نفس الأسس والمبادئ للتغيير: التدرجية، السلمية:
(( إقامة النظام الوطني الديمقراطي هو المدخل الأساس في مشروع التغيير و الإصلاح السياسي. ويجب أن يكون سلمياً ومتدرجاً ومبنياً على التوافق، وقائماً على الحوار والاعتراف بالآخر ))
الجديد في هذا الإعلان هو إدماج الإخوان المسلمين ضمن تحالف وطني ديموقراطي مع المعارضة الغير إسلامية (أي المعارضة اليسارية والقومية والليبرالية المحافظة)، من دون أن يأتي البيان على ذكر الإخوان المسلمين بالاسم.
هذه القوى التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها، تمكنت من إشاعة خطاتب سياسي جديد يقطع مع الخطابات السياسية السلطوية والخشبية الرسمية، وقد استطاع هذا الخطاب الوطني الديموقراطي من اختراق وتغيير الوعي السياسي للكثير من السوريين (وبالخصوص من فئة الشباب)، وكذلك بعض النخب السورية، حيث أصبحت ضرورة التغيير الوطني الديموقراطي في سورية من الخطابات المسموعة، وبالتالي، شكل هذا الخطاب السياسي الجديد أحد العناصر التي أدت إلى إنفجار الانتفاضة السورية عام 2011.
المعارضة الجديدة، ونعني بها التشكيلات والتيارات السياسية الجديدة (الحزبية والمجلسية والائتلافية) التي نبتت بعد انتفاضة الحرية والكرامة عام 2011، بداية بالتيارات السياسية الجديدة التي تشكلت في الخارج لهدف تصدر المشهد السياسي الجديد، والتعبير والتمثيل السياسي عن المشهد الثوري السوري في الداخل في المحافل الدولية. ويمكننا ذكر التيارات السياسية التي تشكلت داخل المجلس الوطني السوري، ومن ثمّ داخل الائتلاف، ومن ثم داخل هيئة المفاوضات ولجنة المفاوضات، والتشكيلات السياسية العديدة التي بدأت تنمو تعبيراتها منذ نهاية عام 2016 مع تعاظم النقد وحتى (الغضب) ضد النخب المعارضة التي تصدرت المشهد السياسي في الفترة التي تلت عام 2011 حتى بداية عام 2017.
السقف العالي لهذه المعارضة يمكن شرحه عن طريق عاملين أساسيين: أولاً، المواكبة السياسية للثورة في الداخل، وثانياً، كون هذه المعارضة الجديدة أصبحت تعمل من خارج الوطن السوري، أي ارتفعت عنها كل الضغوط الأمنية التي كانت تواجه المعارضة التقليدية في الداخل. ويمكننا، أن نلاحظ أنّ هذه المعارضة دمجت في أُطرها التنظيمية كثير من الكوادر الشبابية التي تعرف التعامل مع ثورة تكنولوجيا المعلومات بصورة شبه طبيعية، بينما كان أغلب كوادر لجان المجتمع المدني وإعلان دمشق لا يسيطرون على الكثير من الإمكانيات التي كانت تتيحها لهم أجهزة التلفون المحمول الي يملكونها، وأتذكر في هذا الخصوص أن رئيس الأمانة العامة لإعلان دمشق كان يطلب من بعض الشباب الموجودين في المعارضة أن يدخلوا له رقماً جديداً في هاتفه المحمول، ولم يكن الوحيد في هذه (الورطة التقنية) التي حصلت مع الكثيرين من أفراد المعارضة التقليدية مع دخول ثورة تكنولوجية المعلومات إلى حياتنا، وبالخصوص الحياة السياسية.
في منتصف آذار عام 2011، وفي سياق ثورات الربيع العربي التي انطلقت في تونس مع إضرام البوعزيزي النار في جسده في الساحة العمومية في بلدة سيدي بو زيد التابعة لولاية القصرين، انفجر الوضع في سورية بصورة فاجئت كل المراقبين للوضع السوري، وأولهم ما سيسمى لاحقا بالمعارضة التقليدية، وعمت المظاهرات في معظم أرجاء البلاد مطالبة النظام الحاكم منذ عام 1970 بالإصلاح، ورفع الوصايات الأمنية عن كاهل السوريين.
يقول الراحل عبد الله هوشة لراديو ألوان (في 16 ديسمبر عام 2016) ما يلي: ((هذه القوى التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها (يقصد بها قوى التجمع الوطني الديموقراطي) انفجر الوضع في البلاد دون أن يكون لها دورٌ في هذا الذي حصل، لا بل إنها لم تتمكن من مواكبة هذا الوضع الجديد ولا من اللحاق بركبه أيضا. ومن هنا فإن ثورة الشعب الموسومة بثورة الحرية والكرامة دفعت بها وتجاوزتها وجعلتها تتحول إلى أحزاب تقليدية بكل لما هذه الكلمة من معنى)).
أليست هذه الفكرة التي شاعت في الوسط السياسي المعارض (وبالخصوص كوادرحزب الشعب الديموقراطي) نوع من الاستقالة السياسية الخطيرة التي تسببت بكلف سياسية كبيرة على الوضع السوري المعارض، وقد كانت من أولى تعبيراتها السياسية المتكررة بصورة شبه (ببغائية) ما أدعوه بـ (شيطنة) ما سمي بالمعارضة التقليدية وتحويل الثوار (وبالخصوص الشباب منهم) إلى نوع من الثوار ـ القديسين والملائكة، وهي في أصل كل الحركات الشعبوية (الغاضبة) التي كانت تتشكل بالتتابع في كل مرحلة دقيقة من مراحل تأزم الوضع السياسي للمعارضة السورية في الفترة التي مرت علينا منذ بداية الثورة إلى يومنا هذا (2011 ـ 2021)، والتي لم تسفر عن شيء إيجابي في تصحيح المسيرة، لأنها كانت تريد الانطلاق من الصفر، وأخص بالذكر على سبيل المثال الحركة التي أطلقها المعارض الدكتور كمال اللبواني منذ عدة أشهر على موقعه في قناة اليوتيوب، والتي أسفرت عن خيبة أمل كبير لآلاف من جمهور المعارضة السورية الذي لحقوا به متأملين بصدق وعفوية ساذجة ـ ربما ـ إمكانية تصحيح الأوضاع والانطلاق من جديد لفتح ثغرة في الجدار الذي بدأت تصطدم به المعارضة السورية لإصلاح الأوضاع التي خرجت من يديها حتى فيما سمي منذ سنوات بـ ((المناطق المُحررة)) أو بمصطلح ((المُحرر)) في المرحلة الحالية.
إن المنطق الشعبوي الذي ساد في الوعي واللاوعي (أحياناً)، لدى كل التجمعات والتشكيلات التي بدأت تنمو بالتحديد منذ نهاية عام 2016، وبداية الوعي بصعوبة إسقاط النظام السوري القائم، كانت تسير ليس في إطار منطق وروح العمل الديموقراطي الذي يقوم على التراكم مع تصحيح الأخطاء بالمنهج العقلاني النقدي، بل كانت تقوم ضمن منطق الطاولة النظيفة. كل النخب السورية التي تعاقبت على تسنم قيادة المعارضة السورية هي نخب فاشلة، وأحياناً فاسدة، وربما بالنسبة للبعض (خائنة)، وبالنتيجة، يجب عمل ثقافة الحذف (كانسل) والبدء من جديد، وهكذا دواليك ننتقل من فشل إلى فشل آخر، ومن خيبة إلى خيبات أخرى تؤدي إلى مراكمة اليأس والاستقالة بدلاً من مراكمة التجارب الناجحة وشطب الأخرى الفاشلة، وتصحيح الأوضاع والانطلاق من جديد، دون شطب من سبقنا بصورة تنم عن ((نخبوية)) لا تريد أن تعلن عن نفسها، بل تتخفى في أردية الثورية المفرطة، والمدمرة في الوقت نفسه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس


.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع




.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |