الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب وليد الفاهوم* -دراسات في الدين والدنيا والإسلام السياسي-

الياس خليل نصرالله

2021 / 12 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


قراءة في كتاب وليد الفاهوم*
"دراسات في الدين والدنيا والإسلام السياسي"

انبثق مفهوم الإسلام السياسي من أيديولوجية ممارسة السلطة وإقامة النظام السياسي الإسلامي، الذي يعود إلى فجر الإسلام وحكم الخلافة في كل مراحلها، ولكن بتباين واضح بين الماضي والمعاصر، بتأسيسه اليوم حزبًا سياسيًا إسلاميًا، له الحق في استخدام كل الوسائل المباحة والجائزة في الصراع السياسي. يوجد تطابق بين الإسلام السياسي والأصولي، لكونه معتمدًا على الأصول والمرجعيّات الإسلامية. الأصولية الدينية نجدها في كل الديانات والمنطلقة من التعصّب الأعمى لدينها. وهذا ما يؤكّده الفاهوم "أي انتماء إذا ضاق تقوقع، والتقوقع انغلاق، والانغلاق تعصّب واستعلاء وكراهية، ومن ثم إلغاء الآخر واحتكار الحقيقة" (ص١٩). ويضيف "إنّ التسامح والتساهل هما روح الله، وإنّ العقل قبس من نوره، والدين والتديّن، علاقة خاصة به، ولا إكراه في الدين" (ص٢٠).

الإسلام السياسي، هو وصف للجماعات والحركات والمنظّمات التي تحمل وتتبنى رؤى وعقائد، تنطلق قصدًا من تحريف القيم الأخلاقية في الديانة الإسلامية، لتقوم بتفسيرها حسب رغباتها ومصالحها. فتتميّز بكونها أيديولوجية تحاول التوليف بين الدين وقداسته، وبين مجموعة من المشاكل الدنيوية المعاصرة باستغلال الإيمان الديني والفقر والإحباط لدى الشعب لاستلام السلطة وتطبيق أجندتها. وعليه، فصعود الحركات الأصولية من الماضي إلى الحاضر، هو التعبير عن مدى يأس الإنسان العربي، وفقدانه كل أمل من المستقبل، كأنه يعيش حالة انفصام وخصام مع قيم، مفاهيم ومنجزات العصر (ص ٢٤).

كما تتميّز باعتقادها ونهجها وممارساتها، بأنّ الإسلام نظام سياسي اجتماعي، اقتصادي، قانوني يصلح لكل زمان ومكان، ونجدها لا تستبعد التعصّب والعنف بل تدعمه لتحقيق أهدافها. وعليه يقترح "العفيف الأخضر " في كتابه "من محمد الإيمان الى محمد التاريخ"، إلى تغيير المذهبية الخرافية ودفعها إلى مزيد من التعقل، أي برأيه التدين بعقل لتخفيف التعصب الديني (ص٣٢). لقد أثبتت التجارب أنّ جماعات الإسلام السياسي السلبي المسلحة، استخدمت شعارات محاربة الفساد والاستبداد، وعند استلامها السلطة لم تتورع بمبالغتها في ممارسة كل ألوان العنف ضد أيّ مواطن أو جماعة تتجرأ حتى على التفكير بانتقادها.

إنّ كل الحركات الدينية السياسي الأصولية، تشترك في معاداة العلمانية، الليبرالية، الشيوعية والاشتراكية، وأيضًا كل دعوة للتنوير والتغيير.

ظهر الإسلام السياسي، منذ عصور الإسلام الأولى، على شكل مبادئ وتصرّفات خطّطت المؤسسة الثيوقراطية الحاكمة انتقاء بعض النصوص الدينية ونزعها عمدًا من قرينتها، لتوظّفها في شرعنة انحرافها عن القيم الدينية الجوهرية. لذا نشاهد مواظبتها على تحريف وتسييس الدين لضمان شرعية بقائها. والمحزن والمأساوي هو قيام فئة ممّن يدّعون ويتظاهرون بمعرفة الفقه، بمساندتها بإصدار الفتاوى لتقنين حكمها من خلال ممارسة انتقائية تتماشى مع مصلحتها، مما يؤدّي لطمس المضمون الإنساني والجوهري للقرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، "إذًا الفتاوى الداعمة لها، لا تبرّر الجريمة وحسب، بل تحوّلها أيضًا إلى مصدر اعتزاز عند الإرهابي" (الفاهوم، ص٢٥). وقد كانت هذه الظاهرة واستمرّت حتى يومنا هذا، باعتماد تحريف الدين من قبل مجموعة مفسري الدين، خدام السلطة بدافع التكسّب لتوفير المرجعية للتصدّي والمواجهة لكل القوى والعناصر المنافسة أو الناقدة للسلطة المستبدة باسم الدين (حتى ضد المطالبين بتطبيق الدين القويم إذا توهمت بأنّها ستضرّ بهيمنتها). كما انتهجت القوى المتسربلة بمسوح الدين محاربة الأفكار التنويرية عبر التشدّد الديني ونزعات التكفير.

لقد ارتبط ظهور الإسلام السياسي بتوفر البيئة والظروف لانتشاره. إنّ انهيار السلطنة العثمانية، وظهور وتفشي الفكر الوهابي التكفيري، وقيام أتاتورك بإلغاء مؤسسة الخلافة، ووقوع بلاد المسلمين في أيدي "دول الاستعمار" (وفيما بعد الإمبريالية)، وفّرت المناخ لصحوة دينية لإقامة الخلافة وتطبيق أحكام الإسلام، كوسيلة للتخلّص من الأوضاع المأساوية. وكانت حركة "الاخوان المسلمين" هي أولى ردود الفعل بسبب أوضاع مصر كبلد إسلامي، يحتضن الأزهر وبفعل وتأثير ميزات أخرى. "إنّ حركة الاخوان كانت أولى الهيئات والمنظّمات التي قدمت تصوّرًا يستهدف تغيير النظام السياسي التقليدي في مصر تغييرًا شاملاً. وكان أول من جذبتهم الجماعة سكان المناطق الفقيرة الذين كانوا يعانون من الوحدة والغربة في القاهرة" (الفاهوم ص٤٧). كما أنّ بعضهم تعاون مع الاستعمار البريطاني في الأربعينات. فنجد "مصطفى مؤمن" (من الاخوان) يذكر في كتابه "صوت الحق" أنّ الإخوان كانوا حريصين دائمًا على التأكيد بأنّ محور النضال هو الحكومة الإسلامية، وليس إجلاء الاستعمار". كما يؤكد الباحث الفلسطيني "إسحق موسى الحسيني" (الوثيق الصلة بالإخوان)، أنّ النضال ضدّ الاستعمار كان في المرتبة الثانية لدى الإخوان (ص٤٧٤٨). ساهمت عوامل عديدة ومتشابكة، في تقوية حركة الإسلام السياسي منها: نكبة فلسطين، حرب الـ٦٧، ظهور الدولة الدينية في إيران. وقيام الولايات المتحدة بالمساهمة الفعالة بدعم الإسلام السياسي، وتجنيده في محاربة الغزو السوفييتي لأفغانستان (ابن لادن جندته الولايات المتحدة إلّا أنّ المسخ تمرّد على صانعه، وانقلب السحر على الساحر). "كما أنّ فشل الخطاب القومي والاشتراكي، والهزائم المتكرّرة التي حلّت به، وتراجع المشروع العربي للاستقلال السياسي والاقتصادي هو ما جعل ظهور الحركات السلفية والأصولية المختلفة نتيجة حتمية للإنتاج المادّي المتخلّف." (الفاهوم ص١٧١). ويُضاف إلى العوامل المذكورة، عوامل أخرى عديدة منها غياب الديمقراطية، اشتداد وتقوية عُرى التحالف الاستعماري مع الأنظمة الرجعية وفي طليعتها السعودية والقوى الدائرة في فلكها.

وإن ننسى لا ننسى التغيّرات الجذرية التي طبقها السادات مثل دعمه لحركة الإخوان، من منطلق استغلالها كقوّة مضادّة بشكل خاص للقوى الناصرية (مع أنّه كان ضحية عنفها). وعليه نقف على التباين الواضح بين الخطاب الديني الناصري، الذي كان تجميعيًا ومحفّزًا، "أنما المؤمنون إخوة"، وبين خطاب السادات الديني الذي كان تفريقيًا عمِل لتقسيم المجتمع إلى "مؤمن وغير مؤمن". أي قام السادات "بتطبيق تقسيم ديني، طائفي وطبقي لإلهاء الناس عن صراعات ومشكلات المجتمع" (الفاهوم ص٦١). أضف لذلك تحالف السادات مع الولايات المتحدة، وضربته الأليمة التي وجّهها لقوى المقاومة بعقد السلام المنفرد مع إسرائيل. ويؤكد الفاهوم: "سياسة السادات المتهادنة مع الإخوان بالاعتماد على ما كتبه الدكتور "رفعت السعيد": "لقد انتعشت الحركات الإسلامية المتطرفة في زمن السادات، فهو الذي سعى وموّل ونظّم وحرّض الجماعات الإسلامية.. دافع عنها وحماها.. أطلق المارد من القمقم ولم يستطع التحكّم فيه"(ص٥٩). ومن الجدير ذكره أنّ رفع إيران شعار تصدير الثورة، ومعاداتها الصارخة للمعسكر الغربي، دفعت الولايات المتحدة للتنسيق مع السعودية لنشر الفكر الديني الوهابي، فنشطت بتخصيص ميزانيات هائلة، لنشر التشدّد والتزمّت الديني، ودعم وتمويل تسليح حركات إرهابية لتحقّق لها قمع كل خطر يتربّص بالسعودية، دول الخليج ورأس الحربة الولايات المتحدة وحلفائها. وزاد من تأجيج زخم محرّكات الصراع من منطلقات دينية، تداعيات حرب الخليج وما حملته من دمارٍ شاملٍ كان وسيبقى المسؤول عنه الولايات المتحدة وحلفاءها في المنطقة والعالم. والمخجل والمشين عدم اعتراف هذه القوى بمسؤوليتها لتحويل العراق شعبًا وثروةً كوسيلة لتحقيق مصالحها البترولية والاستراتيجية، وتخليد الأنظمة الرجعية التي تتظاهر بأنّها حامية حمى الإسلام، والإسلام منها براء.

ففي صفحة 104 يكتب الفاهوم عن العامل المشترك بين إسرائيل والإخوان والوهابيين والإمبريالية، بأنّهم يكنّون العداء للقومية العربية ولحركات التحرّر الوطني في كل العالم، يتصرّفون باستعلاء وغطرسة.. ويستقوون ويستجيرون بالدين والأجنبي، لقهر واستعباد وإذلال شعوبهم.. فلا يتورّعون أو يخجلون من جعل الدين سلعة يتاجرون بها ومن يفعل ذلك لا دين له". وينقل ص105 تصريح "أحمد بديع" (المرشد الحالي للإخوان في مصر) لتأكيد معاداة حركة الإخوان للمواطنة "لن نسمح بأن يعلو صوت المواطنة والديمقراطية فوق صوت العقيدة والدين.

لقد ساهمت شبكات التواصل الاجتماعي بتمويل القوى الرجعية المتحالفة مع أعداء الشعوب العربية، بتجنيد الكثير الكثير من دعاة ومروّجي الفكر الديني المتزمّت، مثل ابن تيمية، والباكستاني "أبو الأعلى المودودي" وغيرهم. وكمثال لذلك الكمّ الهائل من برامج الترويج للفكر الوهابي السلفي، والرافض لأنصار مذهب الأشعرية الوسطي ما نشره إمام مسجد البيت الحرام، الشيخ "عبد الرحمن السديس" بأنّ الإمام "البوطي" المعتدل (الذي اغتيل في دمشق)، "كان من رؤوس الفتنة والضلال، وبموته يخفّ الشرّ" (الفاهوم ص١٦٩). كما ساهمت أزمات مثل انفجار الصراع وحروب الإبادة على خلفية إثنية ودينية، في أعقاب انهيار يوغسلافيا الاتحادية، فساهمت تلك الشبكات أيضًا بتوفير قوّة دفْعْ للحركة الأصولية الإسلامية، ونجاح أحزاب أصولية للوصول إلى سدة الحكم في بعض دول المنطقة.

وفي الختام، هناك اتفاق بين الكثير من باحثي هذا الموضوع، بأنّ طابع الإسلام السياسي لم "يكن امتدادًا لحركات الإصلاح الديني، وإنّما انتهى بقطيعة مطلقة معه". "لقد تميّزت حركة الإصلاح بمحاولات التوفيق بين الدين وروح العصر، بينما الإسلام السياسي اجتهد وقصد إساءة فهمه لقيم دينية بشكل سلبي، كوسيلة لخدمة أهدافه. والمأساوي، أن تؤدّي توجّهاته الديماجوچية، لتفجير وإشعال صراعات طائفية، مذهبية وعرقية، ساهمت في زجّ دول عربية، بل كل المنطقة، في حروب أهلية طاحنة ومدمّرة. إلّا أنّنا نشهد اليوم، تحرّر شرائح كثيرة من "حلم الإسلام هو الحلّ" حسب النهج الداعشي.

اتَفق مع الفاهوم في طروحاته بأنّ إحدى المقومّات الأساسية لوحدتنا، وتصدّينا للطامعين بالوطن، هو ضرورة فصل الدين عن الدولة، لإيماننا أنّ كل دين بجوهره هو علاقة شخصية مباشرة بين الذات الإلهية والمخلوق، ولا تحتاج لرقيب أو وسيط بينهما. وتُثبت التجارب بأنّ هذا الفصل، سيؤدّي لتعزيز الدين وقيمه وترسيخها من ناحية، وأنّ قضايا وشؤون الحكم والسلطة السياسية، هي قضية إنسانية، تتغيّر مع ديالكتيك الحياة من ناحية أخرى. كما ستحرّرنا من تعميم فكرة أنّ كل علماني مُلْحِد، وعدو للمجتمع والوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأميركية تفض بالقوة اعتصاما تضامنيا مع غزة في جامعة


.. مسؤول عربي لسكاي نيوز عربية: مسودة الاتفاق بين حماس وإسرائيل




.. جيروزاليم بوست: صحفيون إسرائيليون قرروا فضح نتنياهو ولعبته ا


.. عضو الكونغرس الأمريكي جمال باومان يدين اعتداءات الشرطة على ا




.. فلسطيني يعيد بناء منزله المدمر في خان يونس