الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اطفال الانفال - 3

يوسف ابو الفوز

2006 / 8 / 30
حقوق الانسان


اطفال الانفال هو العنوان الداخلي لكتابي ، الذي اردته شهادة بلسان ضحايا وشهود جريمة الانفال بحق ابناء شعبنا الكوردي ، والذي بدأت العمل فيه بعد احداث الانفال مباشرة ، وكنا لا نزال بالملابس التي اجتزنا فيها الحدود العراقية نحو الاراضي الايرانية ، وفيما بعد صدر عن وزارة الثقافة الكردية في السليمانية ، شتاء 2004 ، وتحت عنوان (لدي اسئلة كثيرة او اطفال الانفال ) . حيث كنت مع انصار الحزب الشيوعي العراقي ، في قلب الاحداث ، وسط أجواء التحدي والموت والجوع والعطش . كنت مع بسطاء الناس ، جزءا من المأساة ، وواحدا من ضحاياها . كنت مع الجميع شاهدا على كثير من فصول جريمة الديكتاتور المجرم ونظامه الشوفيني الفاشي ، و ما جرى بحق ابناء شعبنا الكوردي .
في صفحات الكتاب ـ الشهادة حاولت أن ارصد بعض مما جرى ، ومن خلال زاوية محددة : الأطفال الأكراد !
في الحلقة رقم 1 نشرت جزءا من مقدمة الكتاب ليكون القارئ في صورة الاحداث ، واورد الان بعض القصص ـ الشهادات التي ضمها الكتاب .
***
من شهادات انصار الحزب الشيوعي العراقي

* حدثني النصير أبو حسن (حبيب ألبي) ، قال :
يوم 28 /8 /1988 كان يوما لعينا بشكل عام ، وفي وادي كافيا ، كان يوما فظيعا ، حيث آلاف العوائل حاصرها من الجانبين جيش النظام الديكتاتوري ، وسيطرت قوات الجحوش على الطرق الأساسية للانسحاب ، فوجدت آلاف العوائل نفسها محاصرة لا تعرف ماذا تفعل . وفي لحظة واحدة كانت تسري عشرات الإشاعات المتضاربة ، وسط المعنويات التي هبطت لحد الذعر الشديد ، خوفا من استخدام النظام الديكتاتوري للسلاح الكيمياوي ، وسط هذه الأجواء شاهدت الكثير الذي لا ينسى.
لن أنسى ذلك الأب الذي أصيب بهستيريا الرعب . كان يحمل طفلته الصغيرة فوق ظهره ، فجأة سحب أقسام بندقيته ، ووجه فوهة السبطانة للخلف من فوق كتفه الأيسر ، وأطلق النار ، لكنه اخطأ الطفلة إذ كان رأسها ولحسن الحظ إلى الجانب الثاني فوق الكتف الأيمن . طاشت الرصاصة ، فرمى الأب البندقية وانهار في بكاء مر ، لم يكن يعرف لماذا يريد قتلها ! كانت لحظة جنون ، لحظة رعب قاتل من مستقبل مجهول .
* حدثني النصير حيدر أبو حيدر :
في وادي كافيا ، وبسبب من الذعر الشديد الذي دب بين الناس ، وبالأساس لخوفهم من استخدام قوات النظام الديكتاتوري للسلاح الكيمياوي ، كانوا يتزاحمون على الطرق والممرات الضيقة للصعود إلى جبل كاره الوعر ، للاحتماء به ، و... كنا هناك ! كانت المشكلة الأساسية لنا ولهم هي الماء ، فجبل كاره ، وعلى سعته وتشعب وديانه وعدد قممه ، تندر فيه ينابيع الماء ، كما أن الينابيع الأساسية القريبة أصبحت تحت سيطرة قوات النظام الفاشي ، لذلك اضطر الناس إلى شرب المياه الآسنة ، ورأيت بعيني كيف يتزاحم أطفال بعمر الورود مع البغال لشرب مياه الطين.
وعند ( بوتكي ) النبع الوحيد هناك ، كان الطابور طويلا ، بل هائلا ، نساء وأطفال يتلوعون من العطش ، وأستطيع القول أن الناس المتوترة رعبا ، والمصفرة الوجوه ، والمتشققة الشفاه، لم يتركوا قطرة ماء واحدة تسقط للأرض من مجرى النبع الشحيح .
* حدثني النصير فرهاد :
يوم 28 /8 / 1988 يوما تعسا بحق ، فبعد أن استطاعت فيالق النظام الديكتاتوري السيطرة على مناطق العبور لنهر الزاب ، وجدت آلاف العوائل نفسها محاصرة في وادي باني ، قرب نهر الزاب ، وبدون هدف بدأت الآلاف تصعد إلى قمم الجبال القريبة لمجرد الاحتماء بها ، سالكين طرقا وعرة وشاقة ، لم تستخدم سابقا ، وكان الحال مأساويا ، حيث الخوف الرهيب من احتمال القصف الكيمياوي ، وحيث الجوع والعطش قد أنهك الجميع رجالا ونساءا وأطفالا.
وكنت هناك ، شاهدت الكثير من المواقف التي لا تمحى من الذاكرة ، ولن أنسى تلك الصبية، كيف أصفها لك ؟ لم يستطع كل الخوف الذي شوه الوجوه ، ولا الجوع الذي اذبل العيون ، ولا العطش الذي شقق الشفاه ، أن يخفي جمالها المهيب ، كانت طفلة ، بل حمامة ، للتو تقترب من تفتح أنوثتها ! ونحن نصعد إلى القمم ، كانت كسرة الخبز ثمينة ، وقطرة الماء اثمن ، لكن الجميع يفتقدها .
ورغم العادات الكوردية الصارمة التي رسخها الآباء الكوردي ، والتقاليد التي تمنع الفتاة أن تطلب شيئا من رجل لا تعرفه ، إلا أن هذه الصبية ولشدة عطشها وجوعها ، أخذت تدور بين الناس ، كانت دموعها تنهمر بدون توقف ، وتتوسل قطرة ماء وكسرة خبز !
تمنيت الموت لحظة أن توسلتني ، لم اكن املك لا ماء ولا خبزا ، ولا رفاقي الانصار أيضا لأطلب منهم ، ولم أتمكن من امتلاك الكلمة المناسبة لا قول لها شيئا ، حتى الكلمات فقدتها . أني احترق والعن أشياء كثيرة إذ تذكر دموع تلك الفتاة . بالله عليك لم ذكرتني بها ؟!
* حدثني النصير أبو أحرار :
في يوم 28 /8/1988 الكئيب ، كنت عند الزاب في وادي باني ، ومع أنصار كثيرون ، ورأيت الذي لا يمكن نسيانه أبدا . إذ هل يمكن نسيان حال الآلاف من أبناء شعبنا المهددين بالموت أما بالسلاح الكيمياوي أو عطشا أو جوعا ؟ هل يمكن نسيان تعلق الناس بالحياة الحرة الكريمة ومعاناتهم القاسية لا جل ذلك ؟
في وادي باني ، رأيت امرأة حامل ، يبدو أنها في أيام حملها الاخيرة ، تسندها فتاتان ، يصعدان بها لقمة الجبل ، في طريق وعر ، شديد الانحدار . كانت لا تقو على الوقوف من التعب . لقد بقيت طويلا أرى هذه المرأة في أحلامي . أين هي ألان ؟ تحت أي شجرة ولدت طفلها ؟ وهل لا يزال هذا الطفل حيا ؟ وأي اسم يحمل ؟
رأيت مئات الأطفال العطشى ، الجوعى ، وقد مسخ الخوف اشكالهم الجميلة ، وعشرات منهم حفاة بلا أحذية ، يسيرون في طرق وعرة ، قاسية . هل يمكن نسيان تلك الطفلة التي كانت أقدامها الصغيرة تترك بقع دم على جانب الطريق ؟ هل يمكن نسيان ذلك ؟









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جبال من القمامة بالقرب من خيام النازحين جنوب غزة


.. أردنيون يتظاهرون وسط العاصمة عمان ضد الحرب الإسرائيلية على ق




.. كيف يمكن وصف الوضع الإنساني في غزة؟


.. الصحة العالمية: المجاعة تطارد الملايين في السودان وسط قتال ع




.. الموظفون الحكوميون يتظاهرون في بيرو ضد رئيس البلاد