الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


انقلاباتُ السُّودان ..!

فيصل عوض حسن

2021 / 12 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


أوضحتُ في مقالتي (شَبابُ السُّودان: تضحياتٌ مشهودة واستحقاقاتٌ واجبة) بتاريخ 1 نوفمبر 2021، أنَّ العَسْكَر/الجنجويد وحمدوك والقحتيين والقادمين من جوبا، مسئولون عمَّا حدث ويحدث بالسُّودان، وأكَّدتُ بأنَّ أحداث 25 أكتوبر 2021، ليست (انقلاباً) على المدنِيَّة و(لا تصحيحاً) للمسار كما يزعم البرهان، وإنَّما (تمثيليَّة) سَمْجة لتعطيل التغيير المنشود، وهذا ما ثَبُتَ لاحقاً وفق مُمارسات البرهان/حمدوك وبَقِيَّة الانتهازيين!
قناعتي المُسْتَنِدَة للوقائع المُعاشة فعلاً، أنَّ أوَّل انقلابٍ على الحِراك الثوري/الشعبي، حدث حينما فَرَضَ ما يُسمَّى (تَجَمُّع المِهَنيين) نفسه كقائدٍ للحِراك، وقيامهم بتشكيل قحت من الكيانات الانتهازِيَّة (دون استئذان الشعب)، ثُمَّ ثَبُت مع الأيَّام أنَّ انضمامهم (الشكلي) للثُوَّار، استهدف تعطيل/إفشال الثورة، ومُساعدة المُتأسلمين لاستعادة تَوَازُنهم! فما أن تَشَكَّلَ تحالُف (قحت) إلاّ بدأت الربكة/الخلافات، وشَاهَدنا أسوأ صور الانبطاح (الانفرادي/الجماعي) للعَسْكَر والجنجويد، والعَمَالة (الخَفِيَّة والمُعْلَنَة) للإمارات وغيرها، وتعطيل التظاهُرات الشعبِيَّة لتُصبح في (حَيَّيْنِ) اثنين أو ثلاثة من أحياء الخُرْطُوم، بعدما كانت تُغطي أكثر من 17 مدينة/منطقة، و(تَقَزُّم) الآمال إلى (التَفاوُضِ) وقبول الفِتَات، بدلاً عن (الإسقاط الكامل) للمُتأسلمين، وهذه جميعها أمورٌ مُوثَّقة (صوت وصورة)، حَدَثَت عقب قفز المِهنيين/القحتيين فوق الحراك! مع التذكير بأنَّ (التَفاوُض) لم يكن مَطلَب السُّودانيين أبداً، وإنَّما هو خِيار الانتهازِيين، الذين أتوا عبر المهنيين، ثُمَّ زَيَّنوا التفاوُض وَرَوَّجوا له!
أمَّا الاعتصام الذي يتباهى بصناعته المهنيُّون/القحتيُّون، فقد كان وبالاً ولم يدعموه بأي استراتِيجيَّاتٍ نَّاضجة/واضحة، ورفضوا جميع الأفكار التي قَدَّمها العديدون، ومن ضمنهم شخصي، وقاموا بـ(إلهاء) الشعب بتصريحاتهم وصراعاتهم (الهايفة). وفي خضم ذلك، هَرَبَ (قادة) المُتأسلمين مع أُسرهم للخارج، وتَراجَعت احتمالات استرداد أموالنا المنهوبة، وَوَجدَ الطَّامعون الخارجيُّون فرصة التَدَخُّل وتحوير خياراتنا، وزادت مُعاناتنا الاقتصادِيَّة والإنسانِيَّة والأمنِيَّة. وبعبارةٍ أكثر وضوحاً، شَكَّلَ اعتصام القيادة أحد أكبر خيانات المهنيين/القحتيين للشعب السُّوداني، ومَكَّنَ المُتأسلمين وأزلامهم العَسْكَر من (تحجيم/تعطيل) الحِرَاك، وساعدوهم في اقتناص/استهداف شبابنا (اغتيالاً وخطفاً/اعتقالاً)، سواء بنحوٍ فردي أو جماعي كمَجْزَرَة القيادة وغيرها.
رغم اعترافات العَسْكَر/الجنجويد الصريحة بارتكاب (المَجْزَرَة)، استمرَّ المهنيُّون/القحتيُّون في التفاوُض معهم، وحينما خَرجَ السُّودانِيُّون في مسيراتهم المشهودة يوم 30 يونيو 2019، أتى القحتيُّون بـ(انقلابٍ) أعظم أسموه (اتِّفاق)، مَنَحُوا عبره (الشرعيَّة) للعَسْكَر والجنجويد، وحَصَّنوهم من المُحاسبة والعقاب، دون نزع أسلحة المليشيات الإسْلَامَوِيَّة أو حسم تجاوزاتها المُتزايدة، وأغفلوا (المفقودين) وتغيير التركيبة السُكَّانِيَّة والتجنيس العشوائي، وإعادة النَّازحين لأراضيهم الأصيلة وتعويضهم، واسترجاع الأراضي المُحتلَّة، وتعديل القوانين/التشريعات. ثُمَّ دَخلنا في أسوأ/أخبث أنواع (الانقلابات) بظهور حمدوك، بدءاً بكيفيَّة ومُبرِّرات اختياره وانتهاءً بمسيرته الكارثِيَّة، التي سَعَى فيها منذ البدايات، لتحطيم جميع فرص إعادة بناء السُّودان على أُسُسٍ علميَّةٍ وأخلاقِيَّة وقانونِيَّةٍ سليمة. حيث تمَّ (اختيار) حمدوك وتضخيمه بنحوٍ غامض ومُثير للريبة، ولنَسْتَحْضِر (غيابه) التام عن السُّودان وأزماته، وعدم مُساهمته في مُناهضة المُتأسلمين الذين رَشَّحوه (فجأةً) كوزير مالِيَّة، و(تمثيليَّة) رفضه لذلك الترشيح ثُمَّ (افتضاح) علاقاته (التَشابُكِيَّة) ببعض رموزهم، وهي مُعطياتٌ تستدعي التَدَبُّر بالعقل، وليس الهتاف والجدل الأجوف!
تتضح الصورة أكثر بتقييم مُمارسات حمدوك (الفعلِيَّة)، خلال السنتين الماضيتين، والتي كانت كارِثِيَّة بمعنى الكلمة، ومُدمِّرة للسُّودان إجمالاً، وليس فقط الحراك الثوري. فحمدوك هو أوَّل من أطاحَ بما يُسمَّى (وثيقة دستورِيَّة)، ولم يُنفِّذ وعوده التي أطلقها بـ(كامل إرادته) عقب تسميته رئيساً للوُزراء، كالتزامه بمُعالجةِ التَرَهُّلِ الإداري، واعتماد (الكفاءة) معياراً للاسْتِوْزَار، وتحقيق التَوَازُن (الاسْتِوْزَاري) بين المناطق/الأقاليم، وتعزيز الشفافِيَّة ومُحاربة الفساد، وبناء دولة القانون، وإصلاح/تحسين الخدمة المَدَنِيَّة، والاقتصاد القائم على الإنتاج، وعدم تصدير المواد الخام. فالجهاز الإداري ازداد (تَضَخُّماً/تَرَهُّلاً)، وإصلاح الخدمة المدنيَّة، نَسَفَه حمدوك باختياراته لمُسْتَوْزِريه/مُساعديه فاقدي الأهلِّيَّة المِهَنِيَّة والأكادِيميَّة والأخلاقِيَّة، وأثبتت بأنَّه (مُخرِّب)، نظراً لوجود كفاءات سُّودانِيَّة حقيقيَّة (نساء ورجال)، وبعضهم عَرَضَ خدماته دون مُقابل، ولكن حمدوك حَرَمنا من تلك (الكفاءات) وأصَرَّ على نهجه التدميري! وبالنسبة لمُحاربة الفساد، فيكفي مُشاركة حمدوك ومُسْتَوْزِر ماليته (البدوي) في فضيحة شركة الفاخر، بخلاف تراخيهما (المفضوح) عن استرداد الأموال التي نهبها المُتأسلمون، رغم ضجيجهما المُتواصل عن علاقاتهما الدولِيَّة/الإقليميَّة، وتلك أموالٌ ضخمة تكفي لسداد جميع ديوننا الخارجِيَّة، وتُتيح لنا إعادة بناء السُّودان دون أعباءٍ معيشيَّةٍ أو تهديدٍ للسيادة الوطنيَّة!
لم نَرَ لحمدوك ومُسْتوزريه استراتيجية/خطة واضحة، لتحسين الإنتاج في أيٍ من قطاعاتنا، رغم التضخيم الأُسطوري لقُدراته (الخُرافِيَّة) في الإصلاح الاقتصادي، ورغم ادعائه بامتلاك برنامَج اقتصادي قائم على الإنتاج، وليس القروض والهِبات! وإنَّما شهدنا وما نزال، سلسلة أكاذيب، سواء من حمدوك أو مُسْتَوْزري ماليته (المُتعاقبين)، تدور جميعها حول المُساعدات (الشَحْتَة) الدوليَّة/الإقليميَّة. أمَّا التزام حمدوك بإقامة دولة القانون، فينسفه (تَجاهُله) التام لإعادة المفصولين بفِرْيَة الصَّالح العام، خاصَّة بالجيش والشرطة، والذين كانوا سيُسهمون في تحقيق بعض العدالة، وتحسين الخدمة المدنِيَّة المُنهارة، وحماية الثورة مما يُسمَّى (دولة عميقة)! كما يتجسَّد تَنَاقض حمدوك بشأن دولة القانون، في (تَرَاخيه) الواضح تجاه مُحاسبة/مُحاكمة المُتأسلمين، بدءاً بالبشير الذي حُوكِمَ بتُهمة حيازة النقد الأجنبي، وهي تُهَمةٌ تافهة، مُقارنةً بجرائمه البشعة التي أقرَّ بها (صوت وصورة). حتَّى لجنة التحقيق التي شَكَّلها حمدوك بشأن مجزرة القيادة، تَلَكَّأت ولم تُدِنْ أي شخص حتَّى الآن، رغم إقرارات العَسْكَر/الجنجويد (صوت وصورة) بمسئوليتهم المُباشرة عن تلك المجزرة!
أمَّا الشَفَافِيَّة فهي تتقاطع مع (فطرة) حمدوك، ولنَسْتَرْجِع تصريحاته المُخجلة بأنَّه ينتظر برنامَج القحتيين حتَّى يُنفِّذه، رغم (ادِّعائه) بامتلاك برنامَج اقتصادي خُرافي وفق ما أوضحنا أعلاه، بخلاف اتفاقاته (السِرِّيَّة) وتبعاتها، كـ(مُؤتمر شاتام هاوس) الذي عُقِدَ في الخُرْطُوم، بمُشاركة المُتأسلمين وبعض المشبوهين (داخلياً وخارجياً)، وحَجْب فعالياته ومحاوره وتوصياته! علماً بأنَّ ذلك المُؤتمر المُريب تمَّ وفقاً لسِلْسِلَةٍ من الحوارات والاجتماعات، التي انعقد أحدها بلندن في يناير 2019، (أي في عهد البشير)، وبمُشاركة حمدوك والبدوي (وأترك للقارئ الاستنتاج والتقييم)! كذلك يتجسَّد (كذب/عدم شفافيَّة) حمدوك، حينما أنكر معرفته بلقاء البرهان ونيتنياهو في أوغندا، لكنَّ (رفيقه/مُستشاره) الشخصي والرسمي، فضحه في مقطع فيديو ذَكَرَ فيه أنَّ حمدوك لم يكن على علمٍ فقط بالخطوة، وإنَّما ساهم فيها بفعالِيَّة وهذا ما تأكَّد لاحقاً، وفقاً لحملات (تضليل/تزيين) التطبيع وفوائده (صعبة) التحقيق والتَحَقُّق!
من أوسخ (الانقلابات) الحمدوكِيَّة/القحتيَّة، طلب (ولاية) الأُمم المُتَّحدة ومجلس الأمن على (كامل أراضي السُّودان)، بمُوجِب الفصل السادس، رغم أنَّ حالة السُّودان لم تكن تستدعي ذلك، لأنَّ الصراع كان في دارفور والمنطقتين، وعلاجه ليس بطلب الوصاية على البلد، وإنَّما بعدم (شَرْعَنَة) القَتَلة وتحجيمهم! وهنا كان (الانقلاب) مُركَّباً، فمن جهة أثبت حمدوك وقحتيُّوه (عدم شَفافِيَّتهم)، حينما قاموا بهذه الخطوة بمعزلٍ عن الشعب ودون استئذانه، ومن جهةٍ ثانية خَرقوا مهامهم/اختصاصاتهم المُثَبَّتة في الوثيقة الدستوريَّة، التي يتباكون عليها في (الفارغة والمقدودة)، ومن جهةٍ ثالثة وهي الأخطر أدخلوا البلد بِرُمَّتها في مأزِق! مع مُلاحظة أنَّ حمدوك وقحتيُّوه لم يطلبوا تَدَخُّل الأمم المُتَّحدة ومجلس الأمن، لطرد أراضينا الإثيوبيين/المصريين من أراضينا، رغم امتلاكنا لجميع الوثائق التي تُثبت أحقِّيتنا بها، وتعديات الدولتين على بلادنا وأهلنا. ولـ(شَرَعَنَة) خيانتهم المُتمثِّلة بطلب الوصاية على السُّودان، صَنَعَ حمدوك وقحتيُّوه بالتنسيق مع العَسَكَر (اتفاقيات جوبا)، وخَصَّصوا مساراتٍ وهمِيَّة لـ(المُجَنَّسين/الأجانب) وسَقَطِ المَتَاع! غير أنَّ أخطر (انقلابات) حمدوك وقحتيُّوه على الإطلاق، تمثَّل في (إكساب) العَسْكَر للشرعِيَّة وتزييف الأضاع الداخلِيَّة المُتراجعة، مما أسفر عن عدم مُناقشة حقوق الإنسان في السُّودان لأوَّل مرة، منذ 30 سنة رغم تزايُد القتل والقمع، وبذلك فقدنا حتَّى مُجرَّد (الإدانات الصُوُرِيَّة)، والتضامُن الدُّوَليّ/الإقليمي (الشكلي) الذي كنا نجده!
المُحصِّلة أنَّ المِهنيين/القحتيين وحمدوك شاركوا العَسْكَر/الجنجويد في (الانقلاب) على السُّودان وأهله، ووأدوا حِرَاك ديسمبر الفريد وهو مَهْدِه، وباعوا نضالات وتضحيات الشعب بدماءٍ باردة، وأهدروا الفرصة التاريخيَّة الوحيدة التي (اتَّحَدَنا) فيها، لإعادة بناء السُّودان على أُسُسٍ إنسانِيَّةٍ وقانونِيَّةٍ وأخلاقِيَّةٍ وعلميَّةٍ سليمة، وأصبحنا نحيا واقعاً مُختلاً يصعُب التَنَبُّؤ بمآلاته ونتائجه النهائِيَّة. وهذا يجعلهم جميعاً في مقام الخصوم الذين يجب إزالتهم ودرء مخاطرهم وتهديداتهم، خاصَّة مع استمرار (خياناتهم) للسُّودان وأهله، وتآمرهم المفضوح مع المُتأسلمين وأزلامهم العَسْكَر والطَّامعين. أشعر بعجزٍ كبيرٍ في التعبير وصف انحطاطهم الذي بلغ حدوداً غير مسبوقة، فهم لم يكتفوا فقط بتزييف أوضاعنا المأساويَّة والمُختلَّة الماثلة، وإنَّما يعملون لدفعنا بالقبول بهذه الاختلالات والتعايُش معها، بحِجَّة الحفاظ على ما أسموه (مَدَنِيَّة) وحقن الدماء التي لم ولن تتوقَّف، وإنَّما زادت في جميع أرجاء البلاد سواء في الأطراف أو عُمق المُدُن بما فيها العاصمة، ونحن وحدنا نتحمَّل أعباء هذا العبث، ونحن وحدنا أيضاً المَعنيين بحسمه وإيقافه، الذي يبدأ باقتلاع جميع هؤلاء الخونة، ، سواء كانوا عَسْكَر/جنجويد أو حمدوك/قحتيين، أو تُجَّار الحرب والمُجَنَّسين وآكلي الفتات القادمين من جوبا.
الاحتجاجات الشعبِيَّة الماثلة مطلوبة بشدَّة، لكنها ليست هدفاً في ذاتها ولا تكفي لتحقيق التغيير المنشود، لأنَّها وسيلة لتحقيق غايات أُخرى أكثر أهمِّية، وتحتاج لإغلاق أخطر وأهم (ثغرة)، ينفذ عبرها الخَونة والمُتسلقين ويجب مُعالجتها. لذلك أكرِّر ما قلته بضرورة وجود كيان تنظيمي معلوم ومأمون، مع تخطيط مُتكامل ورصين وفق ما أوضحت بالتفصيل في مقالتي السابقة المُشار إليها أعلاه، حتَّى لا تضيع التضحيات ويسرق الانتهازيُّون الحاضر والمُستقبل. فالديمقراطِيَّة تتَحَقَّق بتحجيم المفاهيم/المُمارسات الصَفَوِيَّة والانتهازِيَّة، وترقية الوعي وإعمال العقل والعمل الجماعي، دون مَساسٍ بحقوق الآخرين.. وللحديث بقيَّة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و