الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبس ضياء ومقبرة ظلماء

علي أحماد

2021 / 12 / 19
الادب والفن


سرت نحو قرية تنليف . أزور الأصدقاء بها كلما أحسست بالضيق والقنط بالبيت الوطيء الذي أسكنه وحيدا على هامش القرية قرب الأقسام بعيدا عن الأهالي . هذا السكن يسميه سلفنا في المهنة السكنى البطارية. يريدون في إصرار للمعلم أن يبقى - عنوة - بعيدا كالبعير الأجرب لتسهل مهمة مراقبة حركاته وسكناته من هاجس خوف يسيطر على عقولهم من غوايته الحريم ! كان هذا ديدن أهل القرى والمداشر في ربوع المغرب - منذ الاستقلال - وانتشار التعليم وتعميمه .
تنليف هذه قرية يجثم عليها جبل أسود يوفر منظرا رائعا على الصور الفتوغرافية للذكرى ، ولكنه يكتم الأنفاس . امبارك ( من الريش ) وحسن ( من تادلة ) ألقى عندهما الترحاب الدافئ والصحبة الطيبة . نلعب الأوراق / الرامي الى وقت متأخر من الليل بعد العشاء بخبز يحضره - عن طواعية – أبناء الأهالي أو أصدقاء عربون كرم .
الجو ماطر خارج السكنى - من النوع المفكك - يسمع نقره على سقف الزنك في تناغم مع هدير قنينة الغاز التي تضمن النور من فتيلة / حبابة بيضاء من صنع صيني ، تكفينا نور الشمع الباهت ...غادرت المكان والليل بهيم بعد منتصف الليل أو يزيد عنه قليلا غير مبال بانهمار المطر وعنت السير ليلا بدون مصباح يدوي يبدد الظلمة وينير الدرب في هذا الخلاء المترامي الأطراف . تبعني حسن يلح علي بالعدول عما أنوي بحجة أن ( النهار له عيون ) ...صممت على الثبات على الموقف، إذ لا بد من ردة فعل تحفظ الكرامة بعد خلاف بيني وبين امبارك ، وهو شخص مزاجي حاد الطبع يؤل الحديث على فهمه ويسيء الظن بالجميع ولا يعيبه سوى ذلك . بعد مجرى واد جاف يكسوه الحصى الأملس أعبر مقبرة تحفها نباتات شوكية تنمو على حافات القبور ، لأن الأهالي يمنعون عنها قطعانهم وهم لا يقربونها - من الخوف والرهبة - ليلا . وقد بلغت نصف المقبرة- التي تشقها طريق نحتتها أرجل المارة الى شقين - ظهر لي نور كحبابة صغيرة محمولة لا يرى حاملها يخرج من قبر قديم ، يدنو حتى بلغ مني مستوى الخصر/ الحزام. كلما خطوت خطوة مشاها، وكلما تسمرت في مكاني بقي معلقا جنبي لا يتحرك. بدأ قلبي يدق فرقا حتى شعرت به يريد اختراق ضلوعي. جسمي يتصفد عرقا يغدو كالصقيع ينساب عبر الظهر. ظننت أول وهلة أن أحد الصديقين يتبعني، ولكني صحت مناديا مرارا بصوت مبحوح باسميهما دون رد. أسرعت الخطى متثاقلا ومتعثرا كمن يعيش كابوسا مرعبا أتلمس الطريق المتربة التي رسمت عليه العجلات أخاديد وبدت كشريط متموج أبيض. يقودني هذا الطريق الى الدار ما دمت لا أزيغ عنه قيد أنملة . في اللحظة ماجت في ذهني حكايات يرويها من سمعوا صوت أنين في القبور من هول عذاب أصحابها. لا أصدق ( عذاب القبر ) و( الثعبان الأقرع ) والحال أن القبور صامتة فالعظام التي تحويها رميم !! فكيف يستقيم العذاب دون حساب ، وما بالك بالأقوام الأولى ؟
لازال المطر يهطل مدرارا، ولكنه وإن بلل ملابسي وتساقط من شعري على مقدمة أنفي الكبير فهو ينعشني. كيف تواتيني الشجاعة الأدبية لأعود أدراجي وأطرق باب أصدقائي ، وبماذا أبرر هذه العودة ؟ وهل تراهم يصدقون حكاية قبس النور بالمقبرة ؟ وهل أصطبر على تهكمهم ؟
عزة النفس ونخوة الرجولة تأبيان علي ذلك ، فلست رعديدا ، فالجبان يموت ألف مرة . أحسست بشجاعة بداخلي منحتني القوة على الاستمرار في المشي وعدم الالتفات الى الوراء . الموت واحد وإن تعددت أسبابه، وهذا القبس من النور الذي يلازمني كالقرين لن يقتلني . أسمع صوت ارتطام الحذاء مع الأحجار والشيح. لا أنظر أبدا جهته فهو لا يكاد يضيء ما حولي . صرت أعد الثواني وكأنها الدهر وأستعجل بلوغ باب سكناي لعل مرافقي يفارقني. كيف أتخفف من عبء يجثم على الصدر، وما شأن هذا القبس من نور قد تسلط علي في هذا الوقت، أم هي أقداري العنيفة رمتني في طريقه في الوقت المحدد سلفا في الغيب ؟
بلغت الدار بمشقة . خلت روحي ستزهق من هول الرعب الذي غمرني طول مسافة السكة. وضعت المفتاح في الضبة بأنامل مرتعشة كثمل يعود من جلسة خمرية آخر الليل . أدرت المفتاح وفتح الباب . استدرت بلطف وحذر ففاجأني اختفاء مرافقي كالخيال . أحكمت إغلاق الباب الخشبي وارتميت فوق الفراش كالمغمى عليه...
أفقت في اليوم الموالي على وقع زعيق الأطفال / التلاميذ الذين يأتون المدرسة باكرا ، فهم كالعصافير ينامون بحلول الظلام ويفيقون مع أول خيوط الشمس في السماء . فطنت أني نمت دون أن أنزع حذائي ودون غطاء...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح