الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما هي رأسمالية الدولة؟

فالين بوبيه

2021 / 12 / 20
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


نشر المقال باللغة الانكليزية بتاريخ 15 كانون الأول/ديسمبر 2021 على الموقع الالكتروني socialist.ca

أكدت الأحداث الأخيرة على الصعيد العالمي على أهمية ما يعتبر نظرية ميتة، أو على الأقل نظرية لم تعد ضرورية لفهم عالم ما بعد الاتحاد السوفياتي- أي نظرية رأسمالية الدولة.

في نهاية الـ 1940ات، طور طوني كليف تحليلاً متقدماً للاتحاد السوفياتي. فاعتبر أنه بعيداً عن كونها “دولة اشتراكية عمالية منحطة [بيروقراطياً]” (كما اعتقد ليون تروتسكي)، فإن روسيا الستالينية كانت شكلاً مختلفاً من الرأسمالية- اسمه رأسمالية الدولة البيروقراطية.

ولد طوني كليف منذ أكثر من 100 سنة، يوم 20 أيار/مايو 1917. نشأ يهودياً فلسطينياً، وجاء إلى بريطانيا عام 1946. لكن نظريته وفهمه لما تعنيه الاشتراكية يبدوان مهمين جداً اليوم، خاصة إذا نظرنا إلى المشهد الدولي- التنافس المتزايد والخطابات المتصاعدة بين الصين والولايات المتحدة، على سبيل المثال، أو التظاهرات الأخيرة في كوبا، ومعظمها عن الفجوة المتزايدة بين الحزب الحاكم الكوبي وجماهير العمال الكوبيين.

عندما بدأ كليف تحليله، توقع أن يدعم تأكيد تروتسكي على أن ما كان لازماً في الاتحاد السوفياتي كان حصول ثورة سياسية وليست اقتصادية. كان النقاش حتى نهاية الـ 1940ات ما زال حول أنها دولة عمالية، وإن كانت “منحطة”، وأن المطلوب هو مجرد حصول ثورة “سياسية” للإطاحة بالطبقة الحاكمة الستالينية.

رغم ذلك، فإن ما أدركه كليف من خلال تفحصه لكيفية عمل المجتمع السوفياتي بشكل فعلي، هو أن ما كان سائداً هو ثورة مضادة شاملة في روسيا وأنه لم يكن من الممكن المحاججة، في مواجهة الواقع، أن الطبقة العاملة كانت بأي شكل تتولى زمام الأمور في الاتحاد السوفياتي.

لماذا كان هذا التحليل مهماً عندها ولماذا ما زال كذلك حتى يومنا هذا؟ إن الادعاء بأن الاشتراكية ما زالت موجودة حتى اليوم في روسيا يعني إفراغ الماركسية ومفهوم تحرر الطبقة العاملة من أي مضمون له معنى.

في مجتمع كانت كل القرارات تتخذها البيروقراطية الستالينية، التي كانت مستندة، ليس على احتياجات العمال والفلاحين، إنما على الحاجة إلى التنافس العسكري مع الغرب، كان إصرار ستالين على أنه كان يبني الاشتراكية داخل دولة واحدة مهزلة ومسخرة.

أصر لينين وتروتسكي والحزب البلشفي، إلى جانب ماركس نفسه، على أن الاشتراكية لا يمكن أن تكون في بلد واحد في عزلة. يجب أن تكون الاشتراكية أممية، وإلا لن تتمكن من الاستمرار. أثبت ذلك في روسيا وكذلك في دول كالصين وكوبا لاحقاً.

مرة كتب لينين أنه لا يمكن حصول ممارسة ثورية من دون نظرية ثورية. إن عدم فهم طبيعة روسيا السوفياتية عنى ذلك أن تلك المحاججة تعتبر أن الاشتراكية يمكن أن تتحقق دون أن تكون الطبقة العاملة في السلطة كما حصل في عهد ستالين في روسيا، ومن ثم الإصرار لاحقاً على إمكانية تحقيق الاشتراكية بواسطة الدبابات السوفياتية في أوروبا الشرقية. كان ذلك يعني أنه بطريقة ما يمكن تحقيق الاشتراكية بواسطة مرسوم مفروض من فوق دون مشاركة الغالبية الواسعة من المجتمع في تحقيق تحررهم.

اعتمدت هذه الأسس لصبغ أحداث حصلت في بلدان مثل كوبا والصين بالاشتراكية، حيث لم يكن للطبقة العاملة أي دور يذكر في تحقيق ما يسمى بالاشتراكية أو الشيوعية. فماو قاد عملياً جيشاً من الفلاحين للسيطرة على الصين. أما في كوبا، فتمكن كاسترو إلى جانب حفنة من مثقفي الطبقة الوسطى من الإطاحة بحكومة باتيستا الفاسدة.

هذا الكلام لا يعني نفي التحسينات التي حصلت في ظروف العمال والفلاحين التي طبقت في بعض الحالات. رغم ذلك، يمكن المحاججة بالمثل أن التحسينات التي حصلت في ظروف العمال في البلدان الرأسمالية الغربية قد حصلت في نفس الفترة (التغطية الصحية الشاملة، الحصول على التعليم والصحة…)، على الرغم من الحماس لها ونضال الكثيرين من أجلها نضالاً قاعدياً، لم يؤشر ذلك إلى أن هذه البلدان قد أصبحت اشتراكية عبر هذا المسار.

كما أن ذلك لا ينفي أحياناً دعم الجماهير لهذه الأنظمة، لا سيما في حالة كوبا، التي تعرضت لهجوم وحصار الولايات المتحدة، منذ الإطاحة بالنظام المدعوم من الولايات المتحدة عام 1959.

مع ذلك، صحيح أن الغالبية العظمى من الكوبيين يدعمون حكومتهم ضد الامبريالية الأميركية، فضلاً عن تقديمهم تضحيات هائلة للقيام بذلك، إلا أن الاحتجاجات الأخيرة داخل كوبا ضد حكومتهم تظهر مدى الضغط الذي يمارس على الطبقة العاملة والفقراء في كوبا.

باتت حياتهم أكثر صعوبة وفقراً من حياة الطبقات الوسطى والعليا ضمن بيروقراطيي الدولة الذين بإمكانهم الوصول إلى الدولارات الأميركية لشراء السلع والخدمات التي يحتاجون إليها. وقد ازداد الوضع سوءاً، بسبب الأزمات الاقتصادية العامة التي تؤثر على الطبقة العاملة عالمياً وبسبب خنق الامبريالية الأميركية للاقتصاد الكوبي.

أوضح كريس هارمان، الذي كتب كثيراً عن انهيار أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي خلال 1989-1991، عام 2008 أهمية نظرية رأسمالية الدولة في شرح الأزمة العامة للمجتمعات الرأسمالية، من بينها الرأسمالية الغربية:

“سيسأل بعض الناس، هل ما يحصل اليوم له دلالة؟ صحيح من ناحيتين. الأولى، لم تطبق رأسمالية الدولة كنظرية ببساطة على دول أوروبا الشرقية. كما له دلالة في الغرب، ذلك لأن ثلث الاقتصاد الغربي على الأقل بيد الدولة. في حين يعتقد بعض الماركسيين المميزين كدايفيد هارفي أن هذا القطاع العام هو بطريقة ما خارج الرأسمالية، إلا أننا نراه جزءاً أساسياً من النظام”.

مع تزايد المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، حرب بين امبرياليتين من أجل الهيمنة، يجب أن يكون واضحاً أكثر من أي وقت مضى أن الصين لا علاقة لها بالاشتراكية، إذا كنا نعني بالاشتراكية سيطرة الطبقة العاملة، أكثر من الولايات المتحدة نفسها.

الرأسماليون الصينيون هم من بين الأغنى والأقوى في العالم. يرتبطون بالحزب الشيوعي الصيني من خلال عدة صلات مرئية ومخفية. ومن الواضح أن الصين هي أكبر منافس للولايات المتحدة. لذلك قال الرئيس جو بايدن إن الولايات المتحدة يجب أن تتغلب على “أتوقراطية” القرن 21 لـ شي جين بينغ.

ما نعرّفه بالاشتراكية مهم. إذا كانت الصين خلال عهد شي جين بينغ اشتراكية فإن الاشتراكية هي حكم الطبقة الحاكمة الشيوعية التي تضطهد العمال والفلاحين، وتخلق الظروف التي تدفع العمال إلى الانتحار بدلاً من الاستمرار في العمل في ظل ظروف عمل غير إنسانية في مصانع الصين الكبيرة.

من دون شك أن كوبا هي في وضع مختلف مقارنة بالصين. فهي دولة صغيرة تعرضت للعدوانات المستمرة التي تشنها الامبريالية الأميركية. مع ذلك، لا يمكن تفسير التناقضات في الثروة ومستويات العيش بين نخبة الحزب الشيوعي الكوبي وجماهير العمال والفقراء فيها، أو الاضطهاد الشديد للمثليين داخل مجتمع يدعي الاشتراكية، من خلال القول إن هذه التناقضات ليست موجودة.

كبقية رأسماليات الدولة، يعيش المجتمع الكوبي حالة من الاضطهاد وقمع المعارضة.

ولطالما أحبطت النضالات العمالية، ونفذت الإصلاحات الزراعية، دون أي دور للفلاحين أو للعمال في المزارع.

وباتت النقابات تحت سيطرة الدولة.

ما زعم على أنه عناصر للديمقراطية القاعدية أصبح أسلوباً لنقل الأوامر من فوق لتحت.

يقف الاشتراكيون دوماً مع كوبا ضد الامبريالية الأميركية. لكننا أيضاً نؤيد بشكل واضح النضال العمالي من أجل حقهم بالاحتجاج والتنظيم، والحق بالنضال من أجل اشتراكية حقّة ضد الحكومة.

إحدى النتائج الحقيقية للغاية لعدم فهم طبيعة مجتمعات رأسماليات الدولة وتصويرها على أنها اشتراكية إلى هذا الحد أو ذاك، بكل بساطة بسبب تصريحات قياداتها، هي خيبة الأمل التي تحصل عند اكتشاف الطبيعة الحقيقية لتلك المجتمعات- سواء في الاتحاد السوفياتي أو أوروبا الشرقية، في الصين أو حتى كوبا.

يمكن أن تؤدي فكرة أن “الاشتراكية” المطبقة حالياً سيئة أو حتى أسوأ من الرأسمالية الغربية، هذا الدرس استخلصه بعض اليساريين، مثل جورج أورويل، من الطبيعة المتوحشة للاتحاد السوفياتي تحت حكم ستالين.

هذا التعريف للاشتراكية مع سيطرة الدولة يتناسى السؤال الأساسي- من يدير “الدولة العمالية”؟ بالنسبة إلى ماركس تمثل الاشتراكية الديمقراطية الحقيقية، وليس ديمقراطية البرلمانيات الزائفة، حيث ننتخب ممثلينا كل 3 أو 4 سنوات. لأن هؤلاء المنتخبين في نهاية الأمر سيخضعون لسيطرة الحكام الفعليين، والشركات والمؤسسات التي تتحكم بالاقتصاديات الرأسمالية أو رأسماليات الدولة.

السيطرة العمالية، كما تصورها ماركس، ستكون ديمقراطية حقاً لأول مرة- لأن الغالبية العظمى من المجتمع ستتخذ قرارات حول ما يجب إنتاجه، وكيفية إنتاجه ولمن. لكن هذه الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال التحرر الذاتي لهذه الطبقة نفسها. عبر عملية التحرر الذاتي، يتخلص العمال من كل الأفكار الرجعية- التحيز الجنسي والعنصرية ورهاب المثلية- التي تفرقنا عن بعضنا البعض وتساعد على إبقاء الحكام في السلطة.

لذلك، الثورة العمالية الأولى في روسيا لم تكن معنية فقط بالديمقراطية الاقتصادية (السوفيتات، أو مجالس العمال والجنود التي بدأت باتخاذ القرارات داخل المجتمع) إنما كذلك بتحرير الجماعات المضطهدة في روسيا: النساء اليهود والمسلمون وغيرهم من الأقليات القومية والمثليات والمثليين.

شهدت الثورة في روسيا بعض أكثر التشريعات تقدماً في العالم في تلك الأيام، من ضمنه ما يسمى بالدول الرأسمالية المتقدمة في الغرب: أنشأ النظام الجديد مراكز لرعاية الأطفال، والمغاسل، وسوى ذلك، وشرّع الإجهاض والمثلية. حصل كل ذلك لأن البلاشفة فهموا أن إنشاء الديمقراطية العمالية يتطلب مشاركة كل الطبقة بهدف التخلص من قيود الاستغلال والاضطهاد.

ما زال الاشتراكيون الأمميون في كندا يعتمدون على التقليد الذي أسسه طوني كليف وغيره. لا تزال نظرية رأسمالية الدولة وفهم التحرر الذاتي للعمال في صلب أسس الاشتراكية أمراً فائق الأهمية للسياسة اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاجات جامعة إيموري.. كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة الأم


.. كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في افتتاح المهرجان التضا




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيمرسون بأ


.. شبكات | بالفيديو.. هروب بن غفير من المتظاهرين الإسرائيليين ب




.. Triangle of Love - To Your Left: Palestine | مثلث الحب: حكام