الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خمسون عاما علي غراسة أراضي القيروان.. الجفنة جنة الله علي الأرض.

علاء الدين حميدي
كاتب صحفي.

(Hmidi Alaeddine)

2021 / 12 / 19
الصناعة والزراعة


لكل قرية تاريخ، فتعالوا بنا نبدأ حكاية "أراضي جفنة القيروان من تونس" كانت تسمى الجفنة في كتب التاريخ - وهي كلمة عربية ومعناها الكريم المضياف وهي موضع قريبٍ من قلب مدينة القيروان ويشقها أحد الأودية الكبيرة بالبلاد. والجفنة قرية أشاد زوارها من فلاحين وخبراء فلاحيين بكرم أهلها وحسن استقبالهم لضيوفهم.
وتاريخيا، شهدت الحرب بين المعز بن باديس صاحب إفْريقيَّة وزناتة بإفْريقيَّة في بداية الألفية الثانية بعد الميلاد، ومما جاء في المجلد الثامن من كتاب "الكامل في التاريخ" لِابن الأثير بما نصه:
"اجتَمَعت زناتة بإفريقيَّة، وزحَفَت في خيلِها ورَجِلِها يريدونَ مدينة المنصورة، فلَقِيَتهم جيوشُ المعز بن باديس، صاحِبِ إفْريقيَّة، بموضعٍ يقال له الجفنة قريبٍ من القيروان، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وانهزمت عساكرُ المعِزِّ، ففارقت المعركةَ، وهم على حامية، ثم عاودوا القتالَ، وحَرَّض بعضُهم بعضًا فصَبَرت صنهاجة، وانهزمت زناتة هزيمةً قبيحة، وقُتِلَ منهم عددٌ كثير، وأُسِرَ خَلقٌ عظيمٌ، وتُعرَف هذه الوقعةُ بوقعة الجفنة، وهي مشهورةٌ لعِظَمِها عندهم."
وكانت أراضي الجفنة الواسعة المملوكة للعديد من القبائل شبيهة بالأرض الواحدة، حدود أراضيهم متداخلة وتجمعهم وحدة اللغة واللكنة، وترجع أصول القبائل في هذه القرية إلى قبيلة الجلاص أو "الزّلاص" وهم تجمع قبلي عريق من أصول امازيغية وهم السكان الاصليين لشمال إفريقيا، ولنا في كاتب هذه الكلمات خير مثال، اِذ تنحدر عائلته من قبيلة الجلاص فرع أولاد خليفة.
وكأنها من عُمر استقلال الدولة عن الانتداب الفرنسي، سُميت بالأراضي المسقية بالدماء، وكانت تُزرع قمحا وشعيرا، الي حين فيضانات سنة 1969، فصارت تُغرس تينا وزيتونا، ليزورها الناس أفواجا، وبدأ يظهر على هذه الأرض اللون الأخضر الخصب، وتعلو الأشجار في فضائها.
ولم يكن سابقا في معظم هذه الأراضي من الأشجار إلا الاثل وتُسمي هناك بشجرة "الطرفة"، وسكانها ممن غامروا بالغراسة هناك في أوائل السبعينات، فمنهم من منَّ الله عليه بنجاح غراسته، ومنهم من لم تنجح غراسته للأشجار فضلّت أرضا بيضاء لا تُغرس فعمل على إيجاد البدائل. وهكذا دخل في هذه الأراضي أنواع شتى مثل التين والزيتون، والمشمش، والبرتقال، وأنواع أُخري لا دراية لي بها ولا أحفظ اسمها لتتسع رقعة الأراضي المغروسة يوما بعد يوم.
قد رأيت أن انتمائي لتلك القرية نعمة، وأراني محملا بعبء إيصال الأصوات النائية، التي أعايشها وأُحدثها ليلا نهارا عند زيارتي لهم، والتي رغم قسوة الطبيعة وقلة الموارد المالية وصعوبة الحياة، فإنها تنعم بالهدوء والرفاه، الذي أراه وأشاهده في كل زياراتي الي قريتي النائية. سأروي لكم تباعا حكاية جفنة القيروان في تونس التي غدت جنة على الأرض من بعد أن كانت أرضا مسقية بالدماء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا تحظى هؤلاء السياسيات الثلاث بشعبية كبيرة في أوروبا؟ |


.. سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان على مستوطنة كريات شمونة




.. انطلاق أولى مناظرات الانتخابات الرئاسية المبكرة لاختيار خليف


.. دمار هائل خلفه فيضان ضرب مدناً في الجنوب الصيني




.. اشتعال السيارات صيفا لأسباب لا تخطر على بالك.. إليك أبرزها