الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدار دارنا المقدس

علاء عبد الواحد الحسيني

2021 / 12 / 21
الادب والفن


جدار دارنا المقدس .
قصة واقعية .

منذ سنوات مضت  قررت ان اقوم بطلاء جدار بيتنا العتيق او كما يقال بيت العائلة نزولاً عند رغبات والدتي الملحة لكون الجدار قد تعرض مسبقا إلى تصبغات من جراء وضع الناس الحناء عليه وهي نتيجة لعرف سائد في مجتمعنا بحيث أن الناس البسطاء ينتخون بالسيد أو الأولياء في حاجة ما لاعطائهم مرادهم  فخصصت في حينها  مبلغ من المال وحددت يوماً لغرض البدأ بالعمل وفعلاً جاء ذلك اليوم الموعود  وبادرت بشراء الاصباغ وباشرتُ بالعمل ،وبعد يوم طويل وشاق ومتعب اتممتُ العمل وبدا الجدار العتيق بعد الطلاء  وقد لبس حلة جديدة اسعفت واجهته المتعبة  وامدت بعمره .
انتهيت تماماً من عملي وذهبت الى والدتي وجلست معها في غرفتها مع اثاثها القديم و التي كانت بدورها ممتنة جداً من لون الاصباغ فأخذنا  الحديث طويلاً وذهبنا بذاكرتنا بعيداً الى اليوم الذي تعاونا فيه كعائلة من اجل بناء هذا الدار العتيق الذي عانا والدنا الأمرين لغرض بناء منزل يحتوينا كانت ولا زالت أمي   تعشق  تفاصيله الدقيقة واثاثه العتيق ولوحاته الجدارية التي بان التراب  فيها من خلف الزجاج   .
ذهبت بعدها الى فراشي  واثار التعب  قد اهلكت مفاصل جسدي المتعب  نمت بعمق .
استيقظت من نومي في صباح اليوم التالي ووجدتُ والدتي وكعادتها وقد قامت بتحضير وجبة الافطار كأنما لديها واجب لطالما دأبت وبكل حرص ونشاط ان تؤديه على اتم وجه .ورغم اني متزوج لكن تعودت أن اخذ فطوري من يدها واتكلم معها واشاورها وتشاورني كانت تجد عزائها بي بعد  أن فقدت والدي واخوتي الذين وافاهم الاجل مبكراً .
اكملت فطوري وودعت والدتي وخرجت الى العمل والفضول ينتابني والابتسامة تملأ ثغري  لكي ارى  جداري المطلي حديثاً وانا افتح الباب وإذا بامرأة طاعنة بالسن نوعاً ما كأن  الزمن قد جار عليها بقساوة ووضع اثاره على وجهها كانت الشقوق التي تعتلي جبينها ووجنتيها قد نحتت قصة كفاح من اجل البقاء. ورغم كل تفاصيها المتعبة بدت عيناها ضاحكة مستبشرة مبتهجة ومرسوم على ثغرها ابتسامة لطيفة دافئة و هي تقف أمام جدار المنزل وكانت تحمل في يدها اناء من البلاستك مملوء بالحناء فكانت  تأخذ بيدها المتعبة شيء من الحناء وتلطخ به جدار المنزل أبدعت برسم لوحة تراجيدية سومرية وهي تتفنن  بتلطيخ جدار منزلنا  كانت لوحة بلون واحد على جدار المنزل .
  لا استطيع وصف حالتي حينها  فبقيت في حالة من الصمت والذهول من هول الكارثة وقد سرقت مني فرحتي التي لم تدم طويلاً وجهدي قد ذهب ادراج الرياح ورغم اني وقفت أمامها بكل احترام لم تلتفت لي  ولم تعرني اي أهمية ولم تهتم لوجودي لأنها كانت مشغولة جداً بلوحتاها وكأن الحائط لا يعنيني والمنزل ليس بمنزلي حتى فرغت تماماً من عملها فإذا بهآ ترفع رأسها ووجهت  كلامها لي وقالت: (رحم الله السيد الوالد برحمته الواسعة نخيته واعطاني مرادي ها وقد حبلت زوجة ابني وقد وفيت بنذري وحنيت دار السيد   بالحناء الحمراء) !!.
تمالكت نفسي وسلمت على المرأة العجوز بكل احترام ووقار وقلت لها : سلمتي يا اماه ورحم الله امواتكم والحمد لله الذي استجاب لدعائك وقد من الله على عائلتكم بزائر جديد لعل الله يكتبه من أبناء السلامة .
سمعت كلماتي وسرت كثيراً وكأن لسان حالها يقول لي يا ولدي هذا الحائط لا يعنيك ولا يعني عائلتك فهو ملك لنا نحن الفقراء لله فلا تنذهل من فعلتي بجداركم .
فقلت في نفسي أن عقائد الناس المعتقة مقدسة مبجلة فلا يمكن أن تخترق بسهولة .رغم أن الله يقول في كتابه الحكيم (ادعوني استجب لكم )

ذهبت العجوز ورجعت لامي والدهشة والذهول قد غطت  ملامح وجهي الذي كان قبل قليل مفعم بالزهو والفخر والفرح استغربت والدتي من حالتي وقالت لي : ماذا دهاك ياولدي قبل قليل كان حالك افضل حال أراك قد تغير لونك والذهول قد امتلكك خير ان شاء الله .
فقلت يا اماه : لقد رأيت أمام جدار المنزل امرأة عجوز وهي تلطخ جدار الدار  بالحناء .فابتسمت أمي هي الأخرى وقالت : الان فهمت سبب ذهولك وذهاب بهجتك..فقلت يا أمي قد ذهب تعبي (هواء في شبك ) ووجدت نفسي مذهولا أمامها ولم استطع ان احاورها فلا يوجد بيني وبينها قاعدة انطلق منها في الحوار غير عرف سائد تفهمه هي فكيف لي أن اقنعها بأن ما  فعلته يعتبر تعدياً سافراً على املاك الغير .
سكتت أمي قليلاً ثم قالت لي ياولدي قد اعتادت الناس على وضع الحناء على باب وجدار دارنا وعلى قبور الأولياء والصالحين منذ زمن بعيد فهذه  هي عقائدهم واعرافهم التي اعتبروها جزاءاً من دينهم وهم يمارسونها عن قناعة وثقة فلا تستطيع انت او غيرك أن تغيرها او تصححها او أن تنتقدها بسهولة  والا وجدت نفسك منبوذاً غريباً بينهم فالناس بطبعهم يخافون من الأفكار الجديدة ونقد الاعراف و تصحيحها وإياك يا ولدي أن تناقش جاهل او متعصب فتخسر أمامه او تناقش غافل استحب غفلته فاغلب الناس يا بني يأخذون دينهم  ميت عن ميت والحي فيهم مستكين غافل استحب غفلته او احب استغلال اعرافهم لمصالحة .

الحقيقة لم تحاورني امي بل كانت نفسي تحاور نفسي فأمي على بساطتها أحبت الناس واحترمت عقيدتهم .
وبعد شهرين أو أكثر أصبح جدار منزلنا ملطخ بالحناء بالكامل مرة أخرى فتركت جدارنا للاعاراف والمعتقدات لتفعل به ما تشاء ولم أحول بعدها أن اطليه مرة أخرى .

علاء الحسيني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟