الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 32

علي دريوسي

2021 / 12 / 21
الادب والفن


في منتصف شهر تشرين الثاني (نوفمبر)، أي بعد عدة أيام على لقائنا في مدينة كاسل، وجدتها تنتظرني أمام باب المعهد حيث أعمل ولفت انتباهي أن حقيبة ظهرها منتفخة بالملابس. قالت بأنها ترغب في محادثتي لمدة ساعة فقط. دعوتها إلى بيتي. وافقت على المجيء. لم نصعد بالباص كي لا يرانا أحد أخوتها أو معارفهم. ذهبنا عبر الحقول الزراعية مشياً على الأقدام. أمام الباب خلعت جزمتها ودخلت كأنها تعرف شقتي الصغيرة منذ زمن. نظرت إلى أبعاد الغرفة وأثاثها ومشت إلى قرب طاولة التلفزيون ثم جلست على الأرض تحت النافذة وأسندت ظهرها المتعب إلى المشع الحراري. سمعتها تقول: "أشعر بالانتماء إلى هذه الغرفة، أشعر أنني قد جلست في هذا المكان تحديداً عشرات المرات."
بدلاً من الساعة مكثت رهان في بيتي تسعة أيام. أقفلت هاتفها وبحثت في خزانتي عن ملابس قد تناسبها وعن منشفة استحمام. عرضت عليها دون استحياء ملابس داخلية ذكورية فأجابتني "أنت مثل أخي ولن أستحي منك، لدي في حقيبتي ما يكفي وإن لزمني زيادة سأستعمل مما لديك."
كنت أرجع من عملي لأجد رهان جالسة على السرير ضامة ركبتيها وغارقة بالاستماع إلى الأغاني الإسلامية الحزينة عن طريق الإنترنت أو إلى تلك التلاوات القرآنية الخاشعة. حينها تبادرني بالسلام "السلام عليكم أحمد، كيف كان يومك؟". ثم تضيف: "طبخت لك أرز ببازلاء ما زال ساخناً مع سلطة خيار وبندورة." وأثناء الطعام آكل لوحدي بينما تحملق رهان بي كأنها واعظة ثم أسمعها تقول دون أن أنظر إلى وجهها الذي بت أكرهه: "أنصحك أن تعود إلى الإسلام، عليك بالصلاة والصوم، ابتعد عن الخمر يا سيدي." ثم تتابع: "عليك ألا تأكل لحم الخنزير إذا كنت تحبني، عدني بذلك أرجوك."
رغم صفاقتها وسماجتها سعيت لتعريفها بعالم آخر. أخذتها إلى المسرح والسينما والمطعم والحانة وجعلتها ترافقني في العديد من جولات المشي في حديقة المدينة الكبيرة. حتى أني وعدتها ألا أقرب لحم الخنزير.
وحين كنا نعود إلى البيت مشياً بعد حضور فلم سينمائي تخللته لقطة عاطفية كانت تعتبرها نقطة ضعف الفلم وتلعن المخرج لغلطته، ثم أسمعها تلقنني درس البكارة: "غشاء بكارتي لا يقدر بثمن يا أحمد!". حينها أفطن إلى تخليها عن قداسة الجسد. أحاول مخاصرتها وتسكت. وفي البيت وجدتها تقبل بكل سرور الاتصال الجسدي السطحي المختلط بالحنان. لم ألومها أبداً، لأنني افترضت أن شيئاً ما سيتغير في جو اتصال آمن وطبيعي في إطار عائلة مباركة. ولم أدر كنه السبب الذي راح يدفعني ساعة بعد ساعة للمضي في هذا الطريق المحفوف بالرعب واللاطمأنينة. لكنني ضبطت نفسي مرات وأنا أتمتم: "قدّر الله وما شاء فعل."

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟