الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميري كريسماس بالمصري... أيها العالم!

فاطمة ناعوت

2021 / 12 / 22
حقوق الانسان


قبل بداية كل عامٍ، تصرخُ بعضُ الأصوات المتوتّرة المُوتِّرة وتنادي بتحريم قول "ميري كريسماس" لأشقائنا المسيحيين! قَلَّ الصراخُ هذا العام والحمد لله بسبب الخطواتِ الجسور التي رسّخَها الرئيسُ عبد الفتاح السيسي على درب التنوير ومكافحة الفكر المتطرّف، لكن فحيحَها مازال يؤلمُ الآذانَ ويوجعُ القلوب. والحكايةُ أبعدُ من الإغاظات الطائفية التي ترمي ظلالَ السُّخفِ على الأشياء، وأعمقُ من المجاملات الانسانية التي تجعل الحياةَ ألطفَ وأيسر. إنها حكايةُ وطن يريدُ أن ينهضَ. ولا تنهضُ أوطانٌ منقسمةٌ مشتتة بالعنصريات والتشرذم. لا ينهضُ شعبٌ غير متَّحدٍ على هدف؛ هو: النهوض والتحضّر. ولأن الرئيس السيسي يكتبُ رسائله "بالأفعال لا بالأقوال"، فقد بدأ رسالتَه التنويرية بتدشين أكبر كاتدرائية في مصر والشرق الأوسط، في مثل هذه الأيام قبل أعوام، ومنحها اسم "ميلاد المسيح". وهذا الصرحُ ليس وحسب بنايةً هائلة من خرسانةٍ وأحجار وزجاج وأخشابٍ يتيهُ به المعماريون خُيلاءً، وتفخرُ بتصميمه "الهيئةُ الهندسية بالقوات المسلحة المصرية"، كما يفخرُ بوجودها على أرض مصرَ كلُّ مصريٌّ شريف؛ بل هو رسالةٌ حضاريّةٌ تحضُّريّة، أخلاقيةٌ وإنسانية، من مصر إلى العالم تقول بلسانٍ مصري حاسم: "إن مصرَ بلدٌ تعدديٌّ لا يقبلُ القسمةَ ولا الإقصاء، ولا محلَّ بأرضها لمتطرفٍ ولا إرهابي ولا حاقد.” هذا الصرحُ صفعةٌ على وجه الإرهاب والتطرف، تسحقُ أعداءَ مصرَ من عصابة الشرّ، داخلها وخارجها. كلُّ سنتيمتر من العشرة آلاف متر مربع في كاتدرائية "ميلاد المسيح" بالعاصمة الجديدة، يحملُ فكرةً، ويحملُ عهدًا ناصعَ الوضوح عظيمَ البيان. هذا الصرحُ العظيم ليس ترضيةً لأقباط مصر الرائعين الذين دفعوا الفاتورةَ الأكبر من أجل استقرار مصر ونجاح ثورة 30 يونيو 2013. هذا الصرحُ ليس مواساةً لأقباط مصر الوطنيين الذين جادوا بدماء شهدائهم على مذابح الإرهاب الأشِر، برضا وصبر مُدهشٍ، فأثبتوا، كما شأنهم دائمًا، عمقَ وطنيتهم وحبَّهم لمصر. هذا الصرحُ العظيم ليس هديةً لأقباط مصر الحزانى على دماء الشهداء التي سالت في أعيادهم وهم صائمون يُصلّون. بل هديةٌ لكل مصريّ مسلم شريف، حتى يُحاججَ به أعداءَ الحياة خصوم الفرح؛ وكأنني وكلُّ مصريٍّ نقول: “أنا مصريٌّ متحضر، أُشيّد بيدي كنيسةً على أرض مصرَ لأبناءِ مصرَ كما أشيّدُ مسجدي؛ ليرفعوا فيها معنا اسمَ الله العليّ. وكلّما فجّرتم كنيسةً، سأشيّدُ بيدي أخرى أكبرَ وأجمل. اذهبوا بعيدًا عن أرضنا، فنحن أبناءُ أرضٍ لا تعرفُ الإقصاءَ ولا البغضاء. أرضُنا أرصُ السلام، لا ترحبُ بأعداء السلام.”
ومصرُ، من بين كلِّ أرض الله، حريٌّ بها أن تبادرَ كلَّ شعوب العالم بتلك التهنئة الطيبة. فكلمة "كريسماس"، كلمةٌ نصفُ فرعونية. "ماس" mas تعني: "ميلاد"، باللغة المصرية القديمة. وكلمة "كريست" Christ بالإنجليزية تعني السيد المسيح. فيقول العالمُ Christ-mas "ميلاد المسيح"، بلغتنا المصرية الأمّ. إنها أرضُ مصر الطيبة التي استقبلت هذا الطفل الجليل، وأمَّه البتول، والشيخ يوسف النجار، حين فرّوا من الملك "هيرودس"، قاتل الأطفال في فلسطين. هو الطفل المقدّس الذي سوف يكبر ليغدو رسولَ السلام للإنسانية كافة، "يجولُ يصنعُ خيرًا"، بعدما طوّبه اللُه بالسلام عليه في القرآن الكريم: "يومَ وُلِد ويومَ يموتُ ويومَ يُبعثُ حيّا- وجيهًا في الدنيا والآخرة ومن المقرّبين". فكانت أرضُنا الطيبةُ لتلك العائلة المقدسة "ربوةً ذات قرارٍ ومَعين"، جالت فيها سيدةُ الفضيلة، فتنفجرت تحت قدميها عيونُ الماء، وشقشقت في كلّ بقعة وطئتها زهورُ البيلسان، فامتلأت أرضُ مصرَ بالبركة والنور والخصب الذي لا يبور، وإن بارت الأرضُ كافّة. طافتِ العذراءُ مريمُ وابنُها عليهما السلامُ من شرقِ مصرَ إلى غربها إلى جنوبها. وطوالَ تلك الرحلة كانت أرضُنا تذوبُ حبًّا ورحمةً لتلك الفتاة التي اصطفاها الله من بين العالمين لتحملَ في أحشائها من دون رجل هذا الرسولَ المطّوبَ، ليكون وأمّه آيةً للعالمين. تتفجرُ عيون الماء في الصحراء القاحلة بمجرد أن تمسَّ قدمُها رمالَ القحط. وتنبتُ الزهورُ من بين طيّات الصخور. ويتساقطُ الرَّطبُ من النخيل فوق كتفيها ريّانًا شهيًّا. لهذا باركَ الكتابُ المقدس أرضَنا الكريمة وشعبنا الطيبَ الذي أحسن استقبال الطيبين، فقال: “مباركٌ شعبي مصر".
هل يجوزُ بعد كل هذا التاريخ الذي سطرته مصرُ أن يكون لبلد آخر عُروةٌ وثقى ورباطٌ أزليٌّ أبديٌّ يربطُ الأقباطَ بأرضهم مصر، التي سمّاها أجدادُنا الفراعنة "ها كا بتاح"، أي: "منزل الروح"، ومنها اشتُقت كلمةُ "قَبَط"، التي تحوّرت إلى "إيجبت" Egypt، وبهذا فإن (أقباط) تعني(المصريين)؟!
واليومَ، تقولُ مصرُ لأقباطها، مسيحيين ومسلمين: وللعالم بأسره: “ميري كريسماس"، وإنّ شعبي في رباطٍ إلى يوم الدين. “الدينُ لله، والوطنُ لأبناء الوطن".
***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس...منظمة مناهضة التعذيب تحذر من تدهور الوضع الصحي داخل ا


.. الأونروا مصممة على البقاء..والوضع أصبح كارثي بعد غلق معبر رف




.. كلمة أخيرة - الأونروا: رفح أصبحت مخيمات.. والفلسطينيين نزحوا


.. العضوية الكاملة.. آمال فلسطين معقودة على جمعية الأمم المتحدة




.. هيئة التدريس بمخيم جباليا تنظم فعالية للمطالبة بعودة التعليم