الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو مشروع ثقافي للقاهرة كعاصمة للثقافة الإسلامية

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2021 / 12 / 23
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


مع اختيار منظمة " الإيسيسكو" (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) لمدينة القاهرة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2022م، وذلك تعويضا عن تعذر تفعيل اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية في عام 2020م الذي حمل الصدمة الأولى للعالم مع ظهر وباء الكورونا، يجب علينا الإشارة لأهمية الفصل بين مستويين من العمل الثقافي المطلوب في هذا السياق، المستوى الأول وهو العمل على المستوى التقليدي والنمطي والمعتاد فيما هو تراثي واحتفالي يقوم على الفعاليات الجماهيرية والترويجية المختلفة والمتعددة.
والمستوى الثاني هو العمل على مستوى السياسات الثقافية الكلية ومستقبل الاختيارات الثقافية المعبرة عن الدول الإسلامية و"مستودع هويتها"، في مواجهة لحظة تاريخية شديدة التدافع والتداخل والارتباك يعيد العالم فيها تشكيل نفسه، وتطرح في هذه اللحظة كل الحواضن الثقافية نفسها وتستحضر همتها وكل عتادها، لأن من سيتخلف عن الحضور وطرح نفسه سيجد نفسه في العربة الأخيرة من القطار الدولي، ولمدة قرن كامل الزمن على الأقل، وسيدفع الثمن غاليا من عزيز ما يملك.

السياسات الثقافية للدول الإسلامية
وتدافعها مع السياسات الثقافية الدولية وتمثلاتها
وأهمية هذه المستوى الثاني يكمن فيما يتعلق به من أفكار وتصورات ثقافية كلية مطروحة للنقاش، في خضم عالم جديد يتشكل ونحن في بدايات العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وحضور أطروحات الشرق الجديد مع مشروع "الأوراسية" الروسية التي تجاوزت المشروع الشيوعي القديم، وتسعى للتمدد الجغرافي تحديدا في المنطقة العربية والقرن الأفريقي، وحضور الصين بمشروع طريق الحرير الجديد والصعود التكنولوجي والحضاري المتصاعد والتمدد في أفريقيا وأسيا، في تحالف يتشكل بينها وبين روسيا.
وفي الوقت نفسه تفجر "المسألة الأوربية" من الداخل وانفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوربي فيما عرف بـ"البريكست"، والذي تواكب مع صعود ترامب ومشروع صفقة القرن والاتفاقيات الإبراهيمية، والانتصار المتطرف للعنصرية الصهيونية ضد الحضور العربي الناعم والخشن، وضد مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة وفق المبادرة العربية المطروحة عام 2002م، ثم نجاح بايدن في الانتخابات الأمريكية وتأكيده على التناقضات نفسها على غير ما هو متوقع، وتوقيعه اتفاقية "أكوس" لتزيد جراح المسألة الأوربية وتناقضاتها بتحالف أمريكا وبريطانيا واستراليا من جهة بعيدا عن أوربا، وفي الوقت نفسه محاولة تحدي الصين وحصارها لأن الاتفاقية البحرية موجهة بشكل أساسي ضد الصين.

المستوى الثقافي الأول
الفعاليات والترويج لما هو عام
وقد يكون البديهي والمسلم به أن تجتهد المؤسسات المصرية العاملة في الثقافة قدر وسعها في الحركة على المستوى الأول، والاهتمام بما هو تراثي وفعالياته خاصة إمكانية تنسيق الجهود الثقافية المشتركة، على مستوى التمثيل الدولي وسياساته البروتوكولية في نطاق المنظمات: الإسلامية "الإيسيسيكو"، والعربية "الألكسو"، والأممية "اليونسكو" في العموم، وفي الخصوص فيما يتعلق بالاتفاقيات الأممية ذات الصلة والأهمية مثل صون التراث الثقافي غير المادي (2003م)، واتفاقية التنوع الثقافي (2005م)، واتفاقية التراث الثقافي والطبيعي (1972م).
والتقاطعات الثقافية واتفاقياتها ذات الصلة مثل النطاق الثقافي لدول حوض المتوسط واتفاقيات الشراكة مع "الاتحاد الأوربي"، أو "طريق الحرير" الجديد والمشاريع والبروتوكولات الثقافية ذات الصلة المرتبطة بهما، والتي تتضمن العديد من البلدان الإسلامية.
وفي هذا السياق يمكن لمصر أن تطرح العديد من الآليات لعقد المشاورات المستمرة بين النطاقات الثقافية الثلاثة: الألكسو- الإيسسيكو- اليونسكو، ومسارات دول حوض المتوسط وطريق الحرير الجديد.
ومن جهة أخرى يمكن أن تقيم القاهرة عدة فعاليات دولية للنطاق الإسلامي في "المشترك الثقافي" التاريخي والمستقبلي والآني (المستدام) على مستوى العمارة والفنون الإسلامية المشتركة، ومستوى العادات والتقاليد المرتبطة بالطقوس الدينية كصوم شهر رمضان أو القيام برحلة الحج بين الماضي والحاضر، وما يتعلق بها من احتفالات وأغنيات ومأكولات.
كذلك إمكانية القيام بأعمال ثقافية مشتركة تعتمد على فنون الأداء فيما يتعلق بالأحداث والفعاليات الإسلامية التاريخية التي تركت أثرا رفيعا في الترث الإنساني عموما، في مجالات الطب والفلسفة والفلك والفنون والآداب.
أو النماذج الحضارية التي أنارت العالم في الأندلس مثلا، والتجاور والتنوع في "مستودع الهوية" الإسلامي ومكوناته الثقافية، خاصة فيما يتعلق بالأعمال السينمائية والأوبريتات الغنائية والتابلوهات الاستعراضية المشتركة التي تجمع الأبطال والمشاركين من مختلف الدول الإسلامية.

مستوى السياسات الثقافية
وتحديات النخب في إنتاج خطاب جديد
أما على المستوى الثاني والسياسات الثقافية والتحديات والتدافعات المحدقة بالدول الإسلامية وثقافاتها، يمكن للقاهرة أن تسعى لطرح مجموعة من القضايا المهمة على طاولة النخب الثقافية للدول الإسلامية، تركز في معظمها على فكرة كيفية الخروج بخطاب ثقافي جديد، يحافظ على مصالح الدول الإسلامية ثقافيا، وفي الوقت نفسه يراعي حالة الضعف والتراجع الحضاري التي عليها معظم الدول الإسلامية الآن.
فسوف يكون على مثل هذه الخطاب أن يبحث في سبل الوصول لأرضيات ثقافية مشتركة بين الدول الإسلامية في قضايا بعينها، دون الاحتكاك بالتناقضات السياسية التي تفجرت في العديد من مستودعات الحاضنة الثقافية الإسلامية، خاصة التناقضات التي تفجرت بين الأبنية الفرعية المكونة للحاضنة الإسلامية: فيما بين الحاضنة العربية والحاضنة التركية (السنية/ السنية)، والحاضنة العربية والحاضنة الفارسية (السنية/ الشيعية)، والحاضنة العربية الأفريقة (الشمال/ الجنوب- الفاتح/ الغامق)، والحاضنة العربية وحاضنة دول آسيا الإسلامية (التغلب على فواصل الجغرافيا).
وفي الوقت نفسه سوف يكون على النخب الثقافية التي تضطلع بمثل هذه السياسات الثقافية وقضاياها أن تنتقل من القضايا البينية (التحديات والمعوقات الثقافية بين حواضن الدول الإسلامية) إلى القضايا الخارجية (التحديات والمعوقات الثقافية بين الحاضنة الإسلامية والحواضن الدولية)، خاصة فيما يتعلق بالأزمة الثقافية المستمرة للصورة النمطية للإسلام والمسلمين والمسارات الثقافية الممكن العمل فيها لفلسفة مواجهتها، ونظريات إنتاج المعرفة والثقافة في الغرب وأقسام الدراسات الشرقية والإسلامية، وسبل تجسير المسافات معها لعرض وجهة نظر الثقافات الإسلامية واحترامها.
وكذلك على مستوى التحديات الثقافية التي تتعلق بالأزمات الساخنة في فلسطين والهند والصين، خاصة فيما يتعلق بالخطاب الثقافي المتزن والمتحمل لمسئولياته السياسية وتباعتها الدقيقة، الممكن تقديمه في مواجهة الاتفاقيات الإبراهيمية ومخلفات صفقة القرن، والحقوق الثقافية لمسلمي الهند، والحقوق الثقافية للأقليات المسلمة في الصين.
مع الإشارة لأهمية الوعي بالخطاب الدبلوماسي الثقافي المتزن للعمل والتحرك على المستوى الدولي في تلك القضايا الدولية، بما يحقق هدف طرح وجهة نظر الثقافة الإسلامية فيها، وفي الوقت نفسه الوعي بحالة التراجع الحضاري التي تمر بها العديد من الدول الإسلامية، في خطاب يتحمل المسئولية السياسية بعناية يضيف لرصيد الثقافة الإسلامية وممكناتها، ولا يخصم منه بالمزايدة أو التشدد أو الانفعال، ولا القفز على ممكنات الواقع الآني، إنما يعمل على تطويرها والاستثمار طويل الأجل فيها.

مؤهلات مطلوبة وملحة
للجماعة الثقافية الرافعة
وفي السياق نفسه يمكن لتلك النخب الثقافية المفترضة أن تضطلع بالبحث في مسارات السياسات الثقافية الكبرى تلك، أن تنظر في بعض القضايا الداخلية للدول الإسلامية؛ مثل ضبط تناقضات "مستودع الهوية" الداخلي وسبل التعامل مع السياسات الثقافية الغربية التي أصبحت لها السيادة الناعمة، وفجرت العديد من توازنات "مستودعات هوية" الدول الإسلامية خاصة على مستوى ما عرف بالأقليات والهوامش الإثنية واللغوية والدينية.
وقدرة النخب الثقافية الإسلامية المنوط بها الاضطلاع بذلك على تقديم سياسات ثقافية واضحة وبدائل قابلة للتطبيق والاختبار، في مواجهة السياسات الثقافية الأوربية التي تمددت في ثقافة الدول الإسلامية خاصة على المستوى الأكاديمي العام، والمستوى الدبلوماسي، والمستوى المعرفي والفلسفي، وشبكات العلاقات الداخلية والخارجية.
حقيقة هي مسئوليات جسام أمام المؤسسة الثقافية المصرية وتضعها على المحك، فإما أن تقوم بدورها وتعيد تعريف نفسها وتوصيفها الوظيفي كحاضنة معرفية وفكرية قادرة على إنتاج التصورات والسيناريوهات وبدائلها للمستقبل، أو سيكون هذا الجيل الحاضر بالمؤسسة الثقافية المصرية والقائم عليها دليلا مؤلما على الأزمة.
وسيكون هذا الجيل أيضا نقطة فاصلة تطوى ولابد مسارا قديما، وتؤكد على أهمية ظهور مسار جديد للأمل والحلم يبحث عن تعريف جديد لمؤسسة الثقافة المصرية، كحاضنة ناعمة فاعلة وقادرة القيام بمسئولياتها كرافعة للوطن، واستعادة "المشترك القيمي" الداخلي للمجتمع المصري بعد فترة من الاستقطاب والتدافعات الداخلية.
وفي الوقت نفسه تؤكد على قدرتها على تقديم تصورات وسياسات ثقافية خارجية تعي باللحظة التاريخية الراهنة وتحدياتها الوجودية والمصيرية،و تستطيع أن ترصف الطريق للمستقبل بقوة وجرأة واقتدار.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مظاهرات في لندن تطالب بوقف الحرب الإسرائيلية على غزة


.. كاميرا سكاي نيوز عربية تكشف حجم الدمار في بلدة كفرشوبا جنوب




.. نتنياهو أمام قرار مصيري.. اجتياح رفح أو التطبيع مع السعودية


.. الحوثيون يهددون أميركا: أصبحنا قوة إقليمية!! | #التاسعة




.. روسيا تستشرس وزيلينسكي يستغيث.. الباتريوت مفقودة في واشنطن!!