الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في اليوم العالمي للغة العربية

ماهر الشريف

2021 / 12 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


برزت إشكالية تحديث اللغة العربية منذ عصر الازدهار العلمي العربي الإسلامي بالارتباط مع ظهور الترجمة وتطورها، وذلك في مناخ شاعت فيه الحرية الفكرية وشهد انتصار أنصار المعارف الحديثة، الذين شرعنوا الاقتباس عن الأمم الأخرى، على أنصار المعارف التقليدية، الذين وقفوا في وجه العلوم "الدخيلة". وفي ذلك العصر، انفتح العرب على "الآخر" من دون أي تردد، وهو أمر ساعدهم عليه واقع أن زمام المبادرة التاريخية على الصعيد العالمي كان في طور الانتقال إلى أيديهم. وقد ساهمت حركة الترجمة في تلك الفترة، وخصوصاً النقل عن العلماء والفلاسفة اليونانيين، في تطوير اللسان العربي، كما كانت مقدمة لانتقال العرب إلى الإبداع الذاتي في علوم وفنون شتى.

وفي عصر النهضة العربية الحديثة، طّرحت إشكالية اللغة في سياق المقارنة بين اللغة العربية ولغات الأمم التي قطعت شوطاً على طريق التقدم الحضاري، إذ اعتبر النهضوي الشامي بطرس البستاني، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، "أن كثرة المترادفات في العربية ليست دليل غنى لأنها لا تفيد زيادة في المعاني التي هي المقصود الأصلي من اللغات، واللغة التي فيها ألفاظ كثيرة لمعنى واحد وهناك معان كثيرة لا ألفاظ للتعبير عنها هي في الحقيقة فقيرة لا غنية". وتبلور الوعي آنذاك بضرورة تحديث اللسان العربي وجعله مواكباً للعصر وعلومه من خلال عملية ثلاثية الأبعاد، تستهدف إيجاد المصطلح وإغناء العبارة وتمثّل الفكرة. وشكّلت الترجمة، إلى جانب المدارس الحديثة والبعثات والرحلات، قناة رئيسية لانتقال الأفكار والنظم الحديثة إلى البلدان العربية. ولم يكن لهذه الأفكار والنظم أن تنتقل لو لم يقبل المثقف التنويري الحديث مبدأ التفاعل الحضاري ويشرعن الاقتباس عن الآخر المتقدم، ويتعامل تعاملاً نقدياً مع التراث، ويتحرر من أسر إشكالية العلاقة بين التراث والمعاصرة ويتطلع بصورة لا لبس فيها إلى المستقبل.

فقد برز اهتمام النهضوي المصري رفاعة رافع الطهطاوي بالمسائل اللغوية خلال سنوات إقامته في فرنسا، إذ كان مطلوباً منه أن يقوم بترجمة بعض النصوص الفرنسية في مواضيع مختلفة كي يحصل على إجازة الترجمة. وفي مواجهة افتقاد المعاجم الفرنسية – العربية، وغياب المصطلحات العربية المناسبة للتعبير عن الأفكار والنظم الحديثة، اضطر الطهطاوي – مثلما يرى محمد سواعي في كتابه: "أزمة المصطلح العربي في القرن التاسع عشر"– إلى الابتكار، فلجأ بصورة أساسية إلى طريقتين في إيجاد المصطلح العربي: الأولى تمثلت في استعمال المفردات العربية الواردة في اللغة الفصحى أو في اللهجة الدارجة، والعمل على توسيع معاني هذه المفردات أحياناً لتشمل الأفكار الجديدة، والثانية تمثلت في اللجوء إلى تعريب المصطلحات الفرنسية عندما لم تتوفر المفردات العربية. ورأى الطهطاوي أن فن الترجمة لا يقتصر على معرفة اللسان المترجم عنه بل يشمل معرفة العلم أو الفكر أو الأدب المترجم فيه؛ ففن الترجمة "يعني ترجمة الكتب وهو من الفنون الصعبة، خصوصاً ترجمة الكتب العلمية، فإنه يحتاج إلى معرفة اصطلاحات أصول العلوم المراد ترجمتها فهو عبارة عن معرفة اللسان المترجم عنه وإليه، والفن المترجم فيه"

بيد أن الانقطاع الذي شهده مسار حركة النهضة والتنوير، والذي تزامن مع بدء مرحلة الاستعمار الأوروبي، ترك تأثيره على إشكالية تحديث اللغة وأضعف مساهمة الترجمة في حل المسائل اللغوية، وذلك على الرغم من الدور الهام الذي صارت تضطلع به مجامع اللغة العربية التي راحت تتشكل في دمشق والقاهرة وبغداد، ومن التطور الذي طرأ على حركة تأليف المعاجم العربية. فبعد أن طغى الوجه الاستعماري للغرب على وجهه التنويري، برز تحفظ تجاه مبدأ التفاعل الحضاري والاقتباس عن "الآخر"، كما أن غلبة ما أسماه ناصيف نصار بالتصور اللغوي للأمة على الحركة القومية العربية قد أعاد إحياء النظرة اللاتاريخية إلى اللسان العربي، الذي أضفيت عليه قدسية قومية أو دينية. وهكذا، ظلت إشكالية تحديث اللغة العربية من الإشكاليات العالقة في مرحلة ما بعد الاستقلال، علماً أن التقدم الهائل الذي يحصل في ميادين العلوم والتقنيات والتطور السريع الذي يطرأ على وسائل نقل المعارف، صار يفرض بإلحاح التصدي لهذه الإشكالية وإيجاد حلول لها، ليس لأن اللغة العربية لم تتطور خلال القرنين الماضيين، وإنما لأن تطور اللغة – كل لغة – هو مسألة مفتوحة، ولأن هناك هوة لا تزال تفصلنا، من زاوية التقدم المجتمعي والمعرفي، عن "الآخر".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أوضاع مقلقة لتونس في حرية الصحافة


.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين: ماذا حدث في جامعة كاليفورنيا الأ




.. احتجاجات طلابية مؤيدة للفلسطينيين: هل ألقت كلمة بايدن الزيت


.. بانتظار رد حماس.. استمرار ضغوط عائلات الرهائن على حكومة الحر




.. الإكوادور: غواياكيل مرتع المافيا • فرانس 24 / FRANCE 24