الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأثيل بعض الإصطلاحات

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2021 / 12 / 24
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يحاول هذا النص بشكل بسيط تأثيل بعض الإصطلاحات التقدمية ببيان بعض معالم وشؤون ولادتها والتعامل بها، وطبيعة الأزمات والصراعات التي أحاطت تبلورها وإستعمالها وبعض الإحتلافات في تقييم إنتصاراتها وهزائمها. وقد درج الناس على التعامل الجزاف معها قبولاً أو رفضاً وهي إصطلاحات: "الثورة"، "اللارأسمالي"، "رأسمالية الدولة"، "البرجوازية الوطنية"، "الديموقراطيين الثوريين"، و"التحرر الوطني"، وإصطلاحات رديفة لها.




1- الثورة:

(أ) طبيعة الثورة:
في العصر الحديث ترسخ إصطلاح "الثورة" كتغيير جذري شامل ومتكامل ولم تعد الكلمة تعني مجرد حالة غضب ضد حاكم أو إجراء بل إرتبطت كلمة "الثورة" في تعريفها العلمي الحديث بإزالة واعية لطبقة المتحكمين وأساليب الحكم الظالمة التي تسمح باستغلال وتهميش الناس، والتي تتفاقم تناقضاتها وتدخل في ضعف وموات بينما تتجمع وتقوى رفضيات الجماهير ضد الأساليب التحكمية ومظالمها. أعقل رفض للإستغلال والتهميش هو الرفض الواعي المنظوم الذي يشكله ثوريي الطبقة الكادحة لتحقيق هدف إقامة نظم جديدة تخفض أسس وأشكال الاستغلال والتهميش في مجالات المعيشة والإقتصاد والمعرفة وسياسة أمورهم وتفرض تحكم غالبية المجتمع فيهم/ في حياته ومستقبله.

حالة "الثورة" لا تولد دفعة واحدة بل تبلور عملية "الثورة" ونموءها تشبه عملية وجود الإنسان كخلاصة تبلورات ونموء طويل متنوع وحياة بعد ولادته مختلفة الأشكال والنشاطات، كذلك نموء الثورة متنوع المراحل فيه لحظة ولادة وفيه عوامل حملها وولادتها التراكمي شبه العفوي بتجمع أو إطهار رفض الناس لبعض المظالم، وفيها التركيمي الحزبي الموسقة والتنظيم، وفيها جزء تغيير رؤوس الحكم، وهو من أكبر أفعال الثورات شهرة وعلم شنئانها وقد يكون الأكثر حدة وجمهوراً.

في التاريخ كانت كل أحداث تغيير الناس حكامهم أحداثاً دموية، إذ لم توجد في الحياة طبقة متحكمة رشيدة تقتنع بالتطور الإجتماعي وما يتطلبه من تنازل فعلتها الحاكمين عن التحكم في حياة غالبية الناس، بل تظن نفسها مالكة الحقيقة والمصدر الرئيس للتوازن والتغيير في المجتمع ولا تخاف على حياة الناس من عنادها بل في كل الثورات مالت الفئات المتحكمة إلى ثلم ثورة الناس وكسرها بـ"العنف الرجعي" الذي قد تصده وقد تتغلب عليه جماهير الثورة بـ"العنف الثوري".

(ب) أفعال الثورة والمشاركة فيها:
تتنوع أشكال المظالم الطبقية الأساس وتتمظهر في صور مختلفة في مختلف مجالات الحياة ومن ثم تتبلور إصطفافات شتى ضد الحُكم القاهر أميزها بالقوة أو بالضعف إصطفاف الطبقة الكادحة.

في خضم الصدام ضد الحكام أو في إطاره فإن أفعال الأفراد المقدامة ضد جبروت القهر ليست مسألة اختيار عقلاني متكامل الوعي ومقصود من كل الناس في مختلف الطبقات فكثير منها مرتبط بقيم سامية ومشاعر نبيلة إلا إن الأفعال الثورية الإستراتيجية والتاكتيكية هي إختيار عقلاني متكامل الوعي بالنسبة لثوريي الطبقة والفئات الكادحة التي ضاق عليها النظام الطبقي القديم وأصبحوا واعيين بطبيعة وجود الطبقة الكادحة ومظلومياته (ولو كان الثوريين من الميسورين) ويعرفون طبيعة تكون تفاوت وضيق المعيشة والثقافة في المجتمع ولزوم تغييره وبدايتهم ذلك التغيير بصور منظومة ممهورة بالتضحيات.

في سياق رفض المظالم تحدث مشاركة أفراد من أي فئات أو جماعات أخرى في ثورة تنظمها طلائع الكادحين لإزالة النير الواقع عليهم وعلى إنسانية المجتمع فيه كإشتراك الناس في إطفاء حريق، أو تعاونهم على رفع عائق، فكذلك إشتراك الميسورين وحتى المترفين في أعمال الثورة بجهود جمة وتضحيات نييلة بوقتهم أو مالهم أو طمأنينة أسرهم أو بأرواحهم في جوانب ثقافية أو ذات صدام جسمي وهو إشتراك يقوي إلى حد كبير أعمال التأسيس والتطور الثوري الإجتماعية والإنسانية، لكنه لا يعني تغيير هدف الثورة الإقتصادي أو السياسي ليبقى بعضهم متمعاً لنفسه بإستفاضة موارد المجتمع. فالثورة فرز مصالح طبقية.




2- ظهور إصطلاح الطريق اللارأسمالي:
بدأ إصطلاح "الطريق اللارأسمالي" كسبك نظري لمجموعة من تسميات الأساليب أو الطرق التي إجترحتها اللجان والمجالس الثورية لعمليات تغيير إقتصادات المجتمعات السوفييتية من الحالات شبه الإقطاعية والحالات شبه الرأسمالية إلى حالة تأسيس أو بناء الإشتراكية بما في ذلك أساليب تنظيم أنشطة الزراعة و الصناعة وتوزيع الخامات والمنتجات والأموال وإدارة الأعمال والإدارة العامة.

كانت بداية الأساليب والآفاق الجديدة في القارة الروسية هي تجريد متنوع الأشكال والمستويات لكل نشاط إنتاجي أو خدمي كبير من بعض أو من كل أشكال وممارسات الملكية الفردية، في خطوات أولى لتحقيق الإشتراكية في مجتمعات متفاوتة مختلفة البيئات والمعيشة والثقافات، مضطربة داخلياً ومحاصرة عسكرياً، ليست لها خبرة أنشطة إشتراكية في الإنتاج والتوزيع أو الثقافة سوى بعض السواقى والمشاعات العشائرية، كانت تلك البدايات أول سعى مجالس الكادحين (=السوفييتات) إلى بناء الأدوات والأنشطة الإشتراكية التي تتيح للمجتمع بداية التغلب على ما في داخله من جوع وأنانية.




3- بعض جذور إصطلاح "اللارأسمالي":
إضافة إلى سياق تركيز التسميات في إصطلاح واحد لعله إرتسم عام 1925 فقد كان تبلور إصطلاح "اللارأسمالية" امتداداً نظرياً لمعالجات خلاف قديم بدأ قبل مؤتمر الإشتراكيين الديمقراطيين عام 1903، ثم إحتدم آنذاك بين نوعين من الآراء:

(أ) آراء "الحتمية التاريخية" أي الحتمية الموكدة بتاريخ التطور الإجتماعي لضرورة تطور الوعي وتحكم المجتمعات في معيشتها ومستقبلها وهي الآراء التي أشهرها البلاشفة ضد الأفكار الرجعية الخاصة بسيطرة الطبيعة/ القدر على مصير الانسان/ المجتمع، وضد الأفكار الحداثوية الخاصة بسيطرة المال والآلات على مصير الانسان. وقد تكلم البلاشفة ضد الآراء الرجعية والآراء الحداثوية عن امكان سيطرة المجتمع على تطوره عبر الوعي وتنظيم قواه وموارده.

(ب) آراء "الحتمية التقنية" وهي آراء متعلقة بأن التطور التقني وتوفر الأموال وتطور الآلات سيحل لوحده أو مع بعض الدعوم مشكلات/ أزمة الانتاج/المجتمع. .وقد تحصن بهذه الآراء كثير من المناشفة الذين تشكلوا من جماعات متخلفة وأخرى مترسملة وثالثة عفوية مثالية من الاشتراكيين.

تكلم البلاشفة ضد "الحتمية التقنية" إن إنتاج وتوزيع الآلات (التكنولوجيا) خاضع لقوانين رأس المال، أي إن الآلات لن تكافح السيطرة الرأسمالية على معيشة الناس أو تحرر حياة الكادحين من عبودية مفارقة الحياة التجارية بين أجر الكادحين والأسعار، الأسعار التي يحدد أولها كبراء التمويل والتجارة ثم تابعيهم، والأجور التي يحددها ملاك وسائل الإنتاج والخدمات.

بهذا التعداد المنطقي لدور العوامل الرأسمالية في السيطرة على السوق ومعيشة الكادحين جزم البلاشفة إن رؤوس الأموال والآلات ستبقى في خدمة أسلوب ربح ملاكها ونشاطهم في إستغلال العمل المأجور، أو مضاربتهم على فوائضه، قطعوا بأن العوامل الرأسمالية ستبقى مكرسة لوحشية خلق إنسان سيد وإنسان مستتبع، وإن تطور صناعة الآلات سيسهل العمل كي يزيد معدل استغلال العمل والربح منه في الساعة، لكن ذلك التطور التقني لن يشمل العالم كله ولن بلغ درجة التخلي عن عمل البشر لأن ذلك يعني إختفاء الأجور والنقود وتعطل نظام الربح ودوله ونهاية سيادة طبقته العليا.



4- مخاض ولادة إصطلاح "اللارأسمالي":
كغالبية إصطلاحات العلوم الإجتماعية وتبلورات علم الثورة الإجتماعية لم يكن ظهور إصطلاح "اللارأسمالية" نبت عبقرية فرد أو إجتهاد تنظير أكاديمي مفرد بل كان تبلوره نتيجة تراكم وتلاقح عدد من العوامل الإجتماعية والنظرية أدى الوعي بها في بيئة تمحيص وتجديد وبناء إلى حدوث قفزة أو طفرة موضوعية في العملية النظرية لتركيز بعض الخبرات المختلف في تسمياتها في إسم جديد جامع يسهل إجمالها وإوضاحها والتعامل معها في إسمها الواحد بصورة منسقة تأخذ الدائرة المحيطة بالفكرة من الإسم مفرد لها دون أن يتناثر ويتبعثر تناولها في سرد التفاصيل وفي إحكام بيان تفاصيل هذه التفاصيل.

بعض تفاصيل مخاض ولادة إصطلاح الأسلوب أو التطور أو الطريق اللارأسمالي:

1- حسم خروج البلاشفة من مؤتمر الاشتراكيين الديمقراطيين عام 1903 -حسما قاطعاً في تنظيمهم- كل الإختلافات النظرية السابقة في مجتمع الإشتراكيين الواسع والتي إرتبطت بطبيعة نظرة التيار اللاثوري الضعيفة إلى موضوع "الثورة"، وإمكان حدوثها ونجاحها في مجتمعات تختلف فيها مستويات التطور الاقتصادي الثقافي، حيث مال منطق اللاثوريين إلى ثلاثة أو أربعة أمور أولها إنتظار (((إكتمال))) تطور الإقتصاد والإنتاج والمنتجين، وثانيها إنتظار (((إكتمال))) الوعي السياسي، وثالثها ورابعها إنتظار (((إكتمال))) حل أزمات المعيشة والثقافة دون ثورة، بل مال المناشفة إلى إنتظار حدوث كل تلك الإكتمالات مدججين بفكرة "الحتمية التكنولوجية" وولادة التقدم المادي في المستقبل من تلقاء ذاته لمجتمع جديد. ومن ثم بفضل ذلك الخروج أصبحت فكرة "الثورة" خارج صناديق تبرعات الأثرياء بل موضوعية طبقية الأساس وإجتماعية إنسانية الهدف.

2- تبلور وجود فكرة "الثورة" كجنين في رحم الصراع الطبقي بتخلص البلاشفة في جهتهم من سموم لجاجة وتخاذل المناشفة وبؤس الآراء الإشتراكية غير العلمية ضد الثورة والآراء غير الثورية ضد المضمون الطبقي للمعرفة والعلوم الإجتماعية وهي أراء إتسمت بشكلين هزمهما الجهد النظري العملي للبلاشفة الشكل النخبوي المتحذلق الإصطفائي المثالي، والشكل الشعبوي المنبهل على كل موقف سكوني أو نشاط حركي دون فحص آثاره في الأجلين الوسط والبعيد.

3- أيضاً أدى حسم البلاشفة النظري والعملي للجدل في دائرة تلك الإشتراكية المفتوحة لكل الطبقات لتنمية دورهم ودور ثقافة التغيير الإجتماعي الجذري في وضع فكرة الإشتراكية في رحم إجتماعي حقيقي وليس في رحم خيال الأسئلة البيزنطية المتوالية بصورة أبدية شغلت الفلسفة القديمة عن ما هو الصحيح؟ وماهي الصحة؟ وبأي معيار؟ وكيفية تحديد العيار؟ ولماذا يجب تحديده؟ ومن الذي يحدده؟ ومدى التفاضل والتكامل بين النظرية والواقع؟ وما هي النظرية؟ وما هو الواقع؟ وبأي نظرة؟ ومدى صحة تلك النظرة؟ وماهي أسبابها؟ وصحة كل سبب؟ بل الرحم الحقيقي هو الصراع الطبقي والنشاط المغذي لإنتصار الطبقة الكادحة فيه.


4- إرتبط تفاوت المجتمعات المختلفة الأشكال لكن المعتملة بثورة واحدة، إرتباطاً عضوياً بوجود بنية واحدة مزدوجة لنظام الاستغلال وتمايزه إلى مراكز تقدم ومناطق تخلف، (مراكز متقدمة بتجميع الفوائض ومناطق مهمشة أي منتزع من مجتمعاتها أو محرومة من كل شيء يحررها من التبعية للمركز أو يؤهلها لفاعلية وطنية أو عالمية أكثر من مهمة إبقاء نفسها على قيد الحياة).
المعنى إن تداخل الأزمة التي يشكلها الإستعمار الخارجي مع الأزمة التي يشكلها الإستعمار الخارجي. فكانت الحاجة إلى إصطلاح يوحد التعامل الثوري ضد النظامين ويختصر الكلام الموصف لهما ولذات النشاط الذي يجمع مواد وتعاملات من النظامين ويستعملها ضدهما بشكل يعقد وصف ذلك النشاط.

5- في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين لم يكن التفكير الموضوعي في أمور الإشتراكية ذو مسيم مفصل كما هو في الزمان حاضر بل تأثرت تسميات الأشياء والأفكار بتنوع خلفيات نشطاءه أي بتنوع الثقافة والتعليم والبيئة والعمل والقهر فنشأ ذلك التفكير بقسمات علمية تكونت منذ أعمال ماركس وإنجلز بنظر موضوعي إلى ثلاثة أمور هي: 1 - ملامح وعناصر وجود حركة الواقع الإجتماعي في مظهرها الماثل وجذوره المادية والثقافية، و2- تبين عوامل الواقع وتغيراتها وكيفية حضورها وطبيعة تغيرها معه وصولاً برصد وتحليل الثوابت والتغيرات إلى 3- إدراك كيفية تغيير الواقع محل الملاحظة والفحص إلى حالة مختلفة أفيد لحرية الطبقة الكادحة وإنعتاقها من نظامي الاستغلال (=النظام الإقطاعي والنظام الرأسمالي).


6- كان مضمون وشكل ذلك التفكير الموضوعي علمياً بحكم إلتزامه بالرصد والتعداد الموضوعي، وبحكم المنطقية في الحساب وفي إتساق المقدمات مع الظواهر والنتائج مع المقدمات، وبحكم موضوعية إفتراضاته، وبحكم إرتباطه بملحوظات موضوعية ودراسات وأدلة وبراهين متناسقة، وبحكم بساطة تنظيمه وشروحه ووضوح لغته، لكنه كان شكلاً وموضوعاً يحتاج ككل الأعمال الأولى إلى تنمية بحكم إن إختلاف تركيزات نصوصه وتصوراته وإختلاف بعض قراءاته وإستدلالاتها وبحكم إختلاف التسميات والإصطلاحات.

كان تنظيم تلك المعرفة في تلك المرحلة الإبتدائية والمتوسطة من تطور العلوم الإجتماعية في غرب أوروبا وأمريكا يتم في ظروف صعبة وتقوده عبرها وحدات ومكاتب مختلفة وتنظمه سكرتاريات مختلفة، بعضها مكون من عشرات الأفراد، بعضها متناثر في مساحة هائلة في زمان كان صعب الإتصالات، قاسي المكتبات، بل إن أعمال ضبط وتجويد تلك الأعمال كانت لقاءات محدودة وإجتماعات ضيقة الظروف والوقت.


7- آنذاك كانت بداية الصياغات العلمية الإقتصادية والسياسية للأفكار الإشتراكية ومعالم حياتها وثقافاتها مجرد خبرات ورؤى علماء وقادة جماهيريين، مصاغة في أشكال موضوعية تثقيفية وتعليمية كآيديولوجيا علمثورية أي تكتفي موادها بعرض تناقضات الواقع النظرية والعلمية وعوامل وإمكانات رفضه، ممتنعة عن تفصيل بديل خيالي وترفض تخمين تفاصيل البديل المتوقع له، بل تحصنت ضد التخمين بإوضاح أدوات ومهمات عملية تغييره وأهمها تكوين ومهمات اللجان الشعبية، والبدايات المنطقية لمهمات دمقرطة الزراعة والصناعة وأعمال الدولة، ومهمة تحقيق السلام.




5 - من مكونات إصطلاح "اللارأسمالي":

(أ) في العقود الاولى من القرن العشرين كانت رؤوس الاستغلال وأعماله في بلاد الروسيا ممتزجة بصور رهيبة حيث تجمعت في تلك البلدان كل أنواع الإقطاع وكل أنواع الرأسمالية، ومن ثم كانت الروسيا كلها في امتداديها الأوروبي والآسيوي الحلقة الأضعف في النظامين الإستغلاليين الإقطاعي والرأسمالي على مستوى العالم. وتحت نير الطبقتين المتجبرتين الإقطاعية والرأسمالية رزحت طبقات وفئات مختلفة من الكادحين، وكانت أعمال التحرر من الجبروتين غير منسقة بل اجتهادات وحماسة فرق وجماعات، كل منها وفق ظروف مجتمع منطقتها المحلية.


(ب) في ذلك الوضع الشاسع المساحة الكثير والمختلف المجتمعات المزدوج الجبروت والمزدوج الضعف كان كسر أضعف حلقات الاستغلال هو العمل المنطقي للحرية من شكلي الإستضعاف والجبروت (الإقطاعي والرأسمالي ومتوالياتهم) وكان من الحماقة انتظار نموء الظلم وزيادة قوته على عشم أن يؤدي التطور التكنولوجي لاحقاً إلى خفض إستغلال الكادحين ومنع الفئات المالكة لوسائل الإنتاج من التحكم في 16 ساعة من حياتهم لمنحهم فيما بعد قيمة دقائق منها.


(ج) في هذا الصدد إتعظ البلاشفة بفشل تعاون التحالف الإشتراكي القديم مع بعض إتجاهات الإصلاح في التحكمين لتحقيق بعض الإصلاحات، حيث لم تحقق أي تغييرات جذرية بل ساعد الغطاء الإشتراكي على تعزيز كل نظام إستغلالي على حدة بحكم ما إرتبط بالتعاون من تخفيض في الأنشطة الثورية كما ساعد ذلك التعاون كل نظام إستغلالي على الارتباط بالنظام الآخر والتعايش معه بتقسيم أدوار بين إقطاعيات الريف المنتجة للخامات ورأسمالية المدن.


(د) بحكم انحصار التعليم والثقافة في تلك المجتمعات كانت قوة كل الاشتراكيين محصورة في المدن وغالبيتهم من المثقفين الذين يتكلمون عن اشتراكية علمية كاملة ومثالية. وإزاء تحذلق وتشدق سياسيو المدن وإشتراكيوها مال البلاشفة (الشيوعيين) إلى الإنتشار وسط عمال المدن وفقراءها وأحياءها السكنية المهمشة وإلى الإنتشار في الريف والمناطق الآسيوية الإسلامية حيث الاقطاع القبيلي الرهيب، ومن ثم نجحوا في كسب أعداد كثيرة من الناس في تلك القطاعات التحتية من هرم دولة الاستغلال.


(هـ) بفضل الضبط والشمول النظري وإثراء مقدمات العلوم الإجتماعية بالخبرات والخبرات بالعلم مع فضل الإنتشار الجغرافي والتطور العددي وإرتفاع إمكانات المعرفة والقدرات الثورية تمكن البلاشفة (الشيوعيون) من تفجير الثورة التي كان مخاض ولادتها قد شمل نصف قرن من الزمان. واستطاعت المجالس واللجان السوفييتية التغلب على دعاية وجيوش ومليشيات الدولة والاقطاعيين ومواليهم البرجواز بل هزموا تدخل الدعاية والجيوش الجرارة الرهيبة لأربعة عشرة دولة التي حضرت لدعم جيوش الراية البيضاء القيصرية الكنيسية وجيوش الراية السوداء لجرمان وبولنديي أوكراينيا.

(و) كان هدف كل هذه الجيوش الجرارة ذات الآلات الرهيبة والهندسة العالية والتجهيزات والذخائر الضخمة والخبرات الثرة هو كسر ثورة الكادحين وتحرير مناطق ومدن الروسيا من سيطرتهم، لكن فرق الكادحين الجوعى والبؤساء هزمتهم جميعاً شر هزائم حيث سجلت فرق الرعاة والزارع والعمال ومتمردي الجيش القديم الذين انضموا إلى الثوار إسمها في سجل التاريخ للإنتصارات الكبرى محققين تلك الإنتصارات بحرب طبقية ووطنية السمات بطولية فدائية ظافرة، بذلوا فيها النفس والنفيس.




6 - إصطلاح "رأسمالية الدولة":
واجه السوفييت/اليلاشفة/الشيوعيون أزمة التفاوت بين مناطق متقدمة جدا في كل شيء ومناطق ليس فيها شيء. بالنظر الشمولي الأفقي والرأسي بدأ التخطيط وتم تحديد الأهداف والامكانات ووزن الأمور بإحالة فائض موارد التاميم والمصادرة إلى بناء البنية التحتية ووحدات الإنتاج في المناطق التي استهلك النظام النظام الإستغلالي القديم خيراتها أو أهملها.

من تأسيس ذلك القطاع العام نشأ ما يسميه المناشفة "رأسمالية الدولة"، ولا تذكر الدعاية المضادة للسوفييت المزية الأولى لتلك الدولة بكل ما فيها من قطاعات إنها دولة غير رأسمالية التأسيس وغير رأسمالية الهدف بل اشتراكية سوفييتية التأسيس والهدف.

نشأت الحالة اللارأسمالية الأساس والهدف كأسلوب لحشد الموارد بطريقة اجتماعية مضادة للأنانية الرأسمالية، وهو تحشيد لا يمثل الإشتراكية المثالية أو محاولات تصورها، بل فيه كثير من عناصر وأساليب النظم القديمة (الملكية الفردية لوسائل الانتاج، التوزيع التجاري، التركيز المحلي، التفاوت المجتمعي، ثقافة التفوق وثقافة العنف) أي إن المجالس الشعبية إستعملت حجارة البناء القديم وموظفيه ومهندسيه وعسكره وبعض أساليبه لكن في إطار حركة بناء جديد.

بفضل الأساليب اللارأسمالية وتعميمها خدمات التعليم والصحة ونشاط التخطيط في تنظيم الموارد ورغم أخطاء فادحة تحولت بلاد الروسيا خلال فترة قليلة قد تزيد على عشرة أعوام من حالة كونها دولاً محتضرة تنتاشها أطماع وصراعات الشركات الأجنبية وشياخات القبائل وميليشياتها وصراعات التخلف والفقر والجهل وأصبحت حسنة الثقافة والصحة والتمدن والإمكانات وإشتد ساعدها وأنشطتها وأصبحت في تلك العشرة سنوات ثاني أقوى دول العالم دون أن تغزو وتستغل أي دولة أو مجتمعات خارج حدودها.



7- سموم أفرزتها "رأسمالية الدولة":
(أ) خلال الحرب العالمية الثانية وإجراءات بناء وإعمار الإتحاد السوفييتي (وشرق أوروبا والصين) وبعدها ولأسباب تغير نوع وظروف زيادة الطلب وتسريع إجابة المخازن والمصانع له تحولت الإدارة الفعلية في كثير من وحدات الإقتصاد والإدارة من يد المجالس السوفييتية ولجان العاملين إلى "لجان الخبراء التكنوقراط وهيئات البيروقراط.

(ب) مع إتجاهات تكسير الإستالينية وتحسين الضبط الإقتصادي تم بالتدريج تبديل التبادل والتقييم الإجتماعي للأعمال والسلع بالتقييم النقودي للأعمال والسلع ، وبدأ التمايز في إنتاج أنواع وأسعار السلع الاستهلاكية وحتى في الحوافز. منذ تلك الخمسينيات بدأ تخلي نخب الخبراء عن النظام البروليتاري متجهين بتأثير وضعهم الفئوي ودعايات المنشفيك الداخلية إلى نظام فيه ليبرالية انتهت إلى وضع دستور عام 1977 الذي نقل البلاد والعباد إلى حالة ليبرالية أكبر أفضت في الثمانينيات إلى أبواب حل الاتحاد السوفييتي بين الـ15 جمهورية.

(ج) كانت معيشة الـ15 جمهورية قد إنتقلت بالتنمية الأفقية والرأسية من حالة النزاعات والحروب وتكالبات متوالياتهم ودخلت إلى عوالم الهدوء والتعايش الداخلي والعالمي والبعد عن أنانيات التكالب والعنصرية وعن تجارة تماسيح السوق بحقوق الإنسان في المياه والكهرباء والسكن والتعليم والعلاج والمواصلات، ..إلخ، ومن ثم أصبحت تلك البلاد في درجة عالية من الحياة الإجتماعية الهادئة لكن القليلة الكماليات سوى السينما والمسارح وعروض الموسيقى والغناء ومعارض الفنون والمباريات والسياحة الداخلية المجانية، والحياة التعليمية المزدهرة، وقد كان تحقق ذلك الكفاف العادل نسبيةً بفضل الخط البروليتاري والاتحاد السوفييتي والأنشطة اللارأسمالية.



8- مكافحة الإستعمار = نصف الإشتراكية:
"الديموقراطيين الثوريين" و"البرجوازية الوطنية"/"الرأسمالية الوطنية" و"التحرر الوطني":

(أ) منذ العشرينيات كانت أزمة المنتظم الدولي للشيوعيين "الأممية الثالثة" انه لا يقبل الأحزاب غير الثورية البروليتارية (قضية رفض/قبول الحزب الاشتراكي/ الشيوعي المصري) بحكم التجربة الناجحة في مجال الشؤون الوطنية/القومية في الروسيا تغير رأي الأممية فيما بعد وتم قبول الأحزاب الشيوعية المناضلة ضد الإستعمار حتى لو كانت برامجها تفصل بين التحرر الوطني والتحرر الطبقي. وحتى لو كانت قيادتها غير عمالية النشأة.

(ب) زاد الأمر نحاحاً مع نجاح تلك الأحزاب في نشر مبادئي التفكير الوطني وتجاوزهم به كثير من التصورات الرجعية وسط الناس عن سيطرة القدر على مصير الدول والمجتمعات (رغم إن الله لايظلم الناس شيئاً) وتجاوزهم به التصورات الحداثوية واستمرار تأجيلها المطالب الوطنية بحجة إنتظار إكتمال نشاط الإستعمار في تحديث البلاد أو إلى حين تقدم الإقتصاد وتكاثر منتجاته ! (وهو نفس الإقتصاد الذي يبقيه الإستعمار في نقص هيكلي ليكون في حالة تبعية مستدامة له).

(ج) زاد نجاح فكرة الإتحاد الوطني ضد الإستعمار بإلتقاء جهود الديموقراطيين الثوريين/المثقفين الثوريين وتضحياتهم للتحرر الوطني وإمتزاجها بتبرعات ودعم التجار والشيوخ المستنيرين في المدن المتطلعين إلى إزاحة سيطرة ونفوذ الشركات الأجنبية ووكلاء الرأسماليين الأجانب.

(د) وصل نجاح الكفاح المشترك بين الديموقراطيين الثوريين والرأسمالية الوطنية مرحلة تشكيل الجماعات والتنظيمات المعادية للإستعمار وتسيير المواكب الهادرة التي هتفت علانية في كل مجال وبلد مستعمر بسقوط الإستعمار، وكانت تطالب بإتاحة الحريات وتدافع عن إستقلالية النشاط النقابي، وتدعو لخروج قوات وموظفي الإستعمار، وتدين عملاءه.

كان تسيير تلك المواكب الوطنية التي جمعت مختلف فئات الناس الإثنية والفئوية والهاتفة بسقوط الإستعمار حدثاً هو الأول في تاريخ كل بلد سارت فيه تلك المواكب، آنذاك وحتى اليوم كانت عملية رفض وإسقاط الإستعمار تمثل جزءاً مهماً من تكون ونشاط الأفكار الشيوعية.




9 - ضعف الوطنية والثورية الوليدة ثم تحسن قوتها بتطور الصراع ثم وهنها:
بطبيعة الحياة لم تولد الإصطلاحات الشيوعية مكتملة القوة بل بدأت نموها في كل مجتمع من مرحلة الولادة إلى مرحلة الطفولة والصبا إلى مرحلة المراهقة والشباب بمرحلة الصراعات الأولى ثم نضجت بنيران الصراعات والحروب الداخلية ودخلت مرحلة الصراع الوطني الإستعماري الضاري التي صقلتها ونقت معدنها وأدت إلى تحسين إستعمالها وزيادة فاعليتها.

ملحوظات من السياق التاريخي لنشوء وتطور الصراعات بين الأفكار الشيوعية والأفكار الليبرالية ذات الإستغلال والإستعمار:

(أ) أن انتشار ثقافة "التحرر الوطني" لم يوقف الصراع الطبقي لا في داخل كل دولة من دول العالم ولا في داخل كل تجمع وطني، بل أبانت الظروف ان مكافحة الإستعمار مهمة طويلة لا تنتهي برفع العلم الوطني بل مع نهاية الإمبريالية. فقد بينت الأحداث في غالبية الدول التي فرحت نخبها بتحقق الإستقلال غير الإقتصادي ورفع علم للدولة ان التجمع الوطني ضد الإستعمار الخارجي القديم قد استعملته في ما بعد مصالح "البرجوازية الوطنية" لتعزيز حالة إستعمار جديد مزدوج.


(ب) ارتبط الشكل الجديد لازدواج الإستعمار وإستثمار رأس المال للمجتمعات بترسيخ حالة "إستعمار داخلي" يمتص فيه القطاع الحديث (المديني التمركز والدولي التجارة والمعاملات) فوائض القطاع التقليدي الريفي ويبقيه في حالة ديون وتخلف وتبعية وفي نفس الفترة فإن نفس القطاع الحديث المتمركز في المدن يبادل الخامات والأموال المنهوبة من جهد المنتجين في الريف بالمصنوعات الأوروبية الباهظة في شكل تجارة (((حرة))) تتيح للشركات الأجنبية الغرب أوروبية ووكلاءها إمتصاص غالبية الفوائض الوطنية في عملية إستعمار حديث وتبعية ترسمها الإمبريالية ببعض الضغوط والإغراءات.


(ج) كانت انقسامات القوى الوطنية القديمة مختلفة في حوادثها وأشكالها خاصة مع تبرقط وصراعات وأفول "الكومنترن" ثم حله بداية من عام 1942 وبالتالي تبعثر نشاطات الشيوعيين إلا لقاءات.


(د) مع غياب التنسيق الدولي بقيت الاجتهادات الوطنية أقرب إلى الاجتهادات الشخصية حتى داخل الهيئات الشيوعية، ففي بلد ما تجد الخطاب الشيوعي طبقياً يتكلم عن الفرز وفي بلد آخر شبيه له في الظروف تجد الخطاب الشيوعي ليبرالياً يتكلم عن وحدة جميع الفئات والطبقات لإصلاح ما افسدته مصالح نفس الطبقة والفئات التي يدعوها إلى الإصلاح ! ما يدل إلى الأثر السلبي لغياب الجهاز التنظيمي على تكامل النظر إلى الأمور.



10 - تنوعات "التحرر الوطني":
(ا) نتيجة بداية تحول السوفييت منذ أوائل الخمسينيات عن الخط البروليتاري واحتدام الصراعات داخل الجماعات الشيوعية إزاء قراءة الماضي وقراءة المستقبل وحاجة الدول الحديثة إلإستقلال إلى الشروع في تغييرات تنموية، ازدهرت أفكار وأنشطة الديموقراطيين الثوريين أي الديموقراطيين رافضي الليبرالية، متقاربين مع بعض العناصر الوطنية: كما حدث في السودان حيث تكونت "الجبهة الوطنية"، وقبلها تحولت في مصر الأربعينيات الجبهة المتحدة للطلاب والعمال والفلاحين والموظفين إلى تقارب بين المثقفين والعسكريين، وفي بلاد أخرى ظهرت موضة التحالف بين كثير من المثقفين والوطنيين والعسكريين، وظهرت في سياسة كل بلد من هذه البلاد جماعة عسكرية تقدمية إسمها "الضباط الأحرار"، هدفها مقاومة الإستعمار وأذنابه.

(ب) لمحاربة "مخططات الإستعمار" إتجهت أفكار "التحرر الوطني" في كل بلد نشأت فيه إلى تحرير مجتمعاتها من: الإقطاع والإستغلال [الرأسمالي] ومن الفقر والجهل والمرض، ومن التشرذم الداخلي والقومي، رافضة التبعية للأحلاف الرجعية ولأي من المعسكرين ومتجهة إلى تأسيس حياة سياسية سليمة / ديموقراطية صحيحة أو حقيقية تتيح للشعب التحكم في موارده. وقد أجملت الثقافة اليسارية كل هذه الأمور في تسميات مثل "الديموقراطية الثورية"، "الديموقراطية الجديدة"، وهي تسميات كأي تسمية سياسية منذ القرن السابع عشر عبرت عن الأهداف أكثر من تعبيرها عن طبيعة الوسائل التي تحقق هذه الأهداف.

(ج) بشكل عام منذ أواخر الخمسينيات خفت نجم السوفييت في وسائط الإعلام الرأسمالية التمويل وفي وسائط الإعلام الحكومي وإنخفض تمجيد نضالهم وكفاحهم وإنتصاراتهم ضد الرجعية والنخبوية والتخلف وضد النازية وقل الإحتفاء بثورتهم وبدعمهم لنضال الشعوب. ولعل السبب الرئيس في ذلك هو إنقلاب نخبة السوفييت الجديدة (بعد إغتيال إستالين 1953) إنقلاباً ناعماً على الخط البلشفي وما زامن تلك الفترة من ظهور دول وهيئات أخرى في العالم تحاول الإفادة من خبرة (((كل النضالات والأفكار))) الإشتراكية في إكمال تحرر مجتمعاتها ودولها، بمراعاة أكثر لـ(((الظروف الخاصة))) لتركيبة وثقافة تلك المجتمعات والدول ومن ثم سطعت في الإعلام البرجوازي وفي إعلام الحكومات الوطنية نجوم الدول الحديثة الظهور وزعماءها.

(د) منذ أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات ارتبطت كثير من المجتمعات والدول الحديثة التحرر وخطابات زعماءها وكتاباتهم بخط (((وطني))) متقدم نحو تأسيس أو بناء أو تحقيق أهم القيم الإشتراكية وهي "الكفاية في الانتاج والعدالة في التوزيع"، ولوازمها وملحقاتها وهي قيم موضوعية الوجود والتطور تواصل تنظيرها منذ منتصف العشرينيات كملخص لكل أفكار ونضالات التحرر في العالم الحديث منذ القرن السابع عشر حتى ولدت منها أطروحات/علم التنمية الذي مثل ولم يزل يمثل في إتجاهه الأصل الإجتماعي الإشتراكي أرقى أطوار التمحيص العلمي لتطور مختلف المعارف والنضالات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية وخبرة أساليب التقدم اللارأسمالية التي واشجت تنمية هذه المعارف ونضالاتها.

(هـ) عرفت تلك الاتجاهات التي كانت عامرة في يوغوسلافيا والصين ومصر وإندونيسيا وكوبا إلخ في الخمسينيات والستينيات بإنها الطريق الوطني غير السوفييتي للتنمية. كان ذلك الطريق مزيجاً من انشطة تحت وبعد ثورية شكلتها على حدة في كل بلد من تلك البلاد ظروف وأفكار وهيئات ونضالات مختلفة إرتبطت كل واحدة منها بآيديولوجيا الخصوصية والكلام عن خصوص وضع كل مجتمع/ثقافة وخصوص إسهامه في بناء الإشتراكية، وهو ما واشج الأحاديث المختلفة عن اشتراكية يهودية! وعن اشتراكية عربية! وعن اشتراكية إسلامية! وعن اشتراكية إفريقية! وعن إشتراكية سودانية! وعن برنامج وطني يتسع لإسهام كل الطبقات! وبعدهم عن شيوعية أوروبية! وهي أحاديث رغم أو بسبب موضوعيتها الثقافية (الشكلية) تجتمع كلها على تخفيض موضوعية الدور الطليعي للطبقة العاملة في حزب تحريرها وفي المجتمع والدولة، وفي التغيير.

(و) كانت تلك الأفكار الديموقراطية الثورية تظن إن التغيير يتمثل في تركيز إجتماعي ووطني للموارد تديره نخب طيبة من كل الطبقات، تنأى بالبلاد والعباد عن صعوبات الصراع الطبقي بتغييرات تحافظ على وحدة المجتمع ومعتقداته وممتلكاتــ(((ـه))) وعلى إستقلال البلاد (((بعيداًً))) عن صراع الكتلتين! .وقد حققت تلك التغييرات (((الثورية))) في تلك الدول إصلاحات إقتصادية وثقافية حقيقية و قوية لكنها كانت إصلاحات حكومية تديرها نخب البيروقراطية والموظفين الأفندية أبقت الكثير من أمور الطعام ومقاولات الأعمال في يد تماسيح السوق.

(ز) من ثم في تلك الدول اللارأسمالية البعيدة عن سيطرة الكادحين على شؤونها تحقق بشكل إقتصادي إجتماعي سياسي قانون جريشام "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة"، حيث إمتص إقتصاد الظل في تلك الدول الفوائض الأولية لإقتصاد تأسيس التنمية وأعاق بثقافته الرجعية وثقافته الحداثوية وإتجاهاتها النخبوية و إتجاهاتها الشعبوية، وبعلاقاته الداخلية والدولية عملية تجذر التنمية وتوسعها فبقيت دولة النخب الوطنية الكلام البعيدة عن التحيز الطبقي إلى البروليتاريا تدور حول أمور محاربة المؤامرات، وحول مكافحة الرشوة، وغرق إعلامها المبتعد عن "الصراعات الآيديولوجية" والنافر من "الأفكار المستوردة" في الإرتباط اليومي بتحركات وإستقبالات ومقولات الزعيم، وبهذه النخبوية الوطنية الضيقة بقيت الجماهير في قاعدة المجتمع تعاني من صعوبات المعيشة ورداءة الخدمات ومن طغيان وفساد البيروقراط، ساخطة على مظاهر التمايز الفئوي وعلى الحرامية. حتى عاجلت الإمبريالية تلك النظم بضربات التحكم في التجارة والعملات وزيادة سعر النفط التي أدت إلى إفلاس كثير من دول التحرر الوطني التي لم تحرر إنتاجها وتجارتها الخارجية من التعامل مع الدول الإمبريالية ومن الإعتماد في طاقتها على أستوارد النفط الرخيص من الدول الرجعية.


خلاصة هذه الفقرة:
خلاصة هذه الفقرة إن حالة "التحرر الوطني"/"الديموقراطية الثورية" ككل المعالم السياسية الحديثة منذ القرن السابع عشر لم تك حالة مثالية جاهزة مكتملة نبتت من ذاتها أو بلغت حالة كمال بل كانت في مختلف تنوعات تأسيسها وأنشطتها حالة تاريخية جدلية من صراعات التبلور والنفي تحققت منها موجبات مضادة للنخبوية القديمة والشعبوية، ومضادة للرجعية والحداثوية، ومضادة للمحلية الضيقة قرينة الإقطاع ومضادة للتبعية الخارجية قرينة سيطرة الأجانب على الإقتصاد. أما أهم سلبياتها فإرتبطت بمتابعة الآيديولوجيا الليبرالية وزعمها الحياد والإستقلال الطبقي ومن ثم تخفيضها الناعم والخشن لدور الكادحين والأحزاب الشيوعية والنقابات والتنظيمات التقدمية في عمليات تغيير المجتمع وفي عمليات تقييم وتقويم أعمال الدولة. ومن ثم ليس من المنطقي التعامل معها ككتلة واحدة موجبة أو سالبة، وليس من المنطقي تقرير أثرها في تطور المجتمعات والعالم قبل مضي مئات الأعوام على بدايتها أو على وضوح أعمالها.



-
11 - لمحتين من التحررين الوطني والطبقي:

(أ) مع تباين الرؤى السوفييتية وسخونة الحرب الباردة وتأجج أمور يوغوسلافيا والصين وإسرائيل ومصر وإندونيسيا وكوبا وتنزانيا وزامبيا وغينيا وتوالي الاستقلالات والخطابات الحمراء ونشر وسائط الإعلام التجارية والحكومية صورة موجبة عن التغييرات التقدمية في مختلف أنحاء العالم كان الظهور والقبول العالمي لأفكار ودول ـ"عدم الإنحياز" التي وافقت في الدول الجديدة الوليدة مزاج البرجوازية الوطنية الكبيرة والصغيرة من مهنيين وأفندية وحرفيين والأورستوقراطية العمالية وأعداد كثيرة من متزعمي الزراع الطائفيين والعشائريين، وحتى الزعماء العشائريين ذوي الإرتباط بالنخب البيروقراطية أو المحبين للحداثة.

(ب) بفضل إجراءات التأميم والإصلاح الزراعي وإعادة توزيع تملك الأرض ودخول الكهرباء والمدارس الى القرى تحول الفلاحين من حالة شبه العبودية، وكم كثير من بؤساء المدن إلى وضع أقرب إلى الإنسان الاجتماعي.

(ج) مع اتساع نشاط الدولة الاقتصادي انكسر الإقطاع القديم والرأسمالية الأجنبية ووكلاؤها وأزدهرت جميع الفئات، وكانت الفرحة الكبيرة وسط الموظفين ووسط العمال، وتحسنت مستويات المعيشة وارتفع النسب المئوية للنموء السنوي إلى رقمين وعاش العالم الثالث انتصارات جزئية كبرى على أفكار وأقتصادات الاستعمار والإقطاع وشبه الاقطاع.... وكانت أيام مجد أو تمجيد داهمتها عملية طرد كثير من العملات من منطقة الاسترليني ورفع سعر البترول واحكام سيطرة دول غرب أوروبا على شراء الخامات من العالم الثالث وصولاً إلى تبخيس سعرها وفي نفس الفترة مضاعفة أسعار المصنوعات الغرب أوروبية المصدرة إلى دول العالم الثالث.

(د) بإجراءات الإمبريالية المدمرة لموازين تجارة وإقتصاد وعملة كثير من دول العالم الثالث غير المصدرة للنفط أفلس كلام البرجوازية الكبيرة والصغيرة والاورستوقراطية العمالية وكبار متزعمي المزارعين عن "التحرر الوطني" و"عدم الانحياز" و "التطور التنموي"، .. إلخ. وكان ذلك الإفلاس نتيجة منطقية لإطمئنان النخب الوطنية المسيطرة إلى التعامل مع الدول الإمبريالية والبعد عن الخط البروليتاري للتنمية ونهاية لقيام الإغراءات والضغوط بتخفيض تحالف البرجوازية مع العناصر الثورية في المجتمع، وإبعاد وإبتعاد أنشطة الكادحين عن السيطرة على عمليات التغيير.

(هـ) توافق خفوت التحرر الوطني مع تأثيرات إمبريالية قوية شملت رفع أسعار النفط وتفليس الإقتصادات وإدراج الدول الضعيفة الموارد والصناعة منذ السبعينيات في فخ المساعدات والديون ثم الخصخصة، وواشج ذلك الخفوت نجاح الضغوط والإغراءات الإمبريالية في إضعاف الأحزاب والكوادر والدعاية الشيوعية ومظاهرها.

(و) منذ الخمسينيات نجحت الضغوط والإغراءات في حرف بعض المواقف والعناصر الثورية إلى مواقف ليبرالية تشق وحدة الثوريين الواهنة أو تزيد إنقساماتهم. بل صارت تقود بعض المناضلين الثوريين إلى حالات إنقلاب ذاتي على أسس الشيوعية والتنظيم الشيوعي مبتعدين عنها إلى حالة ليبرالية يعظمون حرياتها الشكلية ويتجاهلون رأسماليتها وكومبرادوريتها

(ز) حدثت إنقلابات بعض الثوريين في الخمسينيات والستينيات على خط سيطرة الكادحين على موارد المجتمع وعملية تنظيم الدولة بإسم "الوحدة الوطنية"، "الممكن"! وفي السبعينيات بإسم "الإنفتاح"! وفي الثمانينيات بإسم "التحاوب مع الأحداث العالمية"! وفي التسعينيات بإسم "التفاعل مع متغيرات العصر/العولمة"! وفي الألفينات بإسم تعزيز "المجتمع المدني وبعد تصارع نخب المجتمع المدني وتمويلاته وتدهور الثورات الملونة بفعل أنانيات النخب الرجعية والنخب الحداثوية وصراعات الأساليب النخبوية والأساليب الشعبوية وبفعل شروط صندوق النقد الدولي وتدخل سفارات المجتمع الدولي و(((أصدقاء))) الدولة بدأت مع تدهور تلك الثورات موضة التبرير بـ"عدم الوقوف على رصيف السياسة"! وقد اتشحت كل هذه التبريرات بزعوم سرعة وتسريع حركة كان نسيجها من الخوف ومن العشم، قد تمثلها كلمات وعبارات من نوع "المواكبة" وعدم الانقراض! اللحاق بالآخرين"! "التجديد"! "حقن الدماء" ! "البعد عن الصراع الآيديولوجي"! "تحقيق السلام"! "عدم التعصب الآيديولوجي"! "النظرة العلمية غير السياسية" ! "المناخ الدولي"! "المجتمع الدولي"! "أهمية إجراء إنتخابات"! دون بيان طبيعة ونوع هذه الإنتخابات.


(ح) كان دعم الرجعية والإستعمار بالكفاح ضد الشيوعية يعتمد على رفع راية عامة مثل "البعد عن الصراع الدولي" ثم يحشد تحت تلك الراية مختلف الصيغ السلبية المضادة لكل القيم التقدم الإجتماعي السياسي، وأحياناً يعتمد على حشد مجموعة كثيرة من الأخطاء والسلبيات معقوبة بطلب تحالف مصوراً ذلك التحالف كصك غفران للمجموعة الشيوعية أو باباً لخروجها من ضيق العزلة إلى رحاب (((الجماهير))) يقصد "النخب".




12- خلاصة وختام:
1- إن قصة شباب وقوة وضعف ثم تجدد بعض الإصطلاحات مثل "تطور لارأسمالي"، "ثورة وطنية ديموقراطية" ، "ديموقراطيبن ثوريين" (أي ديموقراطية ضد الليبرالية)، "التحرر الوطني"، "عدم الانحياز"، "تحالف قوى الشعب العاملة"، "القوى الإشتراكية"، و"إتحاد القوى الوطنية الديموقراطية"، قصة يمكن النظر إليها من زوايا متنوعة بل ة من زوايا نظر طبقية مختلفة في عناصرها وزمانها وفي الموضوعات التي يتم تركيز النظر إليها.

2- النظرة الشمولية إلى تاريخ وتطور وصراعات تلك الإصطلاحات تكشف إن نشأتها كانت عالمية وموضوعية وغير متزامنة ومرتبطة بحاجات واقعية وأحداث حقيقية مبلورة لها ولم تكن نتيجة عبقرية أو نتيجة زوغانية، كما يظن بعض الرفاق اليساريين وبعض الرفاق اليمنيين، وبعض الرفاق الذين لا يرغبون في تمحيص الإنتقادات.

3- بشكل عام كانت تطورات وصراعات ومسيرة هذه الإصطلاحات نتيجة من تناسب منطقي بين حاجات موضوعية كبيرة وإمكانات محدودة وفي درجة معينة لذلك التناسب كانت مختلفة في كل بلد، إرتفعت تلك الإصطلاحات كرايات وأشكال لصراعات تطور عمليات المقاومة وانتظام التحول السياسي من خط وطني عام إلى خط بروليتاري تنموي متكامل، أو كرايات وأشكال لصراعات لتطور الحركة الثورية من خط بروليتاري صارم محاصر إلى خط إجتماعي يعزز إمكانات ثورية في المستقبل (بزيادة في خدمات حقوق التعليم والصحة والتحديث التمديني). وقد كانت كل هذه الصراعات صراعات موضوعية ليس بالإمكان تأجيلها أو إتخاذ قرار شخصي أو حزبي ببدايتها أو بوقفها، بل تبلورت من إلحاح حاجات موضوعية متخذة أشكالاً متنوعة الصور في مختلف مجتمعات العالم، رغم ان الضعف كان ميسم جميع نخبها.


4- رغم الغرور ببعض الإنتصارات الكبرى ورغم الأسى من بعض الهزائم الكبرى ستبقى إرادة الشيوعيين في بنيتها النضالية المرتبطة بالكادحين إرادة موضوعية مهمة لكسر أشكال الإستعمار والاستغلال، وهي إرادة تعزز مرونتها وصلابتها بمنطق الحتمية التاريخية لتطور المجتمعات، فلم يوجد في الطبيعة مجتمع ساكن لا يتأثر بمتغيرات بيئته ووجوده وصراعات السيطرة على الموارد.

5- الإرادة الثورية الشيوعية تهزم بمرونة وتطور أنشطتها الناعمة والصدامية بعض محاولات التفكيك والتقسيم والحرب النفسية، وتنتصر عليها وأحياناً تخسر بعض معاركها ولفترات مختلفة قصيرة أو طويلة أو طويلة جداً لكن رغم التذبذب يتواصل التبلور الشيوعي ونموءه الثقافي والعملي، وتتحسن خبراته ويتجود إستعمالها، خاصة مع إستمرار تناقضات الاستغلال تنتج أسئلتها في كل مجتمع وهي تناقضات وأسئلة تغذي إزدهار الشيوعية وتفرهد أفكارها وأنشطتها.

6 - السبب في بقاء شمس الشيوعية وتأثيرها إنها ليست نبت ذاتها أو نتيجة قرار ذاتي بحت، بل نموءها بتناقضات منطق الاستغلال في سياق المراحل الثلاثة لتطور البشر من مرحلة الوحشية إلى مرحلة الأنشطة الإجتماعية إلى مرحلة الإنسانية، وهي تناقضات تفرز ضد وجود الإستغلال وآلياته العملية والفكرية أسئلة الثورة المنطقية وأسئلة المنطق الثوري. والثابت في التاريخ إن الشيوعية تبلورت فكراً وعملاً تحت وطأة قهر عمره آلاف السنين لكن ذلك لم يمنع تكامل ونموء عناصرها حتى انبجست ضد كل ذلك القهر وأصبحت فاعلة شعبية ورسمية كبيرة في تكسيره وفي صنع الحضارة الجديدة "حضارة الإنسان".

7 - الثابت إن الشيوعية كنضال وفكر تزدهر في كل نوع من نوعي الظروف العامة ظروف القهر السلطوي وظروف الليبرالية، وازدهارها في الحالتين بحكم إن الحل المتكامل لأزمات الاستغلال يرتبط بإنهاء أسس وأشكال ذلك الاستغلال، أي بتحرير غالبية موارد وأنشطة كل مجتمع من تحكم التملكات الرأسمالية ونحوها، تحريراً ثورياً أصبح بفضل تقدم الإمكانات المادية والثقافية في العالم وحاجات التحرر والتطور يجمع بفن وهندسة عمليات تأسيس وترسيخ الديموقراطية الشعبية المتكاملة والتنمية المتوازنة.


إنتهى النص








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال