الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 33

علي دريوسي

2021 / 12 / 24
الادب والفن


خيوط عنكبوتية لامرئية كانت تدفعني للاقتراب من رهان. لم أهتم لفهم ماهية هذه الخيوط. بالأحرى تراني كنت خائفاً من فهمها والغوص في التفاصيل. لم أكن مستعداً لإضاعة الوقت في تحليل الحالة التي كنت عليها. في عيد رأس السنة دعتني رهان إلى كاسل مرة أخرى. ذهبت إلى هناك. كانت حزينة ويائسة ومضطربة. بقيت معها عدة أيام. ساعدتها في فرز مئات الكتب والدفاتر باللغات العربية والإنكليزية والألمانية، كانت قد اشترتها بمبالغ كبيرة دون أن تحتاجها فعلاً، أقنعتها بالتخلص من نصفها تقريباً، رميتها في حاويات القمامة الورقية، فرزت ورتبت لها أوراقها الرسمية ومستنداتها الخاصة وفواتيرها وكشوفاتها، كانت قد تناثرت في أرجاء الغرفة بشكل فوضوي.
كما كتبت لها العديد من الرسائل والإيميلات لحل مشاكلها العالقة في مؤسسات تقديم الخدمات. صارحتني بديونها التي تجاوزت ستة آلاف يورو، كان أكثر من نصفها بسبب تكاليف الماء الساخن والنصف الآخر بسبب نفقات عرضية لغرفتها الصغيرة. لم تكن قد أخبرت أهلها بالديون المتراكمة وأكاد أجزم أنها تناست ديونها، لا أعتقد أنها كانت ذهنياً ونفسياً قادرة على قراءة أو استيعاب الرسائل التي تصلها. ومن جهة أخرى شعرت أن عائلتها كانت على علم من مشاكل ابنتهم المالية رغم أن مصروفها الشخصي المقدّم لها من أبيها كان يزيد عن ألفي يورو كل شهر، لكن العائلة سكتت عن الديون آملة بحل سحري قد يهبط من السماء.
في غرفة حمّامها العشرات من علب الشامبو وأنواع الصابون و لِيف الاستحمام ومقويات علاجية للجسم والشعر، وفي الحمّام أيضاً خزانة صغيرة تستعملها كصيدلية للأدوية. لفت نظري أن رهان تستعمل العديد من الأدوية والمراهم والمسكنات والفيتامينات. بعض الفواتير وكشوفات حسابها المصرفي التي رتبتها لها في محفظة خاصة أظهرت لي من دون شك إدمانها على زيارة الصيدليات والأطباء والمشافي.
متى كان ذلك مناسباً لها كانت تقوم بزيارة الطبيب أو الصيدلي أو تستدعي سيارة الإسعاف لنقلها إلى المستشفى دون سبب جوهري باستثناء هلعها الغريب من الأوساخ والأمراض. ذات مرة تأخرت سيارة الإسعاف عن الوصول فما كان منها إلا ان اتصلت بأحد أعمامها المقيمين في مدينة برلين، أخبرته بأن الموت يدنو منها قاب قوسين أو أدنى وطلبت منه المساعدة. فما كان من الرجل إلا أن ركب سيارته وسافر للعناية بابنة أخيه ليجدها في حالة صحية جيدة، أخذها معه إلى بيته لتبقى لديه عدة أيام.
كانت رهان تستحم ثلاث مرات على الأقل في اليوم الواحد بالماء الساخن جداً وكان اغتسالها يستغرق على الأقل أربعين دقيقة في كل مرة. ثم تبدأ بغسل وتعقيم كل شيء في غرفتها: أغطية الفراش والوسائد، وكذلك البطانيات والمناشف والملابس. والدتها قمر كانت تعاني من هذا الوسواس القهري أيضاً، كما فهمت لاحقاً، وإذا ما غسلت قمر الصحون بعد وجبة طعام كانت تهدر أكثر من نصف علبة سائل الجلي.
كانت رهان للأسف دائماً مكتئبة، تبكي طوال الوقت إذا لم يكن أحد لجانبها، كانت تعاني من الحسد وعدم الرضا والإكراه على المنافسة ومن حبها الشديد لأبيها. في أوقات فراغها كانت ترتاد باستمرار مدرسة للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة كاسل، وإذا لم تستطع كانت كثيراً ما تزور صديقتها اليتيمة واسمها بيتي، إمرأة عجوز تبلغ من العمر ثمانين عاماً.
أثناء الليل كانت المسكينة تحلم بصوت عالٍ وبكلمات واضحة، وبشكل أساسي كانت تحلم بجدها ووالدها الذي تحبه أكثر من أي شيء آخر في هذا العالم. لست من تلاميذ العالم السيكولوجي سيغموند فرويد ولا كارل يونغ ومع هذا انتابني الشك بأن الفقيرة رهان قد اغتُصبت من جدها أو أبيها.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة