الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استنطاق الذات والآخر في (كان القمر طفلا) للشاعرة دارين زكريا

طالب عمران المعموري

2021 / 12 / 24
الادب والفن


ثيمات شعرية ،بهاجس سردي ، ذكريات، وتداعيات الطفولة ، احلام ، ووجع، ووله ،حضور للذات الواقعية والحالمة والذات المتمردة والذات الناطقة والصامتة تبني صورا في ثنائية الذات والآخر لا تتشكل في معزل عن تصورها للآخر.
مجموعة شعرية (كان القمر طفلا) الصادرة عن دار تأويل للنشر والترجمة في طبعتها الاولى 2019
في اضمامتها ثمانية وأربعون نصاً نثرياً تفاوتت العنونة الداخلية للنصوص بين الرمزية والواقعية، بلفظ مفرد او مركب بلغة مباشرة وصريحة وأخرى غير مباشرة انزياحيه تخرج عن المألوف
اختارت الشاعرة (كان القمر طفلا )عنونة لنصوصها بلغة شعرية تعبيرية مؤثرة تستقطب المتلقي وتدفعه للفضول لقراءتها استهلت مجموعتها بالإهداء وهو من المناصات المهمة والتي تشكل نصا مجاورا او موازيا للنص وتعتمد هذه العتبة على الانتقال من الأنا الى الآخر كتعبير عن المحبة والتأثر بلغة شعرية شفيفة، وهي عتبة لا تنفصل دلالتها عن السياق العام لنصوصها بأبعادها الدلالية ولها علاقة وثيقة مع عنوان النص جاء الإهداء:
إلى طفلتي إيلن
أعتذر من عينيك السوداوين لأني كلما حاولت أن أجمع لغة الليل بهما فشلت
أعتذر من فمك الذي خانته كفاية حليبي وسأبقى أعوضك بما أستطيع من بياض حب كل الأمهات.
إلى طفلي حمزة
لطالما جمع العالم كل حنانه في يديك الصغيرتين وقبلاتك المتوالية كشموس تتوالد فتسنى لأمك أن تتعرف على معناه. أعتذر من روحك التي حملتها الكثير من مورثات العند والطيبة اللتين أتمنى ألا تخونا ذكاءك المتقد.
أحبكما حد اللاحد يا دنيتاي.
- إلى طفولتي التي كلما حاولت أن أتذكر ملامحها صفعتني ... هذه أنت الكبيرة أتمنى ألا أكون قد خذلت لسانك المتفلسف يا حبيبتي.
وظفت الشاعرة اسلوب المفارقة اللفظية والتي تعد انزياحا لغوياً ، جاءت عنونة نصوص المجموعة بلغة وبدلالة انزياحيه وخروج عن المألوف بما يتضمنه من تشبيه واستعارة وبعض الخصائص الاسلوبية الانشائية كالتشبيه والمفارقة اللفظية:
غواية الحروف/ قميص النهار/ الذكريات خائنة/ظلك اليتيم/غيمة موسيقي/ مربية الارواح/ وجه القلق/ الليل عراب/كحسرة الماء/ حلاوة الجمر/ نتيجة وله/ راعي النجوم/ فزعةُ السماء/
الرؤيا التي انجزتها الشاعرة بطريقة إبداعية يحكمه الاحساس العالي والبناء اللغوي للنص الشعري ،المنولوج الداخلي في أعماق روح شخصية الشاعرة من خلال حوارها مع ذاتها وما تمليها عليها رؤيتها وفضاؤها التخيلي على نحو يتناسب مع فلسفتها الشعرية في مجموعتها وما تفرزها من معطيات: ص9
طفولتي التي لم أعشها
لديها الجزء الأكبر
عفتـه للتنـاسي
كلما طرق بابـي ..
أجبتـه : لست هنا

مني هـو هذا الحـوار الدائـر
بيـن الـحـقـيـقـة و العبـث
مني هـذا الضـوء الشارد
للتعرف على الوجه الآخر
لعتمة العـدم
أنا الـنــاقـصـة
أقاتل مرآتي إن واجهتنـي
وأقنعني بأنها كاذبـة
أنـا هـنـا بـكـل كـلي
أقـول لي و أصدقني
... الاكتمال صفة ناقصة.
القيم الجمالية في شعر دارين التي تجلت وانعكست في نصوصها خصوصية اللغة على مستوى اللغة الشعرية،( الصور، الجمال، الموضوع)
ترسم لنا الشاعرة بلغة ابداعية نابعة من هواجس نفسية ترسم لنا صورة او صور متعددة أمام المتلقي صورة لغوية تجديدية تعطي للقصيدة دلالاتها بعيدا عن السطحية المملة:
أحبني أكثـر
أحبـك لكني أحبنـي أكثـر
أداريـك كطفـل وهـمي
أنجبتـه عـاقـر تهدهـد أمومتها نُعاسه
تطعمه.. تناغيه ثم تبكيـه
أداري قلبـي أيضاً كـأم
تعـض أصابـع طفلهـا
كلمـا حـاول مـدهـا
ليكتشف لغز إغراء النار
لكـن أصابع قلبي تـؤلمنـي
أداويها بالكي
أما على مستوى النصوص ففيها من الجمال والصور الشعرية مليئة بالانزياحات اللغوية ومن استعارة ومجاز واضداد وأنسنه للأشياء والامكنة ومفارقات لفظية تبهر المتلقي:
تردد الثلج/ صوت خطواتي/ أقاتل مرآتي/ مسافة قلق/ تغري قميصك/ الحروف المثقوبة/ بوابة الزمن/ أديم ظلي/ غسله النهار/ يشمت بهرجها/ تحبلُ بالربيع/تحرثان الافق/ تزرعان نور أناك/ شهية الدّهاء/ حزن أخرس/شفاه الليْت/ خنجر الليل/ قلب الشفق/ دمع حرف/أقرأ الليل/ تندلق روحي/
اختيار الشاعرة للمفردة ، في عملية انتقائية تقوم بها جاعلة من المتلقي والنص في حسبانها وهو مبدأ من مبادئ المقاربة الاسلوبية واختيارها الواعي للكلمات وصياغتها لتؤدي الصورة الادبية ووظيفتها التأثيرية والبلاغية والجمالية
نزوع الشاعرة في بعض قصائدها الى لغة الوميض الشعري فلها ومضات جميلة بلغة شعرية ذات ايحاء تميزت بالإيجاز والتركيز وكثافة التوَتُّر. عَصَبُها (المفارقة)، والانزياح، والترميز، تعبير شفاف مسكون بهاجس الابداع والانزياح العميق كما في ومضاتها الشعرية:ص51

لم أكنْ أدري..
أنّ عمري
قبلك كان كذبة

لم أكن أعلم
أك طفل
بربري في بره
وأني سخية..
لأغفر بعد ثالث ذنب

ايها المتسلل
المعقد السلس
الضاج بأفكار
عصيّة على يسرِ الولادة

الهادئ كبسمة حكيم
خبر الموت حيّاً

الغامض كأنك
حلم نجمةٍ
تمردت على أعرافِ
قبيلتها ونامت

الواضح كانفلات
بصيرة الفجر

الغادر كخنجر الليل
المغروز في قلبِ الشفق
الصادق كلسان سكير
الكاذب كخديعة الخلّ
كذلك اولت الشاعرة عنصر الزمان اهتماما كبيرا لما تدركها كونه عنصر فني مهم ووسيلة من وسائل التشكيل في التجربة الشعرية حيث هو من ابرز العناصر التي احاطت بشعراء الحداثة وما بعد الحداثة حيث تعبر عن تجربتها باستغلال الطاقة الزمنية ورموزها، تدور فيه مجموعة من الدوال والمفردات للأزمنة التي احسنت الشاعرة استخدامها:
النهار، يوم، ليلة، البارحة، الساعات، الليل، خريف، لحظة، الفجر، الربيع ، الايام، الماضي ، المستقبل، المساءات، الصباح، قديم، جديد، الغدوة، عمر، سنين، سنة، عام، غد، الزمن، على حين غرة، الوقت،...


حاولت الشاعرة أن تلفت انتباهنا الى طبيعة واهمية الصورة في البناء
الشعري لقصائدها من خلال تراكم الافعال التي اضفت الطابع الحركي للصورة بما ينطوي عليه الفعل من قوة يكاد هذا الطابع الحركي هو الغالب والذي يعطي قيمة دلالية وجمالية للنص كما في :
أحاول / أرتبني / احب /يتخلق / يسابق/يختنق/يصر/يتعرف/اجبته/اقنعني/تطعمه / تناغيه/تستشعر/تنتظر/تغري/ تدس / تمشي/تتوسع/تتراءى/تسحب/يتندر/تلاعبهم/ تضحكهم/تعيد/يصرخون/ينوحون/يختبئون/ينامون/يستيقظون/يتمردون/ /تبكيهم/تلاعبهم/تهمس/تهبهم
اعتمدت الشاعرة أسلوب التكرار في الكثير من نصوصها سواء تكرار حرف او كلمة او عبارة حيث اسهم بإبراز فاعلية الحدث وتعميق الصورة البلاغية وتعبر عن أقصى حالات الانفعال العاطفي في الذات الشاعرة كما في المفارقة اللفظية في نص (عيناك لو أستطيعهما): ص37
عيناك ببحرين أسودين/ عيناكَ لو استطيعُهما اغسلني بمائهما/ عيناكَ .. تعويذة ذئب يوسف/ عيناك الشجيتان ..لحنٌ.. يرددهُ النّهر كل يومٍ / عيناك الوفيتان لعزة دمعِ اليتيم / لو عيناك قطعتان من جحيمٍ/ عيناك .. الصارختان بشهية الدهاء/
وفي نصها (لا يُسأل القلم) :ص88
نحن الذين ننحتُ الروح/ نحن من ضيعتنا الجهات/ نحن الذي نحمل الحياة ونمشي، دون حس بالثقل/ نحن هنا.. ولم نكن يوماَ هنا
والتكرار في الجملة كما في نصها (نظنها نجوماً )فقد وردت جملة، ( تماماً حين) خمسة مرات :
تماماً حين
يبدأ النعاس يوسوس
لأجفانهم بضرورة الانسدال
تماماً حين
يتعطش حزنهم لدمعةٍ
وتوافقهم عيونهم
متواريةً عن شماتة الآخرين
تماماً حين
ينهدون بآه مخنوقة الصوت
تماماً حين نيرفانا..
تماماً حين وحين
هل لامستم الحين؟
نعم تماماً
نلمس من خلال قراءتنا (كان القمر طفلا) حضور للذَّاتِ الانثوية بِبُعدِهَا الإنْسَانيِّ الشَّخصيِّ، وَوَقائِع حَياتِهَا اليَوميَّةِ، وَأشْيَائِها الصَّغيرةِ، وَتَفَاصِيلِها الشَّخصيَّةِ واثبات وجودها الفعلي والتأكيد على هويتها في ثنائية مع الآخر كون بناء صورة الذات يقتضي وجود الآخر سواء كان نظيراً أو نقيضاً او مختلفاً ، استطاعت الشاعرة عبر منولوج داخلي وبهاجس سردي محافظة على لغتها الشعرية تقوم على الماضي يضفي عليه طابع الانفعال الداخلي العميق ، تدور فيه مجموعة من الدوال والمفردات التي أحسنت الشاعرة في استخدامها نراه جليا في المنولوج الداخلي لنصها (دارين) ص 70:
بالرغم من أنكَ أنت
جاهلٌ بالأبجد هوّز ما زلت
تعالَ لأعلمكَ لغتي من البداية
أكتب
الدال: دُر في دوّامتي سبعاً.. تحظى بالدّرر
الألف : أينما وليتَ قلبك.. لدياري اهتديتَ
الرّاء: روحي أنتَ وانها لرواحُك ولجوئُك
الياء: يتيمٌ قلمكَ دون محبرتي وانك لشعرِي
النون: نونهنّ نردي وان لم تصدّق
فرد لعينيكَ ثانيةً وردي

لا ضير ان أخطأتَ
فما علّمتك دنياكَ
كان الألف
وستعرفُ الباقي
من مدّ وجزر ودّي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا