الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحكومة التي نريد

بسام الصالحي
الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني

2006 / 8 / 30
القضية الفلسطينية


عضو المجلس التشريعي الفلسطيني
الامين العام لحزب الشعب الفلسطيني
اولا: مقدمة لا بد منها
بعد ستة اشهر من خطاب الاخ خالد مشعل الاول بعد الانتخابات، والذي اعلن فيه جاهزية حركته لكل الاحتمالات، بما فيها تأمين الاموال للسلطة الوطنية ،يتضح ان هذا الخطاب كان خطابا حماسيا في احسن الاحوال، او خطابا قائما على ضعف تقدبر للواقع الملموس، ليس فقط للسلطة الوطنية التي تقدمت حماس لقيادتها في خطوة صحيحة من المشاركة في الانتخابات، ولكن ايضا للوضع الاقليمي والدولي الذي يحيط بالواقع الفلسطيني كما يحيط بغيره ،وان التعامل مع هذا الواقع لا يخضع فقط للرغبة او الايديولجيا او حتى الحقوق ،وانما ايضا للتوازنات والحسابات الدقيقة وحسن الادارة والسياسة.
وبدون شك فان الاعتراف الذاتي بخطأ هذا النقدير، والذي كان تقديرا رسميا لدى قيادة حماس التي فشلت في تشكيل حكومة وحدة وطنية، هو المدخل للتعامل بجدية مع امكانية تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، هذا بالاضافة الى اهمية توفر الحساسية المطلوبة لتقدير حجم المعاناة والمصاعب الهائلة التي غرق فيها المجتمع والاقتصاد الفلسطيني، والتداعيات الاجتماعية والامنية المتفاقمة لهذا الوضع، وعدم قدرة الحكومة نتيجة مجمل الظروف الناشئة امامها، وفي مقدمتها اجراءات الاحتلال والحصار الدولي والاقليمي ،على معالجتها،هذا بالاضافة طبعا الى مخاطر تدهور مكانة القضية الفلسطينية في الواقع السياسي الجديد، والحسابات الاقليمية الاوسع التي تقف في اولوياتها لبنان وسوريا وايران والعراق، هذا التقدير مطلوب من حركة حماس. وفقط في اطار ادراكه، طوعا او الزاما، يمكن التقدم بجدية نحو تشكيل حكومة الوفاق او الانقاذ الوطني.
ولكن التقدير الاخر المطلوب ايضا هو ادراك حركة فتح ان ليس بمقدورها العودة للحكم كما كان، وان الانتخابات ليست سحابة صيف اقصر من المدة القانونية لاجراء انتخابات جديدة، او التصوير ان الازمات قد بدأت فقط مع وجود حماس في السلطة.
هذا غير صحيح اطلاقا. فالمسيرة السياسية كانت معطلة ليس فقط بسبب سوء الاداء الداخلي، بما فيه الامني والذي لم ينجح في معالجته اعضاء نادي وزراء الداخلية الفلسطينببن المتعاقبين، وانما بسبب خلل جوهري في اطار وآليات العملية السياسية، وفي مضمونها ايضا الذي بات يستبدل جوهرها في انهاء الاحتلال وتنفيذ قرارات مجلس الامن بتسويات جزئية ومرحلية تحددها اسرائيل.
هذا الامر ينطبق ايضا على سوء الاداء الداخلي في ميادين الادارة والاقتصاد، واستخدام المال العام والامن وغير ذلك مما لم تكن الاصلاحات الجزئية له بقادرة على مناهضة حجم وضخامة المصالح والامتيازات والمكاسب التي تكونت لشريحة محدودة في السلطة، تحارب بكل الوسائل كي تعود للاستئثار بها.
ان الوضع الذي حول السلطة، حسب وصف لامع للمفكر الفلسطيني الراحل بشير البرغوثي، الى سلطة "مكانة ومال "لا يمكن ان يكون هو ايضا مدخل النجاح في تشكيل حكومة الوفاق او الانقاذ الوطني .
ويمكن ان يقال ايضا بتواضع الانجازات للبرنامج الذي خاض الرئيس ابو مازن على اساسه الانتخابات حتى قبل ان تنجح حركة حماس .
فقد افشلت اسرائيل فرصة الانفراج السياسي ، على اساس المقترحات التي قدمها ابو مازن بشأن التقدم السياسي الذي انتهى بخطة الانسحاب احادي الجانب، وانصياع اللجنة الرباعية لها، وبعدم استئناف المفاوضات رغما عن خطة خارطة الطريق ،طبعا مع استمرار بناء الجدار والاجتياحات والحواجز والاغتيالات، وغير ذلك من الممارسات الاسرائيلية .
وعلى الصعيد الداخلي استمرت الفوضى الامنية التي تحملت المجموعات المحسوبة على فتح - اي على تنظيم الرئيس - مسؤوليتها . وبدرجات متفاوتة استخدم المال العام ايضا كمال سياسي ، وتجلى ذلك بوضوح في الانفاق الذي سبق الانتخابات وسلسلة التعيينات التي اعقبت نتائجها وغير ذلك من الممارسات.

ثانيا: المهام الملحة لحكومة الوفاق الوطني

واذا لم يتوفر الاستعداد الجدي على اساس ما ذكر ، فان النقاش حول الحكومة سيظل دائرا في نطاق الحسابات الضيقة والمناورات، وسيطغى ذلك على الجدل المطلوب حول اولويات مهام الحكومة واليات تنفيذها،التي ينظر اليها كجزئيات ،بينما انها هي الجوهر، اذا ما اريد الا يكون تشكيل الحكومة مجرد صفقة صغيرة بين التنظيمات، لا تلبث ان تعيش مأزقا جديدا فور تشكيلها.
ان وثيقة الوفاق الوطني التي بنيت على وثيقة الاسرى ، تمثل المرجعية لبرنامج الحكومة المتوافق عليه داخليا ،والتي يمكن العمل بهديها على مختلف الاصعدة. ولكن المهام الملموسة للحكومة عليها ان تعالج اربع قضايا اساسية:
1-وقف التدهور في المكانة السياسية للقضية الفلسطينية ،ووضع خطة تحرك سياسي تسمح بذلك على غرار النقاط السبع للحكومة اللبنانية ،بما يسمح بتوحيد اللغة الفلسطينية تجاهها من مختلف الاطر والمؤسسات والقوى ،وتشكيل لجنة متابعة سياسية عليا للعمل عليها بالتعاون مع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ،بما في ذلك تعزيز جهة التمثيل الرسمي الفلسطيني ،وهو هنا الرئيس ابو مازن ،وتشكيل اصطفاف واسع خلف هذه الخطة من القوى والمجلس التشريعي والحكومة ،بما يسحب اي ادعاء بغياب او ضعف او لا وجود للعنوان او الشريك الفلسطيني .
ان هذه الخطة هي بالتأكيد لم تعد خارطة الطريق . وليست اللجنة الرباعية هي الالية لتحقيقها . بل ان جوهرها المباشر هو تنفيذ قرارات مجلس الامن بانهاء احتلال الاراضي الفلسطينية ووضع الاليات لذلك . ومدخلها هو التوجه المباشر لمجلس الامن بموقف عربي مشترك من اجل انجازها ،واستنادا لمبادرة السلام العربية . اما ادواتنا لذلك فهي رفض العودة الى دوامة المفاوضات السابقة والعمل على استعادة كسب الحلفاء في الجمعية العمومية والمؤسسات الدولية بما في ذلك عقد مؤتمر دولي جديد للسلام ،والتقدم بطلب اجتماع عاجل، بعد اعلان مبادرة فلسطينية متفق عليها ،للجمعية العمومية لتطبيق قرارات محكمة لاهاي ،وكذلك لاستئناف انعقاد مؤتمر الدول السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة. لبحث اجراءات هذه الاتفاقية على الاراضي الفلسطينية ، باعتبارها اراضي تحت الاحتلال ،وهو المؤتمر الذي عقد عام 1999 ولم يستكمل اعماله.
وعلى هذه الخطة ان تطرح آلية بديلة للتعامل مع الاشتراطات الثلاثة التي تطرحها اللجنة الرباعية للتعامل مع الحكومة . وفي سياقها يمكن ان ينسق الرد على هذه الشروط وفقا لوجهة النظر الفلسطينية ،وبما يعتبر ايضا جزءا من المعركة السياسية التي ينبغي كسبها . وفقط على سبيل المثال فان موضوع الالتزام بالاتفاقات يجب ان يكون متبادلا، خاصة وان اسرائيل انتهكت تماما كل هذه الالتزامات، وقوضت جوهر اسس قيام السطة الفلسطينية ذاتها.
2-وقف الكارثة الاقتصادية والمعيشية للجماهير الفلسطينية:
ان الوضع الكارثي الاقتصادي والمعيشي يشكل تحديا شاملا لاية حكومة فلسطينية . فمعدلات الانهيار والتراجع في الاقتصاد الوطني كارثية. وكذلك هو الحال بالنسبة لمعدلات الفقر والبطالة لجماهير العاطلين عن العمل . واحتياجات اعادة الاعمار في قطاع غزة . وغير ذلك من متطلبات قطاعات الصحة والتعليم والتنمية في مجالات الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة وغيرها.
ان نسبة الفقر وتناميه في فلسطين، وهي ظاهرة جديدة منذ ما بعد الاحتلال ،تجاوزت الان كونها حالة عرضية تنتهي بفك الحصار. بل انها ستلازم الواقع الاجتماعي والاقتصادي لردح من الزمن، حتى في ظل الخطط والموازنات لمواجهتها . وينطبق الامر بدرجة معينة ايضا على البطالة ،خاصة وان القطاع العام او الحكومي وهو اكبر مشغل لا يستطيع ان يجابه هذه المشكلة. كما ان ظروف اغلاق سوق العمالة الاسرائيلي تزيد من حراجتها وخاصة في قطاع غزة .
ان النهوض بعبء معالجة الواقع الاقتصادي والمعيشي هو اكبر من حجم العبء المباشر الذي يواجه معضلة رواتب موظفي السلطة الوطنية، والتي تجلت اثارها الواضحة على مجمل الاقتصاد الفلسطيني، وعلى الواقع الاجتماعي ايضا، والذي يهدد بالشلل قطاعات حيوية مثل التعليم والصحة ومختلف الخدمات الاخرى .
كما ان ذلك يطرح بوضوح معضلة احد اهم استراتجيات السلطة الوطنية المفترضة وهو تعزيز صمود الشعب الفلسطيني على ارضه في وجه المخطط الاسرائيلي المباشر وغير المباشر للتهجير.

3-وقف الكارثة الامنية والانفلات في وجه المواطن والسلطة
لقد بلغ معدل الانفلات والفوضى الامنية درجة لايمكن السماح باستمرارها . ولن تنفع الحجج والتبريرات والذرائع الواهية في خلط المقاومة وسلاحها النبيل بظواهر الزعرنة والفوضى والانفلات ،من اجل تبرير الوضع المأساوي الذي آلت اليه الامور ،في غزة تحديدا، وكذلك في الضفة الغربية في نابلس وجنين وغيرها.
ان المشكلة ليست ان يتم التوافق النظري على رفض الفوضى ،ولكن في الاستعداد الفعلي لاتخاذ خطوات جادة في هذا السبيل . بمعنى ان يكون هناك مجلس امن قومي فعلي يضم حميع الاحهزة المختصة وتسنده ارادة سياسية وتنظيمية حازمة من كافة القوى، ولديه خطة متفق عليها لوقف هذه الظواهر .،وان يباشر العمل بمقتضاها وتنفيذا للقرارات التي تتخذها الحكومة على اساس هذه الخطة.

4-تنفيذ خطة حقيقية وجادة للاصلاح ،بما يشمل كافة المجالات ،في مؤسسسات السلطة وخارجها .
لقد خاضت كافة الكتل الانتخابات على اساس برنامج للاصلاح . وحتى الان لا تجري خطوات فعلية للاصلاح . هناك تغيير ولكن ليس بالضرورة اصلاح . ولذلك فان من اولويات الحكومة ايضا تنفيذ خطة اصلاحات مباشرة وبعيدة المدى في مختلف المجالات، وبالرقابة الفاعلة على تنفيذها، وكذلك على اشتمالها على المؤسسات المختلفة ،الاهلية وشبه الحكومية وغيرها.

ثالثا:آلية تشكيل الحكومة

ان حكومة من هذا القبيل هي اشبه بحكومة طواريء ،يجب ان تكون قوية ،حازمة ،مهنية،ومقاتلة،وتعمل وفق خطة واسناد سياسي وجماهيري كبير لها.
انها وبكل المعاني حكومة انفاذ وطني ،سياسي ،اقتصادي ،امني ،اجتماعي ،ويجب ان تجند معها كامل جهد وطاقة القوى السياسية واعضائها وجماهيرها ،وجماهير الشعب الفلسطيني ،وان تعمل بالتناسق التام مع المؤسسة التشريعية، لاجازة القوانين التي تسهل تنفيذ اعمالها، وان تحظى بدعمها الكامل في خططها الاصلاحية.
وبهذا المعنى لن ينفع ان تكون حكومة تكنوقراط . وبهذا المعنى لن ينفع ان تكون حكومة صفقة تنظيمات . وبهذا المعنى لن ينجح ان تكون حكومة حسابات صغيرة لضمان اغلبية التصويت فيها . فهذا النوع من الحكومات يعتمد على الاجماع او الغالبية الكبيرة جدا . ولدينا مثال قريب يمكن الاستفادة منه في لبنان . فحزب الله اقلية عدديا داخل الحكومة . ولكن الجميع يعلم ان قرارات الحكومة اللبنانية ما كان لها ان ترى اي نور دون آلية الاجماع التي اعتمدتها ،وتقدير كل طرف فيها لعوامل قوته وقوة الاخرين كذلك ،وليس ضعفهم فقط .
ان هذا الفهم للحكومة هو الوحيد القادر على بنائها وانجاحها ،فبالتأكيد لن تنشأ حكومة انقلابية . والكتل في التشريعي منحت مظلة امان للحكومة ردا على الاعتقالات الاسرائيلية . وعلى حماس ان تمنح مظلة امان" للمستقبل" بعدم التوقف عند حساب الاغلبية العددية للوزراء او غيرها من حسابات"استمرار الحكومة بأي ثمن ". فهذا لن ينجح في معالجة المصاعب المتفاقمة ولكن سيكرس واقع وجود حكومة غير قادرة على العمل.
ان الآلية الواقعية للتقدم في الحوار حول تشكيل الحكومة وحسم امر هذا الموضوع ،تتطلب مبادرة الرئيس ابو مازن بالاجتماع مع كافة القوى والكتل البرلمانية والاوساط الاجتماعية التي وقعت وثيقة الوفاق الوطني،والتشاور مع كل منها حول رؤيتها لتنفيذ هذا البند في وثيقة الوفاق الوطني ،والشكل الذي تراه للحكومة وبرنامجها وعضويتها ورئيسها . فامر تشكيل الحكومة تجاوز الحوار الثنائي بين الرئيس وحماس . وكلاهما سيتحمل المسؤولية المباشرة عن استمرار الحالة الراهنة والتراجع القائم فيها.
وعلى الرئيس بعد ذلك ان يبلور تصورا للحكومة يعيد طرحه على الجميع، ويناقش معهم التعديلات الممكنة ،ويطلب الموقف النهائي من كل طرف على ضوء الصيغة النهائية التي يبلورها بعد التشاور . وعلى ضوء ذلك يتوجه الى المجلس التشريعي والى الشعب بالخلاصة التي تبلورت ايا كان شكلها.
وعلى اساس هذه الخلاصة التي يمكن ان تنجز خلال اسبوع او اسبوعين ،سينتهي الشعب الفلسطيني وسياسيوه الى حسم امر حكومة الوفاق او الانقاذ الوطني ،وما الذي عليهم ان يفعلوه في حال نجاح تشكيلها او الاخفاق فيه .
وفي هذا السياق يبدو من الطبيعي والسياسي والاخلاقي ان الوزراء المعتقلين يجب ان يكونوا جزءا من هذه الحكومة ،مع استمرار المطالبة بالافراج عنهم وعن رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني والاخوة النواب المعتقلون ،وايجاد الالية الملائمة لانجاز الافراج عنهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين أنستغرام والواقع.. هل براغ التشيكية باهرة الجمال حقا؟ |


.. ارتفاع حصيلة القتلى في قطاع غزة إلى 34388 منذ بدء الحرب




.. الحوثيون يهددون باستهداف كل المصالح الأميركية في المنطقة


.. انطلاق الاجتماع التشاوري العربي في الرياض لبحث تطورات حرب غز




.. مسيرة بالعاصمة اليونانية تضامنا مع غزة ودعما للطلبة في الجام