الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن نحب بعضنا البعض 1974: كنا نظن بأنننا سنغير العالم،لكن العالم غيرنا

بلال سمير الصدّر

2021 / 12 / 25
الادب والفن


هو الفيلم الذي اطلق ايتوري سكولا الى عالم النجومية،ومنه،ومن خلاله بدأ سكولا يسطع نجمه كمخرج عالمي،على ان الفيلم يمتلك نكهة ايطالية خاصة...بل خاصة جدا
يبدأ الفيلم مع الاسترجاع،بحيث يقرر أنطونيو العودة الى الوراء ثلاثين عاما ليسرد الحدث المرتبط بهم جميعا في فيلم عالي المستوى الفني ولكنه خالي من اي حبكة مركزية في نفس الوقت،ومحمل بالهم السياسي ايضا،ويبقى الفيلم عن ايطاليا...عن ايطاليا تحديدا وليس عن اي بلد آخر.
بعد الحرب تختلف مسارات الاصدقاء الثلاثة المرتبطون برابط ودي اسمه الصداقة....
أنتنويو(نينو مانفريدي)،رجل لايستطيع عدم البوح بآرائه السياسية فينتهي كممرض متواضع في احد المستشفيات الحكومية،خاصة ان ايطاليا كانت تعاني نوعا من الانفلات وتعدد التوجهات السياسية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وهناك سرعان ما سيتعرف على لوسيانا(ستافانيا ساندريلي)،الممثلة المغمورة والتي تطمح بالصعود والتي ستقع في غرام المحامي (جياني-فيتوريو غاسمان) صديق انتونيو القديم الحميم.
يستخدم ايتوري سكولا في استرجاعه الابيض والأسود...اسلوب من الممكن دعوته بالوثائقية الخنثى
تتحدث الشخصيات الى الشاشة بينما يتحرك الحدث أمامنا،هي تتحدث عن انطباعاتها ومشاعرها عن ما يحدث،بل واحيانا تتوقف لتسرد الحدث الخاص المتعلق بشخصية واحدة أو شخصيتان على الأكثر....هنا وثائقة ملطخة بالحدث السردي الفيلمي.
يتوقف المشهد بكامله وكأن لوسيانا خارج اللحظة وخارج المكان برمته،وكأن العالم برمته يخصها ويخص جياني فقط....
تقول لوسيانا:أحبك حقا جياني،علافتك لدقائق قليلة ووقعت في حبك...هذا مثل بعض روايات المسرح الرومانسية،هل يمكن ان يحدث شيء كهذا في الواقع...؟!
ومن ثم يسقط جياني هذا الزمن المتوقف الخاص،بل الخاص جدا:
يمكن ان يحدث،طالما أنه يحدث لي،لكن لايجب ان يحدث لأن أنتونيو صديقي...هل تكسب الصداقة أم الحب؟
هل ستختار الصدق...أم السعادة....؟!
الواقع هنا معلق على شخصيتين فقط كتقنية جميلة وملفتة للنظر لشرح المونولوج الداخلي فيها صراحة من كلا الطرفين تضم السرد الكامل الداخل والخارج...ما يدور على اللسان وما يدور في الذهن...
تختار لوسيانا جياني الذي سيستخدم مهنته كمحامي للصعود والتسلق البرجوازي....
ثم نأتي للصديق الثالث نيكولا بالمبو المهتم بالنقد السينمائي ذو النظريات السياسية المناصرة للبروليتاريا والطبقة المسحوقة،ونلتقي معه مع فيلم سارق الدراجة....لكن ماذا يقول المثقف البرجوازي-مثقف السلطة-عن هذا الفيلم(سارق الدراجة):
أفلام من هذا النوع تهين الذوق العام والفقر والجمال،قمامة كهذه تلوثنا في العالم بمشاهدتنا هذه الافلام-الغسيل القذر يجب ان يبقى في المنزل....
طبعا يدافع صديقنا المثقف عن هذا الفيلم،حيث يتهم من قبل البرجوازية بأنه يثير صراع طبقي،وكان عليه أن يختار بين مثله العليا وعائلته،فيختار طبعا مثله العليا.
لنتأمل في هذا الحوار بين انتونيو وصديقه التقدمي-يبدو بأنه شيوعي بروليتاري-:
خذ مثلا جياني ....هل هذه طريقة للتعامل...؟
ألا يجب ان تكون الصداقة فوق كل شيء؟ّ!
نيكولا:لاشيء ضد غيره...أيضا أنا ضد الصداقة،أنها مؤامرة بين القلة ...أنه تواطؤ ضد المجتمع
أنتونيو:بهذا الوصف قد اتفق معك...
الفيلم يسترجع بقوة فيلم مانهاتن للودي ألن
جياني محامي،وأنتونيو شبيه بالممرض والثالث(نيكولا) محاضر مهتم بشدة بالسينما،عاطل عن العمل وكلهم يواجهون الواقع الايطالي الصعب والأليم لإيطاليا ما بعد الحرب العالمية الثانية،وكأنهم لم يكونو في يوم الأيام منخرطين في هذه الحرب،بل من ابطال هذه الحرب....هم وكأنهم الآن من مخلفات الحرب.
لكن الناقد السينمائي يشرح للوسيانا الممثلة المغمورة عن المدرعة بوتمكين،إذا من الممكن القول ان الفيلم هو السينما نفسها في زمن كانت فيه السينما وسيلة جمعية لتثقيف الشعب برمته.
بينما يحضر أنتونيو تصوير فيلم الحياة حلوة،فنرى المايسترو بشخصيته الحقيقية ومارسيلو ماستروياني وجها السينما الايطالية في ذروتها واوج عطائها،ليقابل لوسيانا الذي اعاد علاقته معها بعد ان انتهت قصة حبها مع جياني بذلك الأسى المعهود...
إنه كما قلت:فيلم عن السينما الايطالية نفسها....هو احتفالية بالسينما الايطالية وفي نفس الوقت تسليط الضوء على السقطة الثقافية التي تواجه بها السينما المجتمع...هناك افلام للحب وهناك أفلام للثقافة ...وهناك افلام تجمع كل شيء ....تجمع كل شيء
ومن ثم ننتقل الى القطب الثاني من السينما الايطالية،مايكل أنجلو |أنتونيوني....لنكتب هذا المونولوج الداخلي:
في 4 مارس 1974 رأيت الخسوف لأنتونيوني وتركني مندهشة
عدد من الفنانين استوعبو العمق في الروح الانسانية تنير عزلتها من دون ا ي وشاح،في سريان مع باقي البشرية.
فنانين مثل ساغان،فولين،ولكني اشعر بدفْ أكبر في التواصل مع الجمادات منه الى البشر....
أشعر ان هناك ميت يتحدث إلي لكنني لا افهم لغته بعد،أحتاج الى وسيلة للتحدث الى الموتى الذين هم في كل مكان حتى في هذه الغرفة،وأتساءل هل يمكن في المستقبل وجود حديث من جانب الأحياء...هل استطيع التواصل معهم...؟!
الفيلم وكأنه يقتبس من السينما ويعيد تشكيل الواقع من خلالها...هذا المونولوج الداخلي السابق قدم من خلال اليدا ابنة الماركيز المتهمة من قبل زوجها جياني-والذي كان قد صعد من خلال أبيها-بالانحدار الثقافي ولكنها اصبحت أكثر ثقافة ووعيا منه....
وبعد ان يذكر الن رينيه والعام الماضي في مارينباد،نشاهد نيكولا وهو يحضر حفل أدبي يحتفي بدي سيكا:
يطلب منه أحد الحاضرين الذهاب والحديث مع مخرجه المفضل:
يقول نيكولا:معذرة أنا بالمبو،أرسلت اليك النصوص والمواضيع والاطروحات مثل مئة الف بالمبو آخر...أود التحدث معه عن أمور أهم:الآمال العظيمة،الآمال،خيبات الأمل
كنا نظن بأنننا سنغير العالم،لكن العالم غيرنا
وهكذا لن يحدث اي شيء...ياتقي الثلاثة صدفة محملين بالخيبات،فأنتونيو لازال فقيرا معدما،بينما جياني يفوز بالعزلة في منزل مقفر الكل فيه يبحث عن الآخر...يقول جياني:جيلنا مقرف
أنتونيو:لماذا....أنظر الى نيكولا ماذا فعل نيكولا
تخلى عن عائلته وعمله،وفوق كل هذا اصبح يخربش عن الأفلام القديمة ويصفها بكلمة رذيلة
ويلتقو الثلاثة مع لوسيانا ولمن لاشيء يتغير....أنهم بالرغم من كل شيء يحبون بعضهم البعض
الفيلم هو عن جيل بأكمله لم يستطع التماشي مع الواقع المختلف لإيطاليا ما بعد الحرب،وواجهو الحياة بمبادئ ومثل انقرضت وكلهم فشل بطريقته الخاصة،وكأن الشخصيات كلها تطلب توقف الزمن لكي تبقى تعيش في لحظة جمعتهم في يوم الأيام...
إذا لاغرابة بأن يهدي ايتوري سكولا فيلمه هذا الى:فيتوريو دي سيكا
19/10/2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الممثل الباكستاني إحسان خان يدعم فلسطين بفعالية للأزياء


.. كلمة أخيرة - سامي مغاوري يروي ذكرياته وبداياته الفنية | اللق




.. -مندوب الليل-..حياة الليل في الرياض كما لم تظهر من قبل على ش


.. -إيقاعات الحرية-.. احتفال عالمي بموسيقى الجاز




.. موسيقى الجاز.. جسر لنشر السلام وتقريب الثقافات بين الشعوب