الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 34

علي دريوسي

2021 / 12 / 25
الادب والفن


أعتقد أني، خلال علاقتي بالأنثى الراقية رهان، قد خسرت العديد من مشاريع العلاقات العاطفية والصداقية وأغمضت عينيّ دون إرادة أو وعي مني عما يحصل حولي وضيّعت بذلك فرصاً ما كان ينبغي أن أضيّعها، أعترف الآن أني كنت أكثر غباءً وبلاهة من تلك المسماة رهان، ذلك الكائن الذي لا يمكن لإنسان عاقل مناقشته ولا عناقه ولا تقبيله ولا مداعبته، لا أفهم حتى اليوم ما الذي ارتكبته بحق الله كي يعاقبني بانشغالي الأحمق بهذا المخلوق الفضائي، لماذا أنا حصراً!؟ يا لها من عقوبة بشعة كتجربتي معها، ألا يكفي ما نلته من عقوبات ربّانية منذ طفولتي وحتى هذه اللحظة؟ أيمازحني الله أم يختبرني؟ إذا لم يكن الله هو من شاء وقدّر لي أن أقع في هذا الفراغ الموحل، فمن إذن؟ هل خطّط صديقي منير لإيقاعي في هذا المستنقع والتلذذ بمعاناتي؟ هل مارست المشعوذة رهان ـ لعنة الله عليها ـ السحر عليّ؟ أم كتبت لي أمها قمر؟ في الحقيقة لم أدر وما زلت إلى هذه اللحظة لا أدري ولا أستوعب ما حصل معي.

خلال تورطي بها دارت في فلكي بضع نجمات راقصة رائعة دون أن أتمكن من مراقصتها كما تقتضي الطقوس، ما زلت أندم على فقدان تلك النجمات، ها هي سلمى ـ نجمة النجمات ـ على سبيل المثال تكتب لي من غرفتها الطلابية في جامعة فيينا رسالة ورقية بريئة تعاتبني فيها بعفوية غصن ليمون أخضر.

جاء في رسالة النجمة سلمى:

قالوا لها: أحمد شاب ناجح وظريف.
قالت لنفسها: ولما لا! لما لا أتعرف على هذا الشخص الذي استطاع أن يثبت وجوده في هذا البلد المجنون، لربما أصبحنا أصدقاء.
هاتفها، فأعجبها صوته وطريقة كلامه وتفكيره وضحكته.
أصبحا يتحادثان لأوقات بدت لها طويلة، تكلما بمواضيع مختلفة، صار يرسل لها رسائلاً قصيرة جميلة.
قال لها: أحس بأننا نشبه بعضنا البعض وأتمنى أن نكون أقرب.
لم تحبّذ استعجاله وقالت له: ربما لن أعجبك!
حين دعاها لزيارته لم تفكر طويلاً مثل بعض"الفتيات" الشرقيات الأخريات ولم تقل له: لما لا تأتي أنت لزيارتي؟ قالت لنفسها: لما لا؟ وقرّرت القيام بخطوة جريئة، السفر إليه رغم المسافات الشاسعة الفاصلة بينهما، لأن شيئاً مجنوناً داخلها هجس لها: وليكن .. ليس من الضروري أن نحسب خطواتنا دائماً .. من الجميل أن نقوم بخطوات غير مألوفة أحياناً.
استغرقَ سفرها نهاراً كاملاً لكنها لم تشعر بالمسافة ولا بتعب السفر بل بالسعادة .. في مقعدها في القطار استأنفت قراءة كتاب شيق يتطرق إلى بعض الأحداث القريبة إلى ما تفعله. حين دخل القطار إلى محطة السكك الحديدية في مدينته كان ينتظرها على رصيف محطة القطار، وإذ رأته ابتسمت، أعجبها مظهره المتواضع، لم يكن متكلفاً، تبادلا التحية ومشيا جنباً إلى جنب، كانت مشاعرها متضاربة غريبة ورائعة. وصلا المنزل، أعد لها طعام العشاء، تحادثا حتى الواحدة صباحاً، شعرت بالقرب منه أكثر فأكثر، ذهبت للنوم وحدها ونامت بعمق، لم تكن تتوقع ذلك.
في صباح اليوم التالي خرجا معاً إلى المدينة، كان يبدو مختلفاً، أعجبها أنها رأت فيه شخصيتن متباينتين، ولسذاجتها أخبرته بملاحظتها فاعتبر أنّ ذلك لا يعجبها، ومنذ ما فتِئ يذكّرها ساخراً: أنا أكبر عمراً منك وأنت ما زلت شابة. أحزنتها تعليقاته.
قالت له: ربّما من الجميل أن تفقد بعض الوزن لأنك تبدو ضخماً بعض الشيء.
لم يفهم حينها أنها لا تريد أن تبدو صغيرة الحجم بجواره أو ربما لم يرد أن يفهم ذلك.
سمحت له بضمها وتقبيلها، أحبت ضمَّته وبوسته، لكنها استشعرت بأنه يقوم بفحصها ليرى إن كانت تناسبه، ولم تقل شيئاً. اتخذ القرار دون أن يناقشها.
انتابتها موجة حزن عالية، قالت له: سأغادر عائدةً إلى بيتي غداً أو بعد غد على أبعد تقدير.
أجابها: أرجو منك أن تسافري غداً.
قام بنفسه بحجز تذكرة العودة لها. أحسّت بالحزن لأنّه لم يطلب منها البقاء، فهي قامت بالخطوة الأولى وأتت لكنه لم يرغب بقاءها، لم يتمسك بها، لم يخطر بباله بأنها ربما قدمت كي تودّع العام الحالي وتستقبل العام الجديد إلى جانبه، هو بقي صامتاً وهي أجهدت نفسها كي يبدوسلوكها طبيعياً.
سهرا في المساء مع أم كلثوم، حوالي الرابعة والنصف صباحاً اسيقظت مذعورة، كان هناك أحد السكارى يصرخ في الخارج تحت شباك غرفة النوم، بقيت مستيقظة ما يقارب الساعة تفكر بأن تذهب إليه في الغرفة المجاورة وترجوه كي يضمها.
أخيراً تحججت بأنها ترغب أن تشرب الماء، أيقظته خطواتها، ناداها، جاءت إليه، ضمَّها، أحست بالأمان وبعدها نامت بعمق، لكنها نامت حزينة لأنها ستغادره بعد ساعات قليلة.
في الطريق الى المحطة بقيت حزينة في داخلها، لم تظهر ألمها.
ودَّعها وعاد مسرعاً إلى مجتمعه الفيسبوكي الذي كان يشغله أكثر من تواجدها معه، كان طريق العودة طويل جداً جداً، لم تستطع القراءة ولا التركيز ولا النوم.
حين وصلت إلى البيت اكتئبت لأنه لم يهاتفها، ولم يهاتفها في اليوم الذي تلاه ولا في اليوم الذي بعده.
هاتفته، تجاهل مكالماتها رغم أنها أخبرته سابقاً بكرهها لمثل هذا السلوك.
أحست بالندم على الخطوة الغبية التي قامت بها، وعدت نفسها ألا تكرّر هذا الخطأ في حياتها.
سامحك الله يا أحمد.

هنا انتهت الرسالة دون توقيع.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟