الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في البئر عاشق۔۔䑉

عبد الغني سهاد

2021 / 12 / 26
الادب والفن


في البئر عاشق۔۔䑉
كان الطيف ياتيه من بعيد متوجسا من صراخه ولوعته ۔۔طيف كان مايزال شابا ولذيه اجوبة على كل الاسئلة في هذا العالم المتحرك اسفل الشمس۔۔كان يخرج عندما ترتسم اول خيوط الضوء في سماء مدينة تغرق في حمرة الشمس ۔۔يدحرجه الطيف الي قاع بئر قريب يعرفه جيدا ليس الا لسبب لا يفهمه ۔۔ويتركه وحده كانه يلمح الي ان هذه الرحلة ستكون خارج الزمن وبعيدا عن صيرورة اية حياة۔۔بمفرده علي تحمل مخاطر المواجهة۔۔مع الظلام وغبش الرؤيه وعتمة الذكريات مع شقاوة العيش في الذكريات۔۔نعم الذكريات۔۔ان هذه الذكريات۔۔التي ندفنها في اعماق بحور النسيان۔۔هي نفسها الذكريات۔۔التي لاتتوقف عن مطاردتنا على الدوام۔تدق عل جدران عقولنا ۔تعكر صفو امزجتنا ۔۔والذكرى التي تؤرقه كثيرا كانت ذات سقوف عالية بلا نهاية ۔۔وتتوق روحه الى الاعالي۔۔وهو يهوي في غياهب حفرة۔۔تهب فيها انفاس مدوية مظلمة مغبرة بصدآ جحود الوقت۔۔ وزفرات تتقطر كدمعات مجمدة على فوانيس من نحاس قديمة۔۔سحابات صفراء من صقيع تطرز اطراف مايشبه سرير ماء عليه ترقد امراءة فاتنة الجمال لا تصدر منها اية تصل حدودرؤيته دون حركة۔۔والحركة لا تعني سوى الحياة۔۔الا ان عقل الانثى تلك لايزال ينبض ببصيص من الضوء۔۔عقلها لايزال يضيء كالمصباح۔۔عندما استرجع بعض وعيه۔۔رفع بصره الى الافق المغبش۔۔وابتسم لها۔۔لكنه لم تتحرك۔۔ولم تتكلم۔۔فقط امتلآت عيونها الواسعة بالدمع۔الذي تجمد على خدودها۔۔حينما جثم على ركبتيه بقربها ودس راسي في حضنها۔۔عندها فقط احس بحرارة جسدها۔۔وبيدها وهي تاخد بيده۔۔وتضغط عليها۔۔بما تبقى لها من قوة۔۔وارادة۔۔حينها وقالت بصوت خافت۔۔مغموق۔حدسه منها۔۔وليس من شيء اخر۔۔قالت [لا تخف۔۔لا تخف۔۔فكل شيء سيكون على مايرام۔۔!!!۔۔ ]
لكنه حقا كان خائفا۔۔بل في لحظة احس بالخزي حتى ماانفك يكويه الاستصغار لذاته۔۔وقال معاتبا روحه۔۔ما كان علي رمي ا ذكراها في عمق البئر ماكان علي فعل ذلك۔۔ اني حقير وها انا اتقاضى جزائي ]۔۔ود حينها لو كان في مكان اخر۔۔غير هذا البئر۔۔في خطارة عميقة خارج اسوار المدينة المحروقة باشعة الشمس الملتهبة۔۔في منجم في اعمق بطون الارض۔۔تمنى لو انه كان شخص اخر۔۔غير هز۔۔!!
والطيف كان حينها۔۔لايتكلم۔۔كانه يرفض الاجابة على القليل من الاسئلة التي طرحتها اللحظة
كان يتابع الفصول والمشاهد من بوابة البئر ومن بعيد كانه يحرسه۔۔ويراقبه ردود افعاله بصمت لكنه سرعان ما إقترب منه۔۔۔۔۔۔
فما عاد يفكر في شيء حين دحرجه مرة اخرى بعيدا في اعماق البئر۔۔امسك بذراعه وهبط به الى الاسافل اكثر۔۔واكثر۔۔في الانفاق السوداء۔۔باتر الحظ شعر كانه يغوص في النهايات المظلمة نهاية الخواء المطلق۔۔سمع صوتا بداخله يساله عن الحياة۔[۔يبدو انك لا زلت حيا ايهاالوغد۔۔؟۔۔]
لكنه شعر انه لايزال يتنفس بداخل صدفة عظيمة لم تكن له من قبل۔۔۔۔ لا يتذكر في شبابه انه امتلاك صدفة۔۔او قوقعة۔۔اوحتى فقاعة۔او قناع۔۔تحميه من شقاء الحياة بين الاوغاد۔۔حياته كانت بسيطة وعادية كباقي البشر۔۔له مشاكله لكنه كان يقذف بها طواعية في قعر بئر في بهو منزله۔۔ كل ما كان يسيء اليه كان يضعه في ورقه يطويها بالنسيان ۔۔ويحفظها في البئر۔۔كان البئر صندوقه السحري لحل كل اشكالات حياتهٔ المضطربَة۔۔۔۔۔
تذكر انه في صباه فكر في ان يشتكي من هموم الناس ۔فالناس الذين عاش بينهم احبو الحياة ومن اجل ان يحفظوا بشكواهم وبتدمرهم وعدم رغبتهم في مساعدة بعضهم بعضا ۔حاول عدم الاقتداء بهم في احلك الظروف لكنه تاكد فيما بعد ان الناس الذين يشتكون من الحياة هم الذين لايستطيعون المقاومة الذين ليس لهم الرغبة ولا الارادة في الكد والعمل ۔هم اولئك الذين هوايتهم في ان يعيشوا الحياة السهلة على حساب الاخرين۔۔كيف اشرح هذا الاسلوب في العيش۔۔انه يمقت هذه الحياة المملوءة بزعيق المجانين۔۔وصراخ البلهاء المتدمرون من كل شيء۔۔حتى لو كان وجه الجمال بينه وبينهم حجاب غير مرئي يخفيه عنهم۔۔اينما ولى وجهه۔۔تحاصره تاففات التافهين وانفاسهم تستحود على الاجواء۔۔سمعت جدته ذات ليلة صوته نابعا من عمق البئر۔۔لم يكن يستنجد ولا يصرخ بل كان يردد اغنية كانت تلهب شغاف القلوب۔۔واخبرت امه بالامر۔۔سمعهما يتهامسان لعله صوت صاحب البئر۔۔صوت غارق في الازل۔۔لكن للبئر لاشك رب يحميه۔۔اكدت الجدة كلامها وعادت لتنام في غرفتها جنب البئر۔۔ظل ذلك الصوت يهمس ويغني وفي الصباح يتوقف بصخب الحياة فوقه۔۔وعلى حواشيه تتصاعد الديدان والثعابين البرمائية والحشرات۔۔لم تكن مؤدية۔۔كانت لاتريد سوى التمتع بقسط من الدفء وقليلا من شعاع الشمس۔۔اعتاد ان تحدث معه اشياء غير عادية۔۔تحدث معه بشكل متطرف۔۔ميتافيزيقي۔ولم يكن يشعر لا بالقلق ولا بالرعب۔۔وحتى بقليل من الخوف۔۔منذ اللحظة التي رماه الطيف في البئر۔۔العميق۔۔تحول الى مخلوق يهيم في الاعماق۔۔يبحث لتوه عن اشياء طمرها النسيان۔۔وقدفت بها الذكرى ما وراء الكينونة۔منها تلك الرسائل الصفراء المطرزة بعبق الحب والاشواق۔۔تلك الرسائل التي قذف بها يوما في البئر۔۔اصبحت مبلله بماءالبئر المضجرة الملوثة بطعم الوحل والعفن القديم۔۔حينها او خلال تلك الاوقات وقعت بيده حشرة عظيمة من فصيلة ام الاربع والاربعين۔۔كانوا يسمونها في حيه باسم غريب۔۔(حميرة جدة)۔۔ وهي لاتزال على قيد الحياة۔۔وازداد حجمها على مر الايام۔۔ومنها اي الاشياء۔۔صندوقة من حديد بها كتب ممنوعة قديمة۔۔وناذرة۔۔وعلبة سجائر من النوع الرخيص۔۔لاتزال تحتفظ على نصاعتها وبياضها لمغري۔۔وصور كارط بوسطال۔۔لاثار المدينة وابراجها واقواسها۔۔واسوارها ۔۔واصداء اصوات غريبة احتلت جنبات البئر۔۔منها صراخ الاطفال وهم يلعبون في الزقاق۔۔واهاجيز واناشيد اهل الحي في الاعياد والاعراس۔۔والحفلات۔۔حتى اصوات البكاء في المآثم القديمة۔۔اغاني بنات الحي وهن يحلمن بفرسان احلامهن۔۔كان صدى صوت هراس العواد۔۔طاغيا على بقية الاصوات۔۔يصرخ وهو يقدم خدماته الى اهل الحي۔۔( هراس۔۔۔العواد۔۔هراس العواد۔۔۔)۔۔كان والده يدفع اليه بحزمة من الخشب۔۔ياتيه به من مستودع المصلحة التي يعمل بها۔۔وينشغل الرجل بتحطيم الخشب۔۔وتقطيعه احزاء صغيرة۔۔بضربات قوية من فأسه القديمة۔۔يترك ارضية باب المنزل محفرة وتكسوها الاثربة۔۔وبقايا الخشب۔۔المحطمة۔۔بالضبط كان الهراس۔۔يتفنن في ضربات الفاس۔۔ويتلذذ بالامساك بقيضة الفاس القديمة۔۔وتسديد الضربات۔۔للخشب۔۔فقط۔۔احيانا تخطئ ضرباته۔وتسقط على الارض۔۔وهو يصيح۔۔۔۔بجاهك ايها الرب۔۔!!۔وكان۔يغرق في عرقه وهو يقطع الخشب۔۔يعمل لساعات طويلة۔۔وكان الوالد ينهر فيه۔۔۔ادخل يافتي وابعد لئلا تجرح وجهك بشلخة من خشب۔۔۔و۔الهراس۔۔وكان يبتعد قليلا ليتابع عمل الهراس۔۔ليس على المرء ان يعتاد على النبش والحفر في عمق البئر اي بئر۔۔يخزن فيه حياة الناس۔۔يبحث المرء جاهدا۔۔عن قطعة ما لها علاقة بالحياة اليومية۔۔ولن يجدها الا بمشقة كبيرة۔۔كم من مرة ظنوا به الجنون۔۔وبالفعل اصبح كالمجنون كلما ركض في الظلام وراء ام الاربعة والاربعين۔۔التي كانت تحفظ عن ظهر قلب مضامين تلك لرسائل الغابرة۔۔والموغلة في القدم۔۔ومحتويات الصناديق الحديدية من الكتب۔۔الناذرة۔كان يترجاها ان تقف وتحكي۔۔ما اختزنته ذاكرتها۔۔من الزمن المظلم۔۔
يقفز مابين حفر البئر الملتوية والعميقة۔۔يميز مابين الاصوات ويبحث عن تلك الاشياء التي لا تزال على قيد الحياة۔۔يجترح الصمت احيانا ينفجر في موجات من الضحك۔۔على نفسه۔۔يسخر من افعاله الامر الذي يزيد من خوفه اكثر۔۔واكثر۔۔۔۔!
من بين الاشياء التي عثر عليها۔۔في تلك الحفر۔۔صورة امراءة متوسطة العمر۔۔سمراء قصيرة مقوسة الظهر۔۔تتصفح في تلك الرسائل القديمة۔۔وهي تئن وتنوح۔۔لايعرف ماكانت تعرفه جيدا۔۔تتوسل الى الحشرة ام الاربعة والاربعين۔۔بان تفك حروف لك الرسائل لها وحدا۔۔وتكشف عن عناوين تلك الكتب ۔۔۔
في الرسالة الاولى ..بقايا كلمات تشربها الماء۔۔وتشربها البلل۔۔
عليها ما يلي۔۔۔۔في تلك الليلة فكرفي ان لايعيد اليها رسائلها الاولى كما طالبت منه۔۔ففيها اعترفت له بحبها۔۔بل طلبته ان يتقدم لخطبتها قبل ان يعود الى الجامعة ۔۔وعطلة الصيف في حدود نهايتها۔۔لاشيء كان يمنعه من الاحتفاظ بتلك الرسائل۔۔لانه يعتبرها ملكه وجزء من وجوده۔۔وكان لا يزال طنين همسها بانهاء تلك العلاقة وارجاع الرسايل اليها ۔۔وبدا له ان كل الشوق والحب تحول فجآة الى كره واضطغان۔۔كانها لم تكن يوما تحبه۔۔وهاهي تريد التخلص منه للتفرغ لحبها الجديد۔۔حب ابن خلتها۔عندما لاحظت امها التي كانت تكرهه تعلقها ابنتها به وتعلقه بها فطنت الى حل قريب و ذكي وفي متناول يدها۔۔حين استدعت ابن اختها وفتحت له ابواب البيت۔۔وامرته بالاعتناء بابنتها والتسلية عنها۔۔۔۔لابد انه كان يعرف انه لاقدرة له في منافسة ابن خالتها الموظف في شركة امريكية كبرى لانتاج المشروبات الروحية۔۔كوكاكولا۔۔لا يستطيع الانتصار علىه۔۔ولا على هوى الكوكاكولا۔۔۔۔
في الصورة الملتقطة الاولى۔۔ملامح وجه فتاة تبدو بريئة۔۔لكن ضحكتها غريبة تمزج مابين الحنان والخيانة۔۔عيونها واسعة سوداء كالليل۔۔شعرها طويل اسود كالثعبان۔۔وقصتها تتلوى على جبهتها الضيقة۔كافعى۔۔فمها رقيق۔۔كخيط احمر۔۔انفها قائم ونحيف۔۔تلبس وزرة بيضاء ناصعة كحمامة۔۔وسروالها ازرق يضيق على ساقيها النحيلتين۔۔۔ويداها تتمدان وتحطان على حجاب البئر۔۔۔۔كان هو من التقط الصورة۔۔بعينيه اولا ثم بالة التصوير من بعد۔۔۔








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أقرب أصدقاء صلاح السعدني.. شجرة خوخ تطرح على قبر الفنان أبو


.. حورية فرغلي: اخترت تقديم -رابونزل بالمصري- عشان ما تعملتش قب




.. بل: برامج تعليم اللغة الإنكليزية موجودة بدول شمال أفريقيا


.. أغنية خاصة من ثلاثي البهجة الفنانة فاطمة محمد علي وبناتها لـ




.. اللعبة قلبت بسلطنة بين الأم وبناتها.. شوية طَرَب???? مع ثلاث