الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المونولوج الداخلي في المجموعة القصصية - تيه الورد - للكاتبة زينب الأسدي

غانم عمران المعموري

2021 / 12 / 26
الادب والفن


تتشابك الأفكار والهواجس والرؤى والآلام و تتصارع في الذّات, تحوّم, تهبط وأمواج البحر تضطرب لتخرج لنا ما هو مكبوت في باطنها وتعبيراً عن الهمّ والوجع القابع في النفس البشرية والضغوطات والتحولات الاجتماعية والسياسية وما لها من أثر مباشر على أفكار وتصرفات الأفراد وكل ما يعتريها من مآسي وأحزان وقضايا لذلك جاءت كتابة القصة القصيرة وغيرها من الفنون الابداعية وسيلة للتعبير وتصوير أثر ذلك الواقع في حالة ونفسية وأيدولوجية الانسان المعاصر من خلال شريحة مثقفة أخذت على عاتقها تحمّل المسؤولية باعتبارهم أفراداً فعالين في المنظومة الاجتماعية وعليهم واجب انساني في رصد وتصوير السلبي والايجابي وكانت الكاتبة زينب الأسدي عراقية بأصالتها وصدق إحساسها وارتباطها مع الواقع المحيط بها بكل تناقضاته ومشاكله العالقة ومواطن الجمال والقبح .. عنونة مجموعتها القصصية " تيه الورد " صرخة مدوية تتعالى من أعماق وأحاسيس شخصية واعية تعزف خارج السرب لتراقب وتكشف لنا حالة التأزم النفسي والاجتماعي وكل ما يُحيط بها من واقع يومي حياتي لصيق بالإنسان " تيه الورد " مجموعة قصصية صادره عن منشورات مدد للطباعة والنشر في طبعتها الأولى والتي تتضمن اثنى عشرة قصة قصيرة بعدد مئة وأربع وثلاثين صفحة سيّدها تقديم للدكتور عمّار الياسري, يقع البصر في الوهلة الأولى على ما يُثير الخيال ويحرك الشعور ويعتبر نقطة الوقوع على عتبته الرئيسة وما يشتمل بعدها من العناصر المهمة والجوهرية في السرد القصصي القصير و تكون في المحاور التالية :
العنوان
تيه الورد عنونة بصبغةٍ بلاغيةٍ شعريّةٍ تحمل شحنات بوهجٍ بصريٍّ له تأثير مباشر على مُخيلةِ المتلقي لما تتضمنه من طاقاتٍ حيويةٍ تدفع دون شعور إلى التفكير والتحليل للوصول إلى المعنى المقارب..
تَيْه الورد جملة اسمية تحمل انزياحاً وتمرداً على المألوف من القول بصورةٍ شعريّة مفعمة بالإحساس والجاذبية وكسر للأطر والقوالب الجاهزة لخلق مساحات وفضاءات جديدة من التصورات والمعاني .. أضفت الكاتبة الصفات الإنسانية لغير العاقل فقد نسبت صفة التيه للورد في غير المُعتاد من القول بأسلوب فني انزياحي ولكن كانت عنونة شعريّة أرادت بها الخروج عن العنونة الجاهرة المُجردة من الموسيقى والإيقاع لإثارة المتلقي منذ النظرة الأولى وتمارس غوايتها عليه وتعتبر تلك العنونة العتبة الرئيسة وهي عنوان إحدى قصص المجموعة فقد كانت جميعها تتسم بالصور الشعريّة ( مذاق باهت, دفء الجليد, تراتيل معطّلة, صخب الأسئلة, تيه الورد, زغاريد ملثّمة, ذبول المسافات, بوح القرنفل, هديل الجنوب, شجون غابرة, صمت الياسمين, حفيف الحزن ) تميزت تلك العناوين بالانزياح والتشكيل اللغوي الجمالي وانتقاء المفردات فقد " عني كثير من العاملين في حقل النّقد بسيميائية العنوان وبدوره في تقديم الخطاب وبتفاعله فيه باعتباره نصّاً موازياً فالعنوان طاقة حيوية مشفّرة قابلة لتأويلات عدّة قادرة على إنتاج الدلالة "1.
تمثّل العنونة لحظة الكشف عن الزمن الذي تتضمنه القصة وما يحمله من ترابط وانسجام فكري يقود إلى معرفة وفهم النص الزاخر بالكثافة الدلالية والرمزية كما إنه يهيئ لكشف المضمر والمخفي ما بين السطور " ولأن البدء عنوانٌ فإن الزمن يكون مخبوءً في خاصرته إن صحّ التعبير .. لأن لا شيء بلا لحظةٍ ولا شيء بلا ارتباطٍ زمنيٍّ " 2.

صوت الأنا
يظهر صوت الأنا للسارد في معظم قصص المجموعة إلا إنه يُمثّل الصوت الجمعي " قصة مذاق باهت : كانت شمس الاصيل ترنو الخليقة بعيون نعسى تبعث بأشعتها الواهنة وضوئها الخافت" .. تبين تلك القصة حياة رجل كبير صاحب عربة في الطريق لبيع شراب الزبيب وهي قصة واقعية مستوحاة من الواقع الاجتماعي والساحة العراقية والعربية تعج بتلك الحالات لأناس كَسَبه ليس لهم مورد أو راتب حكومي يسدون به رمق عوائلهم فيضطرون إلى العمل بأي مجال " قد شاهد اجتماع النمل حول حبّات الزبيب المتناثرة, حاول الانصات جيّداً وكأنه يسمع صخبهم ودبيب أقدامهم وصياحهم المتعالي لرفع الغنائم قبل أن يدلفوا في شقّ الجدار المتهاوي ..)ص15.. جاءت تلك القصة تعبيراً عن واقع وهموم الإنسان الكاسب وما يعانيه من ضنك الظروف الصعبة دون أن تنال تلك الشريحة الكبيرة في المجتمع الرعاية والاهتمام من قبل الدولة حتى كانت نهاية القصة بسخريةٍ موجعة " يبدو أن لديكم مأدبة عشاء أيّتها الكائنات الانتهازية كنت أعرف أنّه زبيب لذيذ سينال إعجابكنّ حتماً ) ص15.
استخدمت الأسدي في كتابة قصصها أسلوب السرد المباشر حيث أنها تسرد الأحداث بصورة متسلسلة ( بداية, عقدة, انفراج ) والحديث بلسان شخصياتها بضمير المتكلم للولوج إلى عالمها الخاص والتعبير بحرية عن كل مشاعرها وما يعتريها من ألم أو حزن أو فرح ... فتقدم الموقف والوصف ومن ثم الوسط الذي يعج بالصراعات أو التأزم (العقدة ) ثم النهاية التي طالما ينتظرها القارئ وهو الانفراج في النهاية كما في قصة دفء الجليد " حوار ذاتي مونولوج داخلي ينقل لنا مشاعر الشخصية وفكرها وميّولها ورغباتها وطريقة التعامل مع الحدث أي أن الكاتبة أعطت للشخصية كامل حريتها ويظهر المونولوج الداخلي في القصة " أزحت الثلج وجلستُ عليها, أمضني النعاس الذي هاجمني كالمارد وأخذ الضعف يسري في أطرافي, تسعفني بعد مماتي)ص17.
بدأ تسلسل الأحداث في القصة من الموقف والوصف والحبكة ثم العقدة ثم النهاية المدهشة المفاجئة بزواج سعيد للبطل من زوجة لم يتوقع يوماً هي نفسها التي أنقذته من الموت..
استطاعت الأسدي من خلال أسلوب الحوار المونولوج المباشر نقل وتحليل الرغبات والأحاسيس وأيديولوجيات الشخصيات بأدوارها المختلفة دون أن تتقيد بترتيب محدد ولا سيما أنها استخدمت أسلوب الانزياح والتشبيه والاستعارة والمجاز في تشكيل الجملة وتقديم صور شعريّة أضفت جمالية على السرد وكذلك الحال في قصة " صخب الأسئلة " وهي من القصص الواقعية التي تحدث في المجتمع العراقي والعربي على حد سواء نتيجة للوضع السياسي الذي تمر به البلدان العربية وتعرض الرجال و النساء للموت والقتل والشهادة في المعارك من قبل العصابات الإرهابية والانفجارات بالإضافة إلى الأوبئة والأمراض القاتلة وإن هذه الحالة التي نقلتها لنا الأسدي هي حالة كثيرة الوجود .. تكون البطلة وأمها في حيرة واضطراب نفسي عندما عرفت من يريد الزواج بابنتها هو أب لعدد من البنات والابناء " لأوّل مرّة في حياتي كنت أسمع دقّات قلبي .. لا حظت في عينيه عالمًّا ضاجًّا بالجدل والتحليلات .. ) ص59.
وضعت لنا الكاتبة نهاية مدهشة كما في ( .. نسيت في الداخل, ناديتُ: غيداء ! غيداء ! اعطني دفتركِ نسيتُ أن أوقّعه ) ص60.
ويظهر المونولوج الداخلي في قصة " تيه الورد " عندما كانت الشخصية الرئيسة البطلة تعمل في المغتسل لأول مرة بطلب من والدها لسوء حالتهم المادية وتسرد لنا أحداث عن حالة فتاة تم جلبها للمغتسل ووضعها على مصطبة الغسل وقد تركت لوحدها تعيش مشاعر الخوف والحيرة " سرت رعشة خفيفة في أعماقي .. ) ص61.. وفجأةً تدب الحياة في الفتاة وتبين لها بأنها كانت تمثّل دور الميت لإجبارها على الزواج وتطلب منها المساعدة ووضع أكياس من الرمل في التابوت حتى تتمكن من الهرب مقابل خاتم ذهب وبالفعل هربت الفتاة بينما هي نادت على الرجال أن يحملوا التابوت ..
كانت نهاية القصة جميلة فعندما رجعت إلى دار أهلها خاطبها والدها ( إنّهنّ ميتات لا يستطعن التحرّك لا تقولي إنَّ إحداهنَّ قامت ورجعت إلى الحياة ! ! ) ص72.
وقصة زغاريد ملثّمة والذي فيها المونولوج المباشر " عاودني طيف سحر كنغمة ربيعيّة تثير في نفسي صخبّاً محبّباً في قمم الخيال لكنّها نأت عنّي ..) ص73
وقصة ذبول المسافات " دخلتُ البيت بعد يوم صاخب جعل رأسي لا ينفكُ يُخزّني بوخزات متتالية .. ) ص79. وكذلك الحال في القصص ( بوح القرنفل, هديل الجنوب, شجون غابرة, صمت الياسمين كما في العبارات " ارتديتُ معطفي, نزلتُ, فتحتُ كان قلبي يركض في صدري كحصان هائم ص119, وقصة حفيف الحزن التي جاءت بضمير الغائب ..
ساهم المونولوج الداخلي الذي لجأت إليه الكاتبة في ابطاء السرد القصصي واعطاء المجال للمتلقي متابعة القصة دون أن تضيع خيوطها ويترك للشخصية دور التعبير عن همومها وأحاسيسها وأفكارها ..

استطاعت الأسدي توظيف دلالات الأسطورة ومعانيها وما تتضمنه من مفاهيم وموعظة في قصصها بلغةٍ رصينةٍ تنسجم مع خيالها الخصب
وتَسّهم بشكلٍ فعالٍ في اضفاء السمات الجمالية على البنيةِ السرّدية في القصة عن طريق ضّخ رموز وصور وتجليات و استثمارها بأسلوب فني ابداعي تجديدي يتناغم مع روح العصر فجعلت من أسطورة الإله " نيدابا " التي كانت إلهة السومرية للكتابة والتعلم والحصاد "3.. جسراً مُتحركاً تعبر من خلاله إلى عالمها الحقيقي متجاوزاً المحكي الطبيعي المألوف بالقفز زمنيٍّا من عالم الأسطورة إلى عالم عاصرته وخَبَرته بنفسِها, حيث أن للأسطورة وما تضمنته من مضامين فكرية القدرة في توسيع مدارك الإنسان وإغناء الأفق الجمالي والمساهمة الفعالة في الضخِ المستمر وشحّن الخيال الفكري لدى الكاتبة بالإضافة إلى خبرتها الثقافية ..

امتازت القصص بأسلوب فني يقترب في كثير من الأحيان لصور شعريّة وبعناوين اشتملت الانزياح والتشبيه والاستعارة ومزاوجة الأسطورة بالواقع اليومي لإنتاج تيمة تُساير العصر الراهن وتدغدغ مشاعر المتلقي لاسيما أن القصص جاءت تعبيرا عن هموم الإنسان نتيجة الضغوطات الاجتماعية والسياسية لتضعنا أمام مائدة دسمة بالإضافة إلى تسليطها الضوء على ظواهر اجتماعية وعلل تضع القارئ حيالها ليستطيع من وجهة نظره معرفة وكشف أسبابها ونتائجها والطرق الناجعة للمعالجة ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??