الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا سقط الاتحاد السوفييتي قبل 30 عامًا؟

مرشدي المصري

2021 / 12 / 27
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


ترجمة مرشدي المصري

لم يكن انهيار الاتحاد السوفييتي منذ ثلاثين عامًا هزيمةً للاشتراكيين، بل أن الدروس المستفادة مهمة للاشتراكيين اليوم في كفاحهم من أجل “اشتراكية حقيقية”.

قبل ثلاثين عامًا أُخفِضَ علم الشيوعية الأحمر للمرة الأخيرة فوق مبنى الكرملين في موسكو عقب انهيار الاتحاد السوفييتي في الخامس والعشرين من ديسمبر عام 1991. رأي معظم اليساريون الأمر على أنه نهايةٌ للاشتراكية. لكن صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية كان لها رأيٌ آخر، إذ رأت أن الانهيار هو “حقيقة يجب أن يسعد بها كلُّ اشتراكي”. احتفلت الصفحة الأولى بانقسام الاتحاد السوفييتي معبِّرةً: “انهارت الشيوعية، حان وقت الكفاح من أجل الاشتراكية الحقيقية”.

على أنقاض الثورة
في الحقيقة، كان الاتحاد السوفييتي والدول التابعة له في أوروبا الشرقية مجتمعات “رأسمالية الدولة”، ليس للعمال فيها أي تحكم. أنشأ الديكتاتور جوزيف ستالين وخلفاؤه نظامًا ديكتاتوريًا وحشيًا قائمًا على الاستغلال والاضطهاد. لكن هذه النتيجة لم تكن حتمية للثورة الروسية، بل أن العمال قد أظهروا إمكانية تسيير المجتمع دون أصحاب عمل ومصرفيين وإقطاعيين.

في أكتوبر 1917، استحوذت الطبقة العاملة على السلطة بالتحالف مع الفلاحين. كان حجر الأساس، الأكثر ديمقراطيةً منه في النظام الرأسمالي، قائمًا على مجالس العمال أو السوفييتات، التي تعني مجلس بالروسية. تحكَّمَ العمال في أماكن العمل الرئيسية بينما فُكِّكت أراضي الإقطاعيين وسُلِّمَت للفلاحين. ألغت روسيا تجريم المثلية الجنسية تمامًا وقتذاك، قبل عقودٍ من الإصلاحات المعتدلة التي أدخلتها الغالبية العظمى من الدول الرأسمالية مثل بريطانيا. وكفلت روسيا الثورة للنساء حقَّهن في الطلاق والإجهاض عند الطلب.

كان على الثورة، التي حمل لواءها فلاديمير لينين والحزب البلشفي، أن تنتشر على المستوى الدولي كي يُكتَب لها البقاء. لكن للأسف، فشلت موجة التمرد التي أطلقت الثورة عنانها. في الوقت ذاته، اجتاحت 14 قوى إمبريالية الأراضي الروسية وقاتلوا بجانب الجيش الأبيض، المناهض للثورة، الذي أراد استعادة النظام القيصري القديم.

تصدى الجيش الأحمر بقيادة ليون تروتسكي للغزاة وأطاحوا بالجيوش البيضاء بحلول عام 1922. لكن كان للحرب الأهلية الروسية تأثيرٌ مدمِّر، فقد قضت على الطبقة العاملة. وجد الحزب البلشفي نفسه يتولَّى إدارة الدولة التي نما حجمها وسلطتها خلال عشرينيات القرن، في ظل وجود ستالين كأمينٍ عام للحزب. وفي انسلاخٍ تام عن البلاشفة، اختلق ستالين فكرة “الاشتراكية في دولة واحدة” مُدعيًا أنه تحت قيادته يمكن تحقيق الاشتراكية بدون ثورة عالمية. وبحلول نهاية العقد كانت بيروقراطية الدولة قيد التحوُّل إلى طبقة حاكمة جديدة.

في 1928 دفعت مجموعةٌ من الضغوطات الإمبريالية والأزمات الداخلية ستالين إلى تبني أول “خطة خمسية” هدفت إلى تسريع عمليات التصنيع عن طريق الضغط على الطبقة العاملة واعتصارها. ومن أجل ذلك أطلق ستالين ثورةً مضادة وحشية أغرقت مكاسب عام 1917 في الدم. كانت الخطة الخمسية تحولًا فاصلًا إلى “رأسمالية الدولة البيروقراطية”.

الاتحاد السوفييتي.. رأسمالية دولة
ميَّز كارل ماركس الرأسمالية بانقسامين. الانقسام الأول بين العمال والرأسماليين المالكين والمتحكمين بـ”وسائل الإنتاج”، كالمصانع والماكينات. يستغل الرأسماليون العمال لدرِّ الأرباح، لكن الطمع ليس حافزهم الوحيد. وهنا يأتي الانقسام الثاني، وهو الانقسام بين الرأسماليين أنفسهم، إذ تجبر المنافسة الشركات على إعادة استثمار أرباحها في صناعاتٍ جديدة واعتصار المزيد من الأرباح من العمال من أجل التفوق على المنافسين في السوق. وهذا ما يؤدي إلى نظام “التراكم من أجل التراكم، والإنتاج من أجل الإنتاج”، وفقًا لماركس.

اتسم الاتحاد السوفييتي بالانقسام الأول بين العمال ووسائل الإنتاج. وكان إخضاع الطبقة العاملة هو جوهر قوانين العمل التي أقرها ستالين. أوضح أحد القرارات التي أصدرتها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في سبتمبر 1929 أن أوامر المدراء “مُلزِمة بدون شرطٍ أو قيد على الموظفين الإداريين التابعين لهم وعلى جميع العمال”.

لكن ماذا عن الانقسام الثاني؟ بالنظر داخل الاتحاد السوفييتي وحده لم يكن للانقسام الثاني وجود في ظل غياب فكرة المنافسة في سوق الاقتصادات التابعة لستالين. لكن هذه النظرة تختلف في سياق التنافس الإمبريالي العالمي حيث وجد الاتحاد السوفييتي نفسه محاصرًا في سباق عسكري واقتصادي مع دول الغرب الرأسمالية. في ظل هذه المنافسة لم تختلف إدارة البلاد عن أسلوب إدارة شركة رأسمالية، إذ بات الهدف هو الربح وتراكم رأس المال من خلال استغلال جهود العمال.

بعد الحرب العالمية الثانية، فرض الاتحاد السوفييتي نموذج رأسمالية الدولة على أوروبا الشرقية، كما استقت منه أيضًا دول “اشتراكية” أخرى، مثل الصين وكوبا، هذا النموذج. اشتدت المنافسة الإمبريالية خلال الحرب الباردة.

مع حلول وقت وفاة ستالين في 1953، كان حكام الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية أمام أزمة. نجحت السلطة البيروقراطية بالفعل في بناء صناعات ثقيلة في الثلاثينيات. جرى ذلك من خلال زيادة “إنتاجية العمل” -المزيد من اعتصار العمال- عن طريق القمع الوحشي. لكن الاعتماد على الترهيب من أجل زيادة الإنتاجية قد وصل لأقصى حدوده. إذ تتطلَّب التنمية الرأسمالية الحديثة قوةً عاملة ذات تعليم وصحة جيدين لكي تتجاوز المرحلة الأولية من التطور الصناعي.

سبَّبَت الأزمة انقسامًا بين أتباع ستالين بعد موته. وفي نهاية المطاف نجح نيكيتا خروتشوف في انتزاع المنصب الأعلى واعدًا بإجراء إصلاحات. شنَّ خروتشوف هجومًا واسعًا على تقديس ستالين في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي في عام 1956. ومن أجل زيادة إنتاجية العمال، عمل خروتشوف بمبدأ العصا والجزرة، حيث وعد برفع الأجور وزيادة السلع الاستهلاكية، لكنه لم يكن ليعدل عن اللجوء للقمع عند خوفه على استقرار الحكم.

صراع طبقي
لكونها هي الأخرى مجتمعات طبقية، شهد الاتحاد السوفييتي ودول الكتلة الشرقية من الصراع الطبقي كما هو الحال في الغرب. في 1953، انتفض العمال في تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية بالفعل ضد الانتهاكات بحق مستوى المعيشة. وبعد أن تسبَّب خطاب خروتشوف في اضطرابٍ أيديولوجي في الدول الستالينية، بدأ عامة الشعب في إعادة التفكير بشأن حكامهم. أخذ العمال في بولندا والمجر في التمرُّد. وماذا كان رد فعل “الإصلاحي” خروتشوف؟ أرسَلَ دبابات لسحق ثورة العمال المجريين.

شهد الاتحاد السوفييتي معدلات نمو مذهلة خلال الخمسينيات والستينيات، لكن النمو الداخلي لم يكن كافيًا للتغلب على الضغوطات المستمرة من أجل زيادة تراكم رأس المال. استمر النمو الداخلي في الاصطدام بحدود تراكم رأس المال الذي حدده الاقتصاد الوطني. وكان تأخُّر الاتحاد السوفييتي يعني أن سباق التسلُّح كان بمثابة عبءٍ ثقيلٍ بشكلٍ خاص على اقتصاده.

فشلت إصلاحات خروتشوف في زيادة كفاءة رأسمالية الدولة، وأُطيحَ به في عام 1964 على يد ليونيد بريجنيف الذي بدوره لم يحل المشكلات الأساسية هو الآخر. وبحلول السبعينيات، كان الاتحاد السوفييتي يعاني من ركودٍ عميق، الأمر الذي دفع إلى انقسام بين “الإصلاحيين” و”المحافظين”.

أراد الفريق الأول إدخال إصلاحات لجعل رأسمالية الدولة أكثر كفاءة، بينما توجَّس الفريق الآخر من أن أي تغيير قد يهدد نظام البيروقراطية الحاكمة. اعترافًا بالأزمة، أصبح ميخائيل جورباتشوف حاكمًا للاتحاد السوفييتي في 1984، وبدأ بتطبيق برنامج الانفتاح (جلاسنوست) والإصلاح (بيريسترويكا). لكن محاولات الإصلاح كانت ضئيلة جدًا ومتأخرة للغاية، ما أثار مزيدًا من الانقسام جراء الفشل في حل الأزمات، وظهرت قوى في قاعدة المجتمع بدأت تتشكَّك في الحكم بشكل علني.

وفي 1989 انطلقت موجة ثورية أطاحت بالأنظمة الستالينية الديكتاتورية في أوروبا الشرقية. وفي 1991 انهار الاتحاد السوفييتي نفسه بعد فشل أطراف محافظة من داخل البيروقراطية في محاولة الانقلاب ضد جورباتشوف.

لكن الطبقة الحاكمة القديمة بذلت قصارى جهدها للتمسك بسلطتها الطبقية. تغيَّر المشهد السياسي، لكن الروابط الاجتماعية بين الرؤساء والعمال لم تتغيَّر. أصبح السياسيون الشيوعيون ساسة “ديمقراطيين”. أصبح مديرو الشركات المملوكة للدولة مديرين وأحيانًا ملاكًا للشركات المُخصخَصة حديثًا.

في بعض الدول الستالينية، باتت حركات المعارضة جزءًا من النظام الجديد مع الوافدين الجدد من الرأسماليين. وسواءً حُكمت الدول الجديدة من قِبل ستالينيين إصلاحيين أو ديمقراطيين ليبراليين أو مزيجٍ من الاثنين، تقبلت جميع الحكومات منطق الرأسمالية العالمية، واتبعت سياسات السوق الحر الفاسدة.

هذا لا يعني أن على الاشتراكيين التحسر على سقوط الاتحاد السوفييتي. المطلوب هي تلك الروح الأصلية للثورة الاشتراكية وتحرُّر الطبقة العاملة في 1917 قبل أن تدفنهما الستالينية.

* المقال بقلم: توماس تينجلي إيفانز – صحيفة “العامل الاشتراكي” البريطانية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفشل في الاتحاد السوفيتي كان بعد الفشل في اوربا
منير كريم ( 2021 / 12 / 27 - 10:54 )
تحية للاستاذ المترجم المحترم
فشلت الاشتراكية الماركسية اولا في اوربا بعد ان هجرتها الاحزاب العمالية في بداية القرن العشرين وتحولت الاحزاب العمالية الى الديمقراطية
فشل الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي هو الفشل الثاني وتحول الصين نحو الاقتصاد الراسمالي هو الفشل الثالث
وكل هذه ليست مصادفات او نتيجة تصرف اشخاص كستالين مثلا
المسالة عميقة الجذور في النظرية الاشتراكية الماركسية والتراث الثقافي
رواد الماركسية الغربية وخاصة الماركسية الثقافية اذكى من الماركسيين الدوجمائيين الذين لا تتعدى ثقافتهم الشعارات والمقولات , هؤلاء الماركسيون الثقافيون لامسوا الحقيقة وراء فشل الاشتراكية
شكرا لك

اخر الافلام

.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا


.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال




.. تصريحات عمالية خلال مسيرة الاتحاد الإقليمي للاتحاد المغربي ل


.. موجة سخرية واسعة من عرض حوثي للطلاب المتظاهرين في أميركا وأو




.. فرنسا: تزايد أعداد الطلاب المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطي