الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أدركت النعمة

محمد عبد الحليم عليان
كاتب و مؤلف للقصة القصيرة

(Eng.mohamed Abdelhaleim Alyaan)

2021 / 12 / 27
الادب والفن


توقفت لبرهة أنظر أمام خزانة ملابسي المكدسة بالملابس
مختلفة الأشكال و الألوان و التصميمات من أفضل الماركات العالمية
و منها الكثير لم يستخدم سوى مرة أو مرتين و نسيت بعدها أني أقتنيه من الأساس ،،
لست أدري لماذا أراها مختلفة هذا الصباح و لماذا شعرت بشئ من الحنق تجاه نفسي لإمتلاكي لها.
أخذت أقلب المعاطف و كأني أقلب سنوات عمري للوراء حتى عدت لأيام عجاف
لم نكن نملك فيها شئ ورغم ذلك كان يسعدنا كل شئ و نرضى بأي شئ
كنت أصغر إخوتي قررت العمل إلى جانب دراستي كبقية إخوتي لنساند والدنا
الذي كان يكد بكل ما يستطيع من قوة ليوفر ما يستطيع من طلباتنا،
لم تكن لدينا رفاهية إنتقاء الملابس حينها فأغلب ملابسنا مهداة من أقارب و معارف لنا
صغرت وضاقت على أبناءهم فأهدوها لنا و تنقلت بين إخوتي من الكبير للأصغر حتى وصلتني
كانت أمي تتفنن في تجميل طعامنا البسيط الخالي أغلب أيام الشهر من أي صنف من اللحوم
و كانت وجبة هياكل الدجاج و أرجلها و الأجنحة المعدة مع مكعبات البطاطس و شرائح البصل
غارقة في الحساء من أشهى الوجبات لنا و كانت أمي تحاول إعدادها كلما توفر لنا مال لشراء الهياكل و الأجنحة و جوابها الدائم حين يسألها أي من الجيران عن أحوالنا بأننا بنعمة كبيرة و أوعيتنا مليئة دائما بالطعام كانت راضية لم تتذمر يوما أو تشعرنا بسخط أو بالنقمة على الأحوال
و تحثنا دائما ألا يلهينا عملنا عن فروضنا المدرسية أملا أن يغير العلم أحوالنا من حال إلى حال ،،
كان الأمر لنا مباراة رجولة و تحدي و علينا فيها الفوز دائما
فلا مجال للإخفاق أو التراخي فكنا نجتهد ليلا و نهارا في الدراسة و العمل ،
ذات يوم قرر والدي أن يصطحبنا لزيارة إحدى الحدائق القريبة من منزلنا
مكافأة لنا على تفوقنا و تقديرا منه لمساندتنا له،،
أعدت أمي عددا من أرغفة الخبز و قطع الجبن القريش مع البطاطس المحمرة
و البيض المسلوق و بضع حبات من الطماطم و الخيار و ملاءة كبيرة افترشناها هناك
و كنا قد أعددنا كرة من بعض الأقمشة البالية للعب بها ،،
كانت فرحتنا بذلك اليوم لا توصف و أنهكنا أنفسنا لعبا بالكرة
وتنافسا في الجري وسط ضحكات أبي و أمي ،،
كانت أحلامنا بسيطة و قلوبنا راضية و نفوسنا سليمة
لم نشعر بغضاضة أو حنق تجاه أقراننا الذين يتنزهون في الشواطئ و مدن الملاهي
بل ربما كانت سعادتنا أكبر من سعادتهم
كبرنا و مضت السنوات و أنهينا دراستنا و كل منا شق طريقه في الحياة
و كل منا حقق الكثير و الكثير من النجاحات و رحل الوالد و تبعته الوالدة
و هم سعداء فخورين بنا و بكفاحنا و نحن فخورين بهم .
ألهتني الحياة و إنغمست في ملذاتها حتى أغدقت على نفسي و أسرتي بالكثير و الكثير
ففقدت إستشعار النعمة و ألفتها و كذلك ألفها أبنائي
وجدت نفسي أسحب حقيبة سفر كبيرة من خزانتي
و أضع فيها أميز ما بالخزانة من ملابس و أحذية
و إحتفظت بالقليل فقط و أغلقت الخزانة و جررت الحقيبة الثقيلة خلفي لأضعها في سيارتي
و أنطلق بالسيارة نحو الحي القديم الذي كنا نحيا به و كلما صادفني شخص تقترب مقاسات جسده مني توقفت و أهديته عدة قطع مما تحمله الحقيبة
و رأيت نفس نظرة السعادة التي كانت تعتلي عيني و عين إخوتي في عيونهم
فأخذت دموعي تنساب منهمرة و عندما فرغت حقيبة الملابس اتخذت طريقي عائدا
و في الطريق فكرت أن أطلب من أولادي تجميع ما لا يحتاجونه أيضا و إصطحابهم معي ليوزعوه بأنفسهم على من يستحق فيستشعروا النعمة التى أنعم الله بها عليهم
و يشعروا بسعادة المشاركة و فعل الخير و قد كان و جادوا بالكثير مما لديهم
و في صباح اليوم التالى كنت طلبت من إخوتي انتظاري بأسرهم في مكان حددته لهم
و إصطحبت أولادي معي ليتفاجأ الجميع أننا نلتقي أمام الحديقة القريبة من منزلنا القديم
و أفتح حقيبة سيارتي و أخرج منها عدد من الملاءات و الكرة القديمة و أكياس مليئة بأرغفة الخبز
و قطع الجبن و البطاطس المحمرة و الطماطم و الخيار لنقضي جميعنا يوما من أمتع و أسعد أيام حياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات


.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة




.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق