الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نخبنة الشعبوية

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2021 / 12 / 28
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


يمحص هذا النص مقال الزعيم إبن الزعيم، البروفيسور مهدي أمين التوم عن ضرورة تجميع وتنظيم قوى الثورة. وفي مقالات البروف مهدي ليبرالية أصيلة من الدرجة الأولى بحكم طبيعة موضوعيتها وبحكم نأيها عن المماحكات والأنا وبحكم أسلوبها الحواري الإرشادي، وبحكم تركيزها على أسس وقيم "الإصلاح" و"التعاون الطبقي" و"التعاون الإقليمي" و"القيم الوطنية العامة" وميله بها بأرثه في الحقانية وأسلوبه العقلاني إلى مباصرة الأزمات ومحاولة حلها بأقل قدر من الخسائر لكل الأطراف. وذا أسلوب راق لكن رغم جماله الشكلي لا يحقق مصلحة الكادحين في كسر نظم الاستغلال الطبقي والإستعمار الداخلي والتبعية للتمويل الخارجي بل يتجاوز بعض معالمها أملاً بتحقيق "المصلحة الوطنية" قبلها!


في مسائل "المصلحة الوطنية"، "الحد الأدنى"، "حق الكادحين في إلغاء أسس الاستغلال الطبقي" و"اتفاقات الحد الأدنى وخروج جميع الأطراف بأقل الخسائر" لا ترى الكتابات الليبرالية حقيقة أن ليس لغالبية أفراد الطبقة الكادحة شيء مالي أو سياسي كبير يضحون به فأكثرهم يعيش تحت حد الكفاف.

رغم إستسهال الكتابات والتوافقات الليبرالية تضحية كل الأطراف بشيء من مصالحها الحاضرة أو مكاسبها المتوقعة فإن أعمال هذه التوافقات لا تمس بشكل منتظم مستدام أساس الخراب في المجتمع وهو نظام حرية المضاربات الرأسمالية ونموء محسوبياتها المتنوعة المتجسدة في النخب الطائفية/العشائرية والنخب الحزبية والنخبة العسكرية والنخب التجارية، المكرسة بنظام توليد التفاوت الطبقي والإقليمي والجندري، وعنصرياته الداخلية وموالاته لأسس الإمبريالية وأنشطتها.


فكرة مقال البروفسور مهدي المعنون "دعوة لمؤتمر مائدة مستديرة" جاءت مؤسسة بالخوف والتخويف من حالة "فراغ دستوري" وهي حالة مفاجاءات ترعب النخب ولا ترعب الفقراء والمساكين الذين لم يعد لهم شيء يخسرونه أو يخافون عليه. يرى المقال إنها حالة قد تصيب السودان فور إسقاط الطغمة الحاكمة، إن لم يتوقى الناس حدوثها منبهاً إلى أهمية وجود أو بناء إستعداد فكري ومؤسسي لتجنبها ومحور هذا الإستعداد توحيد/تنسيق تنظيمات وأعمال قوى الثورة.
alrakoba.net/31658931/

فكرة تقريب الأنشطة الحزبية سواء في إطار حالة ثورية أو في نطاق بناء الدولة أو ترسيخها - ككل الأفكار الليبرالية- فكرة جميلة تروم الإقتصاد في جهود القوى الحزبية والسياسية بتجميعها كياناً فعالاً يبعدها والمجتمع والدولة من سلبيات وشرور الإختلافات والنزاعات لكن تاريخ الفكرة وقوامها -ككل الأفكار الليبرالية- حافل بنقيضها ما يوجب القيام بفحص وتمحيص آخر عروضها للتوكد من طبيعتها ومحاولة التنبيه إلى سلبياتها.

تثير فكرة الدكتور مهدي أمين التوم في الذهن أسئلة ونقاشات قديمة وجديدة عن موضوع تجميع وفرز القوى في ظروف ثورية: ما هي القوى الثورية؟ وهل يتم تجميعها على أساس المعيشة أو على أساس الإلتزام الفكري؟ ومن هم الذين يحق لهم فرز وتجميع قوى الثورة هل هم النخب أو بعضهم أو بعض الثوريين؟ ومن الذي يحدد أهداف التجميع / وبالتالي يصبح بإمكانه الدخول في عمليات توجيه حركة الثورة أو في إختيار وتوجيه حركة حكومتها؟



1- ملحوظات أولية:
1 - في إمكان سد الفراغ الدستوري:
ضد أساس مقال البروفيسور مهدي أمين التوم بالإمكان تخفيض الوجل والخوف من حالة "الفراغ الدستوري" التي تكرر حدوثها في تاريخ العالم الحديث في كثير من البلدان عقب كل ثورة حدثت فيها، حيث تمكنت كل سلطة حاكمة جديدة بعد اسقاط الحكم القديم من تسيير أمور الدولة بأصدار سلسلة من الأوامر والقرارات الثورية ولفترة لسنوات.

2- للوقاية من الفراغ الدستوري ركز المقال على أمرين:
(أ) "تكوين تنظيم يتصف بالقومية والثورية..." دون ان يشرح الفرق بين كلمة "القومية" وكلمة "الثورية" !؟! كذلك يحتاج كلام المقال عن ضرورة "المرونة" و"عدم الوصاية" في عمل التنظيم إلى شرح فهذا الكلام رغم نعومته جارح حيث جرح المبدئية السياسية التي بدونها لن توجد نظرات أو أهداف "قومية" ولن توجد نظرات أو أهداف أو أعمال "ثورية"، بل براغماتية. وأيضاً جرحت هذه المقدمة ذات التجرد المثالي الحق المألوف في الديموقراطية وقرارات الغالبية ولو كانت خطأ:

فأخذ القرارات بغالبية عددية يناقض "المرونة" في جهة ويناقض "المبدئية" الثورية في جهة أخرى، مثلما حدث في الماضي البعيد في أثينا القديمة عندما احتدم الإختلاف بين التكنوقراط ( كانوا أقلية) والديموقراط (كانوا اكثرية) ومهد ذلك لحدوث (ثورة) وطنية ديموقراطية دموية أعدمت المعلم سقراط منظر الكلام عن تعددية الحقيقة، دون أن يهتم في حياته بحقيقة إن للحقيقة وجه واحد لدى من يحاول طلبها أو الإفادة بها.

(ب) وضع ميثاق عمل ووثيقة دستورية ومشروع وطني: سماه مشروع وطني قابل للتنفيذ دون تحديد المقصود بـ "القابلية للتنفيذ" طالما لم يشترط قبلها أي معقولية في تكوين الجبهة أو في الوثائق، فلماذا اشترط في المشروع الوطني ان يكون قابلاً للتنفيذ ؟ ! هل يوجد مشروع وطني غير قابل للإنفاذ؟

3- عموماً تكلم المقال عن ذلك المؤتمر بأن أعضاءه يدرسون الواقع ويأطرون المستقبل [دون تحديد فترة معينة لعملهم أو مؤهلات دراسية!] وأن حضورها شباب (عمرهم أقل من 50 عاماً!) من كل التنظيمات [أظنها حزبية ومدنية وعسكرية!] يقدم هذا المؤتمر الوطني إعلاناً سياسياً، ووثيقة دستورية، ولوائح عامة وخاصة، وخريطة طريق، ويؤسس تنظيماً إدارياً ثورياً.



2- إنتقاد فكرة بداية الحسم الثوري بتجميع لاطبقي:
(أ) الشيء الموجب العام في فكرة المقال: إنها فكرة لطيفة مهذبة جميلة الشكل قوامها التبسيط الذكي وهدفها القوة السياسية لمكوناتها بتجميع العدد الكثير من التنظيمات السياسية والحزبية ما يجعلها أكثر قوة. وكونها تجميع قاعدة ونخب أفضل من فكرة الجبهة الحزبية النخبوية التي تحرك بعض المصالح شبه الإقطاعية أو الرأسمالية أحزابها وقراراتها.

فنوع الجبهات النخبوية الخالصة ترتبط قراراته في مجال المعيشة بمصالح تماسيح السوق وإهمال حقوق غالبية الكادحين وإن تشدق بشعارات ديماغوجية كـ "الثورة للجميع"! أو "حماية العقيدة والوطن"! أو "رفض الإختلافات الآيديولوجية" ! مميزاً نفسه عن الأحلاف البرجوازية المماثلة له بإسماء إحتكارية من نوع "الأمة" أو "الوحدة" أو "التحالف الوطني".

(ب) الشيء السلبي العام في فكرة المقال: تماهي التحالف الوطني المنشود في فكرة الكيان اللاطبقي! و"اللاطبقية" فكرة ليبرالية ضخمة تغطي توافق بعض الأحزاب مع مصالح تماسيح المجتمع والسوق. وهي الفكرة المضادة لفكرة الجبهة الشعبية النشطة عبر أحزابها في تزكية وتمتين أسلوب إجتماعي/ إشتراكي في التعامل مع الأزمات الكبرى سواء كانت أزمات حشد لتحرير بلد أو أزمات حشد لإعمار وتنمية منطقة.

(ج) العلة العامة في فكرة المقال: رغبته في جمع ثلاثة منتظمات متناقضة في نفس الوقت: الأول تنظيم جامع لـكل "لجان المقاومة" يؤسس ويقود تنظيم المؤتمر، والثاني مؤتمر جامع لكل التنظيمات يوزع المهام ويكتب الأوراق، والثالث تنظيم قيادة (ثورية) هو خلاصة وقمة عمل المؤتمر ولجنته. والعلة العامة في جمع كل هذه التنظيمات معاً مرتبطة بمسألتين:

المسألة الأولى هل تكون المساومة بين التنظيمات تجارية أو وطنية؟
شروط الفكر والنهج النظري لتجميع هذه التنظيمات حيث ألزمها المقال بـ"اللاوصاية" و"المرونة" أي البراغماتية واللامبدئية وقبول التعددية الفكرية والإختلاف المنهجي والمساومة، لكن على نجاح المساومة يعتمد على نوعها هل هي مساومة تجارية قائمة الطمع والطمس أو هي مساومة بين منفعة وطنية ومنفعة تجارية؟ أو هي مساومة بين مبادئي؟ فالواقع إن لكل تنظيم ثقافة وطبيعة تكوين وأهداف ونوعية عمل مختلفة عن الآخر يصعب تجاوزها بموجهات عليا تسير به التنظيمات شؤون عملها وتستعملها لتكوين (نشاط ثوري واحد)! وحكم جديد واحد! هذه الوحدة المثالية المأمولة مناقضة لواقع إختلاف طبيعة التكوين والثقافة الطبقية والآيديولوجية لكل تنظيم مؤسس!.


المسألة الثانية، إختلاف الأمور المبدئية في إختيار نوع الديموقراطية؟
مسألة "المبدئية" و"الغالبية" أو نوع الديموقراطية الواجب أن يتخذ بها أي قرار من هذه التنظيمات؟ فإن كان التصويت بعدد آحاد التنظيمات على (((مسألة مبدئية))) فسيكون القرار إما معبراً عن أدنى التوافقات، أو معبراً عن أكثرية التنظيمات أو معبراً عن أقواها نفوذاً ولن يكون ذلك التصويت عن أصح التغييرات البنيوية المطلوبة في هيكل الاقتصاد أو في هيكل السياسة أو في هيكل الإدارة العامة ونقلها من المركزية إلى نوع معين من اللامركزية! أو نوع الأجل الزماني المناسب لحساب قرارات العلاقات الخارجية للإقتصاد هل هو "الأجل القصير" أو "الأجلين المتوسط والبعيد"؟ من ثم مع كل (((مسألة مبدئية))) تختلف التنظيمات على مبدئيتها وأوليتها ويتجدد ويتكرر نفس الإختلاف المبدئي المألوف بين التنظيمات الذي حاولت فكرة المقال تجنبه.



3- النظرة العملية:
إن فكرة التنظيم الجامع فكرة جيدة إذا كان المنتظمين من مدرسة إقتصادية سياسية معيشية وثقافية واحدة ترى بمنظار واحد قضيتي الحرية: الحرية من الإستعمار الداخلي بنوع معين من اللامركزية، والحرية من إدمان التبعية للتمويل الأجنبي، وتحقيقها بالتنمية المتوازنة، ونوع الديموقراطية اللازمة لتحقيق هاتين الحريتين

إنتماء الكيان الجامع الجديد المنشود الى مدارس فكرية مختلفة ذات مناهج مختلفة في قضايا السياسة والديموقراطية والدستور والتنمية، بما في ذلك من اختلافات على وجود بعض الأزمات وعلى حلها سيجعل اتفاق مكوناته على الأمور الرئيسة مرتبطاً بأسلوب الحد الأدنى وهو نوع من إتفاقات مجرب فشله في ظروف شتى لم ينفع فيها لا في تنمية انتفاضة أو ثورة، ولا في بناء دولة، ولم ينجح حتى في ترسيخ حكومة.



4- الفيصل:
الفيصل في تكون تحالف أو حدوث حالة فرز بين قوى يسهم جمهورها في التظاهرات هو الإختيار بين "الديموقراطية الليبرالية" التي يتسيدها كبراء الطوائف والعشائر والحكم والسوق وأوردت معيشة مجتمعات العالم الثالث والسودان إلى أنانيات التفاوت والنزاعات والتعصب الديني والتعصب الإثني والتفتت؟ أو"الديموقراطية الشعبية المتكاملة" الناشئة من أنشطة المنتظمات الفئوية والجماهيرية في القاعدة وعبر بنيات الحكم المحلي وصولاً إلى إنتخاب كل مجال عمل لمسؤوليه ووزراءه وتشكيل مجلس شعب تمثل فيه بشكل مباشر فئات الرعاة والزراع والحرفيين والعمال والمهنيين + تمثيل مجتمعات العمل العام (=المجتمع الأكاديمي، المجتمع العسكري، اامجتمع التجاري، مجتمع الإعلاميين، ..إلخ ) + تمثيل كتل الأحزاب + مجلس رديف لتمثيل الأقاليم يناقش فيه مندوبيها أي أمر قد يخل بحقوقها.



5- خلاصة التمحيص:
إرتبطت فكرة المقال الكريم بمنطق جمع لاتاريخي بين جماعات مختلفة الأسس والمناهج، يعتمل كل جزء منها بجزء من الصراع الطبقي، لذا مهم لتطور الثورة والعمل الوطني التفكير خارج الصندوق وترك الأفكار التي تحاول استدامة وتجديد شراكة البؤس المألوفة بين النخب المرتبطة بفكرة إدارة الدولة بأوامر فوقية وتبديلها بأفكار ورؤى تنسيق قاعدية المحور.

الأفكار القاعدية المهمة لتطور الثورة وبناء الدولة الجديدة تربط أعمال الثورة بالفرز الطبقي في كل بنيات المجتمع والدولة وتكوين هيئات قيادة ثورية في القاعدة أي في الوحدات الأساسية للإنتاج ومناطق السكن، وفي مستوى التجميع الوسط، وفي المستوى الأخير لتحويل المطالب والتغييرات التحتية إلى حركة حقيقية في مجالها الخاص العملي أو المحلي أو في نطاق الدولة.

رغم إختلاف قوام المقال عن عنوانه كون العنوان يتكلم عن "مائدة مستديرة" بينما يتكلم قوام المقال عن إستعمال المائدة المنشودة في تكوين تنظيم رأسي جديد جامع شامل يخلص المجتمع من أزماته [الطبقية الأساس] دون كسر النظام الطبقي! فإن المقال ككل قد نجح في تقديم فكرة جهبزية راقية تعبر بفن وهندسة ليبرالية عن أقصى منتجات التفكير والنشاط الوسطي للتعامل مع المرحلة القادمة (مع محاولات ليبرالية أخرى) تحاول بحذق جمع الأنشطة النخبوية والأنشطة الشعبوية في إتحاد فوقي يبعد السياسة من النشاط الشعبوي للصراع الطبقي ويجدد إستمرار مألوف الآباء والأجداد النخبوي العتيق.

المحاولة الحاضرة لتجميع كثير من اللجان والمنظمات القاعدية وتحويلها من التشتت إلى تنظيم رأسي يمكن تسميتها "نخبنة الشعبوية" وهي محاولة ليبرالية أصيلة لها تاريخ ناجح مجيد في إنتصار ثورات البرجواز على الإقطاع في هولاند وإنجلترا وأمريكا وفرنسا وإيطاليا إلخ نجاحاً تحقق بقيام النخب بجر الجماعات الشعبية إلى صفوف الثورة ضد الإقطاع وبعد كسر جبروته إنتهى التحالف إلى حالة رأسمالية طحنت شعارات الحرية والإخاء والمساوآة مبتدئة حالة من الإستعمار، أما في ثورات السودان فكثيراً ما دخلت النخب في تحالفات شعبية نخبوية القيادة تكونت منها حكومات نخبوية جددت سيطرة تماسيح السوق على معيشة الناس وجددت إدمان الدولة تسول التمويل الخارجي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي


.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ


.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا




.. ما المطلوب لانتزاع قانون أسرة ديموقراطي في المغرب؟