الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المضاعف الاقتصادي في مواجهة التسرب الاقتصادي

محمد رضا عباس

2021 / 12 / 29
الادارة و الاقتصاد


يعتبر الاقتصاد الكنيزي (John Maynard Keynes ) المصاريف بشقيها الاهلية والحكومية , الاستهلاكية والاستثمارية, المحرك الحقيقي للانتعاش الاقتصادي . زيادة المصارف الحكومية او الاهلية لاي سبب كان يزيد من الطلب على السلع والخدمات , يزيد الإنتاج الوطني , يزيد الطلب على الايدي العاملة , ويزيد من النمو الاقتصادي. وهكذا , مع كل تراجع اقتصادي كبير في الدول المتقدمة اقتصاديا تقوم الإدارات الحكومية بزيادة مصاريفها او تخفيض الضرائب على المواطنين وتخفيض سعر الفائدة من اجل زيادة الانفاق الداخلي.
هذا التركيز على زيادة المصاريف في الاقتصاد الوطني بشقيه الأهلي والحكومي يأتي من خلفية ان تأثيرات هذه المصاريف على الاقتصاد الوطني يتضاعف بقدر حجم المضاعف (Economic Multiplier) السائد بالبلاد. فلو كان المضاعف 3 , فان صرف الدولة العراقية 3 ترليون دينار عراقي , سيكون تأثيرها على الاقتصاد الوطني 9 ترليون دينار , وإذا كان 5 فان تأثير 3 ترليون دينار سيكون 15 ترليون دينار.
اما تعريف المضاعف فهو عدد مرات تداول الدينار الواحد خلال عام واحد. لتوضيح الفكرة , فلو ان صاحب محل بيع إطارات للسيارات باع في يوم معين مبلغ مليون دينار عراقي , فان هذه المليون دينار سوف لن تبقى في قاصة البائع وانما سيذهب جزء كبير منها الى مجهز الإطارات لبائع المفرد , جزء اخر لإيجار المحل , دفع أجور لعماله , دفع فاتورة الماء والكهرباء. وبالمقابل , فان الذين استلموا المبالغ من بائع الإطارات , يمثل لهم دخل , سيصرفونه أيضا على شراء حاجاتهم. وهكذا ستكون مصاريف عدنان , بائع الإطارات , دخل عبد الله , مجهز الإطارات , ودخل عبد الرحمن صاحب بناية محل عدنان , ودخل علي وعماد , عمال عدنان.
لا توجد دراسة تكشف مضاعف المصاريف الاهلية او الحكومية في العراق , او قل لم اعثر على هذا المضاعف رغم بحثي عنه , ولكن من الممكن استخدام مضاعف لاقتصادي قدره 2 وذلك بسبب ان العراق يعد اقتصاد صغير ومفتوح على العالم الخارجي (الكثير التجارة مع العالم الخارجي) تماما مثل اقتصاد فنزولا , السعودية , إيران , ومصر. وبذلك فان صرف الحكومة العراقية ما قيمته 2 مليار دولار لتأسيس 1000 مدرسة في عموم العراق , فان تأثير ال 2 مليار دولار على الاقتصاد العراقي سوف تساوي 4 مليار دولا. هذا التأثير , على افتراض ان تأسيس 1000 مدرسة جديدة هي من صنع العراق 100%. ولكن الحقيقة , ان تأسيس 1000 مدرسة سيكون على يد شركات صينية وبذلك فان أي مادة تقوم الصين بتجهيزها من اجل انجاز ال 1000 مدرسة سيخصم من تأثير المضاعف. فلو صرفت الشركات الصينية المقاولة لبناء , مليار دولار في العراق ومليون دولار اخر لشراء ما تحتاجه هذه المدارس من الصين , فان تأثير 2 مليار دولار على الاقتصاد العراقي سوف لن يكون 4 مليار وانما النصف , 2 مليار دولار, وهذا ما يعرف اقتصاديا بالنضوح او التسرب الاقتصادي (Economic Leakage).
جميع الدول في العالم تقريبا تعاني من التسرب الاقتصادي من خلال استيرادات السلع والخدمات , لان ما يستورده أي بلد يعد بضائع صنعت خارج البلد، ولكن يتم استهلاكها في البلد المستورد , وبالتالي فان قيمة الاستيرادات تعتبر دخل للمصدر تستفاد منه الطبقة العاملة فيه ويستفاد منه الاقتصاد الوطني.
في القضية العراقية , من اجل تقليص حجم التسرب او الخسارة , على الدولة ان تتعاقد مع شركات البناء الأجنبية مع فرض شروط ان يكون بعض مواد البناء او تجهيز البناية بعد اكمالها من صنع العراق. ليس صعبا على العامل العراقي صنع باب خشبية لأبواب الشقق السكنية وغرف الشقق , ولا صعب على العامل العراقي انتاج شبابيك للعمارات السكنية او للمباني المدرسية , ولا صعب على العامل العراقي انتاج اثاث غرف بيت. العراق له باع طويل في انتاج هذه البضائع وما يحتاجه المصنع العراقي الا الدعم الحكومي.
لقد طالبت الحكومة العراقية في عدد من مقالاتي ان تقدم القروض السخية الى رجال الاعمال من لهم خبرة في الصناعة. انهم موجودون في شمال العراق ووسطه وجنوبه، ولكنهم بقوا أسرى الإرادة الحكومية. لقد ذكرت ان تقديم قرض بعشرة مليون دولار لرجل اعمال (سيدة اعمال) له منافع كثيرة منها تقليص حجم الاستيرادات للبضائع الغير معقدة , زيادة الطلب على الايدي العاملة , زيادة الوعي الصناعي , تراكم الخبرات , وزيادة في الأرباح. بمعنى اخر , ان تأسيس برنامج حكومي لدعم الإنتاج الوطني العراقي سوف يؤدي الى نمو الطبقة الوسطى في العراق ومع هذا النمو سوف ينتعش ويزدهر كل أنواع الفن والثقافة. تذكر , ان من يقتني اللوحات الفنية ليس الفقراء وانما الميسورون , ومن يأخذ عائلته الى حفل موسيقي او غناءي هم الطبقة الميسورة وليس الفقراء , وان من يتردد على المسارح الفنية هم الميسورون وليس الفقراء.
لقد لاحظت في زيارتي الأخيرة جفاء الكثير من العراقيين مع الفن والثقافة , وحجتهم , نحن مشغولون بإشباع بطوننا لا ادمغتنا. انها حالة محزنة ان تبتعد العائلة العراقية عن النشاطات الثقافية , وهي المفتاح لكل تقدم. انه من غير المبالغة ان نقول انه من يحب الفن لا يحب الاعتداء وخرق القانون , ولو احصيت من هم في السجون العراقية لوجدت ان اغلبهم لا يعرفون حتى اين الطريق الى متحف بغداد او يعرفون اسم مبدع عراقي في الغناء والموسيقى والرسم والتمثيل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تقرير أميركي: طموحات تركيا السياسية والاقتصادية في العراق ست


.. إنتاج الكهرباء في الفضاء وإرسالها إلى الأرض.. هل هو الحل لأز




.. خبير اقتصادي: الفترة الحالية والمستقبلية لن يكون هناك مراعي


.. عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 26-4-2024 بالصاغة




.. أمين عام -الناتو- يتهم الصين بـ”دعم اقتصاد الحرب الروسي”