الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لو نجح كوفيد 19

سامي البدري
روائي وكاتب

(Sami Al-badri)

2021 / 12 / 29
كتابات ساخرة


ماذا لو نجح كوفيد؟ وحدها صياغة السؤال تبدو كعملية القاء قنبلة مولوتوف وسط طاولة إفطار صبيحة عيد هادئ. يا لوقاحتي وخبث طويتي إذ أتجرأ على صبيحة عيد بشري بمنتهى الوداعة والهدوء.
أحياناً يحلو لي أن أخلع على نفسي معطف بؤس الشاعر المهلهل، لأسمح لنفسي بقول ما لا يجب أن يقال، لأن الشعراء متقولون ويخوضون، في أغلب مراجعاتهم، في ما خلف الأسوار.
الشاعر، ورغم كونه كائن بري يقترب من البدائية، إلا أنه أحياناً يتحدث عن أشياء تلامس سطح الأرض، من مثل: لقد ازداد منسوب الهراء في الحياة بسبب انصراف الفلاسفة إلى زراعة النباتات الطبيعية بدل البحث عن أجوبة لأسئلة البشرية العالقة، متناسين حقيقة أن النباتات الطبيعية تنمو لوحدها وتتكاثر بشبق ولا تحتاج لمساعدة أحد! أو من مثل: أن الساسة يحرثون رؤوس مواطنيهم وناخبيهم من أجل استنبات المحاصيل التي ستمد حقول البجع الأسود بالغذاء، التي يزمعون انشائها! وهنا يتناسى الساسة أن لا وجود للبجع السود في غير افتراضات رفوف التنظيرات، وحتى لو كانت سياسية. أو من مثل: ماذا لو كان النيزك - الذي يتوقع علماء الفلك ارتطامه بالأرض قريباً - أكبر حجماً من الأرض بألف مرة وهدم ارتطامه ثلث الأرض وأسقطه في هوة الفراغ الكوني، كم سينجح من سكان ذلك الثلث في السباحة في الفضاء ليعودوا إلى ما تبقى من الأرض؟ خيال فج ومتشائم ومزدرى أليس كذلك؟ أو من مثل: ماذا لو نجح فايروس كوفيد 19 في إبادة نصف البشرية؟ كم سيتباكى على هذا النصف وسيحزن، من النصف الذي سيبقى على قيد الحياة وكم سيستمر حزنهم؟
بالتأكيد أن كلامي هذا لا يصب في خانة تأييد فكرة تقليص عدد سكان كوكب الأرض، التي يقال أن جهة ما صنعت فايروس كوفيد من أجل تحقيقها، بل هو يتعلق بنتائج هذه الفرضية، فيما لو تحققت، سواء بعامل طبيعي أو مُصنع مقصود على السواء.
تفترض بعض الاحصائيات التقريبية أن الموت يخطف 150 ألف شخص يومياً، من مجموع سكان كوكب الأرض، وهذا العدد لا يتوقف أحد أمامه ولا يصنفه في خانة الكوارث ولا تعقد بشأنه ندوات تلفزيونية تحليلية ولا تستطلع حوله آراء خبراء مراكز بحوث ودراسات متخصصة، لأنه يصنف تحت خانة الأقدار أو سنن الطبيعة أو قوانين الوجود. ولكن وبالمقابل، تخيلوا كيف سيكون الأمر فيما لو صحونا ذات يوم على خبر موت جميع موظفي البيت الأبيض الأمريكي أو الكرملين الروسي أو الايليزيه الفرنسي، أو حتى السيد مارك زوكربيرغ وطاقم ادارته في شركة فيس بوك، موتاً طبيعياً، بلا قصف جوي، بلا قصف مدفعي، بلا تفجير طائرة مسيرة، بلا عملية تسميم، وبلا تدبير من جهة مخابراتية من أي جهة في العالم؟ تخيلوا كم سيعقد من اجتماعات ومؤتمرات وندوات، سرية وعلنية، دراسية وتحليلية، سياسية وإعلامية، رغم أن هذا الموت الذي افترضناه سيكون موتاً طبيعياً بلا مؤامرة أو تدبير خارجي أو داخلي كما أسلفنا؟
تأسيساً على هذا الفرض يمكننا التساؤل : هل إدارات العالم (إدارات الدول المتمثلة بحكوماتها) السياسية والاقتصادية مهتمة أو ستهتم فعلاً فيما لو أباد فايروس كوفيد نصف سكان الكوكب؟ ستهتم فيما لو شمل هذا الموت أي حلقة من حلقات الجزء المعطل لدورة الحياة السياسية والاقتصادية والأمنية التي ترتبط بمصالحها، وإلا، وبالنسبة لهذه الإدارات، فإن إدارة كوكب بعدد ثلاث مليارات ونصف، بالتأكيد هو أسهل وأقل استنزافاً للموارد، من ادارته وهو بسبع مليارات، وبالذات في الجانب الأمني والاقتصادي!
**** *****
لنرخي الخيط قليلاً ونعود إلى افتراضات معطف الشاعر ولننصت لتأملاته المتسائلة الشاذة: ما الفرق بين أثر موت (على مطابخ السياسة والاقتصاد الدولية طبعاً) مارك زوكربيرغ وطاقم مساعديه (موظفيه) من الصف الأول (يبلغ عددهم عشرة آلاف موظف بحسب يوكوبيديا) وموت 150 ألقاً من شعراء وشاعرات الفيس بوك (من فيالق الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس نبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فوراً، أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل، بحسب الروائي الإيطالي أمبرتو إيكو)؟
وتخيلوا صباحاً تخرج فيه علينا وكالات الأنباء ومراسلي الفضائيات وإعلام دول العالم الرسمية بالخبرين التاليين، الأول ينقل لنا خبر موت جماعي لمارك وعشرة آلاف من موظفيه (رغم أن موتهم يأتي بصورة طبيعية وكل في بيته ودون اغتيال أو عمليات تسميم، بل وحتى دون حوادث سير)، وخبر آخر ينقله بعض المراسلين، عن تصريح لأحد الموظفين الذين سيخلف مارك في إدارة فيسبوك، ومفاده موت 150 ألفاً من شعراء صفحات فيسبوك وبذات الظروف ودون ملابسات؟! ولكم أن تتخيلوا حجم الاهتمام الذي ستوليه حكومة الولايات المتحدة (باعتبار أن فيسبوك شركة، وبموظفيها، أمريكية) للخبر الأول، تحقيقاً وفحصاً وبيان رأي جهات متخصصة، قبل الاهتمام الإعلامي، مقابل الخبر الثاني؟
**** *****
ولنعود الآن لشد الخيط ونتساءل: كم ستهتم إدارات العالم فيما لو نجح وفعلها كوفيد 19 وأباد نصف البشرية؟ سيشعر رؤساء دول العالم بالأسف وينكسون الأعلام حزناً عليهم؟ وفي صبيحة اليوم التالي سيرتدون بدلاتهم المكوية ويمشطون رؤوسهم بعناية (باستثناء بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، لأنه لا يهتم لا بكي بدلاته ولا بتمشيط شعره) ويدخلون مكاتبهم الرسمية في ذات الساعة: لأن الحياة يجب أن تستمر، وموت نصف البشرية لا يعني ان يترك الحبل على الغارب وتخرب الدنيا!
إذاً موت نصف البشرية لم يخرب الدنيا، لكن تجسس المخابرات الروسية أو الصينية على الولايات المتحدة أو العكس هو الذي يخرب الدنيا. أن يتقدم الميزان التجاري الصيني على مثيله الأمريكي بمقدار 9.05، على سبيل المثال، هو الذي يخرب الدنيا. اكتشاف روسيا لأربعة حقول غاز كبيرة على أرضيها، هو الذي يخرب الدنيا، لأنه سيوفر لها المزيد من الاحتياطي الذي يمنحها فرص التحكم بأسعار الطاقة في العالم!
أوف! أسرفنا وذهبنا بعيداً في مهاوي السياسة، لنعود لموت مارك وطاقم موظفيه المهمين، كم سيشغل الإدارة الأمريكية؟ شهر؟ ثلاثة؟ ولم كل هذا الوقت وتقارير الطب الشرعي أثبتت أن وفاتهم كانت طبيعية وإن الإدارة التي ستخلف إدارة مارك ربما تكون أكثر تعاوناً مع الحكومة الأمريكية، وخاصة في مجال التجسس على مستخدميّ الفيس؟
إذاً السلام لروح مارك وكبار موظفيه وليتقبلهم الرب في ملكوته.. آمين.
وماذا عن المئة وخمسين ألفاً من شاعرات وشعراء الفيس بوك... تقصد الحمقى الذين تحدث عنهم أمبرتو إيكو؟
نعم.
هل يعرف أحد رؤساء العالم أو وزراء دفاعهم أو خارجيتهم أو مديري مخابراتهم أحداً منهم؟
اثنان أو ثلاثة منهم فقط.
وبم يمتازون عن المئة وخمسين ألفاً الذين تفقدهم البشرية كل يوم؟ لا شيء فعلاً، من الناحية العملية بالذات. إذاً لترقد أرواحهم بسلام فللرؤساء الأهم مما يشغلهم وهو تدبير شؤون كوكب الأرض وطرق قيادته!
وماذا لو نجح فايروس كوفيد 19 وفعلها؟
يا رجل ها نحن نعمل من أجل وقفه، لقاحات وعلاجات وتدابير احترازية... ولحظة دعني أقرأ تقرير مدير المخابرات حول تصريح الرئيس الصيني الجديد.. أممم! ماذا قلت بشأن التدابير الاحترازية؟
قلت إنها تصادر جزءاً كبيراً من الحرية الشخصية..
أليست أفضل من الموت يا رجل؟ بربك دعني أسمع اتصال وزير الخارجية فهو يحدثني عن المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الروسي قبل ساعة.
**** ****
الآن عليّ أن أعتذر لكم عن حديثي عن مسودة أكثر المخلوقات بدائية وسذاجة: الشاعر، فهو مخلوق حالم ويحاول أن يزج كل ما يصادفه من أحداث وكلام تحت معطف الفلسفة... وكأنه يفهم أكثر من قادة كوكب الأرض وسياسيها ووزرائها وقادة مخابراتها... وأكثر من قادة فيسبوك وتويتر وأخواتهما!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هاني خليفة من مهرجان وهران : سعيد باستقبال أهل الجزائر لفيلم


.. مهرجان وهران يحتفى بمرور عام يوما على طوفان الأقصى ويعرض أفل




.. زغاريد فلسطينية وهتافات قبل عرض أفلام -من المسافة صفر- في مه


.. فيلم -البقاء على قيد الحياة في 7 أكتوبر: سنرقص مرة أخرى-




.. عائلات وأصدقاء ضحايا هجوم مهرجان نوفا الموسيقي يجتمعون لإحيا