الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ادوات الكتابة - روى بيتر كلارك - الأداة الثالثة والثلاثون

خالد محمد جوشن
محامى= سياسى = كاتب

(Khalid Goshan)

2021 / 12 / 30
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


اكتب من زوايا سينمائية مختلفة

حول دفتر ملاحظاتك إلى كامير

قبل اختراع الكاميرا ، كان الكتاب يكتبون وكأنهم يصورون فيلما سينمائيا فقد تأثر الكتاب بالأعمال الفنية التى تعتمد على الصورة ، كالبورتريهات ولوحات النسيج وما إلى ذلك ، وأفادوا منها كثيرا ، واستوحوا منها كيفية تغيير بؤرة تركيزهم قربا وبعدا بحيث يمكنهم تصوير الشخصيات ورسم المشاهد كما ينبغى .

وفى عصرنا الحالى ، ينتج الكتاب أعمالهم وقد أخذوا فى اعتبارهم إمكانية تحويلها إلى أفلام سينمائية .

غير أن استخدام التكنيك السينمائى فى الكتابة قديم قدم الادب الإنجليزى نفسه .

فعلى سبيل المثال نجد أن الكاتب مجهول الاسم الذى ألف " ملحمة بيوولف " قد استخدم الأسلوب السينمائى فى ابداعه لرائعته تلك ، إذ كان يبتعد بالصورة بحيث يرى القارىء مواقع أحداثه البطولية من أراض شاسعة وبحار لا حدود لها ، ثم يقترب ويقترب ليصور تفاصيل دقيقة ، من مثل الجواهر التى تزين أصابع الملكة ، أو ما يبدو فى عين أحد الشياطين من لمعان مخيف .

وقد اختفى الكتاب الملحميون فى عصرنا هذا وحل محلهم كتاب من أمثال ديفيد سيدارس ، الذى اعتاد مشاهدة الأفلام منذ صغره ، وصار يرى العالم من خلال عدسته الخاصة ، عدسة الديب الساخر ، إذ يقول :

" كان عيد الهالوين يوافق يوم سبت فى ذلك العام ، وحين اصطحبتنا أمى إلى المتجر كانت كل الازياء التنكرية قد نفذت .

وكانت النتيجة أن تنكرت أختاى فى هيئة ساحرتين وتنكرت أنا فى هيئة متشرد .

كنت أريد أن أذهب بتنكرى هذا وأزور منزل عائلة تو مكيز ، لكنهم كانوا قد غادروا المنزل قاصدين البحيرة ، وكانت أنوار منزلهم كلها مطفأة ، لكنهم تركوا أمام الباب علبة معدنية ملأى بحلوى الجيلاتين الملونة وإلى جانبها لافتة تقول : لا تكن طماعا .
وجدير بالذكر أن حلوى الجيلاتين هذه من أحقر ما يمكن تقديمه للأطفال فى الهالوين .

ولا أدل على ذلك من أن كثيرا منها كان يطفوا فوق صفحة الماء فى الصحن الذى يشرب منه الكلب غير البعيد منى .

وانتابنى شعور بالتقزز وأنا أتخيلها وقد أخذت تسبح داخل معدتى بالطريقة نفسها ، كما كان من المهين أن يطلب منك ألا تأخذ كثيرا من شىء لا تريده أصلا " .

( من كتاب : أجعل عائلتك ترتدى القطن والجينز ). إننى أستطيع أن أرى الكاتب وقد أخذ يغير المسافة بينه وبين ما يصوره لنا هنا ، فى هذه الفقرة الواحدة ، لأربع مرات على الأقل .

إذ يقدم لنا ، بادىء ذى بدء ، لقطة سريعة للأطفال وقد ارتدوا ثياب الهالوين ، ثم يقدم لنا صورة منزل الجيران الغارق فى الظلام ، ثم يقترب أكثر فيسمح لنا بقراءة الكلمات المكتوبة على الأفتة ، ثم يزداد اقترابا ليرينا صورة حلوى الجيلاتين الملونة الطافية فى صحن الكلب ، وربما يمكننا أيضا أن نضيف صورة بأشعة إكس للحلوى الكريهة وقد أخذت تسبح داخل معدة الطفل .

لقد تعلمت استخدام التكنيك السينمائى فى الكتابة من صديقى ديفيد فينكل ، الذى كان يعمل مراسلا صحافيا للواشنطن بوست فى كوسوفو فى العام 1999 ، أثناء الحرب .

أذكر أن ديفيد قد اعتاد تصوير المواقف اٌنذاك بأسلوب تحولت فيه الكلمات إلى لقطات ، إذ رسم بقلمه صورة سينمائية للاجئين المعوزين ، وقد صارت محاولات تقديم المساعدة لهم شرارة لحرب ضروس .

يقول ديفيد :
" يلتقط أحد المتطوعين رغيفا ويقذفه عشوائيا . ما من احتمال أن يسقط الرغيف على الارض ، فهناك كثيرون ممن يراقبونه وهو يطير وقد تلاصقت أجسادهم ، ثم يطير رغيف اٌخر ، وثالث ، وترتفع فجأة مئات الأزرع نحو السماء وقد أشرعت أصابعها وأخذت تلوح " .

يستهل ديفيد هذه الفقرة بلقطة قريبة للمتطوع المذكور ثم يبتعد بالكاميرا ليرينا لقطة لمئات الأزرع ، ثم يخرج الجمع عن السيطرة ، ويركز ديفيد على امرأة بعينها فيقول :

تصرخ امرأة : " من أجل الاطفال ، من أجل الاطفال "
وقد مدت ذراعيها محاولة الوصول الى العربة التى تحمل الإمدادات .
ترتدى تلك المرأة معطفا وفوق رأسها عصابة وفى أذنيها قرطان .

وحين تعجز عن الوصول إلى العربة تخفض ذراعيها إلى مستوى رأسها وتغطى أذنيها بكفيها لأن ابنتها ، التى تبلغ الثامنة من العمر ، تقف خلفها متشيثة بها وهى تصرخ ، إذ يكاد جسدها يصهر من شدة الزحام .

وخلفها تقف طفلة أخرى ، ربما كانت فى العاشرة من عمرها ، وقد ارتدت قميصا تزينه رسوم لقطط ونجوم وأزهار كما يغطيه بعض الطين . شعرها أحمر ، وفيه طين .

فيما يلى أعرض عليك بعض الأوضاع الشهيرة لزوايا التصوير لعلها ترشدك فى استخدامك " كاميرتك اللفظية " – إن جاز التعبير – لإحداث تأثيرات مختلفة :

اولا- وضع الصورة الجوية :

وفيه يبدو الكاتب وكأنه ينظر إلى العالم من عل ، كأنما يقف فوق ناطحة سحاب مثلا .
مثال ذلك قول أحد الكتاب : " ظل مئات الناخبين فى دولة جنوب أفريقيا واقفين لساعات فى صفوف شبيهة بأفاع طويلة وذلك كى يدلوا بأصواتهم
ثانيا – اللقطة التقديمية :
وفيها يبتعد الكاتب بعدسته ليقدم لقارئه صورة أجمالية للعالم الذى يوشك القارىء على دخوله ، والذى ستجرى فيه الاحداث .

وأحيانا تكون هذه اللقطة هى التى تخلق الجو العام الذى سيظل مسيطرا على القصة برمتها .

مثال : وفى ثوان لا أكثر ، وبينما تتصاعد سحب الغبار من أرض المدرسة ضخمة مهولة على نحو يوحى بشدة الانفجار الرهيبة ، يسمع صوت طلقات رصاص مدوية ، وتزداد حدتها فتتحول شيئا فشيئا إلى هدير مستمر .

ثالثا – اللقطة المأخوذة من مسافة متوسطة :

وفيه تتحرك الكامبرا ثم تتوقف على مسافة معقولة من الحدث بحيث يمكننا رؤية الشخصيات الرئيسية وطريقة تفاعلها بعضها مع بعض .

وهذا هو ما يحدث عادة فى تغطية الأخبار فى الصحف وما إلى ذلك .
مثال : وقد نجا عشرات الرهائن وأخذوا يغادرون المدرسة متعثرين مترنحين وسط دوى الرصاص وانفجار القنابل .

وكان الكثيرون منهم قد تعروا إلا من بعض أسمال بالية وتقلصت قسمات وجوههم من الخوف والتعب ، وأمتلأت أجسادهم بالجروح الدامية .

رابعا – اللقطة القريبة ( كلوز – أب ) :

حيث تقترب الكاميرا جدا من وجه الشخصيات فتسمح لنا برؤية ما ارتسم على وجوهها من تعبيرات الخوف أو الغضب أو الإشفاق من المرتقب أو الحزن والأسى أو السخرية وهلم جرا .

مثال : تغضن جبينه وازدادت العلامات الشبيهة بأرجل الغراب فى وجهه عمقا وهو يجاهد كى يفهم ... ثم جذب الرجل حزام سرواله إلى أعلى وحك وجهه الذى لوحته الشمس ، وحدق فيها وهو يحاول أن يكسب بعض الوقت لعله يفهم ، ولكنه لم يفهم ، وخشى أن يخبرها بأنه عاجز عن الفهم .

خامسا – اللقطة القريبة جدا :

حيث يركز الكاتب على تفصيلة مهمة لم يكن القارىء ليدركها عن بعد ، فقد يختار الكاتب ، على سبيل المثال ، أن يركز خاتم وضعه أحد أفراد العصابة فى خنصره ، أو تاريخ وضع أحدهم دائرة فى التقويم ( نتيجة الحائط ) أو علبة الجعة فوق سيارة الشرطة .

مثال : التقطت يد ممرضة قسم السرطان سمكة الزينة النافقة من حوض الأسماك بالعيادة ، فالمرضى هنا لديهم ما يكفيهم من الهموم ولا ينقصهم ما يذكرهم بالموت .

وأخيرا أقول لك إننى قد حضرت منذ سنوات ، حفلا لفرقة رامونز – وهى فرقة من فرق موسيقى الروك الصاخبة – أقيم فى ساحة مفتوحة تجاور مصحة بفلوريدا .

وكان المشهد غريبا بحق . ففى الأسفل كان أفراد الجمهور يقفون وقد صبغوا شعورهم باللون الفيروزى وقصوه على طريقة الموهوك الشهيرة ، بينما فى الأعلى كانت هناك سيدات زرقاوات الشعر يقفن فى الشرفات محدقات فيما يجرى فى الأسف وقد بدا عليهم أنهن يعتقدن أن نهاية العالم قد حانت .

وكان ثمة صحافى شاب يقف غير بعيد . كانت صحيفته قد أرسلته لتغطية الحفل ، لكنه لم يكتب شيئا بل ظل واقفا فى مكانه لمدة ساعتين من دون أن يخرج دفتره من جيبه .

وبصعوبة قاومت رغبتى فى اختطاف الدفتر منه . أعتقد أنه كان يستكشف المشهد على طريقة المصورين تلك .

نعم . لا بد أنه كان يركز على ما يحدث فى الأسفل ثم ينتقل ببصره إلى أعلى ، ليرصده من زاوية مختلفة .

والى الاداة الرابعة والثلاثين فى مقال قادم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جماهير ليفربول تودع مدرب النادي التاريخي يورغن كلوب


.. ليبيا: ما هي ملابسات اختفاء نائب برلماني في ظروف غامضة؟




.. مغاربة قاتلوا مع الجيش الفرنسي واستقروا في فيتنام


.. ليفربول الإنكليزي يعين الهولندي أرنه سلوت مدرباً خلفاً للألم




.. شكوك حول تحطم مروحية الرئيس الإيراني.. هل لإسرائيل علاقة؟