الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مبادرة ال18

المنصور جعفر
(Al-mansour Jaafar)

2021 / 12 / 30
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


هدف هذا النص تمحيص المبادرة السياسية التي تقدمت بها إلى الحركة السياسية السودانية ثمانية عشرة من الشخصيات السياسية والمدنية جلهم ذوي تاريخ ناصع إمتاز بالعطاء السخي والنأي عن الأنانيات الشخصية أو المهنية أو الحزبية بل لهم سمت ليبرالي تقدمي يضاد الطائفية والعشائرية ويرفض النخبوية الحزبية والعسكرية والجهوية والتجارية بل يميلون إلى تجويد عمومية الدولة وإصلاح أحوالها والمجتمع عبر وزن ديمقراطي لحقوق الإنسان فيها وبوزن حقوقي للعمل السياسي داخلها.

من المهم قبل قراءة الميثاق الذي تقترحه مبادرة الثمانية عشر شخصية الإلمام بطبيعة النشاط الوافر في بعضهم المشهور وإمتياز أسماءهم وسيرتهم في المدن الكبرى بالبذل الكبير والكفاح المفعم بالالام والتضحيات المزكى بتقديرهم واحترامهم للآخر، وبدأبهم على محاولات تنمية التعاون بين بعض أفكار وأنشطة المجتمع المدني وأفكار وأنشطة المجتمع الحزبي والنأي بهذين المجتمعين الضروريين للحداثة عن خطر المماحكات وعن خطر الإنبهام والضياع.

في سيرة أشهرهم البروفسورات فاروق محمد إبراهيم ومحمد الأمين التوم ومحمد يوسف أحمد المصطفى رغم بعض الإختلافات السياسية معهم وفي ما بينهم نشاط وبذل وكفاح تفخر به الشعوب والإنسانية جمعاء من حيث عدد وتنوع أعماله ومن حيث التفاني في بناءه وتكرار إعادة بناءه، ومن حيث الصبر على المكاره فيه، والإجتهاد لعدله وإحسانه وإتقانه وهي سمات لابد أن للمساهمين الآخرين الخمسة عشر نصيب فيها جمعهم بهؤلاء إضافة إلى الهم الفكري والوطني العام.

هذا في جهة بعض الموجبات التي -في حالة معرفة الحق بأهله- تنفع في تزكية وبيان فضل شخصيات صناعة المبادرة، أما في جهة السلبيات فإن بعض إسهاماتهم شبه لـ"برنامج غوتا"، من حيث تثبتها مثله بالبدائل السياسية الفاضلة في عمومها اللفظي كـ"الحرية"، "السلام"، "العدل"، "المساواة"، و"حقوق الإنسان" دون بيان كيفية كسر الأوضاع الطبقية التي تمنع عمومية الحقوق بل تخصخصها وترسمل الدولة.

أي إن المبادرة وبنود برنامج التغيير الذي تقترحه صارت كغالبية المبادرات السياسية وبرامجها المقدمة منذ العشرينيات، إتسمت بالرومانسية والرغبوية والانطلاق من موقع إلتباس طبقي إلى هدف يحاول تجنب أو يرفض المقتضيات الأولى للفرز الطبقي وذلك بتركيز اهتمام كل واحدة من هذه المبادرات على تصور ووصف أهداف عمومية تأمل بمشروع برنامجها في بناء هيئات لها تتحقق فيها وتتحقق بها هذه القيم العمومية الفاضلة.

فكل هذه المبادرات التي تلاحق فشلها وفشل الحركة السياسية لم تبدي إهتماماً ملحوظاً بتقديم ملخصات دراسية تبين للجماهير أموراً مهمة فلم توجد بعد مبادرة قدمت لكل فئة كبرى من فئات العمل والإنتاج (= رعاة، زراع، حرفيين، عمال، مهنيين) ولجمهور كل إقليم، ولكل فئة من النساء في مختلف مجالات العمل وفي مختلف الأقاليم، أهم الفروق والنتائج المتوقعه من تحقق تفاصيل كل سيناريو من سيناريوهات التغيير، سواء كانت سيناريوهات تغيير سلمي أو سيناريوهات تغيير مسلح أو سيناريوهات مزيج.

بدلاً لإنتقاد السيناريوهات المقترحة في مختلف البرامج تشترك كل المبادرات السياسية بمختلف التسميات في الكلام العام عن "تفوق الخير على الشر" بداية بكلام كل مبادرة عن تفوق الوطنية على الحزبية الضيقة، وتفوق إحترام الحقوق والسلام على الظلم والعدوان، وعن إصلاح الإختلالات دون إقتلاع جذورها! أي مهملة تبيين المعالم الطبقية والإقليمية للنظام الذي يحقق حرية مجتمعات السودان من الاستغلال والإستعمار الداخلي ومن إدمان التبعية للتمويل الخارجي والإستعمار الحديث.



هدف المبادرة وقوامها:
ورد في الصفحة التمهيدية إن هدف المبادرة هو تشكيل قيادة للثورة على المستوى القومي. أما قوام المبادرة فبرنامج عمل سمي ميثاقاً.

تمحيص الهدف العام:
(أ) يبدو من الإختلاف النسبي بين ورقة البداية المحددة الهدف وقوام المبادرة وهو برنامج عمل أن عملية غير سلسة حدثت للجمع بين فكرة "ميثاق" يجب أن يكون مكتفياً بمجموعة أهداف مبسطة وفكرة برنامج حزب أو تجمع يتولى عملية الإعداد لتكوين تنظيم جديد، مما يقرأ ببعض الملحوظات التي وردت في آخر ورقة من أوراق المبادرة متحدثة عن واجب الموقعين على الميثاق في الإلتزام به وعن عقوبة تجميد تصدر ضدهم في حالة مخالفتهم بنود الميثاق/ البرنامج. ومن ثم يصير قراء المبادرة في سؤال هل هي مبادرة تكوين تنظيم جديد له قيادة أو هي مبادرة تزكي الجهود القائمة وتعمل فقط على تنسيقها؟

(ب) إن هدف تكوين قيادة ثورية وطنية (لماذا تسمى ثورية قومية؟) هدف مشترك بين كل المبادرات، يكشف عن جزاف في استعمال كلمة "ثورة" بحكم إن أي ثورة لها أفكار مفصلة وتنظيم فعال وقيادة واضحة الهيئات، إو إنها إنتفاضة لم تزل راقية إلى مرحلة تصبح فيها ثورة مكتملة الأركان. لكن في دعم لهذا التحول تحاول المبادرة ترقية اضطرام الحركة الجماهيرية إلى فعل ثوري منظوم يبني سلطة جديدة لم تحدد ككل المبادرات الأخرى السمة العامة لطبيعة عملها: هل هي سلطة نخبوية تعمل من القمة إلى القاعدة؟ أو هي سلطة شعبية قاعدية العمل تصبح فيها القمة مجرد شكل تنسيقي؟ أي شكل حكم ينسق بعض اختلافات الوحدات الأساسية في بعض مجالات الانتاج وبعض الدعوم الخدمية الى بعض مناطق السكن.



1 - في الديباجة:
حددت ديباجة المبادرة ان هدف المبادرة هو "إكمال مهام ثورة ديسمبر" وبالتحديد هدفي "المدنية" و"السلام"، وذلك بالتزام بتمكين "قوى الثورة الحية"من التصدي لقيادة البلاد في (((المرحلة الحالية))) (((من خلال تنفيذ البرامج اللازمة لإنجاح "الفترة الإنتقالية" وما بعدها))) وذلك بتحقيق الأهداف التالية ... .

تمحيص الديباجة:
(أ) ماهو المقصود بـ "المرحلة الحالية"؟ هل هي مرحلة إسقاط الباقي من جبروت حكم الإخوان أو مرحلة إسقاط كل جبروت يعاني منه الشعب؟ فعلى ضوء هذا التحديد يتيسر للقارئي تقييم وتقويم كثير من نقاط المبادرة.

(ب) من سيمكن من؟ وفي ماذا؟ هل سيقوم قادة المبادرة بتمكين قادة لجان المقاومة والأحزاب أو إن قادة المقاومة والأحزاب هم الذين سيمكنون قادة المبادرة؟ و ان المبادرة ستمكن كل المخاطبين من السلطة الحكومية؟ ما هو موضوع التمكين؟ و من هم القائمين على التمكين: هل هم تجمع أحزاب هيئات وشخصيات؟ هل هم هيئة المبادرة؟ هل هم لجنة تنسيق؟

(ج) السؤال: إذا كانت هيئة تقديم المبادرة هيئة عامة تضم غالبية القوى الحية في العملية الثورية، فإلى من أو إلى أي قوة تطرح هذه المبادرة؟ طالما إن مقدميها يمثلون بذاتهم ومبادرتهم (((كل القوى الحية)))!


2 - في الأهداف العامة/البرنامج:
بشكل مفصل حددت المادة رقم (2) هدف المبادرة بأنه "إكمال الانتقال الديمقراطي" بمنع مشاركة العسكريين ومن إشترك معهم في أي عمل إنقلابي.

تمحيص الفقرة:
(أ) لم تحدد المبادرة في كلامها عن "الإنتقال الديمقراطي" أي نوع من الديموقراطية يتم الانتقال إليه؟ أو يتم الإنتقال به؟ وكيف تم تحديده؟ ويبدو إن المبادرة إكتفت بتفصيل لاحق يشرح طبيعة وجود المجلس التشريعي الثوري من حيث عدد أعضاءه وفئاته ولم تبين طبيعة تكوين وأسس إنتخاب المجلس الذي يحقق تمثيلاً متكاملاً لأكبر فئات الجماهير العاملة ومجتمعات العمل العام والنخبة الحزبية والأقاليم. أي معالم المجلس الذي يقترحه ويبينه الدستور المنوي وضعه وبالتالي تبيين نوع الديموقراطية التي يتم الإنتقال إليها.

(ب) يشمل منع من شاركوا الإنقلابات زعماء وقادة الأحزاب المتورطة بالمشاركة في مرحلة ما قبل 2019 من الحزبين الكبيرين والحركة الشعبية وبعض حركات المسلحة الأخرى وكم من زعماء سياسيين وغير حزبيين أخرين من الإدارة الأهلية ومن الطرق الصوفية ومن النقابيين، ومن الإعلاميين، ومن عالم التجارة ويشمل منذ أغسطس 2019 غالبية أحزاب السودان! إضافة إلى الزعماء السياسيين من مختلف المكونات غير الحزبية. وهو منع مفهوم ذو سبب منطقي مواشج لأفكار الديموقراطية الشعبية الثورية ويخالف نسبياً تعزيز المبادرة لقيم الديموقراطية الليبرالية المتمسكة بمبدأ "عدم رجعية القوانين" وحول صحة مبدأ "العزل السياسي" ! والرافضة إمكان التوسع في تطبيقه في المجالات الطائفية والعشائرية والإعلامية والتجارية!

(ج) هذه البداية الملتبسة توضح بعض الإضطراب في أفكار المبادرة هل ذات أيديولوجيا ديموقراطية ليبرالية نخبوية أو انها ذات آيديولوجيا ديموقراطية شعبية؟ أو انها ككل النظم التي حكمت السودان ذات أيديولوجيا براغماتية؟


3- السلطة والحكم:
حددت المبادرة شكل برلمانياً للحكم مكون من 5 مستويات (أ) سلطة سيادة من 8 أعضاء، (ب) جمعية تشريع من 300 عضو، (ج) مجلس وزراء من 15 وزارة (د) 11 مفوضية (مجلس وزراء رديف) (هـ) حكم محلي.

تمحيص هذه الفقرة:
(أ) تصحيح أولي: لايوجد في معارف الحقوق والدساتير شيء اسمه "سلطة سيادة" بل السلطات في الدساتير ثلاثة وهي تشريعية وتنفيذية وقضائية، كلها سيدة في مجالها ومجموعها يمثل سيادة الشعب وقراراتها تمثل الكينونة العامة لدولته من حيث إختصاصها النهائي بتحديد شؤونها وأعمالها، وفي غير حالة الطوارئي تتمايز هذه السلطات في النظم الليبرالية على أساس التمييز بين اختصاصات الحكم، بينما تتكامل في نظم الديموقراطية الشعبية على أساس وحدة مسؤولية وتداخل أعمال التنظيم في المجتمع، وفي واقع دول العالم لا توجد "سيادة شرفية" فالسيادة هي السيادة سواء بإجازة قرار أو بالامتناع عن إجازة قرار، أو بالقيام بإصدار قرارات أو تصريحات أو التراجع عنها، والسيادة مستويات وتخصصات وإختلافاتها متوقعة في جمهورية الانتقال الهشة أكثر من جمهورية البرلمانات الراسخة، التي أيضا لا تخلو من اختلافات رأس الدولة مع محكمتها الدستورية أو مع برلمانها أو مع قرار لحكومتها أو من إختلاف أي من هذه الهيئات مع رأس الدولة.
(ب) توكيد المبادرة على تكريس تقاليد الحكم البرلماني توكيد جيد حسن كونه يعزز إختصاص رئيس الوزراء بتقرير الأمور الروتينية أو المهمة بتوافق مع البرلمان ومع رئيس الدولة وهي تقاليد معروفة تلغي الحاجة إلى وضع عبارة "سيادة شرفية" في بند لنفس المبادرة ينص على تكوين مجلس سيادة من ثمانية شخصيات، ليؤدوا (مهمة شرفية) واحدة.

(ج) غموض الجهة التي تختار رئيس وزراء الثورة الأول! وغموض كيفية إقالته!

(د) تكوين مجلس تشريع بدون تمثيل مباشر ذو غالبية في هذا المجلس لفئات الرعاة والزراع والحرفيين والعمال، سيجعله مثل كل البرلمانات السابقة برلماناً معبراً عن سيطرة نخب البرجوازية الصغيرة وعلاقاتهم الوطيدة مع نخب السوق والطوائف والعشائر ولتواشج المصالح الشخصية والنظم النخبوية المغطى بإعلام الثرثرة والنجومية، وإهمال قضايا التغيير الجذري المرتبطة بتحقيق سيادة مصالح الفئات الكادحة والتنمية المتوازنة على أمور التشريع والدولة.

(هـ) تداخل مهام كثير المفوضيات مع مهمات الوزارات ومن ثم من الأفضل في عصر الكومبيوتر تحويل الوزارات إلى منسقيات صغيرة.

(و) ان تأخير مؤتمر بناء الحكم المحلي يجعله بلا جدوى حيث ان هيئات نخب الحكم المركزية وهي الوزارة ومجلس التشريع والمفوضيات ستقرر كل أمور الدولة مسبقاً، وقد تترك بعض الفتات لديموقراطية القاعدة، بينما المعلوم إن أسلوب سيطرة المركز السياسي على أمور الإقتصاد والإدارة والمعيشة في بلد شديد التنوع هو نفس الأسلوب الطبقي القديم المجرب الذي بلور وزاد أزمة التفاوت الإقليمي ونزاعاته في السودان. لذا فالأفضل من تكرار هذا الأسلوب المركزي الفوقي المجرب فشله الإهتمام بتحويل الهيئات المركزية لادارة الدولة بما فيها المجلس التشريعي إلى مراكز تنسيق لمجموع ما تقرره تصاعدياً إدارات الوحدات الأساسية في كل مجال عمل (= رعي، زراعة، صناعة، خدمات حرفية وخدمات حقوق إجتماعية)، ومجموع ما تقرره الوحدات الأساس في مناطق السكن، أي تتحول لهيئات تنسق سد نقص الموارد وتعالج نموء الإختلالات والإختلافات في توزيع الموارد.



4- السلام:
تتجه المبادرة إلى تحقيق اتفاق سلام شامل يزيل أو يعبر عن بداية إزالة الفروق التي ولدت الأزمة والنزاعات بشكل يرتبط باحترام التنوع والمساواة، وتاسيس مفوضية، والحوار، والعلمانية.

تمحيص هذه الفقرة:
إن تسلسل وضع الاتجاه إلى تحقيق سلام بعد قيام مؤسسات الحكم المركزي يؤدي حال نجاح مساعيه إلى انتاج اتفاق إما أن يكون شبيه لاتفاق جوبا أكتوبر 2020 أو إنه سيكون أقل منه، وذلك بحكم أن الإتفاق المنشود قد يغير تركيبة توزيع الموارد والسلطات اللازمة لتغيير التوزيع القديم وبالتالي كل تركيبة الدولة أو أنه سيشبه الإتفاقات الفوقية القديمة ولن يغير تركيبة توزيع السلطة والموارد! لذا فالأفضل تسوية وضع هيئات الثورة والدولة والإتفاقات اللازمة لإستقرار تغييرها قبل الإنهماك في تكوين هيئات حكم مركزي وأخذ إجراءات سيؤدي إي إتفاق لاحق مع مطالب إقليمية أو قومية إلى تغييرها.




5- إصلاح الأجهزة العسكرية والأمنية:

تتجه المبادرة بقوة ووضوح إلى اقتلاع أسنان النمور العسكرية عبر مفوضية وطنية وموجهات من الأمم المتحدة (((تضمن))) بها المبادرة قيام الأجهزة الامنية/القوات النظامية باحترام حقوق الإنسان والقانون! وذلك من خلال إزالة خطر منصب القائد العام والعودة إلى نظام الوزير وهيئة الأركان، وتوحيد القوات وضبط النشاط العسكري التجاري والصناعي، وإعادة المفصولين سياسياً (دون تحديد لسبب الفصل) .

تمحيص الفقرة:
(أ) إن كل هذه الإجراءات حسنة النية لا تمنع خطر الانقلابات ولاتوقف خطر الحرب الأهلية ضد أو بين المكونات العسكرية، ولا تمنع الانتهاكات العسكرية لحقوق الإنسان سواء تمت الإنتهاكات بذريعة "مكافحة الإرهاب" أو بذريعة "مكافحة الجريمة المنظمة"، أو بأي عبارات تجيز لها التجسس على بعض الناس أو اعتقالهم أو استعمال قوة ضد بعضهم من العصي والسياط والغاز الخانق للحقوق إلى الرصاص إلى القذف بحمم المدافع أو الطائرات .

(ب) ان ضبط النشاط التجاري والصناعي مهمة اقتصاد مدني وتنسيق وتخطيط مركزي ينظم كل أنواع الأنشطة ويحدد لها أهم شؤونها لذا لا يجب ان توكل أي مهمة رئيسة في هذا التخطيط إلى أي هيئة تجارية أو هيئة عسكرية منفردة أو مختلطة فماسك القلم لا ولن يكتب نفسه شقي لا فرق في ذلك إن كان ماسك القلم من العسكريين القديمين أو من المخضرمين أو كان من التجار وتماسيح السوق. والأفضل أن يتم بشكل متزامن فرض ولاية الدولة على كل الأنشطة الرئيسة في الإقتصاد سواء كانت ملكيتها لشركات رأسماليين مدنيين أو شركات رأسماليين عسكريين أو لرأسماليين ذوي إرتباط تجاري بهم، فطالما إن إرادة غير الدولة تتحكم في موارد المجتمع وفقاً للمصلحة الخاصة لهذه الإرادة، فالمنطقي تحويل إدارة هذه الموارد إلى هيئات الدولة/المجتمع.




6- العدالة الانتقالية والمحاسبة والتعويضات:
رمت المبادرة إلى تحقيقها بسلسلة أعمال تبدأ بمشاورات واسعة فإصدار قانون ثم إجراء محاسبة ومعرفة الحقيقة، مع اجراء المصالحات وتحقيق العيش المشترك، وتسليم متهمي جرائم الحرب إلى المحكمة الجنائية الدولية وإصدار قانون للعزل السياسي (لا التجاري) يعاقب كل زعيم سياسي شارك أو دعم انقلاب 1989 أو انقلاب 2021، وتعويض كل ضحايا حكم الإنقلابيين وبالذات الضحايا المباشرين لعنفهم العسكري.

تمحيص الفقرة:
انها تعفي من المحاسبة والعزل كبار المشاركين والمستفيدين التجاريين والزعامات الطائفية والعشائرية وحتى مشاركات البيروقراط التي شملت آلاف الوظائف والمناصب. فكل منهم وفق تقييم المبادرة يمثل جرثومة سياسية ليس المنطق محاسبة من شارك في ثوب عسكري أو حزبي وترك من شارك الإنقلابين الأخيرين في أثواب أخرى طائفية أو عشائرية أو أكاديمية أو بيروقراطية أو تحت شعارات المجتمع المدني.



7- منظومة الحقوق والعدل:
دعا برنامج ميثاق المبادرة إلى إصلاح منظومة الحقوق والعدالة بإجراءات تشمل تفكيك سيطرة زبانية الانقلابين، وتكوين مجلس القضاء ومجلس النيابة وبناء النظم والقوانين على رسل المساواة وحقوق الإنسان.

تمحيص هذه الفقرة:
شيدت هذه الفقرة بمنطق الشرعية الثورية بينما هدفها تحقيق مشروعية نمطية وفي هذا إختلاف يؤثر على شرعية ومشروعية كل عمل تتبناه لذا فهي فقرة تحتاج إلى تقييم وتقويم خبراء حقوقيين وقانونيين، يغيروا وفقاً لأولويات التغيير العام ترتيب إصدار القوانين وترتيب إعلان إجراءات تكوين هيئات القضاة والقضاء والنيابة بحيث يكون إعلان الأوامر والقرارات الثورية وتكوين الهيئات العدلية في ميقات قانوني مناسب لشرعنة تكوين وأعمال هيئات الثورة وهيئات الحكم والعدالة المتكونة بها. وإلا فإن أي قرار من أي هيئة ثورية أو حكومية قد يتم إستئنافه وإبطال أثره كما حدث لكثير من القرارات في عهود السودان السياسية المختلفة في مجالات العزل والتعيين في المناصب، ومجالات التراخيص، وفي مجال تأميم أو استعادة أموال.



8- مكافحة الفساد:
أوضحت المبادرة الميثاق البرنامج ضرورة مكافحة الفساد بإجراءات تبدأ بتكوين مفوضية تكمل ما أنجزته لجنة تفكيك التمكين، وتشمل كشف جرائم الفساد والأموال العامة والاتفاقات والعقود واتخاذ الإجراءات واعداد القوانين اللازمة لتجفيف ومكافحة الفساد.

تمحيص الفقرة :
خلل هذه الفقرة خلل زماني أى انها تبدأ وقد ألغت المحاكم غالبية قرارات لجنة تفكيك التمكين سواء المرتبطة بأموال أو المرتبطة بقرارات الفصل من العمل لعدم قانونية التعيين في وظيفة أو عدم قانونية الإستمرار في شغل الوظيفة.



9- إزالة الآثار الفكرية:
حددت وثيقة المبادرة الميثاق/البرنامج إمكان إزالة الآثار الفكرية لإنقلاب 1989 بتنقيح مناهج التعليم، الإعلام، الثقافة، القوانين، المؤسسات الدينية، وبتزكية وإحترام التنوع الثقافي والإثني والديني، والجهوي.

التمحيص :
تجاهلت هذه الفقرة التنوع والتناقض الطبقي الذي تغذي طبقته المسيطرة العنصريات المختلفة.




10- الخدمة المدنية وتفكيك التمكين:
اعتمدت المبادرة بداية إصلاح الخدمة الحكومية بثلاثة خطوات هي تصفية التمكين، إصلاح الأجهزة، إرجاع المفصولين. وهي خطوات ترتبط باستقلال وحياد ونظافة هذه الخدمة من الخضوع لغير لوائحها وعدم إنحيازها لفكرة أو مصلحة ذاتية خارج واجبات عملها ونظافتها من التكسب الفردي والمحسوبية والمحاباة والفساد.

التمحيص:
لا يمكن إصلاح البيروقراطية والخدمة المدنية إلا في حالة صحة كل البيئة الحاضنة للعمل الإداري، وبداية صحة بيئة الخدمة المدنية هي وضوح السمات الإقتصادية والإدارية لحكم الدولة. أما تغيير الرؤوساء والمديرين فسيكون جزءاً غير مكتمل من عملية إصلاح فوقي وحتى لو تم تغيير اللوائح الرئيسة وتحديد التكاليف والمصروفات وتنمية إستعمال الحواسيب في العمل ، تبقى السياسة الواقعية والأداء الفعلي للعمل الإداري مرتبطاً بإختلالات كبرى في مصادر الميزانيات وفي تكوينها وتوزيع بنودها على بنود مختلفة وأزمنة متفاوتة الفائدة الإجتماعية، إضافة إلى إختلالات الإستفادة من القدرات البشرية واختلال الإستفادة من الموارد المادية، وفي التعامل مع مختلف الفئات والمناطق خاصة في ظروف المركزية الداخلية وشروط البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.



11- الإقتصاد والتنمية:
قدمت المبادرة 13 بندا محورها بناء اقتصاد مختلط ذو سمات اجتماعية منها دعم سلع المعيشة ومجانية حقوق التعليم والصحة وتنظيم موارد تقوده الدولة ويحاول إصلاح التشوه الهيكلي. .. إلخ.

تمحيص الفقرة:
(أ) التناقض والتضاد بين الأسلوب المركزي الفوقي ومقتضيات السلام القديمة أو الجديدة الخاصة بسيطرة الأقاليم على جزء مهم من مواردها أو على كل مواردها. بل يزيد أزمة إدارة الموارد وأزمة الخدمة المدنية ومخصصاتها ومواردها ومصروفاتها بتكوين مفوضية تدبر أمور الاختلافات المالية والاقتصادية بين الأقاليم والمركز وهي تشبه إدارة أذون وتصديقات/صدقات مركزية إلى الأقاليم المنتج الأساس في الدولة الثروات الزراعية والحيوانية والمعدنية ومحل تكوين الثروة اللوجستية!

(ب) التناقض بين هدف التعامل مع المجتمع الدولي وهدف إلغاء الخصخصة وهدف إعادة النظر في اتفاقات وتراخيص التنقيب، فالمجتمع الدولي لمنح تمويلاته إلى دولة من الدول الضعيفة الإنتاج والتجارة يشترط عليها القيام بخصخصة أكبر قدر من الموارد والهيئات وإرضاء الاستثمارات وتحصين امازاتها.

(ج) الرؤية الليبرالية التي تفصل عمليات الإسعاف والإصلاح عن عملية التغيير الجذري، ترتبط الليبرالية بحرية التملك والمضاربات التجارية، أن يتملك فرد أو مجموعة بأمواله ما يريد من موارد المجتمعات، وأن يستثمرها بالشكل الأكثر ربحية له كمشروع أو بنك أو تجارة وأن يضارب بإنماءها أو بتخفيضها عمليات إستثمار أخرى، مملوكة لآخرين أو للدولة أو لجمعية تعاونية، وميلاً مع هذا النوع من الإقتصاد تميل المبادرات الليبرالية وهذه المبادرة إلى إبقاء هذه الوضع وإسعافه أو وقايته من الخسائر بإجراء إصلاحات تتجنب خسارته وتؤجل لمصلحة المضاربين تغييرات الإقتصاد المنمية لمعيشة غالبية الكادحين.






12: العلاقات الخارجية:
إرتبطت فقرة هذا المجال بقيم الاستقلال والمصلحة والبعد عن المحاور العسكرية وتمتين العلاقات مع دولة جنوب السودان.

تمحيص الفقرة:
(أ) مع فشل فكرة الدولة القطرية في افريقيا تبدو أهمية موضوعية لتمتين العلاقات مع كل دول الجيران وأن تتحول كل مناطق الحدود الإستعمارية إلى مناطق تكامل تنموي.

(ب) لم يذكر أي شيء عن فوائد تمتين العلاقات مع دول البريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب افريقيا) التي قدمت وتقدم مساعدات تنموية كبرى وبشروط تجارية عادية بل ميسرة.



13- قضايا المرأة:
شملت المبادرة/الميثاق/البرنامج اعتبار واحترام كرامة المرأة، وتكوين مفوضية لشؤونها، وإصدار قوانين لحمايتها، ودعم منظماتها، وتنمية المرأة في الريف.

تمحيص الفقرة:
(أ) ما هي طبيعة تكوين مفوضية المرأة؟ هل ستكون وحدة بيروقراطية أم واجهة لتنسيق عمل المنظمات النسوية؟

(ب) خلت المبادرة من إوضاح لسياسة ووضع الجندر لا في المناصب العليا ! ولا في الحركة التعاونية! ولا في وحدات الحكم الإقليمي والحكم المحلي! ولا في مناصب الخدمة المدنية! نأهيك عن وضع المرأة في الخدمة العسكرية أو الخدمة القضائية أو الخدمة الديبلوماسية أو في مجال الإقراض والتسليف من البنوك أو في المجال التجاري.



14- صناعة الدستور:
حددت المبادرة أهمية تكوين مفوضية لوضع الدستور وقانون الانتخابات، وعرض الدستور على الجمعية التشريعية ثم على إستفتاء شعبي، وإصدار قانون انتخابات، والرجوع إلى قوانين 1974.

التمحيص:
ضرورة تحديد نوع النظام النيابي أولا في الدستور وإجازته، ثم بناء عليه يتم وضع نظام الانتخاب في القانون.


15- إجراء الانتخابات:
أهتمت الفقرة ببيان إجراء إنتخابات تنتهي بها فترة الإنتقال.

التمحيص:
ا لم تحدد نوع النظام الديمقراطي والبرلماني الذي سيتحدد على ضوءه إجراء هذه الإنتخابات



16- الحدود والسيادة الوطنية وحسن الجوار:
تكلمت المبادرة عن مفوضية تعين الأجهزة الحكومية والديبلوماسية في مجالات رسم وتحديد الحدود، ورسم الحدود الداخلية والخارجية، وتقديم مشروعات القوانين والإجراءات التي تحقق التعايش وتحفظ حسن الجوار.

التمحيص:
يجب إعطاء أولية في العمل الحكومي لتكوين إدارة مختصة برسم الحدود الداخلية ورسم الحدود الخارجية، لضبط كثير من المصالح الإقتصادية والسكانية.



17- الخاتمة والملحوظات الواردة بعد الخاتمة:
انتهى مشروع الميثاق/البرنامج المقترح من المبادرة بخاتمة كلاسيكية مؤكدة على كل القيم النبيلة.
عد الخاتمة توجد ملحوظات رقم 3 ورقم 5 يؤشر معناها إلى وجود جسم قيادي سيتكون مستقبلاً من الجهات الموقعة على الميثاق المقدم ، وان هناك نظام اساسي سيحكم عمل التنظيم المتكون باجتماع الموقعين على الميثاق.

تمحيص: ما بعد الخاتمة:
إن المبادرة المطروحة من شخصيات حداثية عريقة تتوقع أن تنضم اليها كتل جماهيرية منظومة وذات وجود حافل كلجان المقاومة والمنتظمات النقابية والأحزاب، وهذا سعي حسن.



الخلاصة:
قوام هذه المبادرة وبرنامجها كقوام غالبية المبادرات السياسية قوام ضعيف، لب ضعفه تقديمه قائمة أهداف وطنية جيدة والبعد عن حسم التناقضات الرئيسة التي كونت الأزمات التي نهضت المبادرة إلى علاجها وهي أربعة أزمات:
(أ) أزمة تناقض الفكر ين الموجهين لأعمال التغيير وهما:
- فكر الإصلاح التجزيئي الذي يعمل بإنفعالية تهتم بتخفيف الأثار الفادحة أكثر من معالجة الجذور وبأسلوب تجزئة تتابعي (بالقطاعي) يحاول حل كل أزمة لوحدها، رغم إن الأزمات العامة أزمات متداخلة متفاقمة ! وضد هذا الفكر البراغماتي فكر آخر هو فكر التغيير الشمولي المتكامل المتزامن الذي يعالج الأزمات بشكل استراتيجي لا ينفصل فيه تغيير البناء الإداري عن تغيير البناء السياسي عن تغيير بنية العمل والمعيشة والاقتصاد، ولا عن تغيير بنية النشاط الإجتماعي في الإنتاج والثقافة، بل ينظمها خطة واحدة متزامنة متكاملة.

(ب) أزمة الاختيار بين النظامين الاقتصاديين الرئيسيين:
النظام الليبرالي الذي يترك كثير من أمور المعيشة والاقتصاد لحرية المضاربات، و
النظام الوطني الديموقراطي الاشتراكي الفلسفة والهدف والتنظيم القائم على التنسيق الشامل لكل أنواع لموارد المادية والبشرية.

(ج) أزمة الاختيار بين إنتظامين اجتماعيين ثقافيين:
انتظام معيشته تجريب الأفراد، وتشكيل نخب وبؤساء تحدد فيه النخب القليلة التجارية والحكومية طبيعة معيشة غالبية المجتمع.
وانتظام آخر لب معيشته أستوعاب الموارد والجهود بعمليات قاعدية متصاعدة تحدد بها غالبية الناس أعمال الحكومة والتنمية والسوق وطبيعة التعامل الدولي.

(د) الأزمة الوطنية العامة:
وهي أزمة لاترتبط وجود هذين الطريقين المتفارقين في حد ذاتهما، بل في محاولة نخب الحركة السياسية في غالبية دول العالم الثالث وفي السودان ان تسير في هذين الطريقين المختلفين في نفس الوقت.


إنتهى تمحيص "مبادرة إكمال ثورة 19 ديسمبر"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال