الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفال ازمة ضمير واخلاق

درويش محمى

2006 / 8 / 31
حقوق الانسان


الأنفال اية قرأنية كريمة نزلت من السماء، على نبينا محمد ص خاتم المرسلين، اما لدى الكرد، الأنفال ايضاً نزلت من السماء وهبطت، ولكنها لم تكن سوى قنابل كيمياوية سامة وحارقة مميتة، على 4500 قرية، لتحرق جمال ربيع كردستان الخلاب، ولتلوث هواء جباله النقي، ورائحة وديانه العبق .

الانفال يعني"الكسب والحصول"على الغنائم في الحرب، ولكن لدى الكرد، الانفال يعني"الخسارة والفقدان"والموت والخراب، وغياب الزوج والزوجة والابن والبنت والاخ والاخت والاب والام والعم والعمة والخال والخالة وابن العم .......... وحرب ضروس، وفيالق عسكرية، وطائرات وقصف ومدافع، وشاحنات رمادية أقلت على متنها" 180،000" روح بشرية بريئة، الى اماكن مجهولة مغبرة، وصحراوية مقفرة، ومعتقلات، حيث اختفت والى الأبد، ولم يبقى لهم أثر سوى البعض من المقابر الجماعية، وصور معلقة في قلوب المحبين وجدران المنازل، ومجرد اسماء، محمد واحمد ومصطفى وحسن وحسين وفاطمة وخديجة وعائشة................... وجميعهم من احفاد صلاح الدين الايوبي.

الأنفال هي تلك النظرات البائسة التعيسة، التي اتعبها انتظار الأحبة وقدومهم الذي لن يحل ابداً، وتلك القلوب المحطمة الجريحة، والدموع التي سالت لأعوام وما تزال ولم يمسحها احد، والساحات الفارغة من الاطفال وضحكهم ولهوهم وصخبهم، الأنفال تلك الرائحة الكريهة التي تحمل الموت والفناء، وصرخات الجرحى، وعويل الأمهات والأطفال، وفقدان النظر والبصر، والعمى لقلوب البشر، قبل عيون الأبرياء من الكرد.

عمليات الأنفال التي قامت بها القوات العراقية، في ربيع كردستان وجباله ووديانه، عام 1988، لم تكن غزوة اسلامية و"لافتح مبين" في دار الحرب، ولم تطل بنيرانها الكفرة والملحدين، بل اصابت بنيرانها وشرورها"كما يقال" اخوة في التاريخ والدين، يقيمون الصلاة، ويدفعون الزكاة، ويحجون البيت الحرام، ويأمرون بالمعروف .......

صورة، ستبقى تلازمني ما حييت، مجموعة كبيرة من اهالي المؤنفلين، تجمعت في احدى الساحات امام كاميرة احد الصحفيين، ومعظمهم من النساء والاطفال والشيوخ، وهم يرفعون اياديهم ويشيرون بأصابعهم عن عدد اقربائهم المفقودين، بعد ان سألهم الصحفي عن عدد اقربائهم المؤنفلين، شيخ كهل قريب من الكاميرا يرفع كلتا يديه واصابعه العشرة، ودمعة يتيمة تنهمر وتتجمد على وجهه خجلاً .

الجميع يعلم ان صدام مجرم، وان ابن عمه مجرم، واخويه مجرمين، وابنيه كانا مجرمين، وكل من يحاكم من ازلامه اليوم مجرم، وكل من اشترك في عمليات الانفال مجرم، وماذا بعد؟ نريد محاكمتهم، ومعاقبتهم على ما اقترفت ايديهم من جرائم بشعة، وانتهاكات صارخة، من قتل وتعذيب وتهجير، وماذ ابعد؟ سننتقم من هؤلاء السفلة، وسنلاحقهم وسنعلقهم على اعواد المشانق، ونجعل منهم عبرة للأخرين، وسنقضي عليهم والى الأبد، وماذا بعد؟ عندها نكون قد أقمنا العدل، وأحققنا الحق، واعدنا الحقوق لاصحابها .

القصاص من المجرم ومعاقبته، حق ثابت مشروع من السماء والارض، هذا امر لا خلاف عليه، ولكن ليس في حالة جرائم الانفال، فتقديم صدام واعوانه المقربين للمحاكمة، ومن ثم الحكم عليهم ومعاقبتهم، لايعيد لضحايا الانفال جميع حقوقهم ولا يعوضهم عن ما لحق بهم من اذى وظلم،لأسباب عديدة ووجيهة،لان الأنفال كجريمة استهدفت الامة الكردية التي يتجاوز عددها ثلاثون مليوناً من البشر، على ارضه التاريخية كردستان، قضية الانفال لا يمكن عزلها عن اشكالات حل القضية الكردية بكل تفاصيلها، انها قضية شعب مسلوب الارادة والحرية, يعاني من التتريك والتفريس والتعريب، ونكران لوجوده، وعدم الاعتراف بحقوقه المشروعة، ولان الانفال جريمة اخلاقية اشترك فيها اكثر من طرف، فكل من عرف عن الجريمة وصمت، وكل من علم بها وسكت، هو مؤنفل من انسانيته ودينه واخلاقه، وكل من دعم صدام حسين وشد ازره، حمل معه وزره في جرائم الأنفال, ولان البعث والطاغية صدام حسين، وجيشه العراقي العقائدي، لم يستخدم اسلحة عادية مألوفة، في حربه الغير العادلة والعنصرية، كما انه في استهدافه للمدنيين الكرد والقرى الكردية بهذه الوحشية التي لامثيل لها، اراد وان لم يحقق ما اراد، ابادة الشعب الكردي، وبالرغم ان الرؤوس الكبيرة من مخططي جرائم الانفال يقبعون خلف قطبان العدالة، الا اننا نجد الكثير من امثالهم في الخارج، يحملون في صدورهم قلوب فاسدة وفي جماجمهم فكر مظلم، لذا ولكل هذه الاسباب مجتمعة، تعتبر الانفال جريمة بشعة في قاموس الانسانية قبل ان تكون اية كريمة، ولن تمحي اثارها محاكمة شلة مجرمة وفاعلة في الجريمة، ولو انها تعتبر خطوة في الطريق الصحيح.

نحن جميعاً، مسلمين وغير مسلمين، عرب وعجم، ندين لضحايا الانفال، اكثرمن دمعة واكثر من كلمة واكثر من محاكمة، الجريمة كانت بشعة وظالمة وكبيرة، لم يستوعبها البعض حتى اليوم، سواء عن قصد اوعن طيب خاطر، ولكن وبطريقة واحدة فقط، يمكن للاجيال القادمة ان تسامحنا وتغفر لنا، ولا تعتبرنا همج وبرابرة لا نمت للانسانية بصلة، ان نزيل الحيف الواقع على الكرد ونعترف بحقهم في تقرير مصيرهم بأنفسهم، حتى يبقى ربيع كردستان اخضراً زاهياً وهواءه نقياً والى الابد.

اخيراً، انفل الله كل من سكت وصمت ودعم وبرر واراد الأنفلة للنفس البريئة، وقبلة على يدي كل ام فقدت طفلها او طفلتها، وقبلة على وجنتي كل طفل وطفلة فقد والديه، ودمعة قهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل


.. طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة يعيش حالة رعب ا?ثناء قصف الاحتل




.. النمسا تقرر الإفراج عن أموال -الأونروا- التي تم تعليقها سابق