الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الفلسطيني وتحديات المرحلة المقبلة ( 1 من 2)

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2021 / 12 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


نهاد أبو غوش
يستمد اليسار دوره وبرنامجه من التحديات التي تواجه الشعب وقضيته الوطنية، ولسنا بحاجة لكثير من الجهد النظري لكي نشخّص التحديات الراهنة التي تواجه القضية الوطنية الفلسطينية، والحلقة المركزية التي على اليسار أن يلتقطها لكي ينهض بدوره المطلوب الذي يتطلع له ليس منتسبو اليسار ومحازبوه وحدهم، بل شرائح وفئات واسعة تدرك أن قوى اليسار هي الأقدر على رسم طريق الخروج من النفق المظلم والأزمة المستعصية التي تراوح فيها قضيتنا منذ سنوات.
لا يمكن لقوى اليسار أن تضطلع بهذه المهمة لمجرد اتخاذها قرارا بذلك، بل عليها أن ترتقي بدورها بما يؤهلها للدور المنشود، وعليها أن توائم أوضاعها الذاتية وعلاقاتها ببعضها وبباقي مكونات الشعب الفلسطيني على نحو يخدم ويسهّل هذه المهمة العظيمة.
علامات ومظاهر الأزمة الوطنية
يمكن لنا أن نُشَخّص أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية بأنها أزمة تَعثُّر ( ولا نقول فشل أو هزيمة) المشروع الوطني، أي مشروع التحرير والاستقلال والخلاص من الاحتلال، ويمكن أن نحدد أبرز مظاهر التعثّر فيما يلي:
- حالة الضياع والتخبط والتوهان التي تعيشها القيادة الفلسطينية بإقرارها اللفظي والعملي بفشل مشروع التسوية (أوسلو) كما في قرارات الدورة 23 للمجلس الوطني وفي قرارات المجلس المركزي، وفي الخطاب الرسمي الذي يلوّح ب"تسليم المفاتيح" تارة، أو بالعودة لقرار التقسيم والدولة الواحدة مقابل استعصاء حل الدولتين، ولكن من دون أن تجرؤ على توفير اعتماد الطريق البديلة.
- استمرار حالة الانقسام التي تحولت من خلاف عابر مؤقت، إلى ما يشبه الانقسام الحقيقي الطويل الأمد لإقليمين وسلطتين وحكومتين وواقعين سياسيين واجتماعيين متمايزين.
- شلل المؤسسات الرسمية لمنظمة التحرير واتساع الفجوة بين هذه المؤسسات، بل بين كل مكونات النظام السياسي الفلسطيني بما يشمل المنظمة والحكومة وحتى الفصائل والاتحادات الشعبية والنقابات، وبين الشعب وبخاصة الأجيال الشابة والناشئة، مع تآكل وتراجع شرعية المؤسسات التمثيلية التي لم تعد تستند لا إلى انتخابات ولا لأي دور سابق أو حاليّ في النضال الوطني وهو ما كان يسمى "الشرعية الثورية"، ولا للتوافق عليها بين مختلف قوى ومكوّنات الشعب الفلسطيني، ولا للإنجازات العملية التي حققتها هذه المؤسسات وقيادتها، فهي لا أرضا حررت ولا تنمية حققت ولا أمنا واستقرارا وعدالة وفّرت، يترافق مع هذا الشلل استشراء مظاهر الفساد والاستبداد والقمع، ومحاولات دولة الاحتلال اختزال دور السلطة في وظيفتين حصريتين هما: الأمن وإراحة دولة الاحتلال من عبء التعامل مع ملايين الفلسطينيين.
لماذا قوى اليسار هي المؤهلة؟
ببساطة شديدة لأنها ليست لها مصالح فئوية تختلف عن مصالح عموم الشعب، هذه حقيقة نستلهمها من مزايا فكر الطبقة العاملة وحزبها، فالمصالح الفئوية الضيقة (سواء لشرائح أو لقوى سياسية وأحزاب) هي التي فرضت خيار أوسلو على الشعب الفلسطيني، باعتباره خيار بيروقراطية منظمة التحرير المتزاوجة مع الكومبرادور الفلسطيني، والمصالح الفئوية الضيقة هي التي أطالت أمد الانقسام، وأجّجت الصراع التناحري، وجعلت التناقض الثانوي يعلو في أهميته على التناقض الرئيسي مع الاحتلال، كما أن المصالح الفئوية والذاتية هي التي تمنع انتهاج برنامج بديل لخيار أوسلو لأن كلفة هذا البديل عالية وتتطلب تقديم تضحيات، وتفرض تخلّيا عن كثير من الامتيازات الاجتماعية والاقتصادية والسلطوية، والمصالح الفئوية والحزبية الضيقة. كما أن قوى اليسار مؤهلة لمثل هذا الدور بحكم تجربتها النضالية وخبراتها الوطنية وعلاقاتها الدولية وذخيرتها الفكرية والسياسية، فضلا عما تتمتع به من احترام وقبول نسبيين يجعلها قادرة على صياغة رؤى وحلول تستند للقواسم المشتركة وليس للأهواء والمصالح.
من هي قوى اليسار إذن؟
دون استسهال الإجابة ولا مع تبسيطها، فلا ادعاء المرء أو الحزب عن نفسه، ولا تاريخ النشأة والمسار، ولا اليافطات والشعارات التي يرفعها هذا الطرف او ذاك، ولكن ثمة معايير علمية وموضوعية معتمدة يمكن بموجبها "تعيين التخوم" بين اليساريين وغير اليساريين، ثم إن هذه المسألة متحركة ومتغيرة، فقد يكون الفرد أو الحركة أو الحزب يساريا ثم يرتدّ أو يتنصل من ذلك، وقد يعلن على رؤوس الأشهاد التزامه نظرية الطبقة العاملة والماركسية اللينينية، ثم لا يعدو سلوكه السياسي أن يكون بالفعل سلوكا ذيليا تابعا لليمين الوطني أو الديني، وقد يقدم طلبا للالتحاق بمنظومة الاشتراكية الدولية التي كانت تضم في صفوفها حزب العمل الإسرائيلي – وهي تضم حاليا حركة فتح والمبادرة وجبهة النضال الشعبي-. لا بد إذن من معايير، وأبرزها:
- الموقف من القضية الوطنية باعتبارها قضية تحرر وطني ضد مشروع كولونيالي استيطاني وليست صراعا دينيا أو بين قوميتين، والتشخيص العلمي لعلاقة المشروع الصهيوني بالامبريالية.
- الهوية الطبقية والانحياز للطبقة العاملة والفئات الشعبية الكادحة ولمبادئ العدالة الاجتماعية.
- الهوية الفكرية وتبني المنهج الاشتراكي العلمي كدليل للعمل وموجّه للنضال.
- الانحياز للتجديد والحداثة وأفكار التقدم ومبادىء الديمقراطية وحقوق الإنسان والمساواة الكاملة للمراة.
من الصعب تحويل المعايير الواردة آنفا إلى مسطرة هندسية صارمة، ولكن يمكن بناء اتجاه يساري من خلال تلبية القدر الأعلى الممكن من هذه الشروط ومراكمتها بالممارسة العملية وليس من خلال الادعاءات اللفظية. أوليا يمكن اعتماد القوى الديمقراطية الخمس نواة لمشروع إنقاذ واستنهاض وطني يقوده اليسار ويقوم على استعادة الوحدة الوطنية واعتماد استراتيجية نضال وطني وتدقيق البرنامج الوطني الفلسطيني.
*من مساهمة لمجلة الهدف لمناسبة الذكرى الرابعة والخمسين لانطلاقة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دروس الدور الأول للانتخابات التشريعية : ماكرون خسر الرهان


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات اقتحام قوات الاحتلال في مخيم ن




.. اضطراب التأخر عن المواعيد.. مرض يعاني منه من يتأخرون دوما


.. أخبار الصباح | هل -التعايش- بين الرئيس والحكومة سابقة في فرن




.. إعلام إسرائيلي: إعلان نهاية الحرب بصورتها الحالية خلال 10 أي