الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الكتابة والحب

مازغ محمد مولود

2022 / 1 / 2
الادب والفن


الكتابة هوس قاس. إنها متاهة أو كما قال موريس بلا نشو ( الكتابة فعل لا يكتمل ، ولا يتوقف).
حين تشعر انك عاجز وعالق ، أو منحبس في الصمت والتيه والجفاف. خذ قلما وورقة و اكتب. أن تكتب وحسب... شيء ما يولد مع الكتابة. ابسط سلطانك على ذاتك ، على نفسك ستنمو قدرتك على الفعل . يصدق قول مونتاني(( انا نفسي مادة كتابي)). لماذا الكتابة ؟ لما أكتب ؟ لمن أكتب؟ اصطدام مريع بالأسئلة ، تستعصي الإجابة .خجل يراود النفس، خجل مقلق.صدق من قال ((لا تسوء الأشياء ، بل تسوء أفكارنا حول الأشياء)) .
هناك حالات متعددة تفتح عوالم الكتابة ، إلحاح إلى حد الصمت والإرهاق والتهور .تتعدد الدوافع ، إنها الرغبة للانتساب للجماعة دفعا للعزلة الذهنية . اقتسام الخاص مع الآخرين ، وتوقا لاستدعاء المشترك ، أو دعوة ما مضى وتوارى. استحضار شيئا من الذاكرة . غالبا ما تكون ذكرياتنا متداعية ومختلفة عن ذكريات الآخرين. إذن ما الذي يتغير هل ذاكرتنا أو تصوراتنا ؟ هل الذاكرة الحادة هي ذاكرة حقيقية ؟ ليس لدينا من فكرة ..إن نظرتنا للماضي تتغير باستمرار. نقف على ارض هشة ، كلما تقادمت الذاكرة تقادم يقينها .
الكتابة تعني حضور الغائب والمغيب. نبش في المدفون في زوايا النفس .صياغة التعبير عن وحدة أو تشضي الذات .رغبة الاتصال بالعالم ، بالأخر ،و بالحياة .حين نكتب، اللغة تصير نحن. نتحول إلى رموز وإشارات ، نملأ فراغا فارغا ، نسكب في الحضور غيابنا.تتزاوج الذاكرة والخبال في عرس وتناكح، تحبل بالتعبير ويولد النص...تولد الكتابة. نقترب من الأخر. تشابكات خفية للعاطفي والوجودي .إنها الحاجة للاصطدام بالذات ، البحث عن المعنى داخل المبنى الزائف.
واقعنا مليء بالخيبات، بالانكسارات، بالمعاناة ، بالإخفاقات، بالخزي ، بالندم ، بالإساءة، بالخوف و بأشياء عديدة ، تجعل الكتابة بهذا المعنى تحمل بعدا مأسويا وبؤسا ذاتيا محزنا. متنفس يفرغ فيه القلم أحزانا مكبوتة . كل الذين كتبوا قالوا بان الكتابة مزيج من الألم والبهجة .المتعة واللذة .جهد مضني.بل هي حياة على حافة الحياة مؤرقة محيرة.تستقيم ولا تستقيم. . و الأنكى ،قد تتحول إلى إدمان.
لماذا أكتب؟هل كي ـأشفي من ثقل الكلمات ؟أراوغها لأخرجها من عتمة الذاكرة إلى نور الشمس . أعري دواخلي من طبقات الصمت لأعي تفاهتها. أملأ مكامن نفسي جيدا، حين اشعر إنني اثنان. أفصل أنا ، عني. القي بي عبر الكتابة في وجوه الآخرين دون حياء أو خجل. دون هروب أو اختباء.أنقد نفسي ، مني عبر اللغة .أواسي روحي بما أكتب حتى لا تنهار ، وحتى لا تغرق في الزائف من الحقيقة و الواقع. أكتب لأني مجبر على تجاوز أحاسيسي ، وارمي بها إلى الفعل .أتجاوز الخيال إلى الواقع ،والرؤية إلى المألوف. أخلط العقل والقلب والخيال كي ابلغ النفاد إلى أن تقرأ ما تحب ، لا أن تقرأ مضطرا... الحياة هي المعلم ، أفضل معلم . ننقل ما تعلمناه، ولازلنا نتعلم منها دروسا ، رغم أن بعض الدروس مؤلمة جدا .
ما الفرق بين خربشات الأطفال ، وخربشاتي . أنا متصنع، وكلماتي لا تعني شيئا. مرغم تبدو خربشاتي. أتذكر سؤالا سائدا يقول، ما الذي ستندم عليه أخر يوم في حياتك، إن لم تفعله ؟ أجيب ببلاهة وصدق ، بالنسبة لي أريد أن أكتب شيئا. أريد أن أخربش على البياض.حتى و إن ما اكتبه لا يصل إلى مرتبة الفهم وغائص بعيدا في الغموض . أخشى أن أكون أحمق ، حتى وان رغبت في قول الحقيقة. أكتب لأخفف عني ثقل المواريث.وأترجم صمتي حبا للذين أحبهم. واعلم ، علم اليقين أن لا أحد يهتم .
تنتابني رغبة الكتابة كاللسعة، كطنين زنبور.الكتابة عن الذات تفترض استحضار (أنا) الحاضر و (أنا) الماضي.الواقع ، البيئة ، المجتمع والآخرين.لا يمكن أن أكون بمعزل متفردا ، لست إلها، أنا هنا وهناك. بل هناك شركاء ورفقاء يشكلون نقط خلاف و اتتلاف .نمارس ألحكي ، ونحكي....للأخر حضور نافذ .نهتم بآراء الآخرين أكثر من أرائنا. شيء مضحك يدفع لتوثر والغضب . نزعة طبيعية متفق بأمرها ولا مفر ...لا مفر من الأخر.رحيما ، رجيما ، أو جحيما . يعني أننا ملزمون كي نصغي بقدر ما نحكي. على الغطرسة ألا تحتوينا .
الكتابة حالة يقظة. لحظة انتباه إلى حقيقة الحياة. مسارها ومدى عمقها. الأخطاء ،الخبرة ،التجربة ، مواطن القصور والضعف . دخول متاهة اللغة للبحث عن غاية ومعنى. النفاذ إلى عمق الكلمة. أتذكر قاعدة تقول ( لا يوجد إنسان ، بمعزل عن اللغة ) .ما نقف عليه في العالم ، إنسان متكلم يخاطب إنسانا أخر. الكتابة خطاب. وليس كل خطاب أو قول معسول.، مقبول. إنها اللغة بوصفها إبداعا . تحمل معنى .واضح آو غامض . وليس أي غموض يعني خلو النص من المعنى..قد تحررنا الكتابة من الخوف، من القلق . تتحرر نفسنا الأخرى الخفية بداخلنا ، تنفلت تحرز وتمتلك مفاتيح سجنها.. تحلق في فضاء لانهائي .
لمن اكتب؟ يحاصرني السؤال... هل اكتب لنفسي عني؟ لذاتي؟ ام لذلك الصامت على حافة الوقت . الذي لا يقرأ ولا يأبه لأية كتابة.اكتب لمن لا لسان له .لا ورقة له ولا قلم. ام للمتطفلين والمتسكعين في هذا الضجيج واللغط اليومي. لمن يتحلقون في ثرثرة لا تنتهي .اكتب تمردا وعصيانا على القيود التي تضيق كمشنقة على خناق أرواحنا .آو عزاءا على المفقود فينا .أيها القارئ ، مهلا، أين موقعي وموقعك من واقع نجلس تحت شمسه الحارقة ،نمارس المواجهة صمتا. أنا لا اكتب لك. أنت وجود خيالي ، متوهم وغير مرئي ولا ملموس. أنت مفترض، بالنسبة لي، و رغم وجودك الفعلي هناك..حيث لا وجود لي أنا. أنت المتلقي، وان قرأت وان لم تفعل ، فأنت حر. لا أعرفك ، ولا أريد أن أعرفك ، ليس تعاليا وليس تحقيرا ، بل هي الحقيقة التي يجب أن لا تؤثر فيك.
لمن أكتب؟ أكتب لقارئ غير موجود ؟قارىء اعتقد انه لم يولد بعد. حتما سيأتي يوما ما. لان في الجهة المقابلة، قارئ وهمي، مشغول بمتاعبه وأحماله اليومية ،يكابد ويعاند واقعا مزيفا. إذن، أكتب لنفسي ، اخفف عني غبار الروح.أترجم صمتي كلمات للذين أحبهم وقد ناموا.فقدوا اللغة والكلام.أ أكتب للتعساء المتورمين بالصبر ؟ام.أكتب لمن هم في الطريق الطويل المنهكة، الذين نال منهم التعب . اخذ من أزهار عمرهم وشبابهم وظلوا صامدين. أكتب لليساري الثابت على إيمانه رافعا شارة النصر، ولم ينزلق إلى الحضيض، رغم الأعاصير..أكتب لمن خانته الكلمات والعبارات، لحظة انحصار وانقباض الصدر بألم الظلم والاحتقار .
أكتب لنوارس، وهي تحلق فوق البحر المنبسط في سكون مثل مرآة، والسماء صافية ساطعة في الأعالي، إن صح التعبير . ربما أكتب لأطفالي المقعدين ، أحدثهم عن الآلهة ، و الأسلاف و طيور العندليب ،والأسطورة الشهيرة عن المخلوقات المجنحة والتي تدب على الأرض .أكتب لعجوز كئيب لم يعد يحتمل رؤية ضوء الشمس ، لرضيع لأول مرة يرى نور الشمس..وللمستعبدين بالظروف ،الفقر ، الجوع ، العطش وبنزوات السوق .أكتب للذي ينام في الطرقات مهملا ككلب ضال. بلا رقم ولا هوية و لا حقيبة ولا جواز سفر ، بلا أوراق ثبوتية . خارج حسابات الحكومة وخطاب الساسة.غير موجود في أي خارطة .
أكتب عن ما يجمع الناس ، بعضهم بعضا ، عن اختلافاتهم الشاسعة . عن قدراتهم وعجزهم وما لا يقاس بينهم. للمتسولين المهمشين الذين تحولوا حثالة بشرية ،و إلى حالة اقل مكانة في معيشتهم و حياتهم. أكتب لطفل مشاغب مثير للشغب ، يتحدى سلطة الأنظمة المستبدة ، ويلعب النرد بسخرية داعرة.أكتب للتي لم تحصن فرجها ، فحولته من أداة للذة ، إلى عمل مأجور ، حسب ما تفرضه البورصة وتشتهيه السوق. لسذج الحمقى ، الذين باعوا كل شيء ،و تحولوا إلى سلع بمعايير السوق و الاثمنة ، و جعلتهم الحياة يدفعون ثمنا باهظا .
أكتب لشاعر بأجنحة زرقاء، لم يعد يستهويه التحليق في الأفق والمدى. للعامل الذي يغتسل بعرقه صباح مساء. يدفن آهاته ويشدو أوجاعه ، ويحاور السماء.لأمهات تصدعت أكبادهن بوجع الفراق والانتظار ، فلتحفن السواد ولبسن الصمت.أكتب لمن خانه الصديق والصاحب والزمن وراح يكدس عواطفه رثاء. لؤلائك الذين باعوا أحلامهم لضرورات ليغيروا أحوالهم ،فسقطوا واحدا تلو الأخر في الرذيلة.أكتب ، لمن يعتلي الصمت حناجرهم ولم يجاهروا بآدميتهم ، بكم ، لكنهم لا يكترثون بالابتذال والإصغاء إلى النداءات .
أكتب لم يرفع سبابته ليقول لا، راكضا في بساتين اللغة ، كارها أن ينحي ليلتقط الفتاة ، لصعاليك اليسار المهووسون بالحرية والكرامة ، المتمردون على الضلالة ، الحالمون بالانفجاريات ليفيض السكون. الواقفون على صناعة الأغنيات والأناشيد ، يعاندون الحياة من اجل الحياة... أكتب عن الحب ؟ أنا لا اعرف عنه إلا القليل فهو لا زال هناك بعيدا ، لم ينجح للوصول إلى تفاصيل القلب ، لم انجح في فهمه ووصفه. لأنه للخيبات وانكسارات القلب اقرب . كثيرة هي الجراح التي تدمي القلب. وأكثر ما يؤلم ،الجراح الكاذبة ، موجعة وغائرة في نفس الوقت ..و الأسوأ ، لا تحتملها اللغة ولا الكتابة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال