الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أصالة عروبة الإنتماء العراقي

داخل حسن جريو
أكاديمي

(Dakhil Hassan Jerew)

2022 / 1 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة فرية غريبة يتداولها البعض عبر منصات التواصل الإجتماعي وبعض وسائل الإعلام , بمناسبة أو بأخرى ,يحاولون من خلالها إننتزاع هوية الإنتماء الأصيل لملايين العراقيين من العرب والمسلمين الذين يشكلون غالبية العراقيين , بدعاوى زائفة مفادها أن العرب والمسلمين منهم تحديدا , إنما هم أقوام غازية وفدت إلى العراق من شبه الجزيرة العربية قبل مئات السنيين وإستوطنت فيه , وإنتزعت هوية سكان العراق القدماء , ويدعي هؤلاء أنهم سكان العراق الأصليين الذين همشهم العرب الفاتحين . يحاول البعض منهم تأكيد أنتمائه الأصيل للعراق جزافا, بينما يعرف القاصي والداني وتؤكده الحقائق التاريخية , أن معظم هؤلاء القوم قد وفدوا إلى العراق في حقب تأريخية مختلفة, هربا من بطش وجور سلطات بلدانهم, وطلبا لملاذات آمنة وفرها العراق لهم , لما يعرف عن شعب العراق من كرم الضيافة وإستجارة المظلوم , حيث قاسمهم الحياة بحلوها ومرها , وأصبحوا جزءا من نسيجه الإجتماعي . وليس في ذلك منة من أحد فهذه طبيعة المجتمع العراقي , حيث لا فرق بين عربي وأعجمي إلاّ بالتقوى.
تشير المصادر التاريخية إلى أن أصل سكان العراق يعود للقبائل العربية التي نزحت من الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين في الألف السادسة قبل الميلاد. شارك العرب السومرين بخبرتهم في ميدان هندسة الري والزراعة وصناعة الأدوات المختلفة والتجارة الداخلية والخارجية. استمر توافد العرب العموريين إلى بلاد ما بين النهرين بعد سقوط الدولة الأكدية السومرية المشتركة وأنشؤوا العديد من الممالك مثل دولة آشور وإيسن ولارسا، وبابل التي استقلوا بها. وتمكن العموريون في بابل من السيطرة على كامل منطقة ما بين النهرين.
وفي بداية القرن الثالث الميلادي, أنشأ العرب مملكة الحيرة والمناذرة في منطقة جنوب الكوفة، وكان أهلها نصارى على المذهب النسطوري. ومن ملوكها الأوائل امرؤ القيس الأول والنعمان الأول والمنذر الثاني. وانتهى عهد هذه المملكة العربية في زمن النعمان الثالث على أيدي الملوك الساسانيون ,وإستعاد العرب دورهم المميز في العراق بعد الفتح الإسلامي على يد خالد بن الوليد عام 633 م .
وتدفقت القبائل العربية بقوة إلى بلاد الرافدين، مع الفتوحات العربية الإسلامية وبنيت البصرة ثم الكوفة ثم واسط ثم بغداد ثم سامراء ثم الموصل، وأصبح العراق في العصر العباسي مركزاً للحضارة العربية الإسلامية بل الحضارة الإنسانية، بعدها ضعفت الخلافة في بغداد حتى غزاها المغول ودمروا كل شيء وضاع العراق في خضم الصراع الفارسي – العثماني حتى الحرب العالمية الاولى 1914 م , وتأسيس المملكة العراقية عام 1921 التي أسقطها إنقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 , لتبدأ بعدها سلسلة إنقلابات عسكرية دامية وصراعات وحروب وفتن , إنتهت بغزو أمريكي همجي عام 2003 , أنهى وجود الدولة العراقية وفتح باب الفوضى والفتن والصراعات العبثية بين فئات الشعب المختلفة وطمس هويته الوطنية وإبعاده عن محيطه العربي والتشكيك بوجود دولة عراقية , وما زال العراق يعاني من آثاره المدمرة حتى يومنا هذا.
نحن هنا لا نقول أن العراق كان خاليا من السكان عندما وفد إليه العرب , بل أردنا بيان حقيقة تفاعلهم وإمتزاج دمائهم مع من كان ساكنا فيه لبناء حضارات عراقية شامخة ,أي أنه لم يتم إقصاء أحدا أو إسئصاله كما حدث في بلدان أخرى كثيرة . وأن دل هذا على شيئ فإنما يدل على صدق إنتمائهم الوطني العراقي الذي يمتد إلى ما قبل الفتوحات الإسلامية بمئات السنين , حيث أقاموا حضارات عريقة فيه ما زالت آثارها ومعالمها شاخصة حتى يومنا هذا في شمال العراق ووسطه وجنوبه . وهذا الإنتماء لا علاقة له بدين أو طائفة أو مذهب أبدا , فالأديان والطوائف والمذاهب لا تقتصر على قومية معينة أو بلدا معينا , بل هي جاءت لجميع بني البشر أينما كانوا وحيثما كانوا . لذا فأن القول بأن العراق أصبح بلدا عربيا بسبب الإسلام غير صحيح أبدا , ولكن الصحيح ,القول أن العراق قد إزدهر واصبح مركزا للحضارة البشرية زمنا طويلا بفضل الإسلام ,وخاصة بعد أن أصبحت بغداد عاصمة الخلافة العباسية الإسلامية الممتدة أراضيها من المحيط الأطلسي غربا إلى المحيط الهادي شرقا . وقد شرف الله العرب بإختيار اللغة العربية , لغة القرآن الكريم , وبذلك أصبحت اللغة العربية لغة عالمية , ويعود للدين الإسلامي الفضل بحفظ تراث العرب وحضارتهم وبقائهم أمة حية على الرغم مما تعرضت إليه من محاولات صهر وتذويب في حضارات أمم أخرى غزتها وإستوطنت في بلاد العرب سنين طويلة . ولن تجدي نفعا محاولات من يسعى عبثا طمس الموروث الحضاري العربي المتجذر في العراق , ذلك أن علاقة هذا الموروث بالعراق, هي أشبه بعلاقة الروح بالجسد, وبفصل الروح سميموت الجسد لا سامح الله.
والعراق شأنه شأن البلدان الأخرى , بلد متعدد القوميات والأديان والثقافات والطوائف , تعرض عبر تاريخه الطويل بسبب موقعه الستراتيجي وثرواته الطائلة , إلى غزوات أمم كثيرة إستوطن البعض منها فيه وإتخذها موطنا له . وبمرور السنين فقد إنصهروا في نسيجه الإجتماعي وأصبحوا عراقيين تماما ولا ضير في ذلك , إذ ليس هناك قيودا أو شروطا ملزمة للمواطنة العراقية وإكتساب الجنسية العراقية لمن ولدوا في العراق وعاشوا فيه وراغبين بالإنتماء إليه . يشيرالإحصاء السكاني للعراق الذي أُجري في سنة 1947م (والذي يسود الاتفاق مبدئي بين الباحثين والمتخصصين بهذا الشأن العراقي على دقته ومرجعيته العلمية) إلى أن العرب يشكلون نسبة (71.1%) من إجمالي سكان العراق , ونسبة الأكراد (19%) , ونسبة التركمان (2%) , ونسبة المسيحيين بطوائفهم المختلفة ( 3.1%) , واليهود ( 2.6%), وما تبقى للأيزيدين والشبك والصابئة المندائيين.
وطبقا لوقائع التاريخ ومعطيات الحاضر , فأن العراق بلدا عربي الروح الجسد دون إقصاء أحد, إسلامي التراث دون تعصب أو تزمت , بحكم تركيبته السكانية التي غالبيتها من العرب المسلمين ,كريما مضيافا عبر التاريخ لكل من يلجأ إليه , وهذا ما يؤكده تنوعه الأثني والثقافي , ولن تغير من واقعه هذا هرطقات المشعوذين ممن لا يروق لهم إستقرار العراق وأمن شعبه وتمتعه بحياة حرة كريمة ينعم بثرواته , فتراهم يفتعلون الإزمات والعزف على أوتار الحقد والكراهية بدعاوى باطلة , ظاهرها الدفاع عن الحريات وحقوق الأقليات , وباطنها تمزيق نسيج المجتمع العراقي . لذا نهيب بكل من يعنيه أمروحدة العراق وصيانة حقوق شعبه وكرامته , الكف عن إثارة كل أشكال العنعنات الأثنية والدينية والطائفية , من منطلق أن العراق وطن الجميع أيا كانت أصولهم وإنتماءاتهم ومعتقداتهم , ومن حق الجميع العيش فيه بأمن وكرامة , والعراقي هو كل من يحمل الجنسية العراقية شاء من شاء من شاء وأبى من أبى . حفظ الله العراق وشعبه الكريم من كل شر .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مساهمة المثقفين في تزوير التاريخ
عبد الفادي ( 2022 / 1 / 3 - 07:14 )
ما شاء الله خالد بن الوليد دخل الى العراق فاتحا وليس غازيا محتلاً لأنه كان يحمل في احدى يدية باقة من الزهور وبيده الأخرى كان يحمل كتاب القرآن ليبشر به الشعب العراقي ، اما المغول فجاء غازيا للعراق بقوة السيف ، يا سلام على الأمانة التاريخية ، لو كان خالد بن الوليد قدوة حسنة للعراقيين ودخل فاتحا بطريقة سلمية غير دموية لما وصلت حالة الشعب العراقي الى ما وصلت اليه الآن من البؤس والفقر ولم يكن هناك قتال مستمر بين السنة والشيعة في العراق ، قل طمع الغزاة الحفاة الجياع القادمين من الجزيرة العربية بثروات العراق هو السبب في قدوم خالد بن الوليد لأحتلال العراق عندئذٍ سنصدقك ، اما ان تغيّر التاريخ فهذا لا يحتسب لصالحك في نقل الأمانة التاريخية ، تحياتي استاذ داخل واحترامي لقامتك الأكاديمية وكل عام وأنتم بخير


2 - لم يسمع الكاتب الكثير عن ...
خلف البهات ( 2022 / 1 / 3 - 09:47 )
العمق وجذور العراق التاريخية من السعة مثلها مثل جميع الاوطان خارج جزيرة العرب الصحراوية فلماذا الانكار لصالح من لم يقدم للحضارة شيئا ملموسا ولازال الي الان يقاوم معطيات الحضارة الحديثة؟

خلف البهات

اخر الافلام

.. نصب خيام اعتصام دعما لغزة في الجامعات البريطانية لأول مرة


.. -حمام دم ومجاعة-.. تحذيرات من عواقب كارثية إنسانية بعد اجتي




.. مستوطنون يتلفون محتويات شاحنات المساعدات المتوجهة إلى غزة


.. الشرطة الألمانية تفض اعتصاما طلابيا مناصرا لغزة بجامعة برلين




.. غوتيريش يحذر من التدعيات الكارثية لأي هجوم عسكري إسرائيلي عل