الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مخاطر الفساد في حالة الحرب وعدم الاستقرار، دراسة حالة

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)

2022 / 1 / 3
الفساد الإداري والمالي


مخاطر الفساد في حالة الحرب وعدم الاستقرار
دراسة حالة

يقدم مقاول الشركة خدمات بموجب عقد حكومي في مناطق نائية. وتؤدى الخدمات في المناطق النائية عملا بعقد مسعَّر بمرونة لأن تكاليف الذهاب إلى المناطق النائية والعودة منها وتقديم الخدمات يصعب التنبؤ بها مسبقا.

وأثناء إجراء تقييم للتكاليف التي تكبدها المقاول، لاحظ مراجعو الحسابات وجود عقد ينطوي على مخاطر عالية وأسعار مرنة في منطقة يوجد بها متمردون. وكان المقاول قد أبرم عقدا من الباطن مع شركة على دراية بالمنطقة لتقديم الخدمة
المطلوبة منه. ورأى مراجعو الحسابات أن تكاليف العقد من الباطن تشكل 60 في المئة من التكلفة الإجمالية التي يتكبدها المقاول بموجب العقد. واستفسر مراجعو الحسابات من موظفي شركته عن الظروف المحيطة بالتعاقد من الباطن . وقال
موظفو الشركة إن العقد يطلب من الشركة تقديم الخدمة على الفور، وإن المقاول أرسل مدير مشترياته لتولي أمر الترتيبات في منطقة التمرد. ولكن نظرا لطول إجراءات عملية العقود والمشتريات ، قرر مدير العقود والمشتريات إصدار أمر شراء بقيمة50000 دولار ، وهو مستوى التوقيع المأذون له به بحكم منصبه – وعندئذ أبرم تعاقد من الباطن وفقا لسياسات المقاول وإجراءاته.

وعلى الرغم من بعض الشكوك، وافق موظفو الشركة على خطة مدير العقود و المشتريات التي كانت تقوم في البداية على تعيين موظفين بالمكتب الكائن بالمنطقة التي ينشط فيها المتمردون وإصدار أمر شراء بقيمة 50000 دولار. ووجد مدير العقود والمشتريات شركة تعاقدت معه من الباطن )الشركة المتعاقدة من الباطن( للاضطلاع بهذا العمل . وقال رئيس الشركة المتعاقدة من الباطن لمدير العقود و المشتريات إنه سيمنح المقاول خصما بنسبة 20 في المئة إعرابا عن سعادته بالعمل معه. وبموجب أمر الشراء، الذي لا يتطرق عن عمد للخصم بواقع 20 في المئة، تقدم الشركة المتعاقدة من الباطن جميع الفواتير إلى مقر المقاول في العاصمة. وأرسل مدير المشتريات أمر الشراء الأصلي إلى الشركة المتعاقدة من الباطن وأحال نسخة منه إلى الشركة.

ونفذت الشركة المتعاقدة من الباطن العمل استنادا إلى أمر الشراء بمبلغ 50000 دولار، وقدمت أول فاتورة لها إلى المقاول بمبلغ30000 دولار، ثم قدمت فاتورة أخرى بمبلغ50000 دولار . وفي إدارة حسابات المقاول المستحقة الدفع، لاحظ الموظف أن الشركة المتعاقدة من الباطن قدمت فاتورتين مجموعهما80000 دولار فيما يخص طلب شراء قدره 50000 دولار. وانتاب الموظف قلق إزاء عدم وجود أمر شراء أو عقد من الباطن فيما يخص المبلغ الإجمالي الذي أعُدت فاتورتان بشأنه، واتصل بمدير المدفوعات الذي اتصل بدوره بكبير موظفي الشؤون المالية للحصول على المشورة.
واتصل كبير موظفي الشؤون المالية بمدير العقود والمشتريات، وهو صديق قديم وزميل في العمل. وكان مدير العقود و المشتريات قد أعرب في كثير من الأحيان عن رغبته في تهيئة نمط حياة أكثر بذخا لعائلته . وأوضح مدير العقود و المشتريات أن الشركة المتعاقدة من الباطن تواصل تقديم الخدمات الموصوفة في أمر الشراء. وأوضح موظفو الشركة لمراجعي الحسابات أن مدير العقود والمشتريات لم يسهل عملية التماس العروض لمنح العقد من الباطن كما كان مقررا أصلا وكما تقتضي سياسة المقاول. وأوضح الموظفون كذلك أن مدير العقود و المشتريات أكد رغبته في مواصلة التعاقد من الباطن لتنفيذ العقد المبرم . وذكر الموظفون أن مدير العقود والمشتريات التمس من كبير موظفي الشؤون المالية تعديل أمر الشراء ودفع فواتير الشركة المتعاقدة من الباطن كما قُدمت . ووافق كبير موظفي الشؤون المالية على ذلك. فقد كان واثقا من أن صديقه يتخذ قرارات تجارية سليمة من أجل الشركة. وبعد ذلك، أبلغ كبير موظفي الشؤون المالية مدير المدفوعات بأنه وافق على الإجراء المتعلق بتعديل أمر الشراء من أجل صرف قيمة الفاتورتيْن المتعلقتين بالعقد من الباطن.

وحدد مراجعو الحسابات، بناء على ما أجروه من استفسارات، مؤشرا آخر لوجود عملية احتيال محتملة بسبب التفاف موظفي العقود على الضوابط الداخلية لإدارة المدفوعات والمشتريات. وأكد مراجعو الحسابات أيضا أن الإجراء الذي قام به كبير موظفي الشؤون المالية بتعديل أمر الشراء ودفع فاتورتيْ الشركة المتعاقدة من الباطن يُعتبر تحايلا على الضوابط الداخلية. وعند مراجعة التكاليف المتكبدة، شكك مراجعو الحسابات في مجموع المبالغ المدفوعة للشركة المتعاقدة من الباطن. وشكك مراجعو الحسابات في تكاليف العقد من الباطن وفقا لقواعد المشتريات الحكومية، ثم أحالوا المسألة إلى التحقيق . ووجد المحققون أن مدير المشتريات حصل على خصم بنسبة 20 في المئة على كل فاتورة من فاتورتيْ الشركة المتعاقدة من الباطن التي سددها المقاول. واحتفظ مدير العقود و المشتريات بالمبالغ النقدية لاستخدامه الشخصي.

الدروس المستفادة

الشركات التي لديها موظفون يعملون في منطقة حرب أو بيئة مماثلة أكثر عرضة من غيرها لأن يتخلف موظفوها المعينون للعمل هناك عن إتباع سياساتها وإجراءاتها. ويوضح هذا السيناريو أهمية أن تضطلع الشركات بعمليات رصد مستقلة لامتثال الموظفين لسياسات الشركة وإجراءاتها، بغض النظر عن المكان الذي يؤدون فيه العمل . وفي هذا السيناريو، لم يتعامل مدير المدفوعات مع الفاتورتين المقدمتين من الشركة المتعاقدة من الباطن وفقا للسياسات القائمة، التي تقضي باستعراض اتفاق التعاقد من الباطن المكتوب.
وإضافةً إلى ذلك، يسَّ كبير موظفي الشؤون المالية الإخلال بالضوابط الداخلية بتعديل أمر الشراء ليتناسب مع المبالغ الواردة في فاتورتيْ الشركة المتعاقدة من الباطن. وهيأ كبير موظفي الشؤون المالية الظروف لمدير المدفوعات للتحايل على
الضوابط الداخلية المعمول بها لضمان الاستخدام السليم لأموال الحكومة الاتحادية وحماية موجودات المقاول. وكان من الممكن أن يكتشف الأمر مبكرا لو أن موظفي العقود سمحوا بتفعيل الضوابط الداخلية على النحو المنشود . وإضافةً إلى ذلك، يعُتبر إبداء مدير العقود و المشتريات صراحة الرغبة في العيش بأسلوب حياة أكثر بذخا مؤشرا على احتيال محتمل.

وربما أعطت هذه الرغبة مدير العقود و المشتريات الدافع للانخراط في النشاط الاحتيالي. وأتاح هذا الإيفاد لمدير المشتريات الفرصة التي يبحث عنها لسرقة الأموال الحكومية للعيش وفق نمط الحياة المنشود . وفي هذا السيناريو، كان لمراجعي الحسابات دور محوري في وقف إساءة استخدام الأموال الحكومية والمساعدة في إعادة تلك الأموال إلى الحكومة . والتقط مراجعو الحسابات المؤشر المتعلق بالاحتيال المتمثل في التحايل على الضوابط الداخلية، وأحالوا المسألة إلى التحقيق. غير أن إدراج المعاملات المستهلة في منطقة عمل المتمردين ضمن عمليات مراجعة الامتثال للسياسات التي يقوم بها مراجعو الحسابات ربما كان سيساعدهم على تحديد مؤشرات الاحتيال المحتملة في وقت أبكر.

مؤشرات الاحتيال

• تُعتبر مشاركة الشركة المتعاقدة من الباطن بنسبة 60 في المائة في التكلفة التي يتكبدها المقاول مؤشرا محتملا على الاحتيال نظرا لكبر التكلفة المتكبدة.

• عدم التزام مدير العقود و المشتريات بسياسات المقاول وممارساته المتعلقة بالمشتريات. كما أن مدير العقود و المشتريات أشرك الشركة المتعاقدة من الباطن في النشاط الاحتيالي عن طريق الاستحواذ على قيمة الخصم المقدم إلى الشركة وقدرها 20 %

• تأييد كبير موظفي الشؤون المالية تعديل سياسة المشتريات الخاصة بالشركة من خلال اعتماد عملية تعديل أمر الشراء وإبلاغ مدير المدفوعات بهذا القبول.

• عدم التزام مدير المدفوعات بتطبيق السياسات والممارسات المتبعة على إجراءات تجهيز فاتورة الشركة المتعاقدة من الباطن من أجل سدادها. وكان الأمر يقتضي أن تمتثل فواتير الشركة المتعاقدة من الباطن لبنود اتفاق خطي بشأن التعاقد من الباطن.

• يمثل وجود موظف عقود وحيد ) مدير العقود و المشتريات ( للتفاوض مع الشركة المتعاقدة من الباطن نقطة ضعف في مجال الرقابة الداخلية ومؤشرا محتملا على الاحتيال. وربما كان موظفو العقود سيعلمون بالخصم البالغ 20 في المائة الذي عرضته الشركة المتعاقدة من الباطن لو أن أكثر من موظف واحد منهم قد حضر المفاوضات مع الشركة المتعاقدة من الباطن.

• عدم وجود عملية رصد مستقلة لدى المقاول فيما يتعلق بمدى تقيد موظفيه بالسياسات والإجراءات هو نقطة ضعف في الرقابة الداخلية لديه. ونتيجة لذلك، فشل نظام الضوابط والموازين الذي وضعه المقاول من أجل حماية موجوداته وكشف حالات الاحتيال المحتملة.

المراجع

Fraud Detection Resources for Auditors, https://www.dodig.mil/Resources .Fraud-Detection-Resources/: / United States Department of Defense,2021








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قادة الجناح السياسي في حماس يميلون للتسويات لضمان بقائهم في 


.. دعوات أميركية للجوء إلى -الحرس الوطني- للتصدي للاحتجاجات الط




.. صحة غزة: استشهاد 51 فلسطينيا وإصابة 75 خلال 24 ساعة


.. مظاهرات في العاصمة اليمنية صنعاء تضامناً مع الفلسطينيين في غ




.. 5 شهداء بينهم طفلان بقصف إسرائيلي استهدف منزلا في الحي السعو