الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لا دهشة , لا غرابة , لا عجب

عباس خضر

2003 / 5 / 18
اخر الاخبار, المقالات والبيانات


 

الكاتب العراقي عباس خضر/ ألمانيا

"كان ثمة في ساحة القديس فنسيسلاس شخص يتقيأ , فمر من أمامه شخص آخر وحدق به بأسى , وهز رأسه قائلا : لو تدري كم أقدر وضعك "
 ميلان كونديرا  ـ كتاب الضحك والنسيان ـ

لا دهشة أن نقرأ ونسمع ونشاهد ما لا يُقرأ أو يُسمع أو يُشاهد ! فهي عادة عربية ربما أن نتقبل كلّ شيء دون اختيار , من صفعات الأب وعصا المعلم وفتاوى شيخ المحلة وقرف الصحف وتفاهة القنوات السمعية والبصرية حتى سياط السلطة ...

لا دهشة أن لا يمر يوم واحد من حياة قائد عربي دون أن يتفنن" نخبة القوم " في كشف المستور من صفاته الحسنى للعالمين :" بطولاته " رواية تحصد بلا شك جائزة الدولة التقديرية. "حكمته" في قصة ," ذكاءه " في مقال , " عظمته في قصيدة , :علمه وحنكته " في دراسة جامعية ," مميزاته" في بحث الحيض والجنابة طبعاً , "مميزاته الأخرى " في مسرحية "على وحده ونص "... ولا غرابة  أن تتفنن نخبة أخرى من القوم في كشف يومياته الحسنى , "أغنية" عن قيادته التاريخية ," فلم " عن حبه للوطن ولحم الغزال وعصير من الصناعة الوطنية  , "مسلسل تلفزيوني " عن وصاياه في حفظ الأمن وتصفية مياه الشرب والمدينة من الشوائب والأعداء والتدخلات الإمبريالية ," برنامج" عن طريقة استعماله لمعجون أسنان محلي, ولا عجب , أ ليس نحن من أبتكر مدح القادة والرؤساء والسلاطين والملوك  وأصحاب الجاه والمال عبر التاريخ البشري ؟ ... فلا عجب أن يقول الكاتب الياباني نوتوهارا في كتابه "العرب بنظرة يابانية " نحن لا نفهم كيف يمكن لشاعر كبير أن يمدح أولئك القادة في آن واحد ( يقصد جوقة القادة العرب) ربما نفهم أنه أعجب بأحدهم فمدحه ولكن أن يمدح قادة يختلفون في أساليب قياداتهم إلى حد التناقض فأنه يعني استعداده لمديح من يدفع له نقودا "

لا دهشة , أن يهل علينا كلّ يوم كتابنا العرب بولاء جديد ومديح جديد , فسبحان مغير الأحوال من هيروشيما إلى بغداد , لا غرابة , فقد عاد نخبة من القوم إلى العمل مؤخرا و برع بعضهم في كشف المستور من الصفات الحسنى واليوميات الحسنى للسلطة الجديدة , القضية سهلة جدا , فبدلا من صدام نضع كلمة بوش أو معتوه  آخر, وبدلا من كلمة البعث نضع كلمة المارينز أو أيّ فرقة رقص شرقي أو قتل مجاني , وهكذا , فلا غرابة إن تحول كتابنا وتحولت صحفنا  في ليلة وضحاها من 180 درجة يسارا إلى 180 درجة يمينا والعكس أيضا , ولا عجب ما ذكره علي الوردي في" ملامحه " عن المس بيل مطلع القرن العشرين وهو يشاهد مثقفينا يتحولون من مدح الأتراك إلى ذمهم وثم إلى مدح الإنجليز فقال كلمته الشهيرة " أن الكلمات عند الشرقيين هي مجرد ألفاظ لا تعني شيئا , فقد يقولون اليوم شيئا وينقضونه غدا , وهم لا يتركون هذه العادة أبدا "

لا دهشة أن يبكي بعضنا أمجاد سفاح مضى , ولا يمل أبدا من الحديث عن العروبة والقومية ورمي العدو في البحر , وكأنه قادم للتو من سهرة عمرها 100 عام من كهف في كوكب نبتون , ولا غرابة أن تستمر رقصات أحدهم فرحا بصاروخ صدامي وقع في إسرائيل ذات يوم ولا يصدق بأن المقابر الجماعية في العراق هي من صنع صديقه الصاروخي , ولا غرابة , فقد تعلمنا أن نجوع ونتحدث عن اقتصادنا المنتعش, يدمر كل شيء ونتكلم عن البناء في زمن قياداتنا الحكيمة ,  نعدم ونسجن ونمجد حرياتنا التي لا تصدق , نداس بالحذاء فنتحدث عن الكرامة , لا عجب أن تكون السياسية والثقافة العربية رحلة موفقة في الضحك على الذقون

لا دهشة أن يُحارب المثقف العراقي من قبل أجهزة الأعلام العربي لأنه قال لا لأبجدية ثقافة الدراهم والدنانير والمديح العالي , ولا غرابة أن يُحارب اليوم لأنه يقول لا لأبجدية ثقافة الدولار والمديح السري , ولا عجب أن يُهمش من قبل إعلام الحزبية العراقية بما إنه ليس منظرا لسياسة اللف والدوران وتغيير الجلود في ليلة وضحاها . ولا غرابة أن تكون نسبة  المثقف النقيض عالية جدا , ولا عجب فهز البطن والرقص على وحدة ونص كان ومازال "فن شرقي"

لا دهشة أن يبكي نصف الشعب العربي على سقوط صنم صدام حسين , ولا يبكي 1% منهم على الشعب العراقي , لا غرابة, أليس أبطالنا دوما رئيس أو ملك أو قائد أو معتوه أما الشعوب فهي غنم الدولة؟! ,فلا عجب أن يكون صدام "حارس البوابة الشرقية" ومعمر القذافي "الصقر الوحيد" , والبقية يتقاسمون ألقاب الحيوانات الشرسة والنسب إلى النبي محمد وخصوصا في ليالي الإعدام الجماعي أو ليلة القدر .

لا دهشة بأن نقف حيارى سكارى ,فلا نعرف ماذا نقول أو نكتب , لا غرابة ّإن كتبت عن الجنس يغضب عليك شرطة الله وبوليسه السري ومن وضع نفسه وكيلا عنه  ولا غرابة أن نعتوك بعدها باللوطي ويصبح اسمك بقدرة قادر" لوطي المعري " ولا عجب إن كتبت عن الدين ستفتح في وجهك نار جهنم العربية وسترجم بالحجارة وربما ستكفر وتسحل عاريا ربي كما خلقتني أمام الأطفال والنساء , تصورْ عاريا أمام النساء ! ولا عجب إن كتبت عن السياسية أن تعدم أو تدفن حيا أو يهبوك شقة خمس نجوم في معتقل عربي الداخل فيه مفقود  والخارج منه معتوه .

لا دهشة بأني لا أستطيع أن أكمل الكتابة وأفكر جديا في البحث عن عمل آخر , خوفا من الإصابة  بسكتة قلبية , ولا غرابة أن يُقال عن لحظة حزني هذه بأنها تافهة مثلي , ولا عجب إن رفضتَها" أقصد لحظة حزني"  الصحفُ العربية الورقية في زمن هز البطن على دق الخلاخل الشرقية والطبلة الأمريكية

لا دهشة , لا غرابة , لا عجب ...  









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائقة تفقد السيطرة على شاحنة وتتدلى من جسر بعد اصطدام سيارة


.. خطة إسرائيل بشأن -ممر نتساريم- تكشف عن مشروع لإعادة تشكيل غز




.. واشنطن: بدء تسليم المساعدات الإنسانية انطلاقاً من الرصيف الب


.. مراسل الجزيرة: استشهاد فلسطينيين اثنين بقصف إسرائيلي استهدف




.. وسائل إعلام إسرائيلية تناقش إرهاق وإجهاد الجنود وعودة حماس إ