الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نجيب محفوظ الحاضر أبدا في بيوتنا

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 9 / 1
الادب والفن


نجيب محفوظ الذي ودعته أمس جماهير مصر ، هذه الجماهير الكادحة التي طالما عايش الكاتب العظيم آلامها وآمالها جدير بالإحترام الكبير من لدن اليسار والشيوعيين ، و مكانه كان وسيبقى بين صفوة الأدباء أمثال بلزاك وتولستوي وفيكتور هوغو ، على مدار التاريخ ، و هو أكثر إنسان أثر في تفكير القراء في العالم العربي ّ و شخصيتهم ، و هو مثال للموضوعية المطلقة ، و إحترام العقل ، و محاربة الخرافة .
و هو أكثر من ركز على الدور السلبي الذي يمثله من جعلوا من أنفسهم مندوبين عن الرب ّ في حياتنا ، وهو أفضل من بلور فكرة الإنفتاح والحريةّ الشخصية ، بتأييده الصلح مع إسرائيل، ودعوته للسلام بين الشعوب.
هذا المُعلِّم و الأديب العظيم تفاعل مع ثقافة مجتمعه على أفضل ما يكون في " الثلاثية " و تفاعل مع ثقافة عالمه الكبير على أفضل ما يكون في " أولاد حارتنا " .

هذا الرجل الكبير ، رغم غيابه الجسدي عنّا ، ألا أنه خالد في أذهاننا وقلوبنا وفي بيوتنا عبر رواياته ، والإنسان حسب ماركس ،إن كان ميّتا بجسده، ألا أنه خالد بأعماله ، و أنا أكتب هذه السطور لا أستطيع أن أمنع عينيّ من أن تذرف الدمع على هذا الإنسان العظيم ، الذي إرتبطت به بشدة في فترة مراهقتى و لاأزال حتى الآن أكنّ له كل إحترام و تقدير على كتاباته الرائعة المفعمة بالواقعية وبروح محاربة الفساد و الرجعية وقوى الظلام.
كنت أتمنى أن يكون هذا الرجل الكبير مثلما كان في رواياته ، أكثر شجاعة في حياته الشخصية أيضا ، ولا عتاب عليه طالما لم تتوفر له ولأهله أجواء الأمن والأمان . و كنت أتمنى أن يترك على الأقل تسجيلا حيا يعبر عن حقيقة افكاره التي تسفر عنها كتاباته كأفضل ما يكون ، و لكنه أبى ، لعله أراد أن يكون مثلا للبشرية أنه لا يوجد إنسان كامل ، أو أراد أن يكون مثلا للإنسان المصري المُرتبط بمجتمعه و لا يستطيع الخروج عليه علنا بسهولة .
قال نجيب محفوظ : " لو إختلفت كتاباتي عن آرائى المُعلنة ، فالحقيقة تكمن في كتاباتي ، فأن أرائى المُعلنة لها أسباب أخري " . ومن حق هذا الكاتب أن يعبر عن مواقفه بأي شكل يرتأيه حسنا، ولم يّرد منه المحرومون أن يصبح لينين أو جيفارا مصر .
إن روح نجيب محفوظ وإبداعه لأكبر من جائزة نوبل ، وقد أمست كتاباته لآلئ في قلب التراث الأدبي و الثقافي للإنسانية . ففي أيام المراهقة والشباب تعرفت على أدب نجيب محفوظ إن لأول مرة عبر فلم "ثرثرة فوق النيل" ، وقد ترك في ّ أثرا لن يمحى قط ، ومنحني متعة لن تنضب، وأنا أشاهد جوانب من حياة المصريين . وفي تلك الأيام نصحني أحد أدعياء الثقافة والماركسية بعدم قراءة روايات حسب قوله برجوازية أو رجعية ، و شجعني على قراءة بعض روايات الواقعية الإشتراكية ، أو بالأحرى الشعاراتية والدعائية . صاحبنا لم يكن جاهلا بالماركسية فحسب، بل كانت ثقافته ضحلة جدا ، ولم يكن مطلعا على مواقف لينين من تولستوي الذي أطلق عليه مرآة الثورة الروسية ، ولم يكن يطلع أو حتى يستوعب آراء أنجلز في الأدب والثقافة ، وكيف أنه أكد أنه فهم الصراع الطبقي في فرنسا خلال روايات بلزاك أكثر مما فهمه خلال كتب التاريخ. ذاك الدعي ّ لن أغفر له حرمانه إياي لفترة من التمتع بروايات نجيب محفوظ و توفيق الحكيم و احسان عبد القدوس. فلم يكن المطلوب من نجيب محفوظ ايجاد حل للصراع الطبقي في مصر ، بل أنه صور لنا الحياة في مصر وسبر أغوار النفس الإنسانية لشخصياته التي تنوعت من كل شرائح المجتمع. وقد آمن أن وراء كل ما يراه بالعين ، هاوية تسكنها الروح الانسانية التي ينتمي اليها الكاسب والفلاح ، وأن تحت كل قلب تعبان نبع حياة دافق.

وإن حضور شوارع ومقاهي وأزقة ببشر وممثلين وتاريخ وأفلام وقصص ، ومعيشة أناس من أبناء الطبقات الوسطى والحرفيين والبغي والشحاذين والمثقفين و البرجوازية الصغيرة والأثرياء والطلاب ، إنما حضور صورة كاملة تساعد الماركسي و الشيوعي العازم على تغيير المجتمع على رؤية الصراعات الطبقية بوضوح ، ويعطيه مادة جيدة لاستخدامها في كفاحه الطبقي الذي لا بد أن ينتصر . لقد كان كاتبنا العظيم مقيما في منطقة القلق والشك والتساؤل، لأن الجهّال دوما نراهم على يقين وراحة بال ، ونرى أصحاب الفكر في شك وقلق دائمين.

ربما الشيوعي لا يرى نفسه منتميا إلى الحركات السياسية والإجتماعية التي يحسب عليها كتابه المفضلون، لكن هذا لا يمنعه من أن يشعر بالاحترام لهم ، و لا أن يجعله يتنكر لتأثيراتهم العظيمة في مسير التاريخ و في تطور مجتمعاتهم. كشيوعي ربما لا أكن بالاحترام للحركات البرجوازية والقومية ، لكن الشاعر أو الأديب المبدع كإنسان وشخصية لا بد لي من احترامه .
فمن مميزات الراحل العظيم التي تقربه " أو أرى من المفروض أن تقربه" من الشيوعيين ، وهي كثيرة ، منها أن الإسلام السياسي والعروبة العنصرية قد فرزا نفسيهما عنه ، عبر إدانه بعض كتاباته وخاصة رواية " أولاد حارتنا" ، وكذلك محاولة اغتياله الجبانة من قبل شاب اسلامي متطرف، ومقاطعته من قبل القوميين بعد تأييده لابرام اتفاقية كامب ديفيد ، والصلح مع اسرائيل التطبيع الثقافي .
و من المميزات التقدمية والإنسانية الأخرى لنجيب محفوظ هي أن آفاقه الفكرية أرحب من آفاق اليسار التقليدي في العالم العربي ، وقد كان ينتقد كل الخرافات الدينية والقومية والوطنية السخيفة، فلم يتغن مثل بعض الكتاب السفهاء " بعطور روث بلاده " المنعشة، ولم يدع ُ الناس إلى تفضيل الفول الوطني الشريف على " الماكدونال الصليبي والغربي الفاسد" . و لم ينجر وراء الشعارات القومية من قبيل "تحرير القدس عبر طهران او بغداد" ، و "قتل الأعداء والغرباء والخونة" ، ولم يطمع يوما في مكرمة رئيس أو فرعون ، بل أن إبداعه أغناه عن كل قصور الفراعنة ، و ذهب الرؤساء ، وجاه الدنيا والسلطان.
لقد رحل نجيب محفوظ بجسده ، وتخلد في بيوت كل قرّائه وأذهانهم و ذاكرتهم ، وفي أذهان الجماهير الكادحة المصرية والعالمية ، عبر ابداعاته الروائية ، وخلاقيته الفذة التي هزمت قوى الظلام والرجعية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لتسليط الضوء على محنة أهل غزة.. فنانة يمنية تكرس لوحاتها لخد


.. ما هي اكبر اساءة تعرّضت لها نوال الزغبي ؟ ??




.. الفنان سامو زين يكشف لصباح العربية تفاصيل فيلمه الجديد


.. الفنان سامو زين ضيف صباح العربية




.. صباح العربية | الفنان سامو زين ضيف صباح العربية