الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفقراء يقتلهم الإهمال.. والاستئثار بالسلطة

فيصل علوش

2006 / 9 / 1
حقوق الانسان


حلقة جديدة في مسلسل كوارث النقل شهدتها مصر صبيحة 21/8، وكان مسرحها هذه المرة مدينة قليوب شمال القاهرة بفعل اصطدام قطارين ببعضهما بعضاً، فتجاوز ضحاياها الـ80 شخصاً وأصيب أكثر من مئة آخرين.
المصريون، كما ينقل مراقبون، اعتادوا مثل هذه الحوادث التي حصدت خلال العقد الماضي أكثر من 600 ضحية، حيث يعزى السبب دائماً إما للإهمال أو للأعطال الفنية، (عامل الإشارة لم يخطر أحد القطارين بضرورة توقفه في الحادث الأخير!).
كوارث أخرى
وهذا الحادث أعاد لأذهان المصريين كارثة قطار الصعيد، عشية عيد الأضحى قبل أربعة أعوام، التي قتل فيها أكثر من 350 شخصاً حرقاً.
وتعهدت الحكومة بعدها اتخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على سلامة ركاب القطار. كما لم ينس المصريون بعد غرق العبارة «السلام 98» في شباط (فبـراير) الماضي. والتي قضى فيها زهاء ألف راكب وقيل حينها إن العبارة لم تكن تصلح أبداً لنقل البشر على متنها، حيث تفتقد لشروط السلامة، وكان يفترض أن تكون قد أقيلت من الخدمة منذ سنوات طويلة. وعرف فيما بعد أن مالك العبارة هو أحد أعضاء المؤسسة البيروقراطية الحاكمة، وكان عين عضواً في مجلس الشورى.
للقضية إذن جانب رئيسي ينبغي تثبيته، يتعلق بوسائط النقل التي تكون في العادة عرضة لهذه الحوادث الكارثية (قطارات، عبارات..الخ) والتي تكون أيضاً إما قديمة جداً لا تصلح للاستخدام أساساً، أو عرضة للأعطال المستمرة، بسبب الإهمال أو عدم صيانتها على النحو الواجب (1) ولا يستقلها عموماً إلا الفقراء أو ذوي الدخل المحدود، فيصبحون وقوداً لكوارثها، وضحايا نموذجيين لها. (قطارا الحادث الأخير ينتميان إلى فئة الدرجة الثالثة رخيصة الثمن!!) وحتى سيارات الإسعاف يتأخر وصولها، والمشافي العامة التي تغص بالمرضى، لا توفر الإسعافات الضرورية..الخ.
أما الطبقة البورجوازية والأثرياء أو الميسورون فلهم وسائط النقل الخاصة بهم، طائرات، بما فيها الطائرات الخاصة لكبار المسؤولين ورجال الأعمال، والسيارات الفخمة واليخوت وو..الخ، ولذلك يندر أن يتعرض هؤلاء إلى حوادث مماثلة، ما خلا الحوادث المتعلقة بالقضاء والقدر فحسب.
القطاع العام.. هو الضحية
إلى ذلك يتوقع مراقبون أن يجري استغلال مثل هذه الحوادث لهجوم فئات محدودة ومعروفة، بمن فيهم وزراء في الحكومة المصرية، على القطاع العام وعجزه عن الاضطلاع بواجباته تجاه قطاع النقل وخصوصاً القطارات مع الدعوة طبعاً لضرورة خصخصة هذا القطاع، فالقطاع الخاص في نظر هؤلاء هو وحده القادر على تطوير هذه الوسائط وتحديثها. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لم تأخذ الحكومة المصرية منذ عام 2002 بالتقرير الذي أعده مجلس الشورى وقدمه إليها حول سبل النهوض بمرافق النقل وتحسين كفاءة الأداء في السكك الحديدية.
وتوقع المراقبون أن يجري استثمار الحادث الأخير من قبل تيار داخل الحزب الوطني الحاكم تمثله لجنة أمانة السياسات بزعامة جمال مبارك لتحقيق مزيد من المكاسب والنفوذ، داخل الحزب والحكومة في آن، على طريق التمهيد والإعداد لخلافة والده في الحكم(2) وعليه خمن كثيرون، وترددت إشاعات كثيرة عن تعديل وزاري واسع يشمل رئيس الحكومة د.أحمد نظيف ووزير النقل محمد لطفي منصور.
غير أن التعديل الذي تم كان محدوداً، وأبـرز ما فيه كان خروج وزير العدل المستشار محمود أبو الليل الذي شهد عهده أكبـر أزمة بين القضاة والدولة. بسبب الخلاف على تبعية السلطة القضائية لوزارته. ويتندر مصريون فيقولون ربما أن التغيير الوزاري الواسع ينتظر كارثة وشيكة ومن عيار أثقل من حادث اصطدام القطارين حتى يحصل!!
تقصير وإهمال
وفي كل الأحوال فإن المراقبين يؤكدون أن هذه الحوادث المتكررة تكشف عن التقصير والإهمال الكبير الذي يتصف به عمل كثير من دوائر ومؤسسات الدولة، خصوصاً على مستوى قيادات الصف الأول فيها وإدارات المفاصل الحساسة، حيث لا يوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، ويكون الشغل الشاغل لهؤلاء غالباً كما يقول المراقبون في القاهرة، استغلال المنصب في سبيل النهب ومراكمة الثروة، على مبدأ أن كل شيء مضمون ما دام الولاء لأصحاب السلطة يتقدم على أي اعتبار آخر.
مثل هذه الحالة تؤدي إلى مزيد من كراهية «الدولة» لدى الكثير من الفئات والشرائح الشعبية التي تخلط بين مسؤولية السلطة والنظام وبين الدولة ومؤسساتها. وهو ما توظفه أطراف من المعارضة (كالإخوان المسلمين) لتحقيق مكاسب سياسية وشعبية أكبـر، خصوصاً أنها تستغل الفراغ الناشئ عن تقصير أو عجز الدولة وتملأه عبـر الكثير من الخدمات والمعونات المقدمة للفقراء.
وعليه فإن القضية كما يراها المراقبون تتجاوز مستوى الإهمال والتقصير وتتعداه لتدخل حقل السياسة. فهي من حيث المنطلق والنتائج سياسية بامتياز، فالسلطة المشغولة ـ يقول المراقبون ـ بمشاريع الحفاظ على نفسها وتأمين نقل الخلافة إلى الأبناء سوف لن يتبقى لها الوقت الكافي للاهتمام بقضايا فقراء الشعب ومعاناتهم.

___________________________
هوامش
(1)بعدإضراب سائقي القطارات(27/8،) وإصرارهم على ضرورة الفحص الفني لها والتأكد من سلامتها. بينت الإحصاءات أن نحو ثلث العربات غير آمنة للسفروحذر رئيس لجنة النقل والمواصلات في البـرلمان المصري من كارثة متوقعة في مترو الأنفاق قياساً على تردي وسوء حالة هيئة السكك الحديدية.
(2)أعلن القيادي في الحزب الوطني الحاكم في مصر حسام بدراوي (27/8) أن نجل الرئيس المصري حسني مبارك، هو أحد المرشحين لرئاسة مصر.وقال بدراوي، الذي يشغل منصب أمين قطاع الأعمال في الحزب الحاكم، في مقابلة صحافية: «نحن كحزب حاكم نتطلع للحفاظ على كراسي الحكم، وأن يكون هناك مرشحون للرئاسة، سواء كان الرئيس مبارك أو من يخلفه في مرحلة تاريخية مقبلة.. والحزب الذي لا يعد كوادر لهذه المهمة يكون حزباً فاشلاً، وجمال مبارك هو إحدى هذه الشخصيات».








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بريطانيا.. اشتباكات واعتقالات خلال احتجاج لمنع توقيف مهاجرين


.. برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والإسكوا: ارتفاع معدل الفقر في




.. لأول مرة منذ بدء الحرب.. الأونروا توزع الدقيق على سكان شمال


.. شهادة محرر بعد تعرضه للتعذيب خلال 60 يوم في سجون الاحتلال




.. تنامي الغضب من وجود اللاجئين السوريين في لبنان | الأخبار