الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 40

علي دريوسي

2022 / 1 / 6
الادب والفن


بعد فترة وجيزة من الخطوبة اِختفت رهان دون حس أو خبر، هاتفها مقفل، غرفتها معتمة مقفلة، مصطفى من غرفة تحكمه في السعودية في حالة قلق مخيفة، قمر أصابتها وعكة صحية مع إسهال حاد، أخوتها في ألمانيا غير متأثرين بغيابها وكأنهم اعتادوا على مثل هذه الحركات المهبولة، كانت إجابة منير عن غيابها صفراء كضحكته الساخرة "وهل أنا خطيبها كي أعرف مكانها!".
بعد أكثر من سبعة أيام ظهرت رهان فجاة كما اِختفت، كانت تضحك ببلاهة وهي تقول: "كنت في زيارة مهمة لأستاذ جامعي كبير في جنوب ألمانيا".
كانت مهووسة بكلمة "بروفيسور"، وللحق كنا جميعنا كطلاب ماجستير أو دكتوراه نكن الاحترام والتقدير لهذه الكلمة، كانت رهان تبحث عن الأسماء اللامعة في اختصاصها الهندسي، مواد بناء، ثم تبدأ بمراسلتهم بطريقة تفخيمية قل نظيرها وصارت طي النسيان في اللغة الألمانية، تشرح لهم في رسائلها ولعها بالهندسة واهتمامها الشديد بنظرياتهم ومقالاتهم وكتبهم، تكتب لهم حتى لو كانوا في زمن التقاعد، وكانت تتلقى منهم ردوداً إيجابية تعجبها وتسعدها كما أسعدتهم، وكان البروفيسور ألبيرت فريدريش المتقاعد من جامعة كونستاتنس هو واحد من هؤلاء الذين وصلهم بريدها الشرقيّ العربي الساحر، كان في الخامسة والسبعين من عمره، يعيش وحيداً في بيت كبير، أرسل لها رداً على رسالتها مع دعوة لزيارته لعدة أيام، وضمّن الرسالة قسيمة لشراء بطاقة سفر بالقطار ذهاباً وإياباً وبالدرجة الأولى.
رجعت رهان من منزل البروفيسور مشرقة سعيدة فخورة بصديقها الناضج، راحت تحدثني كيف استقبلها في محطة القطار مع باقة ورد خلابة وكيف ضمّها إلى صدره بحنان وقبّل جبينها برقة تنم عن فخامته وأرستقراطيته، ثم تغزّلت بأناقة منزله والحديقة وغرف النوم والصالون الفسيح والمسبح مع غرفة الساونا في الطابق الأرضي ولم تنس رهان إظهار إعجابها بحداثة وتصاميم المراحيض والحمّامات الموّزعة في الطوابق الثلاثة واستمتاعها برذاذ الماء الساخن ومواد العناية بشعر الرأس والبشرة والموسيقى الخفيفة التي تصدح من كل زاوية وكذلك زيوت التدليك ذات الروائح الطيبة وقدرة البروفيسور على التمسيج التايلاندي الاحترافي الأبوي، وأضافت أنه راقص بارع علّمها بعض خطوات الرقص.
في ذلك المساء هززت رأسي لحديثها المستهجن، تمنيت لو خلعتها كفاً قوياً يُسقطها أرضاً، فالكف يكف كما يقول المثل، لكني لم أفعل ما اشتهيت فعله، بسبب عيشي في ألمانيا وخوفي من القانون صرت مجبراً أن أكون حضارياً مع النساء رغم قناعاتي المخالفة لذلك، هذا من جهة ومن جهة أخرى قلت في نفسي "لا أريد تخريب مزاجي، ذيل الكلب دوماً أعوج".
في ذلك المساء كنت متواعداً في إحدى الخمّارات مع إمرأة ألمانية جميلة تعرفت عليها حديثاً، ولا أعرف إلى اليوم ما هو السبب الذي جعلني اصطحب رهان معي رغم خصوصية الموعد ورغم أن خطيبتي الراقية رهان لا تدخن ولا تشرب! لعلها من إحدى علامات غضب الله على عبده أحمد.
في ذلك المساء جلسنا نحن الثلاثة حول الطاولة، الألمانية الغاضبة والمتخلف أنا كنا نحتسي الخمر والخطيبة الحضارية ترتشف الشاي الأخضر، بادرت رهان بالحديث عن الألمان مظهرة احترامها لهم وإعجابها بطريقة حياتهم وعند نهاية كل جملة راحت تمد راحة يدها من تحت الطاولة وتضعها على فخذ الألمانية، تفرك فخذ الألمانية بشكل عفوي وهي تبتسم بغباء وتقول: "والله أشعر أني أعرفك منذ زمن طويل".
بعد فركتين أو أكثر نهضت الألمانية وهي تقول: "أحمد، ألا ترغب بتدخين سيجارة؟"
ونحن ندخن خارج الخمّارة سألتني: "من تكون هذه المعتوهة؟"
أجبتها: "خطيبتي".
ردّت بعصبية: "أنت أكثر غباء منها، هل يُعقل أن تجلب معك إمرأة وأنت متواعد مع إمرأة تراها لأول مرة!؟"
بربرت باللغة العربية: "وهل تسمين من جاءت معي إمرأة!"
الأنثى الألمانية التي كنت فرحاً بلقائها لم تسمعني ولم تفهمني، بل تركتني مع مصيبتي وحيداً وغادرت.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص


.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض




.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة