الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن آفاق الصراع وضروروات الحل في سوريا

توفيق حمدوش

2022 / 1 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد خافيا على احد تطور القضية السورية من كونها تكثيف اجتماعي سياسي تجسد عبر خروج مطالب شعبية غاضبة الى العلن بخصوص احترام حق السوريين بالحياة و الكرامة و الحرية تطوره إلى حرب قاتلة قادها النظام ضد شعبه ودمارعام ألحقه بسورية الارض والانسان، و السؤال المشروع اذاك هل يمكن التعويل بعد كل ما صدر عن النظام الاسدي من جرائم مهوولة ومن حرق للبلد ، على حوار معه ، يقود الى حل سلمي في سوريا ، وهل من التوازن القول بأن على السوريين من جميع الاطراف ان يتحاوروا فيما بينهم كي يتجاوزا عتبة الازمة الحاصلة في بلادنا منذ ما يقرب من احد عشر عاما ، وان لا حل ممكن دون ذلك ، في اشارة ضمنية ربما الى ان من يعطل الحل المنشود هي محض اطراف غير سورية فقط! ، الا يبرئ هذا الاعتبار النظام ويضعه في موقع مواز مع اطراف و جهات سورية لم تكن احدى فواعل التأزيم بالقدر الذي كانت فيه احد فواعل الحل ،كالادارة الذاتية الديمقراطية على سبيل المثال ؟ ثم ما هي العوامل المساعدة او تلك التي تتسبب في المزيد من التعويق في عملية ايجاد ذلك الحل السياسي والوصول بالبلاد الى المستقبل الديمقراطي المتجاوز لمسارات الاستبداد و القمع والطغيان التي افرزتها الاسدية في سوريا و مجتمعها طوال نصف قرن ؟ ثم و السؤال الاهم الذي تطرحه هذه السطور لماذا كانت الساحة السورية محلا جيوسياسيا جاذبا للصراعات الاقليمية و الدولية على ارضها ؟وهل كان ذلك قدرا محتوما ام افرازا عضويا لمعطيات تقاطع المحلي السوري بالاقليمي و الدولي في السياسة الدولية ؟
لم يسمع السوريون قبل ثورة اذار من عام 2011 بمفهوم الصراع على سورية الا كعنوان لكتاب شهير اصدره الصحفي البريطاني باتريك سيل يغطي و يؤرخ فيه لمرحلة تاريخية حديثة مرت بها سوريا منذ تأسيسها حتى مرحلة ما قبل انقلاب العسكر البعثيين في الثامن اذار من عام 1963 ، ولم يكن يخطر ببال سياسي اوباحث متخصص بااشأن السوري ان يعود هذا العنوان ليلخص المشهد الذي يخص سوريا بدءا من عام 2011 حتى اللحظة الراهنة ، فالاسدية التي اختصرت الوجود السوري بها واحتكرت مقدرات البلاد وفعالياتها السياسية كلها في شخص الاسد الاب خاضت حرب الصراع على الشرق الاوسط كطرف فاعل و لعقود طويلة لكن ما لبثت ان تحولت الى مادة للصراع بعد عقد و نيف من وصول الاسد الابن الى السلطة كوريث للاسدية و مكرس لها في سوريا ، مادة لصراع يتوزع على مسارات متداخلة تظهر الاهم بينها في ثلاثة محاور ، الاول تحركه ايديولوجيا ثيوقراطية توسعية تتمثل بايران ووكلاؤها في لبنان و العراق ،حزب الله و الفصائل الشيعية العراقية ، و الثاني تركي يكرسه و يجسده في المنطقة تحالف هجين بين طورانية متجذرة و عنصرية ممتزجة باسلام سياسي تركي ذو طموح توسعي مشدود بنوستالجيا عثمانية امبراطورية واسلام سياسي متباين المنابت ،اخواني من جهة و جهادي تكفيري ارهابي من جهة ثانية
اما الثالث فهو محور دولي تقف فيه الولايات المتحدة و روسيا الاتحادية كطرفين متناقضين يصدران استقطابات و ارادات تصيب الوضع السوري وتنتظم وفقه معطيات و اجندات اقليمية و محلية عديدة .

ان ايران التي اعلنت مبدأ تصدير الثورة الاسلامية وفقا للنمط الشيعي وولاية الفقيه عام 1979 لم تتوانى منذ ذلك الوقت عن نسج خيوط سياسية ذات مآرب توسعية في انحاء الشرق الاوسط الاسلامي ، فبادرت الى تأسيس حزب الله اللبناني كذراع توسع و ضغط ليكون بمثابة وكيل سياسي ينفذ سياساتها واجنداتها على نحو علني دون مواربة ، وبنت علاقات وتحالفات متينة بينها و بين انظمة لا تنتمي الى المذهب السني ، على راسها نظام الاسدية في سوريا ،الذي رحب بايران الاسلامية ووقف الى صفها حتى النهاية في حربها الطويلة مع العراق ، هذا التحالف الذي تطور فاصبح استراتيجيا لدى ايران و الاسدية هو بالضبط ما افادت منه الاخيرة منذ عام 2011 ، حيث انخرطت ايران ووكلاؤها من الاحزاب و الفصائل الشيعية في الازمة السورية بكل ثقلها ، سياسيا و عسكريا و اقتصاديا وبكل ما اوتوا من قوة الى جانب النظام السوري معتبرين الدفاع عنه قضية وجود بالنسبة لهم لا مفر من الدخول فيها باعظم ما لديهم من اوزان و مقدرات . وهو ما ساعد تاليا النظام الاسدي بالبقاء على سدة السلطة وترك سوريا في اتون ازمة تزداد صعوبة وتعقيدا في كل يوم. أما المحور الثاني المتمثل بتركيا المصابة بعصاب يمثله وجود كردي اصيل و سباق على وجود الترك فيها وفي المنطقة ،تركيا القلقة من دور كردي فاعل في مستقبل سوريا وتفاعلاتها السوسيولوجية و السياسية ،جعلت من محاصرة رغبة الكردي في العيش المشترك بكرامة الى جانب العربي و الاشوري السرياني في سورية والحضور بفعالية و نيله ما تقره له ثقافة حقوق الانسان من حقوق ، عنوانا رئيسا لسياستها في الوضع السوري اضافة الى دعمها للاسلام السني الاخواني واعتباره هو طرف الثورة الرسمي الذي تراه وتتبناه ، الامر الذي وضع تركيا الى جانب ايران في خانتين وان كانتا متعارضتان في محلات معينة الا انها متفقة جوهريا على عداء ارادة السوريين من كافة المكونات ، اذ لا فرق بين توسع و نفوذ ايراني في سورية تحت عباءة الاسلام السياسي الشيعي مع ابقاء نظام الاسدية في سوريا كما كان قبل عام 2011وبين توسع تركي يهدف الى القضاء على النوع الكردي بكليته وتوسيع الحدود التركية في ذات الوقت لتضم ما يسمى بميثاقي ملي حيث تدخل اراض سورية من شمال خط 36 أي من محافظة حلب والرقة وديرالزور إلى الأراضي التركية الحالية بعد إنتهاء معاهدة لوزان عام 2023 ليترافق هذا التوسع المامول من الجهة التركية مع أيصال حركة الأخوان المسلمين والجماعات الجهادية إلى سدة الحكم على الجهة السورية لتتضم سوريا أرضا وشعبآ إلى منظومة العثمانية الجديدة و بالتالي الوصول من خلالها الى العالم العربي و التوغل فيه . و هو ما يعني ان كلا المحورين التركي و الايراني يتعارضان بنيويا و جوهريا مع حركة السوريين نحو الحرية و الكرامة و اقامة وطن تعددي يتشارك فيه الكردي مع العربي و الاشوري السرياني ، المسلم مع المسيحي و السني مع العلوي و الدرز ي و الاسماعيلي مع الايزيدي في ارادة شتركة و مصير مشترك . وقد يصبح من المفيد الاشارة قياسا لما سبق بما يخص الدور التركي في الثورة السورية الى ما يمكن ان يفسر للمراقب المعني بالشأن السوري ما حصل في اروقة الحال السوري من ألغاز ، من قبيل منع الضباط المنشقين من قيادة الوضع العسكري
الثوري، وظهور المقاتلين الاسلاميين الاخوانيبن و الجهاديين التكفيريين ، والسيطرة على مؤسسات و اطر الثورة السياسية و التحكم بها والحاقها .
اما بخصوص المحور الدولي المتمثل بالولايات المتحدة و روسيا الاتحادية فلكل منهما اهدافه و اراداته ذات الصلة بمصالحه ذات الابعاد الدولي ، فمصلحة
روسيا في سوريا كبيرة وتاريخية تعود الى حقبة الأتحاد السوفيتي و لاتقف عند حدود وضع موطئ قدم على شاطئ البحر الأبيض المتوسط والوقوف في وجه ما تعتبره نفوذا امريكيا متزايدا في منطقة الشرق الاوسط ، انما ايضا هناك ابعاد اقتصادية و استثمارات روسية متزايدة في سورية لا بد من التعويل عليها من وجهة نظر السياسة الروسية ، ورغم ان الولايات المتحدة التي تحتفظ بمساحات نفوذ هائلة في الشرق الاوسط كانت و لازالت معنية بوضعها كقوة عظمى وقطب دولي يكاد يكون وحده المتحكم في النظام الدولي ، وما يترتب على ذلك من ضرورة الحفاظ على اشكال حضور مستمر وفعال لها في المنطقة ، الا انها لم تحضر عسكريا الى سوريا ولم تبدأ التحرك لبناء وجود وتمتين خطوط ومصالح سياسية في سوريا الا في مرحلة متأخرة من الازمة السورية لم تبدأ الا بعد إجتياح داعش لمساحات واسعة من سوريا والعراق وبما يتهدد الوجود الأمريكي في المنطقة ، مع ذلك كرست الولايات المتحدة ذاتها قوة رئيسية تتحكم في المحصلة السورية ولا تسمح على المدى الاستراتيجي لاي كان ان تتجاوز مصالحها في سوريا
.

و الآن في ظل هذه الظروف الصعبة والمصالح المتضاربة هل بقي بصيص أمل مرتبط بالحوارات الجارية في جنيف وهل يمكن أن يعيد النظام سيطرته على الجغرافيا السورية بأكملها كما كان الوضع قبل الثورة وهل من شروط سياسية مناسبة تتوفر على أرض الواقع وبيئة إجتماعية جديدة تراعي وتضمن عودة الشعب المهجر بشكل آمن إلى سوريا تحت سيطرة النظام ؟ .بالطبع كل ذلك متعذر للغاية كما تزعم هذه السطور ، فلا يمكن التعويل على نجاح الحوارات الجارية في جنيف كما لا يمكن للنظام العودة بالوضع السوري الى ما قبل عام 2011 والواقع السوري مرشح اذا الى مزيد من الاستنقاع و السكون و المراوحة في المكان ، والشعب السوري وحده الذي يدفع الثمن.
الواقع في سوريا صعب جدا ، انه جحيم على الحقيقة ، و اللاعبون الرئيسيون الذين يمسكون خيوط لعبة النار و الموت فيها لا رحمة لهم على البلد و لا يعنيهم انسانه ابدا
سوريا بكل تأكيد بحاجة إلى قيادة وطنية حكيمة تستطيع مد الجسور بين الأطياف والمكونات السورية ،قادرة على صياغة جسم جديد يمثل الشعب السوري في المحافل الدولية ويقدم البديل للنظام الحاكم ،جسم يستطيع بناء الدولة الديمقراطية الحرة التي ترفع الظلم عن كاهل الشعب وتبني شروط التعايش السلمي وعوامل الحياة المشتركة ،تضمن الآمن والسلم والعيش الكريم لكافة الأطياف و المكونات السورية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا جاء في تصريحات ماكرون وجينبينغ بعد لقاءهما في باريس؟


.. كيف سيغير الذكاء الاصطناعي طرق خوض الحروب وكيف تستفيد الجيوش




.. مفاجأة.. الحرب العالمية الثالثة بدأت من دون أن ندري | #خط_وا


.. بعد موافقة حماس على اتفاق وقف إطلاق النار.. كيف سيكون الرد ا




.. مؤتمر صحفي للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري| #عاج