الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب د. رِچَرد فولك، -سيرة مفكّر معنيّ بقضايا الشعوب-

محمد الأزرقي

2022 / 1 / 7
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات



تتألف هذه السيرة المطولة من ستة أقسام إحتوت على تسعة عشر فصلا وكُتِبت بلغة ممتعة للغاية وقامت دار Clarity Press بنشرها عام 2021. ركّز المؤلف في فصله الأول على أخته جوان، المحبّة والمحبوبة، التي كانت تكبره بسبع سنوات وامضت معظم حياتها في المصحات العقلية وعانت عذابات العلاجات السائدة في ذلك الوقت. واخيرا تقرر أن تُجرى لها عملية استئصال الفصّ المفصلي Mind-Dulling Lobotomy. مضى د. فَولك ليقول، "إنّ حضور جوان كان حيّا ومحبوبا رغم أنّه كان مندفعا ومضطربا في بعض الأحيان قبل أن يتمّ إصلاح وضعها ... كانت صورتها بعد استئصال الفصّ المفصلي لا تختلف عن صورة من الورق المقوى Image Cardboard . فقدت الحيوية، التي جعلتها في الوقت السابق قوة اجتماعية هائلة بابتسامة معدية وتصرّف مرح تغيّر الآن واختفى. توفيت جوان في عام 1973 عن عمر مبكّر لم يتجاوز 56 عاما." إنّ د. فَولك على قناعة تامّة بأنّ مرض اخته كان نفسيا وليس عقليا، وهو أمر ما كان معروفا في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، ممّا تسبب في مضاعفة معاناتها وعذابها وتعقيد محنتها.
أشار مركز آدكاونسِل [HTTPS://ADDCOUNSEL.COM/AR/%D8%A7] أنّ الكثير من الناس يخلطون ولأسباب عِدة بين المرض العقلي والمرض النفسي. ولكن في الحقيقة أنّهما مرضان منفصلان كليّاً والفارق بينهما شاسع. إنّ المرض النفسي ينشأ عن حالة من اختلال التفكير والتي تنعكس بطبيعة الحال على سلوك الفرد وتؤدي إلى تغيرات حادة في الحالة المزاجية الخاصة به، بينما المرض العقلي فإنّه يأتي عادة متمثلاً في سيطرة بعض المعتقدات الوهمية على المريض أو تعرضه لنوبات من الهلوسات السمعية والبصرية التي قد تقوده في النهاية لحالة من الانهيار الذهني. تجمع بعض العوامل المشتركة بين كلي النوعين من الاضطرابات أبرزها تأثيرهما المباشر على وظائف التفكير والحالة المزاجية، لكنّهما في النهاية يظلان مرضين مختلفين ويمكن استيضاح ذلك من خلال تعريف المرض العقلي والمرض النفسي ومفهوم كلّ منهما.
يشير مفهوم المرض النفسي إلى أنّه خلل في الحالة العاطفية (الصحة النفسية) لشخص ما. تنتج الاضطرابات النفسية عن عدة أسباب أكثرها شيوعاً ازدياد حدة مشاعر القلق والتوتر والتعرض إلى الضغوط لفترات طويلة وبدرجة تفوق قدرة الشخص على التحمل. يتضح من ذلك أن~ الفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي في كون الأخير مرض مَرحلي أي تظهر أعراضه بصورة تدريجية نتيجة المعاناة من أزمة ما أو مواجهة الضغوط لمدة معينة.
تمثل الأمراض النفسية على اختلافها وتعددها خطرا جسيما حال استمرارها لفترة طويلة؛ فقد يُقدم المريض على إيذاء نفسه أو محاولة الانتحار كما أنّها قد تكون سبباً في انجرافه إلى أحد أشكال الإدمان السلوكي أو أن تكون من أسباب إدمان المخدرات ومعاقرة الكحوليات، لذا يجب مراجعة الطبيب المختص فور ملاحظة تغيرات حادة ومستمرة في الحالة النفسية وسلوكيات الفرد.
من بين أنواع المرض النفسي ما يلي: الاكتئاب، اضطرابات القلق، اضطراب الهلع، اضطراب ما بعد الصدمة، اضطراب الأكل. يتم تعريف الاضطرابات العقلية بأنها حلقة مفرغة من المعتقدات والأفكار التي يدور بها المريض رغم كونها وهمية وكذا قد يتعرض المرضى لنوبات من الهلوسة حيث يرون أو يسمعون أشياء لا وجود لها، يتمثل الفرق بين المرض العقلي والمرض النفسي في أنّ المريض بتلك الحالة ينفصل عن واقعه وقد يصل به الأمر لحالة من الانهيار الذهني.
رغم اختلاف تعريف المرض العقلي والمرض النفسي إلا أنّ هناك ما يربط بينهما، إذ أنّ المرض العقلي في حد ذاته قد يكون امتداداً لإحدى حالات المرض النفسي التي تأخر علاجها، حيث يُلاحظ أنّ حالات الذهان قد تنتج في الأساس عن الإصابة بأحد الاضطرابات النفسية مثل نوبات الاكتئاب الحاد أو اضطراب القلق. من بين أنواع الأمراض العقلية الآتي: اضطراب الفصام، الاضطرابات الذهنية، الاضطراب العقلي الناتج عن الإدمان، الذهان التخيلي (البارافرينيا). تتم عملية تشخيص المرض العقلي والمرض النفسي والتفرقة بينهما تبعا لعدة معايير على رأسها الأعراض المصاحبة لكلّ منهما.
أطنب المؤلف في الحديث عن علاقته بأمّه ودور الأم العاطفي الغائب في تنشئة طفليها. كانت الأمّ أصلا لاعبة تنس على المستوى العالمي وتنحدر من أسرة ثرية للغاية اشترطت الزواج مع عدم الإنجاب. غير أنّه وعن طريق الخطأ وُلدت لها بنت بمواصفات صحية خاصّة. وبعد 7 سنوات حملت بطفل آخر، ولم يكن الإجهاض أمرا سهلا ولا شائعا في حينه.
قال المؤلف، "لقد ادركت أنّه منذ الطفولة أنّني حاولت أن أفهم والدتي وأرى افعالها من وجهة نظرها، وابذل قصارى جهدي لتجنّب مشاعر المرارة والإستياء، على الرغم من أنّها لم تمنح أبدا أيّة عاطفة أو أبدت اهتماما كبيرا فيما إذا كنت قد نهضت أو سقطت في الحياة. ما جاهدتُ لتحقيقه طوال الوقت هو القدرة على العيش في تعاطف نسبي مع أمّ رفضت التصرّف كأمّ، أو حتى التظاهر بأنّها أمّي". لم تحظرهذه الأمّ القاسية جنازة إبنتها وحرمت إبنها من إرثها، بعد أن تزوّجت وانتقلت الى كالِفورنيا!
هناك رابط عاطفي قوي للغاية بين الأم وأبنائها، فهي أول من يشعر بهم ويُدرك احتياجاتهم قبل أيّ أحد، كما تُركّز الأم على التواصل شفهياً مع أبنائها تبعاً لتكوينها الأنثوي الذي يجعلها تُحبّذ هذا النوع من التواصل، ممّا يُقوّي العلاقة بينهما ويجعلها مسؤولةً في نظرهم عن الانضباط في المنزل وتحديد قواعد السلوك. كما تُضحّي الأم بحاجاتها الشخصية في سبيل تحقيق احتياجات أبنائها، وتبدأ مشاعرها هذه منذ فترة الحمل. ومن الأدوار الأخرى [https://mawdoo3.com/%D8%AF%D9] التي تقع على عاتق الأم في تربيتها لأبنائها، توفير بيئة سليمة تدعم نمو الأبناء وتُطوّر مهاراتهم، وذلك من خلال توفير مساحات خاصة للحركة واللعب ومنحهم فرصة إطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم، وإدراك مشاعر أبنائها وما يدور في خلدهم من خلال تصرّفاتهم وتعبيراتهم اللفظية. يوجد العديد من المقترحات، التي تُقدّمها المراجع التربوية المتخصّصة بهذا الموضوع [https://mawdoo3.com/%D8%AF%D9].
بسبب حرمانه من حنانها، جعل الصبي يشعر بأنّه يتيم الأمّ خاصّة بعد أن هجرت البيت وطفليها. لكن الوالد أحسن رعايته وبعثه الى خيرة المدارس لمواصلة دراسته وتنمية مواهبه وتطوير هواياته ولم يبخل عليه بشيء. اكتشف صاحبنا منذ وقت مبكّر في حياته، "أشعر أنّ لديّ قدرة خاصّة الى حدّ ما على التحليل والتفكير في القضايا السياسية والقانونية الصعبة، وكذلك تحديد هويتي الفكرية بطرق يجدها الآخرون المتعاطفون أصيلة الى حدّ ما، ومُبتكرة وبعيدة عن الإتجاه السائد لأكون تقدميّا عنيدا. لقد جلب لي هذا المزيج مكاسب وخسائر قليلة في كلّ مرحلة من مراحل حياتي."
ذكر أنّه على الرغم من أنّ والده محبّ ومثير للإعجاب من نواح كثيرة، فقد أثّر عليّه في محاولته الجاهدة لتجنّب خيبات أمل ذلك الوالد وأخطائه في النظرة السياسية والرومانسية والمساعي المهنية. "يبدو أنّني قد أفلتُ من تلك الأفخاخ، التي وقع في شركها والدي في المراحل الأخيرة من حياته التعسة. في الوقت نفسه، أعتزّ بذكرياتي عن حنانه مع الناس وأساسيّات كرامته وتواضعه، فضلا عن تقديره الحيّ لمفارقات الحياة." ثمّ يتابع القول، "أمّا أمّي فكانت بالطبع أكثر إشكالية بالنسبة لي، لكنّني لم اتعلم عدم الردّ بالمثل على افتقارها للحبّ والحنان بالنسبة لي. بدأت ممارستي مدى الحياة في محاولة رؤيتها كما يراها الآخرون، وبالتالي عدم الإنغماس في الذات مثل العمى المصحوب بالإستياء أو إظهار الغطرسة، التي تعرف كلّ شيء. كما أنّ السنوات الأخيرة قد مكّنتني من التخلص من هجمات التضليل Smears من قبل الخصوم الصهاينة دون التردّد في التزامي أو الإشتغال بلا جدوى في صياغة روايات مضادة عدوانية تبرّر نفسها بنفسها."
يختتم المؤلف فصله الثاني بالإشارة الى ارتياحه لما اصبح عليه فيما بعد وأكّد السعي لتحقيق اهداف تقدّمية على حساب التقصير في الإعتراف المهني والمكانة. أدركّ ايضا أنّه بعد الطفولة توفّر له حظ جيّد بشكل غير عادي فيما يتعلق بحياته المهنية وصحته فضلا عن كونه مستفيدا من صداقات عديدة وحميميّة عاطفية. ثمّ يضيف،"حدثت نقطة تحوّل مهمة ... حين كنت طالبا في جامعة پَنسِلفَنيا عندما أدّى الخوف من كارثة شخصية وشيكة الى استجابة تحوّلية نحو الأفضل، غيّرتني الى الأبد."

يذكر الأستاذ فَولك في مطلع فصله الثالث أنّه كان، "على علم بتأسيس دولة إسرائيل عام 1948، وهو العام الذي تزامن مع تخرّجي من مدرسة فيلدستَون الثانوية. اتذكّر أنّني فوجئت بالنصر العسكري للقوات اليهودية على قوات العديد من الدول العربية المجاورة في (حرب الإستقلال) الإسرائيلية. ولكن على مدى عقود كانت هذه الأحداث ليست أكثر من مجرّد أفكاربعيدة بالنسبة لي. لقد وقعت الأحداث (هناك) وليس لها أيّ تأثير محسوس على حياتي. ومع ذلك فقد حازت فيها حركة منظمة مسلحة من المهاجرين الأجانب العسكريين ما كان يُعلن أنّه (إستقلال). في الحقيقة كان نوعا من انتزاع ملكية غالبية السكان العرب الأصليين ممّا كان وطنهم في فلسطين، ثمّ قمع من تُرِكوا وراءهم.، وجرى تجريد ما يصل الى 750 ألفا قسريّا ممّا يمتلكون، أو بلغة اليوم تمّ تطهيرهم عرقيا خلال تلك الحرب المبكّرة. وهذا يعني (الإستقلال) لإسرائيل و(النكبة) للفلسطينيين، الذين لم يتمّ تجريدهم من ممتلكاتهم فحسب، بل طُرِدوا وحُرِموا من خيار العودة الى حياتهم وبيوتهم ووطنهم."

يمضي المؤلف لعقد مقارنة لتوضيح أوجه التشابه بين تأسيس إسرائيل وتأسيس الولايات المتحدة. قال بهذا الصّدد، "هناك انعكاس مماثل للسجلّ التاريخي، إذ تمّ أخذ تجربة الأمريكيين الأصليين في الإعتبار. في تجربتي وحتى يومنا هذا، يُنظر الى مأساتهم على أنّها محنة تافهة لا تستحقّ الذكر وسط امجاد ثورة المستوطنين ضدّ الحكم الإمپريالي البريطاني." أقرّ صاحبنا بالذنب، " أنا متهم خلال شبابي في عدم الحساسية الحضارية. بعد ذلك بوقت طويل فقط، بدأت في إعادة تفسير تلك المستجمعات التاريخية من منظور الضحايا، فشكّلت نوعا من الفهم المعقد والدقيق، الذي يثير مشاعر التعاطف وحتى العار، والإستعداد المجرّد لإصلاح اخطاء الماضي. إنّ تعزيز مثل هذه المشاعر من خلال اعمال الخلاص الملموسة، مثل التعويضات وانشاء المتاحف وتشريع التعديلات الإجتماعية والإقتصادية، تظلّ مشبوهة لا تتجاوز كونها إيماءات لِبرالية دون تأثير سلوكي."

وفي صدد الضحايا، قال مايكل لِنك، وهو محقق في مجال حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، إنّ المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية ترقى إلى مستوى جريمة حرب، مطالبا الدول بأن تكبد إسرائيل ثمنا "لاحتلالها غير المشروع". وكان لِنك، المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يلقي كلمة أمام جلسة لمجلس حقوق الإنسان للمنظمة الدولية في جنيف. وقاطعت إسرائيل الجلسة إذ أنّها لا تعترف بتفويض لِنك ولا تتعاون معه. [https://www.alquds.co.uk/%d9%85%d9]

وقال لِنك "ما خلصت إليه أنّ المستوطنات الإسرائيلية ترقى لمستوى جريمة حرب". وأضاف أنّ المستوطنات تنتهك الحظر المطلق الذي يمنع أية قوة محتلة من نقل جزء من سكانها المدنيين إلى أرض محتلة، وبالتالي فإنّها تندرج تحت تعريف جريمة حرب بموجب ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية. وأضاف "أقول لكم إنّ هذه النتيجة تلزم المجتمع الدولي… بأن يوضح لإسرائيل أنّ احتلالها غير المشروع وتحديّها القانون الدولي والرأي العام الدولي لا يمكن ولن يستمر بلا ثمن".
وتعتبر الكثير من الدول المستوطنات انتهاكا للقانون للدولي. وترفض إسرائيل ذلك وتدّعي صلات تاريخية وتوراتية بالأرض بالإضافة إلى حاجات أمنية. وفي بيان منفصل، قال لِنك إنّ المستوطنات الإسرائيلية هي "المحرّك للإحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 54 عاما". وقال إنّ هناك الآن ما يقرب من 300 مستوطنة في القدس الشرقية والضفة الغربية، يسكنها أكثر من 680 ألف مستوطنا إسرائيليا. ولم تكن الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل والتي تتمتع بصفة المراقب في المجلس، على قائمة المتحدثين خلال الجلسة.
تشكّل المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي، التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 حجر عثرة أمام عملية السلام. وقالت لوتي نودسُن، سفيرة الاتحاد الأوروپي لدى الأمم المتحدة في جنيف، إنّ المستوطنات غير مشروعة بموجب القانون الدولي، وهو موقف معظم الدول. وأضافت "تصرفات مثل النقل القسري والطرد والهدم ومصادرة المنازل لن تسهم سوى في تصعيد أجواء متوترة بالفعل."
وذكر السفير الفلسطيني إبراهيم خريشة أنّ إسرائيل احتجزت خمسة آلاف فلسطيني، بعضهم لأكثر من 20 عاما. ويريد الفلسطينيون إقامة دولة مستقلة في الضفة الغربية وغزة تكون القدس الشرقية عاصمتها، لكنّ قضية المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 كانت دوما حجر عثرة أمام عملية السلام. وانهارت آخر جولة من محادثات السلام في عام 2014.
يعود المؤلف للقول أنّه قد حكم على نفسه في الأشهر الأولى للإلتحاق بالجامعة على أنّها تجسيد معيب للخجل الخالص، "لحدّ أنّني كنت أمضي أسبوعيا بخنوع لطقوس منظمة الأخوّة Fraternity الجامحة واندفاعاتهم غير الملائمة. كنت غير واثق بنفسي بما فيه الكفاية لدرجة أنّني شعرت بالحاجة الى شهادة مؤسسية للقبول الإجتماعي. تمّ استبدال عادات الدراسة الجيدة بعد عطلة عيد الميلاد، بالمقامرة ولعب الپوكَر كلّ ليلة تقريبا حتى بعد منتصف الليل، وتخصيص العديد من ساعات النهار للرياضة."
لكنّه تخطى تلك العقبات وأكمل دراسته في جامعة پَنسِلفَينيا بفعل تأثير عدد من أساتذته في الفلسفة والدين والفن والأدب المقارن، وزملائه من الطلبة، الذين شاركوه السكن في شقة القسم الداخلي. ومن هناك ذهب الى جامعة ييل لدراسة القانون ومن ثمّ لميدان العمل كاستاذ جامعة ولاية أوهاية ومن ثمّ في جامعة پرِنستُن. يستعيد ذكرياته قائلا، "خلال مسيرتي التدريسية، كان لديّ العديد من الطلبة الرائعين، الذين استمرّوا فيما بعد للحصول على وظائف متميّزة ومنتجة وحتى نموذجية كعلماء ومدرسين وناشطين. ولكن لم يتمكّن أيّ منهم فتح أرضية جديدة كافية لتحقيق اختراقات فكريّة أو مجتمعيّة. تخطر ببالي افكار عن اختراقات أصدقائي من النوع الذي حققه نُعوم چومسكي وإدوارد سعيد ودان إلزبَرگ وگراسيلا چيچِلِنسكي ومَري كالدور وروبرت جَي لِفتُن وهَورد زَنّ. كلّ من هؤلاء يمتلك نوعا مميّزا من المزاج المتناقض مع إحساس اليقين بشأن صواب المسارات التي إختاروها. لطالما أثير هذا الإختلاف بين التميّز الأكاديمي والإختراق القائم على الإبتكار في الفكر والعمل." يفتخر الكاتب بما انجز لأنّه، "حققت حضورا أكاديميا وأخلاقيا واعتبر نفسي ناشطا محترما، بين أولئك الذين يشاركونني فكري التقدّمي، أجندة سياسية وأخلاقية."

كرّس د. فَولك فصله الرابع للحديث عن التحاقه بجامعة ييل وتخصّصة لدراسة القانون. كتب يقول، "شعرت بالرهبة بعد حضور صف تمهيدي وعلمت أنّ ذلك الصف الصغير في جامعة ييل، الذي ضمّ 120 طالبا أو نحو ذلك، منهم 44 طالبا بيننا ممّن كانوا إمّا من الطلاب المتفوقين أو أنّهم احتلوا المركز الأوّل في تصنيف كلياتهم. يقودني هذا الآن الى تذكّر سؤال ميشيل أوباما لنفسها في مراحل مختلفة من حياتها، كما ورد في مذكّراتها، (هل أنا جيّدة بما فيه الكفاية؟). ضمّ صفنا في السنة الأولى بشكل أساسي الرجال البيض مع عدد قليل من النساء وواحد أو إثنين من الأمريكيين من أصل افريقي، ولم يوجد آسيويون." غير أنّ الأمور تغيّرت بمرور الوقت، بدليل أنّ إحصاءات عام 2018 قد أشارت الى وجود ما يقرب من 190224 طالبا من أصل أفريقي مسجلا في الدراسات العليا في مختلف الجامعات الأمريكية. وهذا يمثل نسبة 10.2% من مجموع طلبة هذه الدراسات. وهي نسبة تقارب نسبة وجود المواطنين ذي الأصل الأفريقي الى مجموع سكان البلاد [https://www.jbhe.com/gradschools/#]. لا ندري بالضبط كم منهم مسجّل في جامعات وكليات النخبة Ivy League، التي تضمّ براون وهارفَرد وكَورنَيل وپرنستُن وكولومبيا وييل ودارتمُث وجامعة پَنسِلفَنيا. لكّننا نعرف على الأقل واحدا منهم قد تخرّج من هارفَرد، وهو الرئيس بَراك أوباما.
لم يحدث ذلك صدفة، بل أنّ فَرض قَوانين الحقوق المدنية الفدرالية قد ساعَدَ على إحداث تَغييرات عميقة في التعليم الأمريكي وتَحسـين الفُرَص التعليمية للملايـين من التلاميذ. لقد أُزيلت عوائق كثيرة كانت تَحول دون حُرّية اختيار الأفراد للفُرَص التعليمية والمسارات الوظيفية التي يَرغبون في السَعي إليها. الكثير من إدارات الأقاليم المدرسـية تُتيح الآن للطلبة الذين لا يُجيدون اللغة الإنگليزية المشاركة الفعّالة في برامجها التعليمية. ومَزيد من الطلبة المعوقين يَسـتطيعون الآن، بفضل الوسائل والخدمات التكميلية، أن يُشاركوا في الصفوف الدراسـية العادية. إضافة لذلك، يَعمل قانون "عَدَم التخلّي عن أيّ طفل " لعام 2001 NCLB ، وهو القانون الذي أصلح بَرامج التربـية والتعليم الفدرالية إصلاحا شاملا، على دَعم رسالة الوزارة المتمثّلة في ضمان تساوي فُرَص الاسـتفادة من برامج التعليم وتَعزيز الامتياز التعليمي في الأمة كلها.
إحتَوي قانون NCLB على أحكام مُحدَّدة لضَمان تَمكُّن جَميع الأطفال من الاسـتفادة من التعليم عالي الجودة بغض النظر عن الأصل العرقي، أو الأصل الإثني، أو الجنس، أو الإعاقة، أو الحالة الاجتماعية- الاقتصادية . لقد فَتَحَت قوانين الحقوق المدنـية أبواب المدارس، والصفوف الدراسـية، وقاعات المُحاضرات، والملاعب الرياضـية. اسـتجابة لذلك، أخذ الطلبة من جَميع الخلفيات العديدة المتنوعة التي تُمثّل أمريكا اليوم يَدخلون من هذه الأبواب في طريقهم ليصبحوا رواد المسـتقبل في مجالات الأعمال التجارية، والحكومة، والعلوم، والفنون، والتربية والتعليم. سوف تَضمن قوانين الحقوق المدنـية، مع قانون NCLB بقاء هذه الأبواب مَفتوحة للجميع . [https://www2.ed.gov/about/offices/list/ocr/docs/equal-access-arabic.pdf]
إنّ مكتَب الحقوق المدنـيةOCR التابع لوزارة التعليم في الولايات المتحدة، هو الوكالة المُوكلة بفَرض القوانين الفدرالية للتأكّد من أنّ المؤسَّـسات التعليمية، التي تَتلقَّى مَعونة مالية فدرالية، لا تُمارس تَصرُّفات تَمييزية. يتولى مَكتَب الحقوق المدنـية فَرض قوانين الحقوق المدنـية الفدرالية التي تَحظر التمييز على أساس الأصل العرقي، واللون، والأصل القومي، والجنس، والإعاقة، والسنّ في البرامج والأنشطة، التي تَتلقَّى مَعونة مالية من الوزارة. تُمثّل قوانين الحقوق المدنـية التزاما قوميا بإنهاء التمييز في البرامج أو الأنشطة التعليمية.
غير أنّ الجامعات والكليات الأمريكية الخاصّة في حِلّ من هذا الإلتزام، لكنّها بطبيعة الحال لا تريد أن يقال عنها أنّها تتبع سياسة تمييزية. لكنّها لا تمانع في ذلك إذا تعلق الأمر بإسرائيل، مرتع العنصرية، أو انتقاد سياساتها الإجرامية. وهذا هو جوهر قضية أستاذ الفلسفة في جامعة هارفرد، د. كورنِل وَيست، الأمريكي من أصل أفريقي، الذي حُرمّ من الترقية وواجه التمييز بسبب دعمه للفلسطينيين. وهو الأمر الذي دفعه للإستقالة من كلية اللآهوت في الجامعة المذكورة [https://arabicpost.net/%D8%A3%D8] ، مشيرا الى "إذعان المؤسسة للتحيّزات ضد الفلسطينيين" كأحد أسباب استقالته. وتابع وَيست قائلا، "هذا النوع من الاحترافية الأكاديمية النرجسية، والإذعان الجبان للتحيزات المعادية للفلسطينيين لدى إدارة هارفارد ... تعبِّر عن حالة إفلاسٍ فكري وروحي عميقة مثيرة للاشمئزاز... إنّ الحديث عن احتلال إسرائيل لفلسطين قضية محظور الحديث عنها بين دوائر معينة في الأوساط العليا." وكان وَيست عنصراً فاعلاً في الدعوات الموجهة لإدارة جامعة هارفَرد لسحب استثماراتها في الشركات الإسرائيلية، التي يصفها الأستاذ بأنّها "متعاونة مع الاحتلال الصهيوني".
أغدق د. فَولك في كيل المديح لأساتذته، الذين تتلمذ على أيديهم في دراسة القانون، واطنب خاصّة في ذكر أستاذه مايَرز مَكدوگلْ، الذي أعجِب به أيّما إعجاب ولكن اختلف معه علنا من الناحية الفكرية والسياسية. "إستمرّ تأثيره وتفانيه على مدى سنوات عديدة، على الرغم من خلافاتي العامة الشديدة مع مواقفه بشأن قضايا السياسة الخارجية الأمريكية المثيرة للجدل. شعرت أنّه كان بارعا في إيجاد طرق لتأييد كافة الأشياء البغيضة، التي تفعلها الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم، بينما كان يدين كلّ ما يفعله الإتحاد السوفيتي وأصدقاؤه، حتى لو كان خيرا. لقد كان من انصار الحرب الباردة بلا خجل، ولأنّه كان يقدّر العلاقة الشخصية أكثر من التوافق الأيديولوجي، كان يبذل جهدا خاصّا لطمأنتي بأنّ أيّ شيء نختلف بشأنه، ليس له أيّ تأثير على رأيه في قدرتي المهنيّة."
ثمّ يمضي المؤلف لاستعراض مقارنة في سباق الهيبة والسمعة Prestige Race بين كلية الحقوق في ييل باعتبارها تخرّج المحامين المجانيين وكمختبر قانوني للتغّير الإجتماعي، أي سمعتها "كمكان يرعى فيه الطلاب ضمائرهم بالإضافة الى تدريب عقولهم." من ناحية اخرى هناك جامعة هارفرد المعروفة في المقام الأوّل بتعليم أولئك المدرّبين على تقديم الخدمات القانونية للنخبة الثرية من طبقة WASP في البلاد." ويخلص في النهاية الى القولِ، "كانت جامعة ييل هي التجربة التعليمية الوحيدة، التي جعلتني أشعر بالراحة اتجاهها كمؤسسة تعليمية. و في الواقع، صعدت جامعة ييل الى أعلى المراتب الأكاديمية بفعل كلية الحقوق لتحلّ محلّ جامعة هارفرد."
إختتم د. فَولك فصله الرابع بالحديث عن بدأ إحساسه بالذات السياسية يتشكّل ببطء، وكان أيضا استجابة للوضع التاريخي. الجو العام سيطرت عليه المواقف القويّة المعادية للشيوعية والتطرّف الهستيري والقمعي من خلال مآثر عضو مجلس الشيوخ جَوزِف مكارثي من ولاية وِسكونسُن، الذي صنع إسمه وسمعته السيئة من خلال اتهام الأمريكين البارزين بأنّهم حلفاء سرّيون للإتحاد السوفيتي. كلف أحد الزملاء فَولك بجمع تواقيع الطلبة على عريضة تستنكر ألاعيب سيء الصيت، مكارثي. غير أنّ معظم الطلبة امتنعوا عن توقيع تلك العريضة، خشية أن تظهر اسماؤهم على (القائمة السوداء)، عملا "بسمعة جامعة ييل بأنّها مرفأ للمتطرفين. دمّرت تلك المناورات السياسية المؤسفة العديد من الأرواح الشريفة، التي تتعارض مع الإدّعاء بأنّ أمريكا هي الدعامة المركزية للعالم الحرّ." استذكر فَولك في تلك المناسبة قول جَفرسُن، "بأنّ الإنتخابات والتصويت، على الرغم من أنّهما لا غنى عنهما، لن يحافظا في حدّ ذاتهما على الديمقراطية المزدهرة."

بدأ المؤلف حياته الأكاديمية كاستاذ للقانون في كلية الحقوق بجامعة ولاية أوهايو. ثمّ كشف سرّا حول طلب من محامي أعضاء منظمة بادر ماينهوف اليسارية المتطرفة في ألمانيا، "للمساعدة في إعداد الحجج القانونية، التي ستُقدّم في المحاكمة." نشطت المنظمة المذكورة منذ السبعينات حتى عام 1993 ، بعمليات ثورية متميزة، لا سيما في خريف عام 1977. وهو الأمر الذي ادّعت على اثره حكومة ألمانيا الغربية التابعة للتحالف الامريكي البريطاني، أنّ نشاطات تلك المنظمة قد أدّت إلى أزمة وطنية عُرفت باسم "الخريف الألماني"، وبسبب ذلك وُضِع هذا الفصيل على قائمة الارهاب الامريكية. وعُرفت ثورته بأنّها الأقوى ليس فقط لقوتها الهجومية، إنّما بسبب علاقته مع القيادات الفلسطينية والأيرلندية، خاصة مع القائد وديع حداد. وتمّ فيما بعد تنفيذ عمليات [https://revo-front.com/2018/07/%D9%85] ضدّ قوات الناتو والمصالح الأمريكية وأهداف صهيونية في أوروپا.
استمر عمل المنظمة لاحقا، وفي سنة 1998 وبعد 28 عاما من النضال المسلح قررت المنظمة الالمانية حلّ نفسها. وقد ورد في بيان الحلّ أنّ قرار المنظمة بحلّ نفسها لا يتضمن أيّة ادانة للنضال المسلح الذي خاضته، بل أنّ المنظمة واعضائها فخورون بذلك النضال، الذي خاضوه على مدى التسعة والعشرين عاما الماضية. لكنّهم قد قرروا حلّ التنظيم بالنظر لفشلهم في تعبئة اليسار الالماني. "لقد كان النضال المسلح الذي خضنا غماره الى جنب النضالات المسلحة الجارية في بقاع عديدة من العالم شيء جميل ورائع .. . لقد مثلنا اقلية من المجتمع الألماني تصبو للإشتراكية، في حين أنّ غالبية افراد هذا المجتمع تريد الاستمرار في النظام الرأسمالي .." هذا بعض مما ورد في بيان الحلّ، حسب المصدر في أعلاه .
واجه د. فَولك حين بدأ عمله كأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ولاية أوهايو عنصريّة في الجامعة على شكل تمييز في السكن ضدّ الطلبة السود، الذين حُرموا من السكن المريح بالقرب من الحرم الجامعي بأسعار معقولة. أجبِروا على الإستقرار في مساكن غير ملائمة ورخيصة بإيجارات أعلى. عندما ظهر أنّ معظم هذا السلوك التمييزي كان مرتبطا بالعقارات المملوكة لأعضاء مجلس أمناء الجامعة. أقام د. فَولك بالتعاون مع الأساتذة المبتدئين دعوى في المحكمة الفدرالية ضدّ أولئك المالكين. "ومن دواعي ارتياحنا ...، أنّ مالكي العقارات المرتبطين بإدارة الجامعة، تراجعوا وتخلوا عن التمييز ضدّ المستأجرين الأمريكيين من أصل أفريقي. سحبنا الدعوى القانونية وشعرنا بالإرتياح الى حدّ ما في تلك المناسبة وتمكّنا في ذات الوقت من حماية وظائفنا دون المساومة على ضمائرنا."
وهذا الأمر ليس بغريب، إذ يواجه المواطنون السود في الولايات المتحدة عوائق هيكلية حينما يطمحون إلى تأمين سكن جيد ورعاية صحية وتوظيف وتعليم، بسبب قوانين عنصرية تمّ إلغاؤها لكنّها تحولت إلى أعراف وتقاليد في المجتمع تفوق قوتها نصوص القانون في أحيان كثيرة. وفي ذات الوقت فإنّ خطاب الكراهية لا يُجرَّم بشكل واضح في النصوص القانونية الأمريكية بحجة تعارضه مع حرية التعبير، التي يكرّسها الدستور. صحيح أنّ الأمريكيين السود يعترفون أنّهم حصلوا على أضعاف ما كانوا يحصلون عليه قبل ستينات القرن الماضي من حقوق ومميزات، لكنّ قراءة عدد قليل من الدراسات في كافة المجالات تثبت أنّ الولايات المتحدة لا تزال أرضا خصبة للعنصرية [https://raseef22.net/article/1078518].

يبدو أنّ انطباعات د. فّولك الأوليّة عن الحياة الأكاديمية كانت سلبية الى حدّ ما، لأنّه يتمّ توجيه الطاقات العقلية نحو أهداف صغيرة تحدث صراعات ومنافسات مقنّعة بين اعضاء هيئة التدريس. وهذا ما يعيق التقييم الموضوعي لمؤهلات المرشحين للترقية أو التثبيت في الوظيفة. وهي القرارات الوحيدة المهمة حقا الموكلة باعضاء الهيئات التدريسية ولجانها الخاصّة. كان تركيز زملائه في جامعة ولاية أوهايو على الإتقان التقني، الى جانب الموقف المتعالي والساخر تجاه الوعي الإجتماعي أو مشاركة المواطنين، على الرغم من وجود بعض اللِبراليين هنا وهناك في كلية الحقوق، الذين شاركوه على الأقل في عدم ارتياحه اتجاه تقييم الحرفية المهنية قبل كلّ شيء. يمضي للقول، "لقد طوّرت عدم ثقة غريزي في مهنة حصرت أداءها بشكل عام بالفوز أو الخسارة، وكانت فخورة بعدم اكتراثها المتعمّد بالمعاناة الإنسانية أو الظلم بشتّى انواعه. لحسن الحظ، كانت هناك استثاءات لا تُنسى."
"بصوت متوتّر بشكل غير معهود، فسّرت في ذلك الوقت أنّه بسبب إحراجه من كونه رسولا مكلفا بأخبار غير جيّدة، أخبرني فرانك (عميد الكلية) أنّه قد تمّت زيارته مؤخّرا من قبل أفراد في مكتب التحقيقات الفدرالي، الذين سألوه عمّا إذا كان يعرف مَن هو هذا (رِچَرد فَولك) في كلية الحقوق؟" أبلغ اعضاء مكتب التحقيقات الفدرالي العميد، أنّ د. فَولك عمل مديرا لمعهد التنويم المغناطيسي في نو يورك، الذي كان يُستخدَم كواجهة تجنيد نشطة لعضوية الحزب الشيوعي خلال الأربعينات، بدأ من عام 1942. "أبلغت فرانك أنّني بالكاد كنت في سنّ 12 عاما في ذلك الوقت، ولم أسمع بمثل هذا المعهد أبدا. ضحك بلطف وتنهّد بارتياح قائلا أنّه يشعر بالسعادة لمعرفة الحقيقة، مضيفا أنّه لم يُصدّق أصلا ما حذّره مكتب التحقيقات الفدرالي منه. إختتمّ حديثنا بالقول إنّه شعر بأنّه ملزم بالتأكّد من عدم وجود خطر أحمر كامن في كلية الحقوق، ممّا قد يجعلها، وهي البعيدة عن التوجّهات السياسية، أن تصبح هدفا لمطاردة الساحرات! النتيجة، التي تكشف عنها مثل هذه الحادثة السخيفة، المدى الذي يمكن أن تضرّ فيه أعصاب الحرب الباردة بحياة الناس. من المحتمل أن يكون عميد آخر لديه شكوك خاصّة به أو يكرهني، لكان اتخذ خطوات للتأكّد من أنّني لم أحصل على موعد معه كي يخبرني بهذا الإدّعاء الكاذب. لقد تعرّض العديد من الأشخاص الطيبين للأذى في حياتهم المهنية والشخصية خلال تلك الفترة من هِستيريا الحرب الباردة، ولم يتمّ منحهم فرصة لشرح أو سرد جانبهم من القصة."
القنوات الخلفية للإتصال بين أجهزة الأمن والتجسّس وإدارات الجامعات والكليات معروفة وموثقة. القصد منها في العادة التخويف والضغط واحيانا تجنيد البعض للتعاون مع تلك الأجهزة، حيث تصطاد وكالات المخابرات الأكاديميين بفخ المصلحة الوطنية والأمن القومي. في كتابه الصادر عام 2017 والذي يحمل عنوان "مدارس التجسس: كيف تستغل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ومكتب التحقيقات الاتحادي، والمخابرات الخارجية جامعات أمريكا بطريقة سرية"، ينقل دانيَل گولدِن مقتطفات عن تجربة سامِت گانگولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة إنديانا، في التعاون مع وكالات الحكومة الأمريكية. إنّ المخاوف من الإرهابيين الجهاديين والتهديد الصيني الذي يُعلن عنه في الكثير من الأحيان للملكية الفكرية للأبحاث الحساسة، جعلت من بعض الأكاديميين أكثر قابلية لمشاركة أنباء وآراء مع وكالات الأمن.
"وهناك منطق أساسي في هذا يكمن في إدراك الصالح الاجتماعي وخاصة في عصر يفتقر إلى الثوابت الأخلاقية المفترضة للحرب الباردة. ويمكن أن يكون من الصعب على أيّ أكاديمي رفض أيّة دعوة لتقديم مساعدة للمصلحة الوطنية عندما يكون كلّ ما يتطلبه الأمر هو فعل بسيط يتمثل في الإدلاء برأي مستنير عن منطقة ما، أو ثقافة ما، أو اتجاه قاموا بدراسته لسنوات، بأيّة حال." وسيكون من السذاجة بشكل مفرط تصديق أنّ الصينيين والروس وبعض الأطراف الفاعلة السيئة الأخرى هم فقط من يرسلون جواسيس متنكرين كأكاديميين متدرّبين إلى الولايات المتحدة وإلى الدول الغربية الأخرى. تلعب وكالات الاستخبارات في جميع أنحاء العالم نفس اللعبة، ولكن تلعبها بعض الدول بطريقة أكثر براعة من الدول الأخرى في أزمنة محدّدة [https://alarab.co.uk/%D8%A7%D9].
ثمّ هناك قضايا مِنَحُ الأثرياء، بما فيها مِنَحُ الشركات الإحتكارية واصحاب رأس المال. وهذه في جوهرها "رشوة" من أجل تحقيق أهداف معينة والتستر بلبوس الأبحاث العلمية الموضوعية. الجامعات العتيدة والأكثر رسوخا وثراء، عادة ما تكون أكثر ثقة بالنفس وتتصدّى للنقاد غير المسؤولين وضغوط المجتمع، بما في ذلك المتبرّعين الأثرياء تحت ذريعة، "أتمنّى أن أتمكّن من المساعدة، لكنّ الحريّة الأكاديمية تحظى بتقدير عال في هذا المكان، حتى بالنسبة لوجهات النظر، التي يكرهها الكثير منّا." عادة ما تكون هذه هي النهاية، على الرغم من أنّها تجري في الحقيقة بهدوء، ولكن بشكل متآكل. تنتقل "الكلمة" الى العمداء ورؤساء الأقسام أنّه من الأفضل تجنّب الأحداث والمتحدثين، الذين يُنظر اليهم على أنّهم مثيرون للجدل واستفزازيّون، ممّا يجعل الدفاع اللِبرالي النموذجي عن الحريّة الأكاديمية في كثير من الأحيان تهديدا هيكليّا لانفتاح النقاش والحوار. لقد وجد المؤلف أنّ العديد من إداريي الجامعات يُظهرون دفاعا عن الحرية الأكاديمية في المواقف العامة، بينما يُقوّضون أو يقيّدون هذه الحرية بشكل غير معلن أو مُباشر، من خلال التذرّع باعتبارات الكياسة واللياقة المؤسسية. وبشكل أكثر واقعية من خلال الإدّعاء بعدم وجود التمويل باعتباره سببا لرفض مقترحات المؤتمرات المثيرة للجدل، أو محاضرات اعضاء هيئة التدريس المدعوّين. يعرف المؤلف أنّه، "لا توجد طريقة لحساب عدد المتحدّثين المثيرين للجدل، من الذين تتمّ دعوتهم، أو اعضاء هيئة التدريس الشبّان المثيرين للجدل، والذين لم تتمّ ترقيتهم أو تثبيتهم أو تعيينهم أصلا. الأشكال الضمنية للتحكّم في الفكر وإنكار التوظيف هي أكثر خداعا بكثير ممّا يبدو للعيان، وهي بالتأكيد أكثر انتشارا من الأشكال الصريحة والبدائية."
خصّص د. فَولك فصله السادس للحديث عن تجربته في جامعة هارڤَرد. تلقى منحة من مؤسسة فورد لبرنامج مصمّم لرعاية "أساتذة القانون الشباب" من خلال تمويلهم لقضاء عام في الدراسة والبحث والكتابة في أيّ قانون رائد يُدرّس في كليات الحقوق في البلاد. قرّر أن يذهب الى هارڤَرد، وأبدى في الحال امتعاضه من مقابلة عميد كلية الحقوق، الذي كان برأيه "نسخة هارڤَرد"من الغطرسة. "هذه هي الأحكام المسبقة والأجندات الخفيّة للأساتذة الدائميين في أكثر مراكز التعليم احتراما." قرّر التسجيل في برنامج الدكتوراه الذي يؤدي للحصول على درجة في العلوم القانونية JSD. غير أنّه نظر الى وضعه في جامعة هارڤَرد، لكونه بطبيعة الحال، مُضَللا الى حدّ ما وليس أكثر من صنيعة فكرية للإستاذ مكدَوگَل ونهج جامعة ييل المُضلل للقانون الدولي. "لم أكن موضع تقدير خاصّ من قبل علماء القانون الدولي هؤلاء، الذين كانوا من الوضعيين القانونيين بلا خجل، معتبرين أنفسهم اساتذة بجامعة يتربّعون على قمّة الهرم الأكاديمي". لقد رفضوا بشكل ساخر نهج جامعة ييل للقانون الدولي باعتباره "سياسة" وليس "قانونا". ثمّ يمضي للقول إنّه وعلى الرغم من كونها ودّية على المستوى الشخصي، فقد جرت تفاعلاته مع كلية القانون الدولي في هارڤَرد في جوّ من الإزدراء المتبادل، الذي لم يتبدّد أبدا على مدار العام.
غير أنّه غيّر رأيه تدريجيّا فأخذ يكيل المديح لأساتذته. جاء على ذكر استاذي القانون الدولي الرائدين في جامعة هارڤَرد، وهما رِچَرد باكِستَر ولويس سَوِن، اللذان درس على أيديهما مواضيع "بدافع الفضول أكثر من الإهتمام الحقيقي." كما اعترف أنّ العديد من المفكّرين المُبدعين المقيمين في كلية الحقوق بجامعة هارڤَرد، كانوا أكثر تحفيزا للطلبة، بما في ذلك كِنگمَن بروستر وروجر فِشَر، الذي حقق المزيد من الشهرة. "كانت علاقاتي غير الرسمية مع كلّ من كِنگمَن وروجر كصديقين، أكثر من كونهما أستاذين عمّقا فهمي للقانون الدولي والقانون بشكل عام. بلا شكّ كان روجر موهوبا ومفكّرا واضحا يستخدم لغة بسيطة لاختراق القضايا المعقدة، لكنّه متعجرف بسبب اعتقاده أنّه قد وجد إجابات استعصت على الآخرين."
وفي النهاية سارت الأمور على ما يُرام، وتمّ تعويضه أكثر من خلال تقديره المفرط من قبل عضوين آخرين في كلية الحقوق. كان أحدهما جاك داوسُن، الذي قدّم مقرّرا دراسيا لعدد قليل من الطلبة حول نظرية القرار القضائي. وكان الآخر هو لَون فُلر، الذي تضمّن تدريسه مقرّرا كبيرا في القانون الجامعي في الفقه. وهو موضوع أثار اهتمام فَولك "على الرغم من أنّني لم ادرسه مطلقا أثناء وجودي في جامعة ييل. تضمّن المقرّر تأملات رائعة من قبل فُلر حول مناظرته المشهورة في ذلك الوقت مع هارت أوكسفرد حول ما إذا كان الحكم النازي متسقا مع نظام القانون الألماني أم لا."
جلس في سَمِنار تدريبي لمدة شهر قام بتدريسه جون راولِز، الذي على الرغم من التأتأة، قد قدّم الى حدّ ما سلسلة من العروض المحفّزة. لقد تشرّف الطلبة، بالإستماع الى قراءة مسودّة متقدّمة الى حدّ ما لكتابه، الذي نشره بعد أكثر من عقد من الزمن بعنوان نظرية العدالة Theory of Justice (1971). أستُقبِل الكتاب، الذي تمّ الإعلان عنه بضجّة كبيرة على نطاق واسع قبل نشره، حسب قول المؤلف،وأصبح الأكثر تأثيرا والأوسع دراسة ومناقشة للمعاجة الحديثة لموضوع العدالة. وكان من الواضح أنّه أكثر الأعمال الفلسفية إثارة للجدل في اللغة الإنگليزية في النصف الثاني من القرن العشرين. "أفضل ما أتذكّره عن تلك التجربة الفكريّة المميّزة هو الدقة المفاهيمية الإستثنائية لنصّ راولِز، التي كشفت عن عمق خارق لفهم كيفيّة تأطير المواقف المُقنِعة فلسفيا." وأضاف، "كما استمتعت أيضا وتعلمت من محاضرات وِليَم إيرل الفلسفية المفعمة بالحيوية حول الوجودية، التي قدّمت طرقا للتفكير كانت تستجيب للحقائق التجريبية للوجود في الحياة المعاصرة، دون الإستفادة من الدعائم الميتافيزيقية."
ثمّ رأى أنّه ممّا لا شكّ فيه أنّ أفضل ما لديه من "مغامرات في الأفكار" خلال وجوده في جامعة هارڤَرد، كان التعرّض للعقل الرائع لپَول تِلِك، عالم اللاهوت الپروتستانتي العظيم، الذي نجح ببراعة في جعل المعتقد الديني منسجما مع العلم والفن والحداثة، وحتى حقائق ما وراء المعرفة العقلانية ... بينما كان منهجيّا في تطوير الموضوعات، فإنّه تطرّق الى العديد من القضايا ذات الإهتمام المعاصر، ومصادر الحصول على الرؤى، التي تلقي الضوء على أحلك زوايا المعرفة. قدّم تِلِك العديد من التفسيرات للقضايا الرئيسية الجديرة بالملاحظة لأصالتها ووضوحها." درس معه مقرّرين، أحدهما عن التاريخ الفكري للإصلاح الپروتستانتي والآخر عن الفنّ والدين.
يخبرنا المؤلف عن تجربة أخرى خلال تلك السنة، أكملت إحساسه بالسبب، الذي جعل جامعة هارڤَردومنطقة كَيمبرِج تتمتعان بمثل تلك الجاذبية الساحرة لأولئك الذي انغمسوا في الثقافة والسياسة. حضر كاسترو الى جامعة هارڤَرد بدعوة خاصة، بعد زيارته وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وكان هذا اللقاء الجماهيري جزء من جولة انتصار كاسترو في الولايات المتحدة بعد تولي الحكومة الكوبية السلطة مباشرة، وقبل أن تقرّر واشنطن بأنّه "العدو رقم 1" في نصف الكرة الغربي. جاءت نقطة الإنهيار في العلاقات حين أمّم كاسترو مؤسسات انتاج السكَر وتصنيعه، التي يمتلكها الأمريكيون في الجزيرة. كشف نهج كاسترو الطريقة التي خدع بها المستثمرون الأجانب الحكومة الكوبية وشعبها على مدى سنوات عديدة بالتواطؤ مع المسؤولين الحكوميين الكوبيين الفاسدين. ألا ينبغي أن يؤخذ الإثراء غير العادل في الإعتبار عند تقييم التعويضات المستحقة لهؤلاء المستثمرين الأجانب، الذي استغلوا بلا خجل الوضع لفترة طويلة بالتعاون مع القيادة الكوبيّة الفاسدة؟
يمضي المؤلف للقول، "ربّما أثارت علاقتي الشخصية بهذه الأحداث، دون وعي منّي، بسبب ما لمسته من المشاعر الوطنية لكاسترو، التي ظهرت واضحة ذلك المساء في كًيمبرِج." بصرف النظر عن كتابة المقالات الأكاديمية، التي تدعم حقّ كوبا بموجب القانون الدولي في تأكيد السيادة على مواردها الوطنية، حتى لو كانت تعني تجاوز المستثمرين الأجانب، وهي قضيّة حساسة اختلطت فيها مخاوف الحرب الباردة مع إنتشار الرأسمالية العالمية، كان اتصاله بكوبا متقطعا. ولكن بعد سنوات عديدة من حديث كاسترو في جامعة هارڤَرد، طُلِب منّه كتابة مقدّمة لكتاب احتوى على مقالات باقلام محامين تحدّوا شرعيّة العقوبات الإقتصادية، التي فرضتها حكومة الولايات المتحدة على كوبا. "قيل لي أنّ كاسترو كان سعيدا بذلك الكتاب."
كما تهيأت له الفرصة للقاء دانيَل إلزبَرگ خلال أمسية، أدرك خلالها أنّ سنواته في كُلومبُس قد جعلته ينجرف الى اليسار فعلا، ممّا جعله يشعر بعدم الإرتياح بشكل واضح من شخص بدا مفتونا جدّا بالحرب، وايضا دافع عن دور أمريكا في العالم. "لم أتخيّل أبدا أنّ دان كان مقدّرا له أن يُصبح المُنشقّ السياسي الأكثر شهرة في العالم بأسره عند إصدار أوراق الپِنتَگون، بعد أكثر من عشر سنوات. لقد ظلت شهرة دان باقية ومعزّزة بمساهماته المتكررة المناهضة للأسلحة النووية والداعية الى العصيان المدني، وأحاديثه القويّة حول العالم وكتبه شبه الطائفية والمقلقة للغاية." وتقديرا لمساهمته في تقديم تلك العروض أمام الضمير العالمي، حصل إلزبَرگ بجدارة على جائزة أولف پالمه لعام 2018 في ستوكهولم، والتي تُمنح في العادة لإظهار الشجاعة الأخلاقية.
اختتم الأستاذ فَولك فصله السادس بالحديث عن جامعات النخبة التي درس فيها، وهي پَنسِلفَينيا وييل وهارڤَرد، والتي درّس فيها وهي جامعة پرِنستُن. بسبب عدم قدرته على التماهي مع المؤسسات، لم يحاول أبدا الإستمتاع بإرضاء أية تجربة كخرّيج فيها ولم يشعر حسب اعترافه بأيّ أحساس بالإلتزام "بردّ الجميل" لهذه المؤسسات لما قدمته له بالتأكيد، وهو الدخول السّهل الى محترف عزيز كمهنة في الحياة الأكاديمية. "لم تكن حياتي المهنية هي ما استمديته من أيّ من تلك المؤسسات فخرا من إنتاجها ... مع أنّها خدمت أغراضي من خلال توفير الموارد الثقافية والعلمية، التي مكّنتني من التعلم والمضيّ قدما في محيط مثالي، ولهذا ما زلت ممتنّا للغاية. إنّ مواقع هذه الجامعات للتعلم وجيوب الترابط الإجتماعي النخبوي تستجيب بشكل لا شعوريّ لرغبات وقيم المواقع المالية في مدن العالم العظيمة، وخاصّة نو يورك وقلاع السلطة في واشنطن، التي تتطلع باهتمام كبير الى الوظائف المكرّسة للدبلوماسية والمالية والأعمال التجارية، وكذلك مهنتي القانون والطبّ." يمّ يمضي للقول، إنّه في وقت لاحق فقط، أدرك أنّ ييل وهارڤَرد وپرِنستُن عملت أيضا كمراكز تجنيد رئيسية لوكالة المخابرات المركزية، بل وقدّمت مستشارين مؤثرين حول كيفية استخدام الثقافة بشكل فعّال كسلاح أيديولوجي في الحرب الباردة." وهذا ما قاده الى الإفتراض بأنّ هذه الجامعات العظيمة، التي تطوّرت في إيقاع بسيط إثر مدّ وجزر في التغيّر الإجتماعي، "يمكن وصفها بأنّها مراكز متميّزة للتعلم والتنشئة الإجتماعية للنخبة، حيث يتمّ وضع موارد المعرفة بشكل مباشر، وحتى بشكل غير مباشر، في خدمة السلطة والثروة والمقام."
إستهلّ المؤلف فصله السابع بعد قضاء فترة عام في هارڤَرد بالشكوى ممّا يزعجه بما يجري في جامعات النخبة. "ما ازعجني شخصيّا في وقت لاحق هو روح جامعات النخبة، بأنّ (النشاط) يجب أن يقتصر إمّا على تقديم المشورة للحكومة أو العمل كمستشار بأجور عالية في القطاع الخاصّ. ما كان مُستهجنا، ومع ذلك تمّ التسامح معه رسميا باعتباره حرية أكاديمية، كان نشاط المجتمع المدني، خاصّة إذا كان يعبّر عن اتجاه مناهض للمؤسسة."
وما وراء الروتين، الذي توقعه عند عودته الى ولاية أوهايو، يذكر صاحبنا أنّه جاء ما لم يكن متوقعا في شكل سحر ورومانسية، إتضح أنّهما يمثّلان تحدّيا له بقدر ما كانا مُرضيين. لقد وقع في غرام شاعرة كانت طالبة دكتوراه وتعدّ نفسها لتصبح راهبة بعد إكمال متطلبات درجتها العلمية. "عندما دخلت سالي أپلتُن حياتي، كانت قصة مختلفة تماما عن علاقاتي الرومانسية السابقة." قال إنّ سالي كانت متألقة وغنائية ساحرة وممتعة الصحبة وذكية ومحبوبة بلا عيب ورقيقة القلب اجتماعيا.لقد امتلكت في رأيه المزاج، الذي سيجعل مثل هذا الإلتزام كراهبة أمرا موثوقا به. لكنّ استجابتها العاطفية المرحة أشارت الى احتمالات أخرى أكثر دنيوية. "ربّما كان تأثيري الدائم على حياة سالي هو ايقاظ مشاعر منافسة كافية لدفعها الى إعادة النظر فيما إذا كانت الحياة في دير الراهبات هي الإختيار الصحيح لحياة الفرد."
في مرحلة ما، أخبر سالي أنّه كان يآمل أن يتمكّنا من الزواج في المستقبل. ومن أجل ذلك، إشار الى رغبته في تلقي تعليمات من كاهن محليّ كإعداد ضروري لتحوّله الى الديانة الكاثوليكية. كانت أكثر تقبّلا ممّا توقع وتذكّر قولها خلال العشاء في مطعم، إنّها ما توقعت منه أبدا أن يسعى للحصول على هذا الإلتزام القويّ. وعندما فعل ذلك، إعتبرته أنّه دليل على الجديّة، التي احدثت فرقا كبيرا بالنسبة لها، كما لو كانت منح إذن للتعبير عن مشاعر أقوى ونوايا أكثر جرأة. بعبارة أخرى، كانت أكثر استجابة لإعلان التزامه ممّا كانت تتوقعه. "بدأ نقاء سالي يخيفني عندما اقتربنا من بعضنا البعض، خاصّة فيما يتعلق بحُبّي لها. شعرت بالثقة في أنّني سأصبح بطريقة ما مخيّبا لآمالها وسألحق الأذى بها بشكل رهيب. وبفعل ذلك، جرحت نفسي الى الأبد. في قرارة ذهني، أدركت أنّني لست مستعدّا بعدُ للزواج الأحادي سواء في الروح أو الجوهر، وأنّ هذه الحقيقة ستؤدي بطريقة أو بأخرى الى القضاء على الزواج من شخص يعيش مُثلا عليا تماما، كما بدا أنّ سالي تفعل."
وعليه انسحب في آخر لحظة من مراسيم التعميد. يقول، "بقيت اصارع التوتّر بين رغبتي القوية في عدم إحداث خيبة أمل، وإدراكي بأنّني لا استطيع قبول العقيدة الكاثوليكية، لا الميتافيزيقيا ولا اللاهوت." ثم يستمر القول، " في النهاية، كان اللاوعي المتمثل في التنوير والمناهض للمؤسسات أكثر تجذّرا عندي ممّا كنت أدرك. خرجت من غرفة نومي معلنا أنّني لست مستعدا للتعميد." ثمّ جاء عرض مفاجئ، وبهذا المعنى، عرضت عليّه جامعة پرِنستُن الهروب من الكاثوليكية وسالي، وهو الأمر الذي لم يعترف به لنفسه، لكنّه سرعان ما اصبح واضحا. "كانت مغادرتي الى جامعة پرِنستُن حدثا نهائيا لا رجوع عنه. بعد أن تلقيت الدعوة في أوائل عام 1961، أوضحت سالي أملها في أنّني لن أقبل. ... كتبنا الرسائل في البداية، لكنّ سالي لم ترغب في متابعة ما أصبح بالنسبة لها طريقا مسدودا."
بغضّ النظر عن وصفه لحرم جامعة پرِنستُن بأنّه، "يُشبه دَيرا للدراسة والتعلم خلال أيام الأسبوع لكنّه يصبح بيتا للعاهرات في عطلة نهاية الأسبوع،" ذكر أنّ الجامعة كانت وكرا لصقور الحرب الباردة. دفعته المواقف التقليدية الى حدّ ما بصدد الشؤون العالمية، الى الغربة بصمت خلال سنواته الأولى في جامعة پرِنستُن. وحسب اعترافه، "كنت افتقر الى الثقة في أن أكون معارضا بشكل علني، وكانت لديّ بعض الشكوك حول ما إذا كان عدم ارتياحي اتجاه تلك الآراء السائدة له ما يبرّره، وربّما كنت افكر أحيانا بأنّني مخطئ." إنّ التعبير عن افكار مخالفة لما يدور حوله كلّ يوم كان تحدّيا لم يتمكّن من مواجهته، ولم يكن مستعدّا بَعدُ لخوض حرب مفتوحة مع المفكّرين الستراتيجيين والواقعيين السياسيّين، الذين سيطروا على الخطاب في الجامعة. وبسبب ذلك "إقتصرتُ على أن أكون شبه دخيل متجهّم الى حدّ ما، إلى أن دفعت حرب ڤيتنام وجهات نظري الى المخالفة في العلن."
وتعقيبا على هيمنة الفكر اليميني، "إعتقدتُ حينها، بل وأكثر من ذلك الآن، أنّ التصحيح السياسي الأكاديمي لوقف تعيين الأساتذة المختلفين في الرأي، حرم الطلاب من تحفيز الإتصال التربوي بسلالات متنوعة مهمّة دوليا من الفكر التقدّمي، وكذلك حرمان مجتمع الحرم الجامعي من فوائد التعدديّة الفكريّة... جعلتني تحرّكاتهم اللاحقة في التباعد أدرك أنّ مزاعم الإحتراف القائم على الجدارة في الحياة الأكاديمية كذبة مضللة". دفع هذا الجو صاحبنا أن يلعب أوراقه السياسية بذكاء وحذر، فقصر نشاطاته على فعالياّت خارج الحرم الجامعي في حين ساهم بعض الأساتذة في تشجيع تظاهرات الطلبة لإحراق اوراق تجنيدهم للحرب في ڤيتنام. ادلى بشهاداته أمام لجان مجلس الشيوخ الأمريكي ووقع على بيان نُشر في صحيفة الواشنطن پوست يطلب من نِكسُن الإستقالة، وترأس الجمعية الأمريكية للقانون الدولي واشرف بحكم ذلك على تحرير سلسلة من أربع مجلدات بعنوان حرب ڤيتنام والقانون الدولي، نشرتها مطبعة جامعة پرِنستُن بين الأعوام 1968 الى 1975. كما ترأس المجلس الأكاديمي للمحامين المناهضين لحرب ڤيتنام وزار هَنوي مرتين ضمن وفد مدني للسلام في عامي 1968 وثانية في 1972.
وبسبب ذلك تعرّض لأشكال خفيّة من النبذ الأكاديمي، "اصبحت مهمّشا إداريّا في الحياة الجامعيّة بسبب نشاطي ... أن تكون منبوذا الى حدّ ما في الحرم الجامعي، لم يكن شيئا سيئا تماما. لقد حرّرني على مدى سنوات عديدة من التعيينات الإدارية الجامعيّة الشاقّة، وإن لم يحرّرني من الأعمال الروتينية على مستوى القسم، الأمر الذي كان سيعني حضور اجتماعات اللجان المملة والساعات التي قضيتها في صياغة التقارير... قيل لي مرّة بشكل غير رسمي من قبل مسؤول متعاطف وفي نبرة في منتصف الطريق بين الإهانة والثناء، أنّ نشاطي يكلف پرِنستُن مليون دولارا سنويّا... إنّ حماسي وإصراري على سياسة خارجية أمريكية تقوم على القانون الدولي ومستجيبة للمبادئ الأخلاقية المشتركة على نطاق واسع لم تتناسب مع النموذج السائد المستخدم لترسيم حدود المجال الممكن."
ذكر المؤلف أنّه حضر ورشة عمل في البرتغال من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط، واستمتع بشكل خاصّ بحضور الأب ثيودور هِسبَرگ، رئيس كاتدرائية نوتِردَيم آنذاك، والذي كان دائما ودودا ومكرّسا لتحقيق نظام عالمي سلمي وعادل واصبح مهتما وداعما لمشروع النظام العالمي WOMP. كانت الأولوية القصوى لسياسة هذا الأب هي إعلان القدس وقبولها "كمدينة دولية". كما التقى الأب مِگَيل دِسكوتو برُكمَن من نيكاراگوا. ذكر أنّ الأب مِگَيل شديد الحزبية وتقدّميا وروحيّا ومساهما رئيسيا في لاهوت التحرير. أصبح وزير الخارجية في حكومة الساندَنيستا الأصلية بعد وصولها الى السلطة في نيكاراگوا بعد صراع طويل ضدّ سلالة عصابات سوموزا. أصبح مِگَيل رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة بين عامي 2008 و2009، وعيّن د. فَولك في لجنة المستشارين الخاصّة به. وعندما أرسِل د. فَولك الى إسرائيل في شهر كانون الأوّل من عام 2008 ولكن طّرِد منها. عرض مِگَيل تنظيم مؤتمر صحفي داعم في مقرّ الأمم المتحدة لإعطائه الفرصة لأبلاغ وسائل الإعلام روايته. لكنّه ضيّع فرصة رعاية الأمم المتحدة "كمنبرمفيد لأخبر من خلاله القصة، التي تمّ تشويهها ونقلها بشكل خاطئ من قبل وسائل الإعلام الرئيسية." لم يُخبرنا عن السبب الحقيقي لطرده وكيف زيّفت إسرائيل الأسباب الموجبة للإقدام على مثل تلك الخطوة ولماذا رفض اللقاء الصحفي ليُخبر الحقيقة ويكشفها أمام الرأي العام من وجهة نظره، واكتفى بحجة الإنهاك والشوق للعودة للوطن.
لربّما أهمّ ما في هذا الفصل هو رأي المؤلف في سياسة التدخلات الأمريكية في النصف الثاني من القرن العشرين. ذكر أنّ علماء المستقبل يبحثون دائما عن إطار نظري متطوّر لأبحاثهم. كما بدا في الوقت المناسب أنّه مرتبط بجنون التحديث، الذي تمّ الترويج له بشغف في هارڤرد ومعهد ماسَچوسِت للتكنولوجيا وپرِنستُن، كإجابة للرأسمالية على الماركسية في صراع الحرب الباردة من أجل السيطرة على التوجّه الأيديولوجي لدراسات التنمية، التي اعتمدتها البلدان فيما كان يُعرف آنذاك باسم "العالم الثالث". تلائم بعض الأساتذة تماما مع هذا الأخدود الأيديولوجي، الذي كان جزء من جهد الغرب لكسب تأييد دول آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية. وحين انتهى الأمر بخسارة الصراع الأيديولوجي، برزت الخطة ب الى المقدمة. كان من المتوقع في تلك المرحلة أن تقوم وكالة المخابرات المركزية بتغيير الأمور في الإتجاه المطلوب من خلال تغيير النظم عن طريق التدخلات السريّة، كما حدث في العديد من البلدان كإيران (1953) وگواتيمالا (1954) والعراق (1963) ومصر (1956-1967) وچِلِي (1973). أدّت كلّ حالة من هذه التدخلات الخفية لتغيير الأنظمة الى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ومعاناة مُطوّلة لشعوب تلك البلدان، التي أنتُهِكت حقوقها السيادية من أجل الأولويات الجيوسياسية الأمريكية، التي وضعها المجرمون من خُلاة الضمائر قُساة القلوب. والشاهد على ذلك ما نراه، حتى في ايامنا هذه من القوافل الهاربة في كلّ القارات، من الظلم إلى البؤس.
ركّز المؤلف في فصله التاسع على عدة قضايا منها التحرش الجنسي في الوسط الجامعي وخارجه،. كتب يقول، "من المؤكّد أنّ النساء اللواتي يشغلن مناصب مهنية ثانوية غالبا ما يكُنّ اهدافا لرؤساء ذكور (مفترسين) وهنّ يحتجن ويتطلبن الحماية. نأمل أن يقبل الرجال الحساسون هذا المقياس من التعرّض لمزاعم التحرّش غير العادلة كنوع من (التعويضات) للإساءات الذكوريّة في الماضي. ولكن عندما يصل الموضوع الى موقف مثل الذي أشرت اليه في اعلاه قد تصبح القضية بهتانا وادّعاءات كاذبة وإساءة مريرة." ثم يمضي ليشرح بالتفصيل كيف اصبح هو نفسه ضحية لادّعات كاذبة من قبل إمرأة كانت تعمل معه مساعدة باحث. إختتم القصة بذكر تلقي رجال أبرياء واحيانا مهمّين لبعض الضربات من قبل النسويات الغاضبات والمؤذيات Angry´-or-Hurt Feminists على طول الطريق، وبرّر هذا على أنّه "أمر مؤسف وقد يكون غير عادل للغاية في حالات معيّنة."
الغريب أنّه بالرغم من سجل الفضائح المذهلة والتجاوزات الجنسية في سجلّ دَونلد ترامپ، فقد اغمض الأمريكيون عيونهم وانتخبوه رئيسا للبلاد. غير أنّ ضجة حديثة قد قامت ضدّ أندرو كومو، حاكم ولاية نو يورك لتهم التحرّش الجنسي من قبل عدد من النساء العاملات معه. بدأت القضية بسكرتيرته وتبعتها 10 نسوة أخريات، ممّا جعل المدعية العامة في ولاية نو يورك تدفع باتهامات التحرش الجنسي الى الواجهة. ووصل الأمر برئيس الجمهورية أن يتدخل ويقترح أنّه على الحاكم كومو أن يتنحّى عن منصبه. ولم يجد الحاكم مخرجا من الفضيحة فقدّم استقالته [https://www.france24.com/ar/%D8%A3].
أوضح د. فَولك في جزء آخر من الفصل التاسع كيف يقوم الطلبة بتشكيل عمل أساتذتهم ورؤيتهم للعالم دون وضع مثل هذا الهدف في الإعتبار. أورد مثالا على ذلك العديد من البعثات لتقصّي الحقائق قام بها بالتعاون مع طلبته أوّلا لپورتوريكو ثمّ الفِلِپين والهند وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية واليابان ونو زيلندا. كانت جولاته بنفس المستوى من الإتصال المكثف بدول أجنبية ولقاء بعض الشخصيات الوطنية الرائدة، وأفاد أنّها، "كانت جميعا تجربة تعليمية مكثفة ذات آثار طويلة الأمد." ثمّ اتي على ذكر قائمة طويلة من الطلبة الذين أثّر عليهم وتأثر بهم، وممّن لعبوا ادورا سياسية وثقافية تتوافق مع "الرؤية العالمية، التي أيّدتها، وأنّ مشاركتي كانت نتيجة طبيعية. لقد تضمّنت القيام بكلّ ما في وسعي لتغيير النظام العالمي بما يتماشى مع مقتضيات السلام والعدالة والبيئة."
ومن زاوية أخرى، تفاخر د. فولك بقائمة طويلة من طلبته، الذين تبوأوا مناصب عليا عامة في الدولة. يأتي أولا على ذِكر روبرت مولَر، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفدرالي والمستشار الخاص المشهور في قضية الجرائم المزعومة المختلفة، التي احاطت بحملة انتخاب دونَلد ترامپ للرئاسة عام 2016. والآخر هو دَيفِد پِترايوس، الذي جاء الى پرِنستُن كضابط عسكري في منتصف العمر، لكنّه سرعان ما برز في السنوات اللاحقة واصبح رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، ثمّ مديرا لوكالة المخابرات المركزية. لقد تردّدت شائعات بأنّه مرشح جادّ للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة لعام 2008، لولا تدخّل رغباته الجنسية! هناك ضابط آخر دخل فلك حياته، وهو الأدمِرال كرَو، الذي أخذ إجازة من حياته المهنية في البحرية على شهادة الدكتوراه في پرِنستُن. تمّ اختيار كرَو بعد پرِنستُن رئيسا لهيئة الأركان المشتركة، وهو أعلى منصب عسكري رسمي. جرى تعيينه أوّلا من قبل رَونَلد رَيگِن ثمّ من قِبَل جورج بُش الأب.
في وقت مبكر من الفترة الطويلة، التي قضاها د. فولك في جامعة پرِنستُن، كان سعود الفيصل طالبا في الدورة التمهيدية للطلبة الجامعيين حول القانون الدولي. صادف أنّه تمّ تعيينه في قسم المناقشة الذي كان د. فولك مسؤولا عنه. "كان سعود الفيصل شابّا متواضعا وممتعا كتب ورقة بحث جيّدة جدّا عن "مقاربة إسلامية للقانون الدولي". أتذكّر أنّ ورقته كانت مدروسة وتحليليّة وصفية الى حدّ ما، لكنّها بعيدة عن التصلب أو عدم المرونة في تفسيراتها. لم تتطرق ورقة البحث الى المواد شديدة الحساسية التي تتعلق بالحياة الأسرية ووضع المرأة وقانون الأحوال الشخصية. لم يكن لديّ اتصال مباشر به لاحقا بعد عودته لبلاده، حيث سرعان ما اصبح وزيرا للخارجية، وهو المنصب الذي شغله لسنوات عديدة امتدت ما بين 1975- 2015. سمعت عنه بشكل غير مباشر من خلال اتصالات عرضية مع شقيقه الدبلوماسي الأصغر تركي بن فيصل." خلال نفس الفترة تقريبا، "إلتحق رِچَرد پِرِل بصفته طالب دكتوراه محتمل، سجّل في مجموعة سمناري الصغيرة في العلاقات الدولية المتقدّمة. لقد كان موهوبا من الناحية المفاهيمية وتحدّث بوضوح ولكن بطريقة قويّة، لكنّه لم يذهلني في ذلك الوقت باعتباره أيديولوجيا بشكل خاصّ." في وقت لاحق اصبح رِچَرد پِرِل يوصف على نطاق واسع بأنّه ذو الشهرة البارزة للفكر الستراتيجي للمحافظين الجدد في واشنطن. عُيّن لاحقا كمعلم لمجموعة من المحافظين الجُدد من مستشاري السياسة الذين أحاطوا برَيگِن ومن بعده بُش الأب. "كان پِرِل متشكّكا في القيود المفروضة على الأسلحة النووية ومُعاديا للأمم المتحدة والقانون الدولي ومؤيدا للتدخلات لتغيير النظم، ومؤيدا لإسرائيل دون قيد أو شرط."
ثم انتقلت سيرة د. فالك للحديث عن نورمَن فِنكِلشتاين، وهو طالب دراسات عليا موهوب بشكل غير عادي، جاء الى پرِنستُن بسيرة ذاتية تضمّنت عددا من المنشورات المقروءة على نطاق واسع، وهو رقم قياسي يليق بشخص كان عضوا في هيئة التدريس لسنوات. إكتسب بالفعل سمعة كبيرة باعتباره باحثا صارما وصداميّا ينتقد بشدّة سياسات إسرائيل وممارساتها. ... تولى د. فولك الإشراف على أطروحة نورمَن التي كرّسها لدراسة تطوّر الفكر الصهيوني كما يُفهَم من خلال قراءة عميقة لكتابات مفكّرين بارزين. حصل نورمّن على شهادته وأصبح أحد أكثر النقاد الأكاديميين تأثيرا ومعروفا عالميا للسلوك الإسرائيلي، فضلا عن الموضوعات الأخرى. كان لنورمَن صلات عائلية بالمحرقة المروّعة، حيث لقي العديد من افراد عائلته المقرّبين حتفهم في معسكرات النازية. "لكنّه تمّ استبعاده بشكل غير عادل من الحياة الأكاديمية، وتمّ ادراجه في القائمة السوداء فعليا بعد حرمانه من الخدمة في جامعة دي پول DePaul University، على الرغم من التوصية الإيجابية من قبل زملائه في هيئة التدريس. ويبدو أنّه تمّ تقويض فرصته من الخارج بفعل رسائل غير مرغوب بها تسللت عبر القنوات الخلفية، بما في ذلك رسالة من ألَن دِرشوڤِتز. إنّها حكاية مؤسفة، وأنا متأكّد من أنّها سبّبت محنة طويلة الأمد لنورمَن، الذي تمكّن مع ذلك من أن يظلّ منتجا ومحترما دون المساس بالجودة أو الطابع النقدي لكتاباته واسعة النطاق."
على عكس ما جرى للخريج، الذي اصبح وزيرا لخارجية بلده لمدة 40 عاما، ولم يتصل باستاذه، كان هناك طالبان حصلا على درجة الدكتوراه تحت اشراف د. فولك واصبحا وزيرين للخارجية في بلديهما وكانا على علاقة وثيقة به. الأوّل هو نَيثِن شامويَريا من زِمبابوي وكان سياسيّا وطنيّا راديكاليا يدعم بقوّة الإعتقاد بأنّ افريقيا ومواردها تعود فقط الى الأفارقة الأصليين، وليس للمستوطنين البيض. عاد لاحقا الى وطنه زِمبابوي واصبح وزيرا للخارجية في حكومة مُگوابي. "إتضح أنّه فيما يتعلق بالقضايا السياسية، ظلّ نَيثِن من الموالين لمُگوابي ودافع عن مصادرته المثيرة للجدل للمزارع المملوكة للبيض، ومات فقيرا." كان الآخر هو لَويد أوكسوُرثي، الذي اصبح وزيرا للشؤون الخارجية في كندا ضمن حكومة رئيس الوزراء پيير ترودو. حين كان لويد في ذلك المنصب تميّز لسببين على الأقل. طرح فكرة "الأمن البشري" كبديل أكثر شمولا وأقلّ عسكريّة من التركيز التقليدي على "الأمن القومي". كانت المبادرة الثانية، التي استحق لويد الفضل في طرحها هي انشاء "اللجنة الكندية للتدخّل والسيادة،" والتي كانت ردّا على حرب كُسوڤو وأدّت الى اقتراح معيا ر "مسؤولية حماية المدنيين" الذي تبنّاه مجلس الأمن للأمم المتحدة عام 2004. "أكثر من معظم المثقفين، الذين يضعون أيديهم على مقاليد السلطة، استخدم لويد بشكل خلاق وبنّاء فرصته القصيرة نسبيّا."
يأتي د. فولك أخيرا على ذكر طالبتيه آن مَري سلوتر وأسلي بالي. درست آن مري معه مقررا في السنة الأخيرة قبل الإلتحاق بكلية القانون بهارڤَرد لنيل شهادة الدكتواره لتصبح بعدها عضوة في هيئة التدريس هناك. عملت بفعالية كرئيسة لتخطيط السياسات في وزارة الخارجية خلال رئاسة أوباما، وبدا واضحا أنّ انظارها كانت تهدف الى تحقيق مكانة بارزة في القطاع العام، ربّما كوزيرة للخارجية أو سفيرة لدى الأمم المتحدة. لدى المقارنة بينهما بشكل مبسّط، "كانت آن مَري رائدة اعمال في مجال السياسة بنظرتها الليزر الموجّهة الى مشهد واشنطن،" بينما أصبحت أسلي، التركية الأصل والتي أشرف عليها لنيل شهادة الدكتوراه من پرِنستُن، "نجمة اكاديمية بنظرة شديدة بنفس القدر مركّزة على قضايا العالم، لاسيّما تركيا وفلسطين. أثبتت أنّها ذات أداء متميّز بينما لا تزال عضوة هيئة تدريس جديدة في كلية الحقوق بجامعة لوس أنجلِس. وربّما مثل آن مَري قد تكون أكثر من ذلك، وبانتظارها انجازات قد لا تُنسى."
أنتقل د. فولك وزوجته بعد تقاعده من جامعة پرِنستُن الى كالَفورنيا. "من دون شكّ، وقعنا تحت تأثير السحر عند وصولنا الى كاِلفورنيا واستمر ذلك السحر طوال عقدنا الأوّل هناك. بدت جميع جوانب حياتنا مرضية بخلاف ما تركناه وراءنا في پرِنستُن." لم يكن القرار بأنّ سانتا باربَرا هي الخيار الصحيح بالنسبة لهما قرارا معقدا. ما شجّعهما عليه هو عرض مارك جورگِنزماير، مدير الدراسات العالمية في جامعة كالِفورنيا في ذلك الوقت، الذي عرض عليهما وظائف للتدريس بدوام جزئي على أساس سنوي، مع احتمالات جيدة بالإستمرارية. أعطاهما هذا ارتباطا هادفا بجامعة جيدة. كما أنّ العرض وفّر ما يكفي من الدخل الإضافي لجعل حياتهما خالية من الضغوط المالية. بالإضافة الى هذه الإعتبارات العملية، كان لديهما العديد من الإصدقاء المقرّبين، الذي عاشوا لفترة طويلة في سانتا باربَرا وأحبوا المكان. "ومع ذلك منحتنا تجربة حياتنا في سانتا باربرا من البداية الى النهاية الحبّ والسرور والإلفة باشكال عديدة."
ومع كلّ تلك العلاقات الجديدة والصداقات المتميزة والأوقات السعيدة في مدينة سانتا باربرا، شعر د. فولك بأنّه كان ضحية لحملة تشهير صهيونية ردّا على تعاطفه وانشطته الفلسطينية. لقد استغرق الوقت طويلا ليدرك الدرجة، التي اصبح عندها الإمتناع عن الإنتقادات الحادّة لإسرائيل مهما كان مبررا، الزام سياسي واجتماعي في امريكا الحضرية وطبقتها الوسطى [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85]، خاصّة بين اللِبراليين اليهود. "كان هناك القليل من الإهتمام بالجوهر المرتبط إمّا بدعم الحقوق الفلسطينية أو بدقة مخالفات إسرائيل." لقد ألقى بعض المحاضرات العامة في سانتا باربرا ولوس أنجلِس وكتب بعض مقالات الرأي واجرى مقابلات اعلامية محلية عبّر فيها عن تعاطفه مع المحنة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني." كما طرح افكارا حول كيفية تحقيق سلام دائم قد يمكّن هذين الشعبين المُحاصرين من العيش معا في سلام، على أساس المساواة في الحقوق." أصبحت هذه "علفا لماكنة الحقد الصهيونية."
بمجرّد أن تولى وظيفة مقرّر خاص للأمم المتحدة في فلسطين المحتلة عام 2008، المتحدة، كان هناك العديد من الهجمات التي تمّ الإعلان عنها جيّدا في الساحات الرئيسية من قبل دبلوماسيين إسرائيليين وأمريكيين ودبلوماسيين من الكومِنوَلث البريطاني في الأمم المتحدة. "وصفوني بالتحيّز ضدّ إسرائيل وتعاملوا مع تعييني على أنّه توضيح لما اعتبروه على أنّه تقريع لإسرائيل، الأمر الذي جعل الأمم المتحدة على نحو متزايد غير شرعية في عيون الصهيونية."
امتد حقد الصهوينة العالمية عليه فدُبّرت حملة قوية لمعارضة تعيين زوجته وحرمانها من المنصب، الذي أوصت به لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والتي نظرت في عشرات المرشحين المؤهلين من جميع انحاء العالم. "يبدو أنّها كانت ضحيّة لغيرة تافهة وبعض التدخّل الإداري، ربّما عكس العداء الصهيوني لي ... ولماذا هذه الحملة؟ فقط وبصراحة لأنّني زوجها. إنّه شكل وقح من الذنب بالتبعيّة رفضته حتى وزارة الخارجية الأمريكية." امتدّ هذا التواصل الصهيوني الإنتقامي الى كلية الحقوق بجامعة كالِفورنيا في لوس أنجلِس، حيث تدخّل المانحون لمنع تعيينها البحثي في برنامج غذائي على الرغم من عدم وجود أيّة إشارة بخلاف اختيارها للشريك، على أنّها مهتمة بالنضال بين إسرائيل وفلسطين، واهتمامها بالنضال بين اسرائيل وفلسطين، يعني في رأيهم شيئا واحدا هو مناهضة إسرائيل.
لاحقته الصهاينة في لندن ايضا https://online.flippingbook.com/view/819011/64]/[، "أينما تحدّثت في لندن بعد أن اصبحت معروفا بصفتي ناقدا لإسرائيل ومؤيدا للنضال الفلسطيني، كان هناك صهاينة مهاجمون بين الجمهور، وغالبا ما كانوا يحضرون مثل هذه المناسبات لمجرد إحداث اضطرابات ومقاطعات."
ذكر المؤلف في نهاية فصله العاشر أنّه كانت له تجارب سابقة بين نوافير روما خلال السبعينات كجزء من مجموعة صغيرة ساعدت ليليو باسو في تشكيل المحكمة الدائمة للشعوب، التي حاولت سدّ الثغرات التي أحدثها الإفلات الجيوسياسي للدول الكبرى من عقاب القانون الجنائي. "كان من دواعي سروري العمل عن كثب مع ليليو باسو، وهو مشرّع ماركسي مؤثّر." إتبعت مبادرة المجتمع المدني الجريئة هذه قيادة محكمة برتراند راسِل، التي تزعّمت اصدار حكم قانوني ضدّ الولايات المتحدة بشأن حرب ڤيتنام، معترفة بعدم قدرة الأمم المتحدة على توسيع تغطية المساءلة الجنائية لأعضاء مجلس الأمن الخمسة. لقد تمّ منح هذا التأكيد للإفلات من العقاب مكانة دستورية في شكل حقّ النقض، وهو الثمن الذي دفعته الأمم المتحدة لإغراء الفائزين الجيوسياسيين في الحرب العالمية الثانية بالإنضمام الى المنظمة والمطالبة بتمثيل مصداقية العالم. يعترف المؤلف بتواضع جمّ، "علمني ليليو أنّه من الصواب حبّ الحياة ومعارضة جرائم الدولة، وأنّ الإنسجام بين العيش الكريم والعالم العادل أمر طبيعي، بل ضروري."
خصّص د. فولك فصله الحادي عشر للحديث عن الآثار الدموية لأحذية العسكر الأمريكيين في ڤيتنام، ونزوله من برجه الجامعي العاجي ليكون مواطنا مشاركا في زمن الحرب. لقد نظر مبدأيا لهزيمة امريكا في ڤيتنام على أنّها بداية النهاية للإمبراطورية الأمريكية. ولا شكّ أنّ الهزيمة في العراق وفي افغانستان حديثا، تعززان رأيه [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82] بأنّ تفسيره يتوافق مع مسار التاريخ. "في المراحل الأخيرة من حرب ڤيتنام ، أصبحت واثقا الى حدّ ما من أنّ تدفّق/مسار التاريخ كان الى جانبي. أعتقد الآن أنّ ما فسرته على أنّه تدفّق لم يكن خطأ، بل ينطبق على انهيار الإمبراطوريات الإستعمارية الأوروپية، وليس على الإتجاه الأوسع للغربنة والعولمة الأمريكية المُهيمنة Westernization and American Hegemonic Globalization ، فضلا عن آثار الإرتداد التراجعي." وهنا وبمناسبة الإنسحاب من افغانستان ترد الى الذهن أسئلة مُلحةّ، "هل تعبت أمريكا من الإقامة في عالم 11 سبتمبر بمعاركه وأخطاره وتكاليفه؟ هل قررت ترك جمر تلك الخرائط الصعبة بين أيدي أبنائها وجيرانها؟ ربما لم تعد لديها لا الرغبة ولا القدرة على بناء عالم يشبهها. هل تراها تعتقد أنَّها حين تنسحب تصبح بعيدة في حين [ HTTPS://ELAPH.COM/WEB/NEWSPAPERS/2021/09/1451610.HTML] أنّ إشعاعات مفاعل التطرف يمكن أن تصيبَ الآخرين أكثرَ مما تصيبها؟" لا يمكن إحصاء تكاليف الإقامة في عهدة قاتل إسمه 11 سبتمبر. إنَّه يومٌ باهظ لم يستطع أن ينافسه أيّ يومٍ آخر لجهة حجم أضراره وعدد ضحاياه. وحده "كورونا" يتقدَّم حالياً لحرمان "يوم الغزوتين" من هالة القاتل الكبير.
حتى فوكوياما، الذي أعتبر سقوط الإتحاد السوفيتي إيذاناً بانتصار النّظام الغربي، الذي يقوم أساسا على الديمقراطية اللِبرالية والرأسمالية، أطلق على هذا الوضع الجديد "نهاية التاريخ" راسماً للبشرية نهجاً واحدا هو النّموذج الغربي. فمن أراد أن يعيش في ما بعد التاريخ، فعليه أن يختار هذا النموذج دون تردد أو تأخير، حيث السلام والأمن والعيش الرغيد. بعد أكثر من ثلاثين سنة من إعلان فوكوياما الأول، المتلذذ بنشوة النّصر والقوة، وبعد أقل من عشرين سنة من "الهيمنة الأمريكية المؤكدة، "منذ سقوط جدار برلين إلى الأزمة المالية في 2007– 2009، ها هو ذا اليوم يعلن نهاية الهيمنة الأمريكية. وهي نهاية مرتبطة بتراجع قوة، وانتكاسة نموذج، تجلى ذلك أكثر، إثر انسحاب أمريكا من أفغانستان؛ انسحاب، مع أنه مبرر، إلا أن أقل ما يوصف به أنّه مذلّ وصادم، لا يليق، بأيّ حال من الأحوال، بقوة عظمى تقود العالم. "فانسحاب أمريكا من أفغانستان بتلك الطريقة المشينة والمؤلمة، كأنّه الهروب الكبير، قد شوّه صورة أمريكا، وأفقد الثقة في نموذجها، وفي قيمها، ناهيك من قدرتها على القيادة، وهو هروب سيظل عالقاً، بلا أدنى شك، بالذاكرة الإنسانية" [https://www.alquds.co.uk/%d9%81]. استعملت أمريكا الحروب كوسيلة لتصدير نظامها، وهنا كان الخطأ القاتل وكانت الإساءة في استعمال القوة المفرطة لغزو أفغانستان واجتياح العراق.

على الرغم من الجهود المضنية، التي بذلها د. فَولك لإثبات عدم شرعية السياسة الأمريكية اتجاه ڤيتنام، إلا أنّ عمله لا يزال يندرج ضمن النموذج اللِبرالي السائد للنقاش الشرعي حول القضايا الخلافية. اعتقد، "بأنّ اليسار السياسي في أمريكا قد صوّر الصراع بدقة من الناحية التاريخية باعتباره أحد آخر النضالات العظيمة ضدّ الإستعمار واعتبره علامة واضحة على تراجع الإمپريالية الأمريكية. لكنّه أبقى نقده سياسيا بشكل مجرّد، دون إظهار الكثير من التعاطف مع المعاناة الجماعية التي عاشها الشعب الڤيتنامي." [https://www.ida2at.com/vietnam-revolution-which-inspired-the-worlds-youth]
تمّت دعوته للأنضمام لوفد نقابة المحامين الفرنسية ليكون ضمن زوّار فيتنام الشمالية لمشاهدة الخراب الذي تحدثه الغارات الجوية الوحشية. تمّ تكليفه من قبل زملاء له من أيام هارڤَرد يعملون في الپِنتگَون بحمل رسالة رسمية سريّة الى زعماء هَنوي، "قيل لي أنّ حمل مثل تلك الرسالة من شأنه أن يعزّز مكاني في هَنوي الى حدّ كبير، والأهم من ذلك بكثير قد يعُزّز في الواقع احتمالات التوصّل الى اتفاق سلام مبكّر." ثمّ يمضي للقول، "لم يكن اكتشاف أعمق اتجاهاتي السياسية والروحية من بين أهدافي أو توقعاتي عندما حان وقت المغادرة. ومع ذلك، كانت هذه الرحلة أكثر من أيّة تجربة سابقة أو منذ ذلك الحين، ذات تأثير دائم على وعيي الأخلاقي والقانوني والروحي."
ثمّ يستمر للحديث عن عودته الى پاريس، "ما ترك الإنطباع الأقوى لديّ في ذلك الوقت، لم تكن التغطية الإعلامية الإيجابية لرحلتي باستثناء مجلة National Review، ولكن عدم اهتمام أكثر الصحفيين لِبرالية وتعاطفا في تلك الأجزاء من عرضي للحرب، التي أدنت فيها الهجوم غير القانوني من قبل آلة الحرب الأمريكية وتقنيتها العالية. أردت أوّلا مشاركة انطباعاتي عن الفظائع، التي لحقت بهذا البلد الآسيوي الضعيف الذي يعتمد على التكنولوجيا المنخفضة، والذي تمّ تحديد شعبه من خلال قوة الإرادة المطلقة والحماس الوطني للدفاع عن الأرض، مهما كان الثمن." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD].

تلقى د. فولك دعوة لقضاء عام واحد في مركز الدراسات المتقدمة للعلوم السلوكية في جامعة ستانفّرد في كالِفورنيا. كان هدفه في الإنضمام الى المركز أن يعدّ كتابا ظهر عند نشره أخيرا تحت عنوان هذا الكوكب المهدّد بالإنقراض: الآفاق والمقترحات من أجل بقاء الإنسانية (1972) .التقى خلال وجوده في المركز بعدد من الأشخاص الذين يعرفهم في جامعة پرِنستُن. من بين هؤلاء جورج شولتز، الذي تألق خلال فترة رئاستي رَيگِن وبُش الأب. "لم اسمع أبدا جورج شولتز يعبّر عن فكرة اصيلة أو يتبنى موقفا مميّزا بشأن قضية سياسية مهمة. أكّدت مسيرته المذهلة بالنسبة لي أنّ طريق النجاح بالقرب من قمّة الهرم الحكومي يرتبط عموما بدرجة الذكاء العاطفي واتصالات النخبة والصلات الأيديولوجية أكثر من ارتباطه بالقوة العقلية." كما عمل في المركز شخص آخر هو أيرڤِنگ هاو "محرر مجلة Dissent Magazine ، بروح اليساريين السابقين، إشتراكيامتشدّدا مناهضا للسوڤيت ومدافعا غير اعتذاري عن النهج الصهيوني لسياسات الشرق الأوسط. كان أيرڤِنگ وكذلك زوجته أرِن ماك من أشدّ المؤيدين لإسرائيل. كانا يعتقدان أنّ أمن إسرائيل يعتمد على الحفاظ على علاقة إيجابية وثيقة بين يهود الشتات وحكومة الولايات المتحدة. لذلك كانوا حذرين من الحركة المناهضة للحرب، التي انحرف عناصرها نحو التضامن المتعاطف مع نضال الفلسطينيين."
كما التقى ليَون لِپسُن المتخصّص في القانون السوفيتي، والذي كان مرموقا من الناحية الفكرية وذا دافع آيديولوجي ظاهر في هيئة التدريس بكلية الحقوق في جامعة ييل. وفي المركز أيضا، التقى ألبرت هِرشمَن، "وهو ألطف وأكثر إبداعا بين الزملاء ذلك العام. وهو اقتصادي سبح ضدّ تيار النمذجة الرسمية والتحليل الرياضي. اصبح معروفا وحصل على تقدير مهني من خلال تقديم المساعدة والراحة والملجأ المؤسسي في كثير من الأحيان لمجموعة من المثقفين التقدميين القادمين من أمريكا اللاتينية في جامعة پرِنستُن "
إختتمّ د. فولك فصله هذا بالإعتراف أنّه اختار، "تأكيدا شاملا غير قضائي للإنسانية بكلّ تنوّعها كمعيار أخلاقي أعلى للهوية والمجتمع والتضامن. على الرغم من استئناف حياتي الأمريكية، ألا أنّني لم افقد حبّي لڤيتنام وشعبها أبدا.... ربّما لم تكن ڤيتنام بطولية في أوقات السلم كما كانت في أوقات الحرب، لكنّ الشعب الڤيتنامي حافظ على أعزّ ذكرياتي عن تلك الزيارة الأولى لذلك البلد العظيم عند زيارته مرّة أخرى لمدة أسبوعين في عام 2016."
خصّص المؤلف فصله الثاني عشر للحديث عن إعادة ثلاثة طيارين كانوا اسرى في ڤيتنام، حيث كان ضمن وفد من اربعة اشخاص من ممثلي حركة السلام الأمريكية، كبادرة حكومية ڤيتنامية لإظهار حسين النيّات. كان المعتقلون الثلاثة قبل اطلاق سراحهم قد وقّعوا بيان ندم على دورهم في الحرب، وكتعبير عن معارضتهم لها. كانت الغالبية العظمى من أسرى الحرب في حقبة ڤيتنام من الضباط، ومعظمهم من رجال البحرية والقوات الجوية ومشاة البحرية. كما تم القبض على عدد صغير نسبيا من الأفراد المجندين في الجيش، بالإضافة إلى أحد البحارة المجندين الذين سقطوا في البحر من سفينة تابعة للبحرية الأمريكية. ألقي القبض على معظم الأسرى الأمريكيين واحتجزوا في شمال ڤيتنام من قِبَل الجيش الشعبي الڤيتنامي وأودعوا في 13 سجنا وجرى نقلهم باستمرار لتفادي أيّة محاولة لإنقاذهم. تمّ إطلاق سراح أسرى الحرب الأمريكيين في ڤيتنام الشمالية في أوائل عام 1973 كجزء من عملية العودة للوطن، نتيجة مفاوضات دبلوماسية اختتمت التدخل العسكري الأمريكي في ذلك البلد. في 12 شباط 1973، بدأت إعادة أول 591 سجينا أمريكيا إلى الوطن، واستمرت رحلات العودة حتى أواخر مارس. بعد عملية العودة للوطن، ما زالت الولايات المتحدة [https://ar.wikinew.wiki/wiki/U.S._prisoners_of_war_during_the_Vietnam_War] تُدرج ما يقرب من 1350 أمريكيا على أنّهم أسرى حرب أو مفقودون أثناء القتال، وسعت إلى إعادة رفاة ما يقرب من 1200 أمريكي قُتلوا أثناء المعارك في الجنوب، ولكن لم يتم العثور على مناطق دفنهم.
مَثّل هؤلاء الطيارون الأسرى حقائق معاكسة للڤيتناميين والأمريكيين. بالنسبة الى الڤيتناميين، كان الطيارون تجسيدا بشريا لغزاة معادين يمتلكون التقنية العالية التي استخدموها فدمّروا بلادهم والعديد من قراهم وقتلوا اطفالهم وأقاربهم الآخرين. بالنسبة للأمريكيين، "كان الطيارون ضباطا عسكريين ذوي مهارات عالية وذوي قيم عالية وضحايا بطوليين لما تمّ تصويره على أنّه عدوّ قاس ومسيء. لقد اصبحوا في الولايات المتحدة موضع تعاطف عالمي تقريبا، بعد أن بذلوا قصارى جهدهم من أجل وطنهم، وإنْ كان ذلك في جهد حربي غبي وفاشل."
هل عذّب الڤيتناميون أسراهم من الأمريكيين؟ رغم عدم نظافة أيدي الأمريكيين انفسهم قديما وحديثا، كما في سجون گوانتَنامو في كوبا وأبي غريب في العراق وبا گرام في افغانستان، يرى د. فولك أنّ التعذيب غير مقبول ولا قانوني، لا سيّما عندما لا تكون هناك ذريعة للحصول على معلومات عن هجمات وشيكة. لكنّ التعذيب في نفس الوقت شائع الى حدّ ما في مثل هذه الحالات من الحرب غير المتكافئة، حيث يكون للجانب الضعيف فرص قليلة للتعبير عن سخطه وغضبه ضدّ الجانب المهاجِم، أو السعي الى فرض تكاليف باهضة لمواصلة هجماته. أجرى لقاء مع أوّل سفير أمريكي في هَنوي، پيت پيتَرسُن، الذي كان نفسه أسير حرب لمدة ست سنوات ونصف اعتبارا من عام 1966. كان صريحا في إصراره على أنّ التعذيب كان سمة منتشرة في حياة السجن. وهي وجهة نظر عبّر عنها أيضا أشهر هؤلاء السجناء السِنَتور الراحل جَون مكَين.
يمضي المؤلف للقول بإنّ القيادة الڤيتنامية، على غرار هَو چي مِنّه، أيّدت بشكل أساسي الرأي القائل بأنّ الحكومة الأمريكية، وليس الشعب الأمريكي، هي عدّوهم، وأنّه بمجرّد أسر جندي، يجب معاملته بطريقة إنسانية.على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي. عقّب د. فولك على هذه النقطة بالقول، "أشكّ بشدّة في ما إذا كان هذا الخط الناعم قد جرى اتباعه في جميع المواقف، ولكن حتّى التعبير عنه أنتج عقليّة جماعية أفضل بكثير من ميل الدعاية الغربية الى النظر الى شعب أجنبي ككلّ على أنّه العدو، ويمسكهم بشكل فردي ويحمّلهم المسؤولية الجماعية عن سلوك سلطاتهم، حتى لو كان النظام الدِكتاتوري لا يسمح للناس بالتعبير عن رأيهم في تشكيل السياسة." وهذا ما دأب عليه بُش الأبن ونائبه چَيني ووزير دفاعه رامسفيلد في تشجيع ممارسة التعذيب في السجون العلنية المذكورة وفي السرّية في پولندا ورومانيا والمجر والمغرب والأردن وسوريا، لدرجة أنهّم اختطفوا المدنيين من شوارع روما. ولم يتعلموا الدرس، إذ افادت وكالات الأنباء بالأمس عن خطة جنونية وقت كان پومپَيو مديرا لوكالة المخابرات المركزية بالتعاون مع المخابرات البريطانية والأسترالية لاختطاف أو قتل جوليَن أسانج، صاحب الوِكِليكس من سفارة الإكوادور في لندن. [https://www.alquds.co.uk/%D8%B]
تحدّث المؤلف بامتنان عن دور السفير السويدي في هَنوي، جان كرِستوفر أوبرِگ، نتيجة اتصال عضوة الوفد كورا برئيس الوزراء أولف پالم في استوكهولم، لدوره في تسهيل خطة رحلة العودة عبر الصين الى پِكين ومن هناك الى موسكو ثمّ الى كوپِنهَيگِن، ثمّ ركوب الطائرة المتوجّهة الى الولايات المتحدة. جلب السفير الصحفيين الدوليين قبلها لعرض الأدلة على أنّ نِكسُن قد بدأ بالفعل قصفا منهجيّا للسدود في دلتا النهر الأحمر. "لو استمرّ هذا القصف، لكان قد تسبب في فيضانات كارثية والحق الضرر بالمصادر الحيوية للغذاء، وأدى الى وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين." واجه الوفد بعض الصعوبات في موسكو نتيجة حضور عدد من اعضاء السفارة الأمريكية الى المطار، وواجه صعوبات من نوع آخر في كوپِنهَيگِن بسبب رغبة الصحفيين لمعرفة المزيد من المعلومات عن الأسرى وآثار الحرب. إكتفى الوفد بشرح أنّ مهمته إنسانية وليست سياسية، وامتنع الطيارون الثلاثة عن الإجابة عن أيّ من الأسئلة لأسباب معروفة. لدى وصول الطائرة الى نو يورك، تمّ احتجاز الأسرى من قبل رجال الپِنتگون، الذين نقلوهم منفردين الى ثلاث سيّارات كانت تقف على المدرج بانتظارهم، وسط دهشة اعضاء الوفد وافراد عائلات الأسرى وغضبهم.
لقد زار د. فولك هَنوي ثلاث مرّات؛ في عام 1968 لحمل رسالة الى قادة ڤيتنام والأخرى عام 1972 ضمن وفد منظمة السلام الأمريكية لمرافقة الضباط الأسرى المُفرج عنهم في هَنوي. أمّا الزيارة الثالثة فقد كانت عام 1999 برفقة زوجته هِليل "للتدريس في برنامج مؤسسة فورد، الذي كان من المُفترض أن يرفع الدبلوماسيين الشباب الى السرعة بصدد التطوّرات الدولية، لمدة اربع ساعات يوميّا على مدار الأسبوع لمدة ثلاثة أشهر." خرج من تلك الدورة بانطباع نقله على الشكل التالي، "الشعور السائد بين الڤيتناميين بالغضب من الصينيين أنّهم قد أطالوا معاناتهم خلال حرب ڤيتنام من خلال تثبيط هَنوي عن السعي لحلّ دبلوماسي. أثار هذا غضب القادة الڤيتناميين، الذين فسّروا الضغط الصيني على أنّه رغبة في أن يواصل الڤيتناميون النضال الثوري ضدّ الولايات المتحدة بتكلفة باهضة لڤيتنام بينما يشغلون واشنطن ويتركون الصين وشأنها." من جهة أخرى وصف العديد من الخبراء الصينيين، الذين التقى بهم في پِكين فيما بعد، له بإسهاب وجهات نظرهم بأنّ، "ڤيتنام كانت حليفا ناكرا للجميل، مؤكّدين أنّ الصين قد سلمت كمّيات هائلة من الإمدادات خلال مجمل الحرب، بما في ذلك المعدّات العسكرية، دون تلقي أيّ تقدير من القيادة في ڤيتنام. كما قيل أنّ الصين قدّمت تلك المعونة في فترة عانى فيها شعب الصين صعوبات اقتصادية شديدة. وعلاوة على ذلك، فإنّ مثل تلك المساعدة كانت تعرّض الصينيين لخطر كبير جرّاء القصف الجوي الأمريكي المتكرّر لخط السكك الحديدية الوحيد بين البلدين." إختتم المؤلف فصله هذا بالقول أنّه، "بعد الحرب الأمريكية في ڤيتنام، كنت متفائلا بشأن مستقبل كلتي الدولتين، لكنّني الآن في خضمّ ترامپ والترامپيين، أخشى على بلدي الأم وبشكل عام بشأن احتمالات بقاء الإنسان."
أكّد المؤلف في فصله الثالث عشر "أنّ الحكومة الأمريكية استخدمت دوافع مختلفة لتجنيد اتباع من صفوف الإيرانيين المتدينين جدّا والناشطين خارج إيران. ممّا لا شكّ فيه أنّ المهارة التكتيكية للخُمَيني أظهرت استعدادا للتحالف مع الدوائر السياسية العلمانية الغربية وحتى اليسارية منها، لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في تحرير إيران من سلالة پهلوي." لكنّ الخُمَيني لم يكن على وشك القفز من المُقلاة الأمريكية الى المُقلاة السوڤيتية. عندما سعى السفير السوڤيتي للتعبير عن استعداد موسكو للإرتباط بإيران، رفض الخُمَيني [https://www.youm7.com/story/2020/1/14] ذلك بشكل حاسم، لمخاوفه من تدخّل ثان مؤيد للشاه من قبَل الولايات المتحدة مشابه لما جرى مع مصدّق عام 1953.
تحدث د.فولك عن اطلاعه على أراء علي شريعتي، الذي تمّ الترحيب به لاحقا باعتباره فيلسوف الثورة المستقبلية في إيران. من نواحيَ مختلفة، كانت افكار شريعتي تظهر التزامه بالقيم الإشتراكية مع التأكيد بقوّة على الخلفية الثقافية الإسلامية لإيران. ما جعل شريعتي مؤثرا بنّاء هو اعترافه بإمكانيات التعبئة القوية للإسلام مقارنة بأيديولوجية اليسار العلماني، التي كانت تقلق واشنطن. وجد مقتولا في شقته بعد ثلاثة اسابيع من وصوله إلى لندن عام 1977، قبل الثورة الإيرانية بعامين عن عمر يناهز 43 عاما. الرأي السائد أنّ ذلك تمّ على يد مخابرات الشاه [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9] ، كما تحدّث د. فولك عن صداقته لمنصور فرهَنگ واحلامه التي كانت غير قابلة للتصديق وقد تحققت."كانت رؤيته الثورية تحرّريّة لخلق مجتمع ديمقراطي تعددي يوفّر حقوق الإنسان للجميع، بما في ذلك التأكيد الطوعي للقيادة الدينية في الحركة الشعبية ضدّ الشاه، والتي اعتبرها الوسيلة الواعدة للتغيير التحولي، بالنظر الى مواقف المجتمع الإيراني." ثمّ استدرك المؤلف قائلا، "كان منصور من أوائل المنفيين الغربيين البارزين من إيران الشاه، الذين أصيبوا بخيبة أمل من الإتجاه القمعي الذي اتخذته القيادة الجديدة." كان فرهَنگ استاذا في جامعة كالِفورنيا.

في السنوات التي سبقت الثورة، تعرّف المؤلف أيضا على أبي الحسن بني صدر، الذي كان يعيش حياة منعزلة على ما يبدو في شقة صغيرة في پاريس ".... حيث أظهر إيمانا ذا رؤية مستقبليّة لإيران مسلمة متحرّرة من حكم الأسرة الپهلويّة ومن الرأسمالية الدولية. فاجأني بني صدر على أنّه متواضع وطموح في آن واحد، ولا يخفي أمله أن يكون أوّل رئيس لإيران ما بعد الشاه. كان يعمل على خطة مفصّلة لإعادة هيكلة الإقتصاد الإيراني ليعكس القيم الإسلامية." عندما التقيا لأوّل مرّة، وجده صاحبنا، "حالما لطيفا في الأسلوب وغير سياسي بشكل غريب في طريقة وجوده في العالم بينما يعيش في المنفى على الرغم منه. لدهشتي، سرعان ما أدرك بني صدر حلمه العظيم بأن يُصبح أوّل رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية." لكنّ هذا الصعود الإستثنائي سرعان ما اصبح كابوسا بالنسبة له. أجبِر على الفرار من بلده على يد الحرس الثوري المُتطرف في اعقاب استيلاء الطلاب الإيرانيين على السفارة الأمريكية في شهر تشرين الثاني من عام 1979. تُعتبَر قصة بني صدر في رأي المؤلف، "أساسية لفهم الأفكار والشخصيات المتنافسة، التي سعت للسيطرة على الثورة الإيرانية. تروي هذه القصة كيف تمكّن آية الله الخُمَيني بشكل غير متوقع من أن تكون له اليد العليا في تحديد وتشكيل الثورة الإيرانية، وإزالة اللِبراليين العلمانيين من مواقع النفوذ وتحقيق رؤيته الدينية الراسخة في إقامة جمهورية إسلامية بقيادة الزعيم الديني الأبرز." ومن الجدير بالذكر أنّ بني صدر قد توفى [https://www.al-akhbar.com/World/319877] في مطلع شهر تشرين الأوّل من عام 2021 في منفاه في پاريس.

تلقى د. فولك دعوة من الحركة الثورية للذهاب الى إيران في ذلك الوقت المضطرب واجراء محادثات مفيدة مع مجموعة واسعة من الشخصيات. اختار لعضوية الوفد كلاّ من رامزي كلارك، وزير العدل الأسبق في حكومة الرئيس كارتر والقسّ فِلِپ لِوِس، اللذين يعرفهما من أيام حرب ڤيتنام. في اليوم التالي لوصولهما كتب ما يلي، "إنضم الناشطون الدينيون والعلمانيون، ومشينا متضامنين في أكبر تظاهرة رأيتها على الإطلاق؛ عدة ملايين من المتظاهرين السلميين بدون وجود للشرطة في تجمّع حاشد يسير في شوارع طهران بكرامة هادئة مبتهجا بنعيم الإحتفال العلني بالنصر الثوري المُرتقب." وفي طهران قابل الوفد آية الله طالقاني الذي، "اعترف تماما بالدور الحاسم الذي يلعبه الخُمَيني في تخليص البلاد من الشاه، بينما امتنع عن تأكيد ما بدا أنّه الخط المُتشدّد للخُمَيني بشأن الممارسة الدينية والترتيبات السياسيّة للحكم. بعد ذلك بوقت قصير، أصبح يُنظر الى طالقاني بعين الريبة، إن لم يكن العِداء من قبل الأعضاء القياديين في حاشية الخُمَيني، الذي لا يزال في پاريس. قيل لنا أنّ شعبية طالقاني كانت بمثابة تهديد لتصوّر الخُمَيني لمستقبل [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85] إيران المُفضّل. توفي طالقاني بعد وقت قصير من زيارتنا وانتشرت شائعات بأنّه تسمّم."
سافر الوفد حسب الجدول المخصّص له الى مدينة قُمّ وقابل هناك آية الله محمد كاظم شريعتمداري. وهو رجل دين مثقف وشخص يتمتع في الأوساط الدينية بسمعة كونه عاِلما إسلاميّا رائدا. كانت المعرفة اللاهوتية والدقة موضع احترام عميق. كان اجتماعا كاشفا تماما، بمعنى أنّ شريعتمداري أثناء ترحيبه بالثورة، امتنع عن ذكر الخُمَيني بالإسم، متنبّها للتوترات اللاحقة واتهامات الراديكاليين الإسلاميين بأنّ رجل الدين المُبجّل هذا، الذي اشتهر بأنّه من عائلة ثرية مالكة للأراضي في مدينة تبريز، قد تنازل عن حقوقه خلال التعاملات العقارية مع قصر پهلوي."عارض شريعتمداري مشاركة رجال الدين في الحكومة، متمسّكا بفهمه للمبادئ الشيعية التقليدية. وبالتالي كان يُنظر اليه بشكل صحيح على أنّه متشكك في أفكار الخُمَيني وممارساته الدينية، التي تدعو الى سيطرة رجال الدين على الأسس الدستورية للجمهورية الإسلامية." على إثر ذلك اتهمته أجهزة الثورة بالتآمر، كما اتهمته بمحاولة اغتيال قيادات في الثورة، وفُرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله، ومُنِع من التدريس في الحوزة، وتعرض أتباعه للتنكيل وتعرّض للضرب والإهانة وتمّ إحراق مكتبته. وبعد تعرضه للمرض تمّ منع اسعافه وعلاجه فتوفي في بيته، ودُفِن سرّا من قبل الأجهزة الرسمية خلال الليل في مقبرة مهجورة. [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85]
كان الوفد في مدينة قَزڤين، "وما جعل اليوم مشهودا لا يُنسى بالنسبة لنا جميعا ونحن مجتمعين، هو الإعلان أثناء تناولنا القهوة في نهاية الوجبة بأنّ الشاه قد غادر لتوه البلاد وسلم حكم إيران الى شاپور بَختيار، كرئيس وزراء مؤقت تمّ تعيينه لترأس نوع من مجلس الوصاية الملكيّة في وقت كانت الحركة فيه تقترب من النصر الكامل." عاد الوفد الى طهران على الفور.هبّت الأبواق وعُلِقت ملصقات وافرة معدّة على عجل تعلن النصر من خلال حركة المرور الكثيفة المتزايدة المتدفقة نحو طهران. ظهرت الأعلام الإيرانية فجأة في كلّ مكان، إشارة الى مناسبة إحتفالية ذات أهميّة غيرعاديّة، حين كانت السيارات تأتي بأعداد أكبر وأكبر من جميع الجهات متجهة الى طهران لعرض ومشاركة سعادتها في هذا التحوّل الدراماتيكي للأحداث. "كما لم يحدث من قبل، شعرت أنّني ألمس النسيج الحيّ للثورة ولديّ إحساس بصنع التاريخ أمام عينيّ. لم يكن هناك شكّ في ذلك. في تلك الليلة على الأقل بتاريخ 16 كانون الثاني من عام 1979، وتحت سماء صافية كانت الشوارع تنبض بالبهجة الثورية. لقد وُلِدت إيران جديدة." تمكن الوفد في اليوم التالي من زيارة بختيار في مكتبه. "لم يكن بَختيار، حتى في غياب الشاه، يدير العرض، ولم يكن من المفترض أن يكون أكثر من بيدق في لعبة شطرنج حيث يتمّ تحريك القطع الرئيسية من قبل الآخرين. كان أحد رموز المعارضة العلمانية قبل أن يتمّ تكليفه من قبل الشاه بتشكيل الحكومة قبيل مغادرته البلاد إثر الثورة. إستمر في منصبه إلى أن رجع الخُميني فأطاح بحكومته فغادر إلى منفاه بفرنسا. شكّل بعدها جبهة المقاومة الوطنية في إيران (NAMIR) [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B4] لمعارضة النظام الإسلامي فتمّ بعدئذ إغتياله من قبل حرس الثورة الإيراني بتاريخ 6 ايلول من عام 1991.

سهّل بَختيار تنظيم زيارة للوفد لمقابلة المعتقلين السياسيين في سجن إيڤين الشهير. وهناك قابل د.فولك سجينا منذ خمس سنوات، هو مسعود رجوي رئيس منظمة (مجاهدي خلق). ذكر أنّه أعجب بشخصية رجوي ووجده مشاركا ذكيّا وشابّا نشيطا ومتشوّقا لمناقشة القضايا السياسية الجادّة. وأضاف الى أنّه زار رجوي مرتين في پاريس خلال العامين التاليين، وفي المرّة الأولى اجري معه مقابلة نُشرت في مجلة Alternatives. وهي مجلة مكرّسة للقضايا العالمية. "عندما تحدّثنا في إيڤين، كان عازما على سرد قصة منظمته وكم عدد الشباب فيها من الذين (استُشهِدوا) على يد قوات أمن الشاه الدموية". ثمّ أضاف، "لم يتضح [https://en.wikipedia.org/wiki/Massoud_Rajavi] لي أبدا نوع الدور الذي تمنّاه رجوي لنفسه وأيّ نوع من المستقبل لإيران."

قبل أن يغادر الوفد طهران بعد قضاء فترة أسبوعين، قام في اليوم الأخير بزيارة السفارة الأمريكية هناك، لاستطلاع رأيها في وضع البلاد. أخبر السفير سَوليڤَن الوفد، "أنّه حثّ واشنطن على قبول نتيجة الثورة بدلا من الإستمرار في معارضة عقيمة." وأنّه "توصّل الى قناعة مفادها أنّ موالاة الشاه قضية خاسرة، وهو استنتاج رفضه البيت الأبيض وساكنه كارتر،" بتأثير من برِجِنسكي، مستشار الأمن القومي. عند توديع الوفد في المطار أخبره المسؤول الثوري المرافق بأنّه يمكن للوفد عند توقفه في پاريس في طريق عودته الى بلاده أن يقابل الخُمَيني الساكن في ضاحية Neufle-le-Chateau. إلتقى الوفد بآية الله الخُمَيني حسب الجدول المُعدّ، "بدأت محادثتنا مع الخُمَيني ببعض المجاملات، لكنّها سرعان ما تحوّلت الي محدثات جدّية." الذي حيّر د.فولك هو كيف تحوّل الخُمَيني لدى عودته للبلاد "من زعيم ديني مهتمّ بالقضايا السياسية الى زعيم سياسي شديد التدين."
تلقى د. فولك دعوة من مكتب الرئيس أبي الحسن بني صدر لزيارة طهران ثانية والبحث عن طريقة ما لإمكانية حلّ مسألة رهائن السفارة الأمريكية المُحتجزين منذ فترة هناك. كان مقرّرا أن يضم الوفد أندرو يانگ ورامزي كلارك، غير أنّ تدخّل برِجِنسكي عقد المهمة، فاختار د. فولك صديقه إقبال أحمد، أستاذ العلوم السياسية في كلية هامشِر. وصلا الى إيران والوضع يغلي ولم يتمكنا من مقابلة صاحب الدعوة، بني صدر. كتب يقول، "كنت وإقبال سعيدين لمغادرة إيران بعد بضعة أيام مُحبطة. أدركنا تماما أنّ مهمّتنا لم تكن مجدية، خاصّة عندما تشتّت الحكومة بشكل مضاعف بتطهير المعارضة أحيانا بقسوة. وما تبعه كان تعزيز سيطرة القوى الإسلامية الراديكالية على الحكومة من خلال السيطرة على البيروقراطية وبناء المؤسسات، مع تفويض لنشر الإسلام في كلّ زاوية وركن من الثقافة الإيرانية."
وجّه د. فولك لوما شديدا للأمم المتحدة في إقامة إسرائيل والإعتراف بها. "صحيح أنّ اليهود الناجين من الهُلوكوست استحقوا واحتاجوا الى ملاذ آمن، لكنّ ذلك لم يُبرّر، بعد انتهاء الإنتداب البريطاني، تهجير وقهر السكان، وهم أغلبية أهل فلسطين، الذين لم يتحمّلوا أيّة مسؤولية عن الجرائم، التي ارتكبها الأوروپيون ضدّ اليهود." وحسب ما يعتقد، "نجحت إسرائيل في اقناع الغرب بهذه الرواية الوطنيّة، التي تضمّنت بعد ذلك محو الشعب الفلسطيني أو تقديمه على أنّه من العرب المتخلفين القذرين العنصريين، الذين يميلون الى الإرهاب. كان هناك اعتقاد سائد بأنّ إسرائيل تخلق مدينة فاضلة ناشئة على غرار ما يصوّره فِلم Exodus، والتي من شأنها أن تجلب الحداثة الى المنطقة، بينما تتغلب على كلّ عقبة توضع في طريقها."
اعطى تأسيس إسرائيل المنظمة مسؤولية خاصّة لمتابعة العملية من خلال تحقيق العدالة للفلسطينيين ايضا. ولكنّ هذه المسؤولية لم تتحقق، وتحوّلت الى رعب مروّع لفلسطين والفلسطينيين من خلال السماح لإسرائيل بأن تصبح عضوا في الأمم المتحدة دون التعامل مع المطالبات الفلسطينية على قدم المساواة. برأيه، كان الحدّ الأدنى من التوقعات، بالنظر الى الهوية العربية لفلسطين في عام 1947، هو معاملة الشعبين على قدم المساواة، خاصّة فيما يتعلق باحترام حقوق تقرير المصير القابلة للتطبيق. "لقد جعل هذا الإخفاق الأمم المتحدة متواطئة في جميع التطوّرات اللاحقة." أشار الى لقاء مع گولدا مائير، التي رفضت بنقرة من معصمها الحُمقّ، من وجهة نظرها، من مطالبات الفلسطينيين بإقامة دولة. "لقد أوضحت لأولئك الإسرائيليين الأخلاقيين بعمق والفلسطينيين غير الأخلاقيين الذين لا يهتمّون حتى بأطفالهم، وردّدت لنا روح ملاحظتها السيئة والعنصرية المشهورة بأنّ السلام سيأتي عندما يهتم الفلسطينيون بحياة اطفالهم أكثر من قتلنا!" ثمّ اختتم تقييمه لتلك المقابلة بالقول، "هذه غطرسة أخلاقية عالية المستوى... وكنت مختلفا عن ذلك الحشد حين استمعت وشعرت بالغربة من نبرة ومحتوى ما كانت تقوله."
تحدّث الكاتب عن مسؤولية الأمم المتحدة اتجاه الشعب الفلسطيني، والتي تمتد من نهاية الإنتداب البريطاني على فلسطين لإيجاد حلّ عادل لكلا الشعبين. ثبت انّه من المستحيل تحقيق هذا الهدف بمجرّد اضفاء الشرعية على الفرضية الصهيونية الرئيسية المتمثلة في إقامة دولة يهودية بالقوة في مجتمع غير يهودي في الأساس، كعنصر لا يمكن تحديه في أيّ إطار دبلوماسي لحلّ الصراع عل الهوية الوطنية للمنطقة. إذا تمّ أخذ هذا الواقع في الإعتبار، فقد وقع الفلسطينيون على مدى عقود ضحية لنهج الأمم المتحدة هذا، بما في ذلك اقتراح التقسيم الذي قدمته الأمم المتحدة عام 1947، في حين تمكنت إسرائيل من الإزدهار اقتصاديا وسياسيا والتوسّع المستمرّ، وفي نفس الوقت التظاهر بأنّها ضحية معاداة السامية العالمية المفترضة كما تجسّدها الأمم المتحدة. مثل هذه الدعاية التحريفية، تذكّر العالم بأنّه لا ينبغي نسيان الهُلوكوست، بينما تبذل إسرائيل في الوقت نفسه قصارى جهدها لإنكار الرؤية الأخلاقية والسياسية، ناهيك عن المساءلة عن النكبة الفلسطينية وحقوق سكان البلاد الأصليين والعديد من المظالم الناتجة عنها، بما في ذلك على وجه الخصوص تلك المرتبطة بالعنصرية والفصل العنصري الإسرائيلي.
من المهمّ أن نلاحظ أنّ إثنين من أكثر المعارضين للفصل العنصري محبوبين على المستوى العالمي وهما نِلسُن مَندَيلا ودِزموند توتو. "كلاهما رأيا في معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني جريمة من نواحيَ كثيرة يمكن مقارنتها، إن لم تكن أسوأ، من المعاملة الأفريكانية للسود في جنوب افريقيا." وقد فتح هذا الرأي باب النقاش الحاد في الأوساط المعنية. بالنسبة له، فإنّ معاداة السامية الجديدة هي حيلة جدلية شريرة، لا أكثر ولا أقلّ، لها تأثير جانبي مؤسف يتمثل في طمس الحدود بين الدعاية الصهيونية الموالية لإسرائيل ومعاداة السامية الحقيقية. "هذه الطريقة في تشويه سمعة من ينتقد إسرائيل تضاعف من السجلّ الطويل للعلاقات الصهيونية الإنتهازية مع معاداة السامية، سواء مع النازيين لدفع اليهود الى الهجرة الى إسرائيل أو مع المسيحيين الإنجيليين أو الحكومات الدكتاتورية واليمينية في جميع انحاء العالم. بينما تلطِخ منتقدي أنماط الجريمة الإسرائيلية في الإساءة الى الشعب الفللسطيني، كانت الصهيونية مستعدّة لإقامة قضية انتهازية مشتركة مع أولئك الذين يتبنون في الواقع كراهية اليهود."
أرجع المؤلف تعاطفه مع القضية الفلسطينية الى إدوارد سعيد. كانت الصداقة معه عاملا بفعل القوّة المشتركة لحججه وقوّة شخصيته. بعد حرب 1967 عندما انخرط في البداية علنا مع الحركة الوطنية الفلسطينية، وسرعان ما تّم تحديده على أنّه المفكّر الفلسطيني الرائد في الأوساط الأمريكية والأوروپيّة لتحدّي الإجماع المؤيّد لإسرائيل من خلال سلسلة من الكتب، التي تمّت مناقشتها جيّدا، وخاصّة The Question of Palestine الذي صدر عام 1978. تضمّن هذا الكتاب نقدا مُدمّرا لتأثير الصهيونية على فلسطين ورواية مروّعة عن الضحية الفلسطينية ورؤية مصاغة بطريقة إنسانية لكيفية قيادة هذين الشعبين للعيش معا بشكل لائق في تعايش سلمي. "ولكي يحدث هذا، أصرّ سعيد على أنّ روح المساواة يجب أن تسود أيّة ترتيبات سياسية يتمّ الإتفاق عليها. إقترن سعيد بتصويره لمظالم تجريد الفلسطينيين من ممتلكاتهم مع الإعتراف بضرورة قبول الوجود اليهودي في البلاد وعدم الطعن فيه. في الوقت ذاته، إعتقد سعيد أنّ السلام المُستدام لا يمكن تحقيقه إلّا إذا اعترفت إسرائيل بإيذاء الفلسطينيين بشكل كامل ورسمي وبصيغة مفتوحة وعلنيّة." وحسب رأيه، فإنّه على الرغم من أنّ سعيد لم يتقدّم باقتراح، فإنّ نهجه لو تمّ التصرف بموجبه، لربّما أدّى الى انشاء لجنة الحقيقة والمصالحة، التي شعر الكثيرون أنّها سهّلت الإنتقال في جنوب افريقيا بعد انهيار نظام الفصل العنصري. من منظور الحاضر، من الواضح أنّ رؤية سعيد قد فشلت في الأخذ بعين الإعتبار الأولويّات التوسعيّة والتواطؤ الجيوسياسي للولايات المتحدة، فضلا عن الإخفاقات التكتيكية للقيادة الفلسطينيّة. لقد اعتبر أنّ نوايا إسرائيل الحقيقية قد تمّ نقلها من خلال الممارسة في الخطاب الإسرائيلي الداخلي للإشارة الى الضفة الغربية باسم "يهودا والسامرة"، أي كجزء لا يتجزّا من استحقاق اسرائيل التوراتي المزعوم، والغاء القناعة الدولية الراسخ بأنّ الحلّ الوحيد كان على التقسيم الإقليمي. ثمّ استشهد بمقال صحيفة نو يورك تايمزتحت عنوان، "إسرائيل تحاول إسكات منظمات العمل المدني الفلسطيني للتغطية على جرائمها والاستيطان" [https://www.alquds.co.uk/%d9%86]
تمّ اختياره وتعيينه تحت ظروف معيّنة مقرّرا لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة لمدة ست سنوات. وهو منصب طوعي مجّاني بلا مرتّب. ذكر أنّه أصدر 12 تقريرا خلال فترة توليه المنصب، قوبلت جميعا بالإستنكار وتعرضت للهجوم من قبل إسرائيل والولايات المتحدة. قال، "ويمكن تلخيص جهودي على النحو التالي: قول الحقيقة واستخلاص النتائج المناسبة فيما يتعلق بالقانون الدولي وحقوق الإنسان من الحقائق التي كشفت عنها الأدلة المُستمدّة من بلادي". بصدد نقده لمنظمة الأمم المتحدة، قال، "إفترضت خطأ أنّ العقلانية والموضوعية ستسودان على المشاعر والحسابات السياسية الفجّة والإصطفافات الجيوسياسية على الأقلّ في مواقع الأمم المتحدة، التي يُفترَض أنّها مكرّسة لتعزيز حقوق الإنسان والإلتزام بالقانون الدولي." ثمّ شدّد على وجود خوف دائم من إغضاب إسرائيل المتسلحة بحجة "معاداة السامية". واذا صدر نقد لسلوكياتها من قبل شخص يهودي، كما في حالته، فهو "يهودي يكره نفسه!" ثمّ يمضي للقول، "في كلّ منعطف، إلتقيت بمسؤولين كبار وجدتهم يميلون لجرّ أقدامهم للخلف لتجنّب الدوس على أصابع الإسرائيليين."
ثمّ تابع د. فولك القول، "والإصلاح والسلام العالمي ليس ما تدور حوله الأمم المتحدة في سلوكها السياسي. لكنّك لن تكتشف ذلك أبدا من خلال الإستماع الى الخطب التي تُلقى باستمرار في قاعاتها، أو قراءة اللغة المستخدمة في وثائقها الرسمية. تتمّ الأعمال الجيدة للأمم المتحدة على هامش السياسة العالمية في الوكالات المتخصّصة، التي تتعامل مع الصحة والبيئة والثقافة وحقوق الإنسان والتنمية الإقتصادية والتعليم." [https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G09/]
زار د. فولك لأول مرة غزّة بصحبة إقبال أحمد في منتصف التسعينات لحضور مؤتمر حول حقوق الإنسان، "الذي عُقد في هذه الأرض المُعذبة والمزدحمة والفقيرة. وزارها ثانية ضمن بعثة أممية ثلاثية لتقصّي الحقائق حول "مجموعة متنوّعة من الإدعاءات المرتبطة بإدارة إسرائيل لغزّة. كان تركيز هذه البعثة الخاصّة بناهو التحقيق في الإتهامات بممارسة إسرائيل وسيطرتها الإدارية على غزّة، واعتمادها على القوة المُفرطة والعقاب الجماعي والتكتيكات القمعية في انتهاك اتفاقية جنيڤ الرابعة.... لم تكن لدينا مشكلة في التوصّل الى اتفاق في الآراء بشأن الإدّعاءات الرئيسية. وجدنا الدليل على لجوء إسرائيل المتعمّد على القوة المفرطة والعقاب الجماعي في غزّة ساحقا وواضحا بحيث لا يتطلب الكثير من النقاش، ويدعو فقط الى تقديم فعّال للأدلة التي دفعتنا الى الوصول الى تلك الإستنتاجات." اكتشف خلال العقد التالي عندما تولى منصب المقرّر الخاصّ للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة بعد جون دوگارد في عام 2008، أنّهم واجهوا محنة إنسانية مروّعة في غزّة ساءت فيما بعد.
لاحظ د. فولك أنّ الدبلوماسيين الإسرائيليين لا يظهرون أيّ تردّد في مهاجمة الأمم المتحدة أو المبادرات الفلسطينية، بوقاحة وعدوانية. من المؤكّد أنّ الإعتداءات الإسرائيلية على الشرعية وتحدّي الإجماع الدولي فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين تؤدي الى إحباط دبلوماسي، ممّا يؤدي الى طرح قرارات مؤيدة للفلسطينيين في الجمعية العامة وأحيانا حتى في مجلس الأمن تنتقد إسرائيل، ولكن دون تأثير يُذكر وبدون عواقب وخيمة ملموسة على إسرائيل. هناك عواقب وخيمة، ولكن ليس على إسرائيل! إنّ تأثير تجاهل مثل هذه القرارات قد ساهم في إضعاف القانون الدولي وسلطة الأمم المتحدة بشكل عامّ. عندما يتمّ إنتهاك القواعد الدولية المهمّة بشكل خطير، وبعد ذلك على الرغم من الكشف عنها وتأكيدها، لا يحدث شيء، فإنّه يُلقي بظلال من الشكّ على ما إذا كان ما يُعتبر قانون حقا. ما إذا كانت الحدّة غير المسبوقة للجدل قبل الضمّ في منتصف عام 2020 سوف تغيّر النمط، الذي تتعين رؤيته من قِبل كلي الجانبين- ما إذا كانت إسرائيل تتراجع لأكثر من فترة زمنيّة مناسبة. وإذا لم تكن كذلك، فهل سيكون هناك أيّ ردّ فعل جادّ فلسطيني أو إقليمي أو مجتمع مدني أو عالمي، بما في ذلك تبنّي سياسة دولية لفرض العقوبات، حسب قوله.
رأي د. فولك أنّ الفلسطينيين قد وقعوا على مدى عقود ضحية لنهج الأمم المتحدة، بما في ذلك اقتراح التقسيم ذاته،الذي قدمته الأمم المتحدة عام 1947، في حين تمكنت إسرائيل من الإزدهار اقتصاديا وسياسيا وتوسّعت بشكل مستمرّ. وفي نفس الوقت تظاهرت بأنّها ضحية معاداة السامية العالمية المفترضة كما تجسّدها الأمم المتحدة. "مثل هذه الدعاية التحريفية، تذكّر العالم بأنّه لا ينبغي نسيان الهُلوكوست، بينما تبذل إسرائيل في الوقت نفسه قصارى جهدها لإنكار الرؤية الأخلاقية والسياسية، ناهيك عن المساءلة عن النكبة الفلسطينية وحقوق سكان البلاد الأصليين والعديد من المظالم الناتجة عنها، بما في ذلك على وجه الخصوص تلك المرتبطة بالعنصرية والفصل العنصري الإسرائيلي."
بعد فترة قصيرة من انتهاء عمله كمقرّر خاصّ، إتصل به ممثل المجلس الإقتصادي والإجتماعي لغرب آسيا (العالم العربي) "الأسكوا" ESCWA للقيام بمشروع بحثي على أساس عقد للتحقيق في مزاعم بأنّ إسرائيل، بموجب القانون الدولي، مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري. أقنع ڤِرجينيا تِلي، عالمة السياسة البارزة، بالإنضمام اليه. كان استنتاج الدراسة المركزي هو أنّ مزاعم الفصل العنصري كانت مُبرّرة، وبالتالي استلزم ذلك قيام مسؤوليات الحكومات والمؤسسات الدولية والشركات والأفراد للعمل ضمن اختصاصاتهم لوضع نهاية للفصل العنصري الإسرائيلي المفروض. وبمجرّد صدور التقرير بتاريخ 15 مارس من عام 2017، انتج عاصفة من ردود الفعل بقيادة إسرائيل والولايات المتحدة. زُعِم أنّ إدعاء الفصل العنصري يرقى الى معاداة السامية في أسوأ صورها. وكالعادة تمّ إطلاق هذه التهمة الجاهزة دون أيّ فحص للأدلة والتحليل في التقرير المذكور، ودون تقديم حجج مضادة. كان مدى الغضب الدولي هِستيريّا ومنافقا. "بالتأكّد أنّ الفصل العنصري الإسرائيلي مختلف عن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولكنّه يحتوي على نفس العنصر المحدّد لعنصر آخر أو عِرق مهيمن يُخضِع عرقا آخر ويُجبره على العيش بشكل جماعي في بانتوستانات Bantustans، حتى يتمكّن من الحِفاظ على المزايا الإستغلالية للسيطرة الآمنة من خلال اٌيذاء العِرق المقهور." [https://documents-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G09/]
إختتم د. فولك فصله الرابع عشر بالقول إنّه يبغي أن يُسلط الضوء على الأهمية الأخلاقية للنضال الفلسطيني. مع مراعاة أنّه في اعقاب المحرقة، وعندما تمّ إنشاء إسرائيل، فضلت المشاعر القوية في الغرب إنشاء ملاذ قومي آمن لليهود، ممّا اعطى تعهّدا بمناهضة الإبادة الجماعية بصمام أمان إقليمي. "ومع ذلك لا يمكن استخدام مثل هذه الحجّة بشكل صحيح كمبرّر لتهجير أفراد شعب آخر بالقوة من أراضيهم ومنازلهم، ثمّ إقامة دولة عرقية حصرية مكانهم، ودون موافقتهم." [https://www.alquds.co.uk/%d8%a7%d9]

ذهب صاحبنا الى اوروپا لقضاء العطلة الصيفية وعاد الى جامعة ييل ليكمل سنته الثالثة والأخيرة لنيل شهادة الماستر. كانت برفقته فتاة كندية جميلة حامل، التقى بها في القطارالمتوجّه من شمال اليونان الى اسطنبول. تزوجا فولدت له طفله الأول كرِس. عاد د. فولك الى اسطنبول بعد 40 عاما كعضو في وفد مدني للتحقيق في انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان الأساسية. "أراد الأكراد، الذين التقينا بهم أن يُعاملوا كأمّة داخل الدولة التركية، ولكن بترتيبات حكم ذاتي يعترف بهويتهم العرقية والثقافية دون قطع العلاقات الرسمية مع تركيا." كانت الحكومة التركية تقاتل حزب العمّال الشعبي PKK. وهو حركة نضال مسلح يزعم أنّه يسعى [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AD%D8] الى إقامة دولة كرديّة مستقلة ذات سيادة في شرق تركيا. هذا الحليف المهمّ في الناتو خلال الحرب الباردة، كان يمتلك في ذلك الوقت سجلّا مروّعا في مجال حقوق الإنسان. "لقد كانت لحظة تعلم أخرى أدركت فيها أنّ (العالم الحرّ) كان حرّا فقط بالقدر الذي تحدّده الأولويات الجيوسياسية."
كانت تركيا في عام 1992 مختلفة بشكل لافت للنظر عن تجربة تركيا التي ظهرت منذ عام 2002، ممّا أدّى الى إزالة النخب السياسية العلمانية وتحويل مركز السلطة السياسية من المدن الحضرية في الغرب الى الريف والداخل من البلاد. ولم تتمّ ملاحظة هذا التحوّل بشكل كاف. بحلول الوقت الذي غادر فيه مالطا بعد أربعة أيام، "كنت منشغلا عاطفيا بهِليل إلڤر، التي ستصبِح في العام التالي زوجتي الرابعة وتغيّر حياتي بشكل دائم وفي طرق أساسية وربطتني بإحكام والى الأبد بتركيا."
إنغمس على الفور في السياسة التركية وتابعها لمدة 20 عاما بحكم وجوده المتكرّر في البلد، كان موجودا في إسطنبول ليلة وقوع الإنقلاب العسكري الفاشل عام 2016. اقام علاقات متشعبة شملت أحمد داود أوگلو، الأكاديمي والسياسي والدبلوماسي، الذي اصبح رئيس الوزراء السادس والعشرين باعتباره رئيسا لحزب العدالة والتنمية للفترة بين 2014- 2016 . كان د. فولك يقضي الصيف مصحوبا بزوجته في إسطنبول، حيث تسكن عائلة الزوجة. يُخبرنا قائلا، "لقد أدركت أنّه بالنسبة لبعض الأتراك المناهضين لإردوان منذ وصل الى السلطة عام 2002، فإنّ أيّ اعتراف إيجابي بانجازات حزب العدالة والتنمية أو قيادة إردوان هو بالنسبة لهم لعنة،" وأنّه سيتم التخلص منه بنهاية فترة رئاسته الأولى عام 2006. أبدى د. فولك إعجابه بفكر أحمد داود أوگلو، "كان أحمد في محاضراته ومناقشاته واضحا في أنّه يعتقد أنّ تركيا الجمهورية ارتكبت فعلا خطأ فادحا من خلال قمعها تربويا وسياسيّا دراسة وتقدير الماضي الثقافي لتركيا العثمانية. لقد شعر بقوة أنّ تركيا لا تستطيع المضيّ قدُما كدولة ما لم تدمج وتطالب بملكيتها الثقافية على ماضيها التاريخي الطويل كإرث يُفتخَر به، وحتى بشكل أكثر أهمية كجزء حيوي من هويتها الوطنية الحالية."
لدى المقارنة بين قادة تركيا ،"ظهر أنّ إردوان كان مدركا لإرثه في بعض الأحيان، سواء فيما يتعلق بامجاد السلاطين العثمانيين العظماء، أو الظلّ الطويل الذي ألقاه أتاتورك بتأسيس تركيا الجمهورية واشكال احترام تركيا لسياسة الولايات المتحدة الخارجية وحلف شمال الأطلسي، الذي هو من إرث الحرب الباردة. في أوقات أخرى، عندما واجه ضغوطا من الداخل والخارج، اظهر ميولا پراگمتية، بل وانتهازية مرتبطة بإحكام قبضته على مقاليد السلطة دون إيلاء الكثير من الإهتمام لوجهات النظر الأيديولوجية." ولكن مع ذلك لا يزال إردوان يتقدّم الصفوف في الإحتفالات السنوية التي تُجرى تكريما لأتاتورك في 19 من أيار في كلّ عام [https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AA].
لقد وجد الكاتب أنّ أكثر البدائل ملائمة وإثارة للإهتمام هو أحمد داود أوگلو، الذي التقى به في ماليزيا قبل أكثر من 30 عاما. "يعكس هذا جزئيا صداقتي الطويلة معه والتي سمحت لي بالتعرّف أكثر على وجهات النظر السياسية التي يفضّلها والثقة الإستثنائية في الشخصية والذكاء والشجاعة والنزاهة والتفاني من أجل تركيا، التي تبني على ماض شامل، وتجمع بين التراث العثماني وأتاتورك، مع الإلتزام بحاضر شامل [https://www-urdupoint-com.translate.goog/daily/livenews/2016-03-05] يتّسم بالتعدّديّة ويحمي حقوق الإنسان ويُراعي احتياجات الناس وسمعة الأمة."
في النهاية ودون أن يحاول، اصبح يُنظر اليّه الى حدّ ما في تركيا كداعم أمريكي لإنجراف الدبلوماسية التركية ونظرتها للعالم. كانت هذه الرؤية تقريبا نتيجة صداقته مع أحمد، الذي دعاه ليلعب هذه الأدوار المرئية الى حدّ ما علنا. "في البداية لم يكن هذا الظهور ملحوظا بشكل خاصّ إلا داخل تركيا. ولكن مع اشتداد الإستقطاب في الفترة التي أعقبت الإنقلاب الفاشل في عام 2016، أصبحت مثيرا للجدل في الشتات التركي." نظر البعض اليه بأنّه تدخل في شؤون بلدهم واعتبروا اعتماد مسؤولي حزب العدالة والتنمية في طلب المشورة منه وتكليفه بعقد المؤتمرات ضربا من الإنتهازية، لأنّه لا يعرف اللغة التركية أصلا ولا يمكنه أن يفهم بعمق ما يجري حوله.
يعترف د. فولك بأنّ، "آرائي المتطرفة حول التطوّرات السياسية التركية في فترة حزب العدالة والتنمية هي رمز لنضالي. يتمّ الحفاظ عليها بتكلفة إجتماعية ويُفقدها الخصوم مصداقيتها، أوّلا من خلال المبالغة فيها وإساءة فهمها، ثمّ من خلال رفضها." ثمّ يعترف ايضا بأنّ زوجته، "هِليل قد إعترضت أحيانا على جهودي للنظر في إيجابيات وسلبيات حزب العدالة والتنمية، وتكافح هي نفسها لإيجاد توازن بين خلفيتها العلمانية وشعورها بتركيا السياسية، التي لم تولد لحدّ الآن بدائل موثوقة لإردوان."
قام الجيش بحراسة الجمهورية، التي أسسها كمال أتاتورك. لكنّ الشعور المُعبّر عنه هو أنّ سنوات حكم حزب العدالة والتنمية قد غيّرت القوات المسلحة التركية الى حدّ أنّها لم تعد قادرة على تقديم مساعدات إيجابية في المشهد السياسي التركي، حتى فيما يتعلق بالسياسة الخارجية وبالتالي فهي ليست كذلك. "يُنظر الى هذه القوات على أنّها ليست مدفوعة أو قادرة على شنّ إنقلاب." غير أنّ الإنقلاب حدث عام 2016 بتاريخ 15 تموز وفشل وجرى على إثره ردّ فعل قويّ. كان حجم عمليات التطهير الناتجة عن ذلك غير مُبرّر، حيث تضمّنت سجن أو فصل آلاف الموظفين الحكوميين، لا سيّما في الشرطة والقضاء والقوات المسلحة. وكذلك أيضا في المؤسسات التعليمية الحكومية ووسائل الإعلام. من الواضح أنّه كان ردّ فعل مبالغ فيه، حتى مع الإعتراف بوجود تهديدات أمنية حقيقية. اشار أحد المقالات الى اعتقال 427 قاضيا ومدعيا عاما على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة .[https://aawsat.com/home/article/3321266] لمّح د. فولك الى أنّ وكالة المخابرات المركزية ربّما كانت لها يد في الإنقلاب بدليل أنّ الوكالة "ضغطت قبل عشرين عاما للحصول على تصريح إقامة (البطاقة الخضراء) لفتح الله گولِن حين سعى للجوء في الولايات المتحدة، وتمكّن من التغلب على معارضة مكتب التحقيقات الفدرالي ووزارة الخارجية. كان من الواضح أيضا أنّ الديمقراطيات اللِبرالية في الغرب لم تُعبّر عن دعم قوي للحكومة المُنتخبة ديمقراطيا في تركيا خلال الإنقلاب في تموز. كان هذا صادما."
بعد فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات النيابية في تركيا في عام 2002 استخدمت إدارة جورج بُش الإبن مصطلح "النموذج التركي" لتسليط الضوء على حكومة تركيا الإسلامية المعتدلة التي تدعم الديمقراطية وتقف مع الغرب. وجهة النظر هذه تمثّلت بمضاعفة الرئيس بُش ووزير خارجيته كولِن پاوِل جهودهما لمساعدة تركيا على بدء محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروپي. وبحسب الفايننشل تايمز، استثمرت إدارة بُش الكثير في نجاح الحكومة التركية الجديدة، والتي نظرت إليها الدول الأخرى في جميع أنحاء العالم الإسلامي كنموذج للإدارة الإسلامية في ديمقراطية علمانية. لكنّ الحزب يواجه اليوم أزمات داخلية وخارجية هي الأولى منذ تولّيه الحكم. وأكثر ما يقلق إردوان اليوم أنّ الوقت لا يقف في صفّه. فمع مرور الوقت تزداد المشاكل المحيطة بالرئيس التركي وتزداد الضغوط عليه داخليا وخارجيا.
المعارضة هذه المرة مجتمعة وتسعى للاتفاق على مرشّح واحد في وجه إردوان على عكس الانتخابات السابقة في عام 2018 التي ترشّح فيها 6 لمنصب رئاسة الجمهورية. فهذه المرة تتشكّل المعارضة من تحالف يضم كلاً من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطي وحزب الديمقراطية والتقدم بقيادة نائب رئيس الوزراء السابق علي باباجان وحزب المستقبل الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوگلو. بالإضافة إلى هؤلاء هناك سعي إلى إشراك حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد في التحالف المعارض. إنّ تبلور هكذا تحالف يقلق إردوان كثيرا خاصة بعد تجربة الانتخابات المحلية في عام 2019 التي أدت إلى فوز المعارضة في المدن الرئيسية مثل أنقرة وإسطنبول، وهو ما شكّل صدمة كبرى لحزب العدالة والتنمية. هذا وكانت ميرال أكشينار، زعيمة الحزب الجيد، قد أعلنت سابقا أنّها ليست مرشحة للرئاسة بل هي مرشحة لرئاسة الحكومة بعد فوز المعارضة بالانتخابات وإعادة النظام البرلماني إلى البلاد [https://www.al-akhbar.com/Opinion/324315].
بقي أن أشير الى أنّ د. فولك تناول قضيتي إلإبادة الجماعية للأرمن ودعم حقوق الأكراد. لكنّه تراجع عن الأولى حين ذكر فيما بعد، [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9] "لا يمكن أن تكون هناك جريمة ما لم ينصّ عليها قانون سابق." وتراجع عن الثانية حين قال مبرّرا، "لم ارسم بوضوح التمييز الحاسم بين تقرير المصير المُمزّق للدولة، وتلبية مطالب تقرير المصير داخل الدولة القائمة، هو في الأساس نداء من أجل الحقوق الجماعية [https://www.dw.com/ar/%D9%85%D8%B4%D8] للمساواة والحكم الذاتي"
إختتم د. فولك فصله الخامس عشر بتذكّر بعض الأحداث الإجتماعية غير السارّة في پرِنستُن حيث تعامل بشكل حادّ مع المدافعين عن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. "أقنعتني تلك المواجهات بأنّ النقاشات بين وجهات النظر المتعارضة جدّا ليست أكثر من قضايا عبثية قد توفّر شكلا ضارّا من الترفيه للجمهور. لكنّها تركتني أشعر بعدم الرضا الشديد وأحيانا بالغثيان."
خصّص د. فولك بداية فصله التالي ليتحدّث بإسهاب عن تأثيرصديقيه، شاؤل مِندلوڤِتز ودَيڤِد كريگر ومشروعيهما عن نماذج النظام العالمي أو WOMP ومؤسسة السلام في العصر النووي NAPF، في بلورة افكاره التقدمية لأوّل مرة. توصّل مبكرا الى استنتاج مفاده بأنّه، "يجب أن نكون مستعدّين لمواصلة الفشل إذا أردنا التمسّك بآمال النجاح في وقت ما."
استعرض أوّلا افكار المساهمين في حركة شاؤل عن الحوكمة العالمية WOMP. مَثّل الصين پول لين، وهو باحث يدرّس في كندا، لكنّه انضم الى الحركة الثورية الماوية التي وصلت الى السلطة في البرّ الرئيسي الصيني في عام 1949. كان ذلك قبل عقود من احتضان التحديث، الذي جاء في أواخر السبعينات بتوجيه من دانگ شياو بِنگ. دعا لين الى التفاعل بين السلام والتنمية، مع اهتمام أقلّ بحقوق الإنسان والديمقرطية، لكنّه شارك موسكو الأمل في استقرار القوى العظمى.
كان راجني كوثري المشارك في حركة WOMP من الهند، مهتمّا في المقام الأةل بالتنمية الإقتصادية في سياق ديمقراطي، مع توجيه بصره نحو التعاون الإقليمي. على النقيض من ذلك فضّل زعيم المجموعة الأفريقية، علي مزروعي المولود في كينيا، بشدّة هوية افريقية أصيلة لمرحلة ما بعد الإستعمار واستعادة تقاليد جنوب الصحراء التي قمعها الحكم الإستعماري، بما في ذلك الشعور بالفضيلة العسكريّة والفخر الثقافي. أراد المشارك الياباني يوشيكازو سَكاموتو، قبل كلّ شيء تشجيع الإيمان بالديمقراطية وقوة الحركات الإجتماعية لإحلال السلام ومحاربة النزعة العسكرية في العالم. سعى سَكاموتو الى استعادة الكبرياء الوطنية اليابانية من خلال التأكيد على نظرة عالمية غير إمپريالية للعالم موجهة نحو السلام واعتذارية اتجاه بقية آسيا، للتعويض عن قسوة اليابان وعسكرها الإمپريالي سابقا.
وأخيرا أكّد فريق أمريكا اللاتينية على هدف المشاركة في النظام العالمي، بالشكل الذي يعزّز التمكين الجماعي لمنطقتهم، والذي استلزم رفع عبء الهيمنة الأمريكية، التي جعلت أمريكا اللاتينية قارة منسية غير مُعترف بها تقريبا في البيئات والأوساط العالمية. إعتقد أولئك الذين يمثلون أمريكا اللاتينية في حركة WOMP، أنّه من الضروري تعزيز شكل قويّ من الإقليميين يستبعد أمريكا الشمالية، ممّا يسمح لبلدان القارة بأن تكون لها اصوات مستقلة خارج حدودها الوطنية.
كما هو الحال مع شاؤل، كان لِدَيڤِد هدف شامل وثابت، هو إلغاء الأسلحة النووية في إفق زمني قصير وغير واقعي. اعطى هذا التركيز تماسكا ومعنى لعمله وغرس إخلاصه العميق وحوّل كتاباته وقراءته للشعر. لم يبتعد تيار كتاباته المستمرّ على مرّ السنين عن الحاجة الى تفعيل الأجندة السياسية والأخلاقية لنزع السلاح النووي ومقاومة سياسات الترويج له على الصعيدين الوطني والدولي. على عكس شاؤل، الذي كان عضو هيئة التدريس لفترة طويلة مع احترام للعمل الأكاديمي، كان دَيڤِد متشكّكا فيما إذا كانت الدراسة الأكاديمية يمكن أن تفعل الكثير للعالم بخلاف ملء رفوف المكتبات بالكتب غير المقروءة. كان دَيڤِد أكثر إيمانا بالنشاط القانوني غير العنيف والمساعي الصحفية والشِعر وخطوات نزع السلاح النووي التي اتخذتها المؤسسات القائمة. على الرغم من انخراط شاؤل العاطفي المكثف حول مستقبل سلمي للبشرية، لم يبتعد أبدا عن برجه العاجي حيث سادت انواع مختلفة من الفلسفة الهيگلية المصحوبة بإيمان خاصّ بتلك الأفكار الكارزمية التي حان وقتها. تشارك كلّ من دَيڤِد وشاؤل إيمانا لا يتزعزع في صحة وأهمية رؤيتهما. لم يكن أيّ منهما راديكاليا سياسيّا، على الرغم من أنّهما كانا ينتقدان التجاوزات الرأسمالية، إذا تمّ الضغط عليهما. لقد كانا من ابناء عصر التنوير، مؤمنين من اعماق وجودهما بأنّ الحقائق والأدلة والتفكير العام الواضح والإلتزامات العاطفية ومستوى معيّن من الضغط على الإثرياء الخيّرين، يمكن أن يجعل القادة السياسيين في النهاية أن يفعلوا الأشياء الصحيحة. كانت لديهما ثقة في استعداد النخب السياسية وحتى الإقتصادية، إذا تمّ دفعها بشكل كاف من الأسفل والأعلى، لقبول الحاجة الى التغييرات التي قاوموها بشغف. إقترن مثل هذا التأكيد عل إمكانات اصلاح النظام السياسي الحالي بدعم حذر ومنفصل الى حدّ ما ومشاركة ضئيلة في سياسات الحركة التي تؤكّد المزيد من الأجندات الهيكلية المتعلقة بالعدالة الإجتماعية والإقتصادية.
أمّا موقفه من آراء صديقيه فقد لخصه كالتالي: "في كافة هذه النواحي، كان لديّ فهم مختلف لكيفية حدوث التغيير الجذري ووضعت آمالي والتزاماتي في ثورات من الأسفل تحتوي على الطاقات الثورية وتطرح مطالب جذرية. من المسلم به أنّ مثل هذه الثورات البركانية كانت تاريخيّا أقلّ من التوقعات بالتغيير حتى عندما نجحت في قلب النظام القديم. ومع ذلك، بهذا المعنى الأساسي، على الرغم من أنّه ليس بدون ازدواجية متزايدة، فقد وضعت إيماني في الناس والحركات الإجتماعية والديمقراطية الجوهريّة بدلا من النُخب وافرادها وأطرها التنظيمية... لم يُدرك أيّ منهما (شاؤل ودَيڤِد) أنّ الهياكل الأساسية بحاجة الى تحويل."
أتى على الضغط والمال الإسرائيليين اللذين يدفعان السياسة الخارجية الأمريكية في اتجاهات لا تخدم المصالح الوطنية أو تلك النقطة للاستفادة من الشخصيات السياسية التي تتلقى تبرعات ضخمة مثقلة بالضغوط من المليارديرات الصهاينة المتطرفين. بقدر ما ترتبط الفضيلة الجماعية بالرذيلة الجماعية، لا يمكن لليهود أن يدّعوا في الحال تفوّق كونهم "مختارين"، وفي نفس الوقت يتصدّون بغضب للأدّعاءات حول التلاعب اليهودي بالحكومة والمجتمع عن طريق المال والنفوذ باعتبارها استعارات معادية للسامية. "لقد ازعجني هذا المثال من كلي الإتجاهين قبل وقت طويل من أن أصبح ناقدا لإسرائيل والصهيونية في سياق النضال الفلسطيني من أجل الحقوق الأساسية."
إنتقل د. فولك الى ذمّ شديد "للإستثنائية الأمريكية" وسمّاها "لعنة" رغم تشدّق العسكر والسياسيين والبعض في أجهزة الأعلام بها. قارن ذلك بالأسطورة القائمة على ما ورد في كتاب اليهود بأنّهم "شعب الله المختار" وذكر بأنّ مثل هذا التفكير [https://search.emarefa.net/ar/detail/BIM-531828] هو "مّا يستدعي وضع وخلق دولة مارقة أو حتى تسمية إستثنائية سلبية". وحتى ما يسموّنها "الوصايا العشر" مأخوذة بحذافيرها من مسلة شرائع الملك البابلي حمورابي، واعتمدوا في هذا الزعم على بعض نصوص التوراة التي كتبوها بأيديهم في بابل ذاتها.
يرى الكاتب أنّ عسكرة عملية الحكم في الولايات المتحدة، الى جانب الإستثمار المُفرط في انتاج المعدّات العسكرية على مدى فترة طويلة، قد قوّضتا آفاق نظام عالمي سلمي وكشفتا أنّه عندما يكون هناك توتر، تأخذ الأولويات الرأسمالية الأسبقية على القيم المرتبطة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والإستقرار البيئي وحتى بقاء الإنسان ذاته. تتجسّد هذه الأولوية من خلال دفع مبيعات الأسلحة الى البلدان ذات السجلات السيئة لحقوق الإنسان والديمقراطية أو التعامل مع الغابات المطيرة في العالم على أنّها خاضعة للسيادة الإقليمية بدلا من اعتبارها مشاعات عالمية. كما أنّه أدّى الى إدراك العديد من الصراعات السياسية من خلال منظور [https://arabicpost.shorthandstories.com/Military-coup-in-America/index.html]
عسكري، ممّا أدّى الى نتائج مُدمّرة بشكل مأساوي.
أفاد الكاتب عن لقاء له مع مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، واستياء الأخير من المنظمات الغربية غير الحكومية الداعية لحقوق الإنسان، بسبب تركيزها على الحقوق السياسية وعدم التطرق الى الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. اصبحت هذه المنظمات ابواقا صارخة لكلّ ما يطرحه الغرب من مفاهيم يصرّ على تطبيقها في العالم بأجمعه. ضرب على ذلك مثالا عن التقدّم الذي حققته الصين وڤيتنام وتركيا في تلك النواحي ومطاردتها باسم الديمقراطية [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8]. ثمّ يمضي ليشرح موقفه بالقول، "في هذا الصدد، ما زلت منزعجا كما ناقشنا سابقا، من الإستثناء الأمريكي بأشكاله المختلفة واعتماده الدائم على المعايير المزدوجة وإدانة الآخرين لفعلهم ما نقوم به والمطالبة عادة بحقّ الولايات المتحدة في التصرّف دوليا دون مساءلة."
أخبرنا د.فولك في نهاية فصله السادس عشر، أنّه من خلال مشاركته في التطوّرات في إيران، اصبح يقدّر الأهمية السياسية للدين والروحانية في تحقيق التغيير في ظلّ ظروف معيّنة لا يمكن أن تأتي إلّا من الحركات الشعبية. لكنّه ذكّرنا أنّه لا يزال يعتقد أنّ احترام ديناميكيات تقرير المصير الوطني هي الأساس المعياري للنظام العالمي المتمركز حول الدولة في حقبة ما بعد الإستعمار. "باختصار، فإنّ أفضل طريق للسلام العالمي في الوقت الحاضر هو الإذعان الجيوسياسي لسياسات تقرير المصير، جنبا الى جنب مع رفض التدخلات لتغيير الأنظمة."
يفصح د. فولك عن هويته السياسية، بالقول، "أنا متعاطف مع العديد من الآفاق الثورية، على سبيل المثال، إستبدال الرأسمالية بنظام اقتصادي أكثر انصافا مبني على القيم الإشتراكية أو الإعتماد على الجغرافية السياسية اللاعنفية وأنظمة الأمن القومي الأقلّ عسكرة من أجل الحماية الجماعية لشعوب العالم وما يحيط بها." وقد يرجع اليه الفضل في صياغة عبارة "الإبادة البيئية" لاستخدام الأسلحة الكيمائية من قبل العسكر الأمريكيين في ڤيتنام لحرق الغابات والأحراش التي يختبئ بها الثوار، باعتبارها جريمة. استُخدمت عبارة التجريم هذه لوصف ما قام به صدّام حسين حين أمر علنا بأضرِام النار بآبار النفط ومخازنه في الكويت باعتباره تكتيكا لتغطية منطقة المعارك بالدخان لحجب رؤية الطائرات الأمريكية المهاجمة، لغرض حماية قواته المنهزمة الهاربة من ساحة المعركة [https://www.marefa.org/%D8%AD] . وتذكيرا بالعار، اغلقت الولايات المتحدة ومعها دول العالم العيون حين استخدم ذات الأرعن الغازات السامة ضدّ المواطنين.
ابدى المؤلف مقته للطريقة التي نُظر فيها الى الملازم وِليم كالي، القائد الميداني المسؤول عن مذبحة ماي لاي في ڤيتنام. لقد "أصبح كالي في الواقع معروفا في أمريكا كبطل حرب أكثر من كونه مجرم حرب، مما يشير الى مدى عمق الروح الأمريكية للإفلات من العقاب والإستثناء." ثمّ واصل قائلا، "إنّه لأمر محزن بالنسبة للثقافة السياسية الأمريكية، أنّه كان على سنودِن، فاضح الأسرار، أن يطلب اللجوء السياسي في روسيا، بينما عومِل مجرم الحرب كالي كبطل قوميّ." [https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85]
يستشهد د. فولك برسالة القدّيس پولِص الى العبرانيين، فيذكر أنّه كانت هناك فكرتان مختلفتان وجدهما مناسبتين لمخاوفه على الرغم من الإختلاف الكبير في دوافعنا للفت الإنتباه الى الكتاب المُقدّس. أوّلا، تأكيد القدّيس پولِص على الإيمان، باعتباره الإيمان بما لا يمكن رؤيته أو إثباته حاليّا. ثانيا تحديده للمؤمن كشخص يبحث عن شيء أفضل من العالم كما هو الآن، وما يُسمّى في العهد الجديد، عالم سماوي Heavenly World. لقد وجد هذه الصيغ موحية، فأراد طريقة للحديث عن المشاركة السياسية والمواطنة الحيّة للإمكانيات المعيارية. لكنّه أدرك أيضا أنّ هذا كان وهما عاطفيّا بالنظر الى الأنماط السائدة للوعي السياسي والطريقة التي تمّت فيها هيكلة العالم حاليّا. نقلت "المواطنة" التزاما بالمشاركة الفعالة بينما أشار "المواطن الرائد الملتزم عالميا" الى أولوية رحلة حجّ تقوم على السعي وراء وتحقيق ما لم يكن موجودا بعد، ولكن يمكن تحقيقه من خلال كفاية الرؤية والإلتزام والنضال اللاعنفي ضدّ النظام المعمول به. لا يزال هذا النظام القائم سائدا على أسس الحرب وعدم المساواة والعنصريّة وانماط الحكم القمعية. يسترسل المؤلف قائلا، "قد يبدو هذا الحجّ pilgrimage سعيا طوباويّا، ومع ذلك فإنّ تطلعاته واقعية إذا كان المستقبل البشري يعتمد على تحقيق مستقبل مستدام ومُعولم ومنصِف، بما في ذلك العلاقات، التي تمّ إصلاحها جذريّا بين النشاط البشري والبيئة الطبيعية الحساسة للقدرة الإستيعابية للأرض. إنّ الوعي السياسي للمواطن الرائد الملتزم عالميا مُشبع بهذا الشعور لخلق عوالم مستقبلية صالحة للعيش والخير يسودها الشعور بالسلام والعدالة."
وعمّا أسماه مفاجأة العصر من المفارقات المُذهلة، هو تأثّر منطقة الشرق الأوسط بشدّة من خلال تسهيل إقامة دولة إسرائيل كدولة يهوديّة، ممّا أدّى الى تهجير 700 ألف فلسطينيا قسرا وبشكل مُتعمّد، على الرغم من معارضة غالبية السكّان المُقيمين ومعظم دول المنطقة. صحيح أنّه وُجِد مناخ أخلاقي عالمي في اعقاب الهُلوكوست كان متعاطفا مع المشروع الصهيوني،" إلّا أن ّتحقيق المشروع كان بمثابة فرض كيان استعماري إستيطاني في اللحظة التاريخية حين كان الإستعمار الأوروپي يتعرّض لتحدّي أخلاقي وسياسي بنجاح من قبل الحركات الوطنية القويّة حول العالم." لقد عمل الإنتداب البريطاني لأكثر من ثلاثين عاما لخلق دولة إسرائيل مبتدأ https://www.policemuseum.org.il/ar/mandate_ar]/[، بخلق الشرطة العبرية من الصهاينة وبعض الدروز للتحكّم في منطقة يشكّل سكانها حوالي 92% من العرب المسلمين والمسيحيين.
يعترف المؤلف بمرارة، أنّه وجد الأمل في النضال الفلسطيني بهذه الطريقة لإعادة تفسير القوّة فيما يتعلق بالصراع العنيف، معتقدا أنّ الفلسطينيين الذين كانوا يمثلون 92% من مجموع السكان عند بدء نظام الإنتداب البريطاني، يمكنهم تحقيق العدالة من خلال هيمنة القوّة الناعمة على أساس الإدراك التمكيني بأنّ تاريخ القرن الماضي كان الى جانبهم بشكل حاسم، وأنّه يمكن تحقيق هذه النتيجة بشكل معياري، أي الحقّ في تقرير المصير، وسياسيّا فيما يتعلق بثقل القوّة الناعمة للتضامن العالمي المرتبط بالمقاومة الفلسطينية اللاعنفية. ونتيجة لذلك، يمكن أن يتحوّل ميزان القوى لصالح الحقوق الفلسطينية بحيث يمكن أن يظهر سلام عادل لكلي الشعبين، ممّا يتيح التعايش السلمي الذي يحظى بالإحترام المُتبادَل والذي يتمّ توفيره من خلال عمليات التنفيذ، التي تتمّ بروح المساواة. "حتى كتابة هذه السطور، قد يبدو مثل هذا الأمر سخيفا، لكنّه يستمرّ في تحفيز المستقبل المُتخيّل الوحيد الموثوق به لتحقيق نتيجة عادلة وسلمية لكلّ من الإسرائيليين والفلسطينيين. ستكون هذا التسوية قادرة على انهاء نظام الفصل العنصري وبدء عصر من التعايش السلمي وثنائية الجنسية على أساس المساواة وحقوق الإنسان. بالطبع، يستلزم هذا تقليص المشروع الصهيوني من "دولة يهوديّة" الى" وطن يهودي" يتعايش مع "وطن فلسطيني". إختتم المؤلف بهذه الكلمات فصله السابع عشر.
يعترف الكاتب بألم ظاهر في فصله الثامن عشر، أنّ الأهداف التي دافع عنها بشدة لم تتحقّق خلال حياته، ويبدو الآن أنّها أقلّ قابلية للتحقيق ممّا كانت عليه قبل 50 عاما. "ولكن هل كان من الخطأ أنّني حاولت؟" وكما أصرّ صامويل پيكِت، يجب أن نحكم على بعضنا البعض وعلى انفسنا من خلال الصفة الأخلاقية لفشلنا، ومن خلال شجاعتنا لمواصلة محاولة القيام بعمل أفضل، على حدّ قوله، "لنفشل بشكل أفضل".
ندّد د. فولك بتشدّق وادّعاءات الديمقراطية الأمريكية لأنّها قائمة على استبعاد من يطرح الأفكار المخالفة بحجة أنّها مثيرة للجدل. "على سبيل المثال، حاصرتني الجمعية الأمريكية للقانون الدولي ASIL، وهي المنظمة المهنية الرائدة في مجال تأثير القانون على سلوك ومحتوى السياسة الخارجية. في البداية، دُعيت للتحدّث واتيحت لي فرص لأدوار قيادية داخل المنظمة. إختفت هذه فيما بعد عندما اعتُبِرَت آرائي مثيرة للجدل ومعادية للمؤسسة. بالطبع كان هناك عنصر تفاعلي، لكنّني لم أعد أتوقع أو أسعى للحصول على الإعتراف في مثل هذه الأوساط النخبوية، التي جمعت بين خبراء القانون الدولي ومحامين رفيعي المستوى يمثلون الشركات الكبرى والمؤسسات المالية والمستشارين القانونيين للحكومة. ومع ذلك، فإنّي لا أندم على تعرّضي السابق لهذه الأماكن المهنية/السياسية. لم أشارك مطلقا في التوقعات السائدة، على الرغم من أنّ سمعة كوني استاذا في جامعة پرِستُن لم يُنظر اليّ أبدا على أنّني لاعب في الفريق جدير بالثقة تماما. وهذا أمر لم يزعجني وناسبني بشكل جيد."
كما تعرّض لحصار آخر في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية https://www.cfr.org]/[. رحّبوا به في البداية، لكنّهم أظهروا التململ حين بدأ يطالب بمحاسبة المسؤولين الكبارعن تأجيج حرب ڤيتنام. وحين كتب مذكرة اعتراض عل تعيين بِل بُندي محررا لمجلة القضايا الخارجية، ضاقوا ذرعا به وعملوا على نبذه. شغل بُندي هذا، منصبا رفيعا في الخارجية الأمريكية وكان مسؤولا عن القصف السرّي لڤيتنام الشمالية ولاوُس. "بطرق خفية، جعلني المجلس أدرك أنّني انتهكت اللياقة. وعلى الرغم من الإحتفاظ بالعضوية، لم تتمّ دعوتي مرّة أخرى لأكون متحدّثا أو حتى جزء من مجموعة الدراسة التي تصدر التقارير السياسية بشكل دوري. ومع ذلك واصلت دفع مستحقاتي والبقاء كعضو على مدار الأربعين سنة القادمة، وحضور بعض الإجتماعات المغلقة مع القادة الأجانب الزائرين، إذا حدث وكنت موجودا في مدينة نو يورك."
إختتم د. فولك فصله الثامن عشر بالقول، إنّه يفضّل أن يموت "طوباويا" أو "متناقضا" يُساء فهمه على أن يتذكّره الآخرون كشخص اعتنق الوعي الخاطئ لأنماط التفكير والقيم والأفعال المختلة لأسباب يُفترَض أنّها واقعية وصحيحة من الناحية السياسيّة. ويُعلل ذلك مُسترسلا، "في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، حاولت الحِفاظ على فوريّة الرّؤيا Visionary Urgency للمستقبل القريب مع الإستمرار في أخذ المعاناة والإجرام على محمل الجِدّ كأبعاد وجودية للحاضر. لقد وجدت أنّ هذا الموقف نادر ما يتمّ مشاركته مع الآخرين، الذين يعتبرونني إمّا غير واقعي أو حتى طوباوي، بمعنى غير ذي صلة بالواقع ومتناقض أو حتى مُنحرف من خلال التمسّك بالمواقف التي يُنظر اليها على أنّها مزعجة من قِبل الأصدقاء والزملاء، الذين يبدون متشابهين معي في التفكير. لقد وجدت الطلبة أكثر تقبّلا، على الرغم من عداءهم أحيانا لمزيجي من اليوتوبيا والفوضوية والتقدّمية الضرورية."
أبدى المولف في مطلع فصله الأخير خشيته أن يكون الإستبداد الناشئ للخوارزميات والروبوتات والأجهزة والذكاء الإصطناعي والصواب السياسي في العصر الرقمي، الذي يزعم أنّه يلبي رغباتنا واحتياجاتنا، هو المصير المصطنع تقنيا، الذي ينتظر البشريّة. "يبدو أنّه من المحتمل أن يقوّض حياة العقل والقلب والروح ويستنزف الحياة من بقايا الروحانية والرهبة والغموض، التي كافحت من أجل بقاءها على قيد الحياة من هجمات الحداثة."
يعترف المؤلف ثانية بالفشل من جانبيه في فهم التعاطف واستعداد معظم اليهود لتفضيل أمنهم الفردي والجماعي ورفاهيتهم على كافة الشواغل الأخرى تقريبا. في الحالة اليهوديّة، حظي الهُلوكوست باهتمام كبير حقّا، ولكن تمّ التلاعب به ايضا لحماية الصهيونية من النقد المُبرّر، كما أوضح نورمَن فِنكِلشتاين بشكل فعّال في كتابه صناعة الهُلوكوست. "لقد تمّ استخدام عباءة معاداة السامية بشكل خبيث وعملي (وبشكل خاطئ) على وجه الخصوص بعد عام 1945 لإخفاء مدى إجرام إسرائيل وقسوتها اتجاه الشعب الفلسطيني. وقد أدّى ذلك، بشكل مُتعمّد الى حدّ ما وبشكل انتهازي بالتأكيد الى الخلط بين حقيقة الأذى والكراهية التاريخية لليهود، وهي جوهر معاداة السامية الحقيقية، مع الإعتراف بأنّ سلوك إسرائيل اتجاه الشعب الفلسطيني غير مقبول، وهو مثل سياسات وممارسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا ضدّ السكان الأفارقة الأصليين." ثمّ يستمرّ ناصحا، "يجب ألّا نسعى أبدا الى اضفاء الشرعية على القسوة الحاليّة وإيذاء الآخرين الأبرياء من خلال التذرّع بالمعاناة الفرديّة والجماعية لماضينا، مهما كانت شديدة. يمكنّنا بلا شكّ فهم اسباب مثل هذا السلوك غير العادل بشكل أفضل وإظهار التعاطف اتجاه كافة الضحايا في الماضي والحاضر. إنّ إعادة انتاج الّشّرّ الذي لحق بنا ضدّ الآخرين، لا يُغيّر طبيعة نفس الشّرّ."
ثم يأتي الى القول بأنّه حاول على مرّ السنين أن يعطي طلابه الإحساس بأنّ التزامهم بحقوق الإنسان يتجلى بوضوح ويتحقق من خلال الطريقة التي يعاملون بها الأشخاص المتنوعين الذين يلتقونهم يوميّا. ينطبق هذا التوجّه علينا جميعا، في جميع الأوقات وطوال الحياة. يمكننا التعبير عن نفس الفكر العائلي بشكل مختلف. أهمّ قرار يتخذه كلّ منّا فيما يتعلق بحقوق الإنسان هو كيف نتعامل ونشعر اتجاه بعضنا البعض، وخاصّة اتجاه أولئك الذين يعانون من إعاقات خطيرة أو يختلفون في اللون والجنس والعرق والعمر والمظهر والمعتقد. "إنّ إنسانيتنا مرتبطة الى حدّ ما بطريقة تتحدّى بشكل خاص أولئك، الذين لديهم مؤهلات امتياز، وأخذ معاناة الآخرين وضعفهم على محمل الجدّ كأسباب للمشاركة السياسية. تجسّد الإخفاقات الحالية في التعاطف، ما ابرزتها الترامپية اتجاه اولئك الذين يسعون الى الدخول الى الولايات المتحدة أو الإقامة فيها. هذا الميل لإثارة المخاوف والتلاعب والإنتهازية لاحتلال معظم الحيّز السياسي، يتركنا كشعوب بدون تعاطف مع أولئك الذي يعيشون خارج الولايات المتحدة. اليأس الذي يُعاقبون عليه بعد ذلك وللمرة الثانية هو أنْ يتمّ تصويرهم بشكل استفزازي على أنّهم تهديدات وحتى غُزاة. لا يعني هذا التعاطف الإيحاء بأنّه طالما أنّ المساحات الوطنية هي مصدر أساسي للشعور بالروابط المجتمعية والقيود الإنسانية والإحباط المستنير من أنّه قد تصبح الهجرة ضرورية وحتى مرغوبة." في الواقع برأيه، أنّ أولئك الذين لديهم الموارد وسبل العيش وحقوق الإنسان وفضاء العيش الصحّي، يتحمّلون مسؤولية الأنواع اتجاه أولئك الذين يفتقرون الى هذه الضروريات لكرامة الإنسان. ثمّ يحلل الموقف، "في الواقع ثانية، إذا تمّ الكشف عن الأسباب الجذرية للنزوح والهجرة، فإنّها غالبا ما تتعلق في السلوك السابق؛ الإستعماروالترتيبات الإقتصادية غير العادلة والتدخّل وانبعاثات الكاربون، للبلدان ذاتها، [https://www.unhcr.org/ar/4be7cc2765f.html] التي تقيم حاليّا جدران إقصائية من انواع مختلفة."
على وجه الخصوص، عندما يتعلق الأمر باسرائيل ورفض الصهيونية اللِبرالية، قال إنّه كان مُدركا لما يكفي من التراجع الملحوظ. "أعتقد أنّ الطريق الذي اخترته، فرض عليّ تكاليف عالية الى حدّ ما، لكنّ هذه التكاليف لم تدفعني أبدا الى فقدان ساعة واحدة من النوم."
لعلّ أدقّ تحليل قدّمه المؤلف بشأن الوضع الداخلي في الولايات المتحدة هو، "إنّ انتخاب ترامپ سيثير أخيرا عدة ڤايروسات كامنة في الجسد السياسي الأمريكي، بما في ذلك العنصرية وكراهية الأجانب والفرديّة غير المنظمة والتراجع عن الحقوق الإنجابية للنساء، وسيؤدّي الى تجديد التمييز ضدّ المثليين ويُخفف من الموانع على العديد من اشكال سلوك العصابات."
يشير د. فولك في ختام كتابه الى ألم صادق مؤثّر لخّصه قائلا، " ... وكان جُرحي الوحيد مدى الحياة هو غياب وسائل الراحة المطمئنة من حبّ الأمّ ومودّتها."


د. محمد جياد الأزرقي
أستاذ متمرس، كلية ماونت هوليوك
قرية مونِگيو، ماسَچوسِت، الولايات المتحدة
2022 /1/ 7








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي