الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إغتراب الكاتب لا اغتراب النص

كريم ناصر
(Karim Nasser)

2006 / 9 / 1
الادب والفن


ثمّة من يفرّق بين أدب الداخل وأدب الخارج، من دون ذكر سبب واضح يبيّن فيه الأفضلية لمن ولماذا ـ سعياً منه للتقليل من شأن مبدعينا ـ صحيح أنَّ هناك تبايناً جغرافياً يفصل بين النموذجين، لكنَّ هذا لا يمنع قطعاً من اقتراب نص الخارج من نص الداخل في البنية والتعبير والرؤية، حتى في حالات الاغتراب القسري عن المكان...
ولهذا فإنه من غير المنطقي أن نقول: إنَّ أدب الخارج بمجمله لا يخضع لمعايير ثقافية، أو بنية ثقافية، كما أنه لا يمكننا الجزم بالأولوية لأدب الداخل، كونه لا يمثل الأنموذج الأكثر ارتباطاً بتجلياتنا في الظرف الراهن. باختصار شديد أنَّ هذا الشكل، أو ذلك النوع لا يمثّل بمفرده الاتجاه المميّز في العمل الثقافي، إذا لم يشهد تحولاً على المستويات عدّة.
من هذا الفهم نستنتج أنَّ لا جنسية للأدب، وقد يُخطئُ الفهم من يعتقد أنَّ هناك أدباً للداخل، وآخر للخارج مهما أُشبعت درساً هذه المفاهيم.
ومن هذا المنظور تعتبر الثقافة كوناً واحداً لا يقبل التجزئة أو التقطيع، والدعوة إلى مثل هذه التصانيف بنظرنا باطلة، القصد منها التفكيك (التقويض) ليس إلاّ، نظراً للتناقض الذي يعتري هذا التوجّه، والحق أنَّ الواقع أكّد رفض مثل هذه الدعاوى باعتبارها لا تجسّد الوحدة الكلّية لمجمل الثقافة.
بهذا المعنى نرى أنَّ جنس التغريب يتعلّق باغتراب الكاتب لا باغتراب النص، كما أنَّ ظاهرة الاغتراب بكلّ سلبياتها، وتناقضاتها لم تكن في يوم من الأيام ظاهرة شاذّة، بخلاف ما نسمع عنها، لأنها تحمل معها أيضاً بذورها الحضارية. كلّ الروائع كتبت خارج محيطها الأصلي، فماركيز على سبيل المثال كتب في منفاه القسري مائة عام من العزلة، ولوركا كتب عرس الدم، وخليل جبران كتب النبي، وهمنغواي كتب الشيخ والبحر، وهذا ينطبق أيضاً على هيرمان هسة، رافائيل البيرتي، صاموئيل بيكيت، بريشت، وأدونيس، والبياتي، وسعدي يوسف.
ليس من الريب أنَّ الأدب المدوّن خارج أُطر التسلّط هو بحد ذاته أدب ينطوي على مفارقة، وتكون نماذجه دائماً رفيعة المستوى تمتاز بخصائص متعددة التراكيب والبنى، وليس مجرد تأصيل وحدات بنائية محدّدة، كما أنَّ هذه النصوص تسعى إلى (التعدّد اللانهائي) في إنتاج المعنى، وهي نصوص جريئة تنفتح على المتلقّي دون صعوبة تذكر، رابطة إياه بما تحمل في جنباتها من المواصفات الإبداعية والحضارية بصرف النظر عن هوية البلد المضيف.
نرى أنَّ من أهم إيجابيات هذه الكتابة: هو استعادة المبادرة بكل جزئياتها من أجل خلق النموذج الإبستمولوجي، ونقله إلى مستوى الإبداع اعتماداً على طرائق تعبير مختلفة الرؤى والثيمة، على نقيض النموذج المنغلق الذي يعيق ولادة النص ويجعله شاذّاً. وبهذا نجد أنَّ دور الرقيب القمعي قد يتعطّل نهائياً في هذا الفعل، بحكم الحرية والأفاق المفتوحة، إلاّ إذا ما تقصّد الكاتب خلق رقيب اصطناعي لنفسه.
وجدير ذكره أنَّ أدب الخارج استطاع بحكم الانفتاح، والتطور المستمرين أن يؤسس له ميداناً جديداً في مجال الكتابة، والتعبير عن الرؤى والأفكار الحديثة، وهذا الحيّز برأينا هو الأفق الجمالي الشاسع الذي تمكّن بواسطته المثقفون من خلق أدواتهم، ومواقفهم في المشهد الثقافي حاسمين بذلك مرحلة أشدّ حساسية في تاريخنا المعاصر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-