الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جسر اللَّوْز 42

علي دريوسي

2022 / 1 / 9
الادب والفن


أخبرتني رهان أن المستندات الخاصة بها قد وصلت كاملة من دمشق بعد أن تم توقيعها وتصديقها من وزارة الخارجية. حينها شعرت بتأنيب الضمير فقد تأخرت حقاً بطلب أوراقي، في اليوم نفسه بعثت إلى أهلي في سوريا رسالة رجوتهم فيها السعي لتأمين المستندات (شهادة ولادة، وثيقة غير متزوج، وثيقة لا حكم عليه) التي أحتاجها للزواج في ألمانيا للمرة الثانية.
مع الأيام أخذ مصطفى يتجادل معي طوال الوقت حول تأخر وصول الأوراق الضرورية لتسجيل زواجي من رهان، كان يعتقد أن ابنته على اتصال جنسي معي وهذا ما كان يرعبه، صار يتهمني بأنني كذبت عليها وعلى والديها وأنني ألعب بعقل ابنته، وبدأ يهددني من جديد بعصبية عائلته التي ستقتلتي حتماً إذا اكتشفت أنني لن أتزوج حبيبة قلبهم رهان.
أحياناً كنت آخذ هذه التهديدات على محمل الجد وأحياناً لم أفعل ذلك.
بعد حوالي أربعة أشهر صرّحت رهان أنها لم تعد قادرة على تحمل الحياة في ألمانيا وأنها تفكر جدياً بالانتحار. حدث هذا الأمر بعد أن داعبت يدي الثقيلة وجهها وجسدها، كنا في السوق نمشي ونشاهد واجهات المحلات، بدت لي هادئة مطمئنة، استغليت الفرصة ورحت انتقد بعض سلوكياتها مع الأمل بالتغيير نحو الأفضل، لكنها لم تتحملني على ما يبدو، جلست أميرتي البلهاء على أرض الشارع أمام الناس وراحت تشهق وتبكي وكأن أمها قمر ماتت للتوّ، نهضت فجأة وهربت، ركضت حوالي أربعين متراً ثم صعدت إلى سيارة خاصة مفتوحة الأبواب، حين رآها الرجل صاحب السيارة الذي كان ينتوي شراء علبة تبغ اتصل على الفور بالبوليس، في هذا الوقت كنت قد وصلت إلى السيارة، اعتذرتُ من الرجل، لكن رهان كانت قد مدّت رأسها في تلك اللحظة وقالت: "لا أعرفه .. أريد أن أذهب معك".
على الرغم من أنني لست طبيباً نفسياً، إلا أنني أسمح لنفسي بتدوين هذه الملاحظة: "راقبت سلوك رهان بوضوح شديد على مدار الأشهر الأخيرة، ثمة شيء ما يحدث بشكل دوري خاطئ، فهي تتصرف دائماً بشكل غريب وبحساسية شديدة، حالما يأتي يوم الخميس تتغير نفسيتها، تصبح أكثر اكتئاباً وحزناً، يستمر سلوكها هذا حتى بعد ظهر يوم الأحد. أنا على يقين من أنها كانت بحاجة إلى استشارة طبية نفسية سريعة وأجرؤ على الشك في أن هذا الكائن قد تعرّض للإيذاء الجنسي في طفولته".
بعد أيام قليلة من تصريحها بشأن الانتحار جاء أخوتها إلي وصدف أن كانت رهان قد أمضت الليل عندي، قال أكبرهم بتهذيب: "ليس لدينا شيء ضدك، عندما تكتمل أوراق الزواج تستطيع أن تتصل بنا".
شربوا القهوة وغادروا مصطحبين إختهم إلى برلين.
كنت في الواقع سعيداً للغاية لأنني رأيت في هذا التصرف نهاية حتمية لعلاقة مريضة بيني وبينها، في نفس الوقت كنت قد اعتدت على التعايش مع هذا المرض الخبيث، فقد أردت حقاً دعم هذا الكائن الفضائي لأن النضال من أجل تحقيق الديمقراطية والعمل على تحسين ظروف المرأة العربية ومساواتها مع الرجل هو جزء من مبادئي التي أعتز بها وأعمل على نشرها في صحافة الإنترنت العربية.
من برلين سافرت رهان وإخوتها إلى المملكة العربية السعودية، كانت إقامتها في ألمانيا قد شارفت على النهاية، والدها مصطفى كان قد نظّم كل شيء من غرفة تحكمه في الرياض، لم تكن رهان تعلم أنه لم يعد مسموحاً لها بالعودة إلى ألمانيا. في الواقع لم أكن على دراية بالأحداث التي أصفها الآن، فقد حطّم أخوها هاتفها المحمول وعطّل لها كلمة المرور إلى صندوق إيميلها الخاص، اكتشفت هذا الأمر وأشياء أخرى لاحقاً.
بعد عدة أيام أرسلت لي رسالة قصيرة ـ يبدو أنها أخذت رقمي من تلفون أبيها ـ كتبت فيها: "أنا رهان، حاولت الابتعاد عن مهاتفتك، لكن على ما يبدو أن القدر أقوى من الجميع، كيف حالك أحمد، أنا مع والداي في الرياض، من فضلك اتصل بنا وأخبرهما كم تحبني .. أنا مشتاقة لك يا حبيبي".
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟