الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدرسة السياسية العراقية بعد 2003 ح2

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2022 / 1 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


• أثبتت الأيام ومن خلال التجربة على الأرض أن الطبقة السياسية الحاكم طبقة مصالح شخصية وغنائم ومكاسب تحت أي عنوان المهم أن تستحوذ وتتضخم قبال تهميش دور الدولة والمجتمع الجماهيري، معتقدة ومؤمنة أنه لا يمكن مواجهتها بالقانون أو الدستور لأن كلاهما بني وفق طبيعية نفعية ذيلية تبعية لها، الدستور الطائفي المفصل وفق رغبات هذه المنظومة وبأداوته التنفيذية مثل المحكمة الأتحادية السابقة برئاسة مدحت المحمود سيء الذكر والقضاء العراقي المتوج على رأسه الدعوجي فايق زيدان ربيب المالكي وحزب الدعوة، هم أولاد غير شرعيين لهذه المسميات ولا يمكنهم أن يتمتعوا بالصلاحيات والواجبات المناطة بهم قبل الرجوع للمنظومة السياسية الي جاءت بهم، وجد الشعب وخاصه قواه الطليعية من شباب ومثقفين وأصحاب المصلحة الحقيقية في عراق مزدهر وأمن، أن كل الطرق إلى روما مغلقة وليس أمامهم إلا نطح الجدار السياسي بكل قوة حتى لو كلف المئات من الشهداء والألاف من الجرحى والمعوقين، أو الأستسلام والتهادن مع سلطة لا تحترم ألتزاماتها ولا تحترم وجودها كإدارة للدولة، أمام هذه الخيارات تفجرت أنتفاضة تشرين المجيدة وأمتلأت الشوارع والساحات المنتفضة بالدم، وسقط الشهداء واحدا تلو الأخر دون أن تشعر السلطة وأحزابها بالذنب أو تأنيب الضمير.
• تحول توجه الطبقة السياسية من أهتمامها بمصالحها الذاتية ومحاولة الأطباق على الواقع العراقي من خلال السيطرة على كل أجهزة الدولة وإقصاء أي صوت معارض، مستخدمة قوانين الأجتثاث أو من خلال المكائد والمؤامرات الحزبية التي تدار من داخل الإدارة، نفسها كما فعلوا مع العديد من الوزراء والمسئولين الذين لم يرضخوا أو ينصاعوا لهم، ومحاصرة ذوي الأختصاص والتضييق عليهم ليتركوا أماكنهم لمن هم أقدر على التملق ومجاراة مطامعهم، هنا تحولوا إلى أستراتيجية العصا الغليظة وقمع دموي من خلال المليشيات والعصابات المنفلتة تحت غطاء حكومي وقضائي صامت لا حول له ولا قوة، وترهيب للمؤسسة الأجتماعية والدينية مع تهادنها معهم وسكوتها المعلن بشعار نحن على مسافة واحدة بين الجميع، وأطلقت يد المليشيات للتصفية الجسدية والقتل خارج القانون والقضاء في محاولة لأمتصاص زخم الفعل التشريني المتصاعد، مع كل شهيد يسقط تتعرى العملية السياسية وتشكيلاتها وقواها أمام الرأي العام المحلي والعالمي، فلا بد من خيار يقلل خسائرها ولو التضحية ببعض رموزها، فسقط القاتل الجزار عادل عبد المهدي ولكن دون محاسبة أو سؤال، ليأتوا بشخص من البطانة الخفية بوجه مدني يمكن أن يمرر بعض الإصلاحات الفوقية والترقيعية التي لا تغني ولا تشبع ولا تعالج أساس إشكالية السلطة السياسية مع المجتمع، ومنها جعله كبش فداء يمكن التضحية به بسهولة والعمل على محاصرته قدر الإمكان ليكون اللعبة المزدوجة، ومن جهة أخرى إعلانهم أن هذه الشخصية المهزوزة هي نتاج ثورة تشرين وعلى الثورة أن تتحمل كل أخطائه وإخفاقاته.
• هذا التحول والدهاء المستورد بتوجيهات خارجية لا يمثل ذكاء للطبقة السياسية ولا يمثل قدرة حقيقية للتعامل مع الأحداث بعللها وأسبابها الحقيقية، إنها إملاءات من أجل مصلحة المشغلين ووقودها الشعب وقواها الحرة الرافضة للتبعية والخضوع لمنطق القوة، لو كان للعملية السياسية شخوص وأليات فعلية تنبع من مصلحة الوطن وإرادة الشعب، لكان الأمر مختلف على الأقل درء للكثير من الخسائر التي تأكل من جرفهم دون أن يشعروا بفداحتها، حتى جاءت أنتخابات تشرين مع كل المقاطعة الشعبية لها لتصدمهم مرة أخرى من أن طريق العنف والقتل إنما هو طريق أنتحار بطيء لهم، حاولوا التشويش وأختراع الكثير من الألعاب الصبيانية التي تدل على عدم نضج وفهم لحركة المجتمع، وعن غياب وعي كامل بما يدور خارج غرفهم وأجتماعاتهم، ليخسروا المزيد من المواقع وينكشف ضعفهم وهزيمتهم التي تلوح بالأفق حتما.
• إن الفشل المتكرر وعدم وجود عقلانية وحكمة في إدارة الواقع السياسي هي أبرز ملامح المدرسة السياسية خاصة العربية منها سنة وشيعة بدون تفريق، فكلاهما يتخبط بالحلول التكتيكية القصيرة التي تؤمن حاجة طارئة لكنها لا تبني فكر ولا تؤسس لمشروع وطني، فأعداء الأمس خونة العراق كما يسمون أصبحوا بقدرة قادر رموز وطنية لا يجوز المس بها أو تجاوزها، بينما الذين كانوا بالأمس فرس مجوس وعملاء لأعداء الوطن أضحوا أيضا بقدرة نفس القادر أشقاء وأحباب وأصحاب تاريخ جهادي ونضالي حرر الوطن من الطغاة، عندما أتفقت تلك التحولات الكوميدية أصبح المحتل الأمريكي عدوا للشعب ولقواه المؤمنة بحق المقاومة والتي تصطف مع قائدة المقاومة العالمية ضد الأستعمار الأمريكي لتخليص العالم من شروره، فلا عجب أن يجتمع الذئب مع الثعلب على مائدة الوطن ليتقاسموا فضلات الكعكة التي تركتها الجارة المؤمنة بالله جدا فوق المعتاد ليخرجوا للعالم بأنهم ثوار القرن الحادي والعشرين ليطالبوا الوجود كله بدم الإسلام الذبيح.
• القراءة الأولية من كل ما تقدم يتضح منها أن النظرية السياسية العراقية ما بعد 2003 لا تمثل أي شكل منهجي أو ملامح واضحة لها، بقدر ما تمثل حالة فوضوية عبثية تتصارع من أجل أهتمامات وقضايا لا تمثل أبسط قواعد السياسة ومدارسها التي تبنى على أساس أنها تمثل إرادة وتوجهات الشعب للتعبير عن نفسه، وبصراحة القول أن هذه السياسات المتبعة مجرد إنعكاسات لواقع الصراع الإقليمي تتحكم بإدارته وتسيير شؤونه تفاعلات تلك الصراعات، وبالتالي حتى نفهم توجه السياسة العراقية الحالية علينا العودة إلى ضوابط الصراع الإقليمي وتحكماته، من هناك نعرف القادم من توقعات أو تنبؤات ما سيحدث بالعراق على كل المحاور والمجالات، فالسياسة التبعية الارتدادية الذيلية هو مجمل ما يمكننا به وصف لشكل وبنية السياسة العراقية بعد 2003.
• أخيرا لا بد من الإشارة إلى الإشكالية المعضلة في بناء الفكر السياسي للقوى اللاعبة في الوسط السياسي حكومي أو تشريعي، وهو الخلط والتخبط بين خيارات الطائفة والدين والمذهب وحاجة السياسة إلى البرغماتية الأصولية التي لا تقدم مسلمات ولا تعتمد على خيارات ثابتة، فأرتباط القوى السياسية الشيعية بأكثر من مرجع ديني نقل الصراع بين المراجع ونظرياتهم الدينية إلى داخل العملية السياسية فأربكوا المشهد ولم يستطيعوا البناء على وحدة المذهب، كذلك أرتباط القوى السنية بالصراع ما بين قوى تؤمن بالسلفية العقيدية وتدعمها في صراعها مع حركة الأخوان المسلمين التي تجد لها مساحة واسعة داخل الإطار السني العراقي، شتت هذه القوى خاصة بعد أستمالة الكثير منهم لإيران وأصطفافها مع حركة الأخوان المسلمين، أضافة للدعم التركي لهم وفق حسابات جيو ستراتيجية واطماع تأريخية في الأرض العراقية، عقد المشهد السني أيضا ومزق النسيج الوطني فيه نحو ولاءات خارجية متصارعة على مصالحها.
• الملخص من كل ذلك ووفقا لما بينا هو العراق أرضا ووجودا وشعبا ومستقبلا نتيجة تحكم طبقة سياسية لا تتقن فن السياسة ولا تعرف أبسط مقومات العمل السياسي السليم، إضافة إلى دور العامل الديني السلبي الذي وقف مشجعا وداعما للتحولات ما بعد 2003، أعقبها مرحلة صمت وتردد وخيبة وخشية من عنف التكتلات والميلشيات وقوة الدولة الخفية داخل بناء الدولة العراقية، هذا التردد والخوف أيضا أكل كثيرا من جرف المؤسسة الدينية التي كانت تستحوذ على أحترام عال وتقدير قطاعات واسعة من الشعب العراقي، اليوم تتلقى النقد واللوم والتجريح العلني بدون أن تحرك ساكنا أو تدافع عن موقف مبدئي أو ديني أو أخلاقي، لتورطها بعمق في الفساد المستفحل في كل جوانب الحياة العراقية ولا يمكنها تزكي نفسها منه بعد أن أصبحت كل الأمور واضحة أمام الشعب والعالم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إدارة بايدن وملف حجب تطبيق -تيك توك-.. تناقضات وتضارب في الق


.. إدارة جامعة كولومبيا الأمريكية تهمل الطلاب المعتصمين فيها قب




.. حماس.. تناقض في خطاب الجناحين السياسي والعسكري ينعكس سلبا عل


.. حزب الله.. إسرائيل لم تقض على نصف قادتنا




.. وفد أمريكي يجري مباحثات في نيامي بشأن سحب القوات الأمريكية م