الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حب في الجامعة ! / قصة قصيرة

ثامر قلو

2006 / 9 / 1
الادب والفن


من يصدق أن مقولة البعيد عن السياسة حمار، خرجت من فم أديب كبير كالجواهري! كان قالها حين إنبرى صحفيا ليسأله سؤالا أراد به أن يزيح بعض الهموم عن الشاعر الكبير، فاذا بالجواهري يفاجئه.. كيف تسألني بعيدا عن السياسة فالبعيد عن السياسة حمار!

تذكرت قول الجواهري عندما داهمتني حمى كتابة مقال لا يغور في السياسة ومغاصاتها كأن يكون مثلا في الحب والغرام! في هذه الاثناء قفزت الى مخيلتي شبيبتنا، هؤلاء الذين يعيشون في أوربا أو في بلاد الغربة عموما ، فقلت كيف يعيش هؤلاء حياتهم العاطفية؟ هل تنتابهم لحظات عشق جنونية كالتي كانت يوما تنتابنا، ولا يزال يقع في أوارها الشباب والشابات في الوطن! أو بمعنى أخر هل تنطفيء جذوة المشاعر الصادقة ودقات القلوب الصافية التي تنذر في هوى الحبيب والهيام به وتفقد ابقها الازلي في هذه البلاد الباردة؟

لا يستطيع أحدا التكهن بالامر أو ولوج تفاصيله الدقيقة، قدر ما يستطيع هؤلاء الشبيبة انفسهم، فهم وحدهم يقدرون على الاجابة، ولعل لسان حالهم يكشف عما يكتنف مشاعرهم.

كنت لم اتجاوز العشرين حين إعتراني شعورا عارما بالحب، كانت الفتاة جميلة ممشوقة القوام، لها من الانوثة ما يكفي لايقاع أشد الشباب تزمتا من الحب في هوى قلبها.

في يوم ربيعي جميل تنعشه شمس دافئة ساطعة ليس حتما كالتي تشرق في الدول الاسكندنافية، صادف القدر أن أكون أنا والفتاة التي أرقني هواها ، أن تقلنا سيارة بولوني للاجرة ما بين بغدادالجديدة والجامعة التكنولوجية، وعندما هم الركاب بصعود السيارة كانت سالي هي السباقة نظرا لنخوة الشباب في مثل هذه الحالات حيث يفسحون المجال للنسوة أولا ، ولاسيما الجميلات، وعندما صعد الاخرون، تجنب الجلوس بجانبها الاولون خشية أن يطالهم لقب نسونجي الشائع في بلدنا كثيرا! وهو يطلق عندما يبدي المرء اهتماما بالجنس الناعم، وهي عادة سيئة تجعل العلاقات ما بين الشباب والشابات خاصة رتيبة ويشوبها الحذر، أما أنا خلافا عن الاخرين، كانت تحركني قوى جنونية أخرى، سرعان ما إنتهزت الفرصة وجلست الى جانبها، بعد أن ألقيت عليها التحية.
أي ساذج لا يستغل مثل هذه الفرصة.. أن أجلس بجانب فتاة، ظللت أترقبها، أتتبع تحركاتها أشهر عديدة لم تثمركلها ، سوى عن تلاميح بسيطة ، فقد عرفت انها تدعى سالي عبد الاحد، طالبة تدرس الكومبيوتر في الجامعة التكنولوجية، حصل هذا عندما تتبعتها الى محلات السائحة الشهيرة للمرطبات الكائنة في حي الصناعة قريبا من الجامعة التكنولوجية خلال وقوفها في الانتظار وانا قابع خلفها، فقد أرتني إسمها بتعمد واضح.
لا أدري ربما كانت الاقدار هي التي جعلت جسدينا يتلاصقان، ونحن جالسين في سيارة اجرة بولوني! ولماذا نتهم الاقدار بالوقوف وراء الامر، ولماذا لا تكون أقدار حب جارف! أحسست بشيء غريب، بسعادة غامرة تعتريني، وانا أرى تجاوبا ملموسا صرت استطيع تخمينه، فما أن اسال خاطرها عن أمر ما حتى ترد علي بالحسنى وتزيد التساءل مني حول إمور شتى.


إذن أن تقاطع النظرات على امتداد شهور عديدة التي كنت أتلمس في اعماقها شيئا خرافيا بالنسبة لي في ذلك الحين، والمتابعة اللصيقة لها، يبدو انها لم تذهب سدى، على الاقل هذا ما ما ألمسه واستنتجه، وأنا جالس لصيق جسد الفتاة في سيارة بولوني للاجرة تتجه صوب الجامعة التكنولوجية.. لحظات ينتابني شعور وكأنه حلم، كنت لا اريد أن أفيق منه حتى وإن كان حلما.

وقبل أن أفاتح سالي بما يعتصر قلبي من شوق تجاهها، نزلت علي كالصاعقة أحداث ذكرى كانت قد ألمتني كثيرا، لم يكد يمض على حدوثها سوى بضعة أشهر، حدثت لي في جامعة الموصل التي كنت طالبا فيها.

سونيا عبدالكريم، فتاة في التاسعة عشر، متوسطة الطول، عيون سوداء تسحر الناظر اليها، شعر كستنائي براق، أنوثة عارمة، بمعنى أنها تستحق أن يطلق عليها الفتاة المغناج طبقا لكل مقاييس الجمال، هذا فضلا عن يسر الحال الذي يشع من لفحات خدودهاالخمرية ويستدل على غنى عائلتها وسطوتها بالسيارة السوبر الخصوصي تارة والحكومي تارة اخرى التي تقلها يوميا الى قسم الهندسة الكهربائية التي أدرس انا في مرحلتها الثالثة.

كنت في الجامعة أعتني بنفسي جدا.. اقتصد بما يتوفر لي من مال في الاكل وغيره حتى اقتني هنداما مميزا! مع مرور الايام صرت أتعجب لآامر سونيا التي صار اسمها على كل لسان في قسم الهندسة الكهربائية، وبات يبلغ مسامع طلبة أخرين في الكليات الاخرى، فكلما وقفت مستغلا فترات الاستراحة بين المحاضرات أمام بناية القسم، تقف هي سونيا ذاتها على مقربة مني بمفردها أو تصطنع الوقوف مع صديقة لها أو مجموعة صديقات، كانت هي تقودهم وتبادلني نظرات يفوح منها لظى الشوق والهيام، تنظر الي أنا ليس سواي.

كان طلبة الصفوف الاولى في قسمنا يواظبون دوامهم الدراسي في الطابق الارضي، الذين كانت سونيا من بينهم، حيث حجزت لها موقعا استراتيجيا أمام الباب يفسح لها ترقب حركة الصاعدين والنازلين من الطوابق الاخرى.. مع الايام اصبحت نظرات سونيا تشدني اليها بقوة غريبة وصرت اتحين الفرص لافوز بنظرة أو ابتسامة من هذه الفتاة الجميلة.

مرة كنت في كامل أناقتي أهم بالنزول والمرور كالعادة أمام القاعة التي تستحوذ سونيا على أفضل مقعد فيها لانعم بجمالها الاخاذ، فاذا بها جالسة خلف مقعدها تشع انوثة وسحرا وتبادلني بابتسامة هزت كل شعرة في بدني .. لحظتها شعرت بان الوقت حان لمفاتحتها بما يجيش في أعماقي تجاهها! وقفت كالعادة أمام بناية القسم أترقب حركة خروج عشرات الطلبة للوقوف مثلي أمام باحة القسم مشدودين لطقس خريفي جميل فلمحت سونيا التي رمتني بنظرة ساحرة لا تفسير لها غير الحب والهيام كما حللتها حينها تندفع عبر جموعهم.

سحبت قدماي وحيدا أنطلق باتجاه ممرات ضيقة جانبية خالية من المارة عادة تقع بين أقسام الهندسة الكهربائية واقسام الجيولوجي والفيزياء تظللها أشجار كالبتوز كثيفة تقع على جانبيها متأملا الكلام الذي ينبغي أن أقوله لها فقد عزمت أمري على مفاتحتها بهيامي بها، وبعد مسير نحو مائة أو مائتي متر بلغت نهاية الممر الضيق أمام بناية صغيرة تتبع كلية الطب البيطري، أقفلت راجعا في ذات الممر واذا بي اواجه قدوم سونيا وحيدة باتجاهي على بعد عشرة أو عشرين مترا على أبعد تقدير!! لم يعد امامي كثير وقت لترتيب ما يتوجب قوله، حتى تلك الكلمات التي حفظتها استعدادا للمجابهة تبعثرت في لحظات أمام هول المفاجئة، فانا لا أعرف غير اسمها .. أعرفها عبر نظراتها وابتساماتها .

هنيهات سريعة حتى اصبحنا أنا وهي وحيدين نسير متقابلين في ممر ضيق، أتقدم انا خطوة، تتقدم هي خطوة اخرى كلا باتجاه الاخر فصارت المسافة بيننا تتقزم شيئا فشيئا حتى بلغ بنا الامر أن نقف متقابلين وجها لوجه لا يفصل بيننا سوى سنتيمترات معدودة ويكاد جسدينا يتلامسان ببعضيهما، أنظر اليها، تنظر الي!

سلمت على سونيا بأدب العاشق الملهم منتظرا موافقتها دون تردد، فقلت
ـ مرحبا سونيا ... هل انت....
ـ ماذا تريد مني! لماذا تلاحقني بنظراتك؟!

نزل كلامها علي كالصاعقة، وبدأ حتى للجاهلين بخفايا الهوى إنها احالت كل ذكرياتنا، نظراتنا، إبتساماتنا الى جحيم! لا أعلم كيف سحبت ساقاي ورائي، بعد ان بلعت طعم الهزيمة على يد فتاة هي التي كانت تلاحقني!

هذا كله مر أمام ناظري كشريط سينمائي لحظة وددت ان أقول لفتاتي التي أجلس بجانبها في سيارة اجرة بولوني سالي عبد الاحد ...
أحبك!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال