الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصيدتان من شمال العالم: عشتار وأتروپوس

حكمت الحاج

2022 / 1 / 10
الادب والفن


في مجموعتها الشعرية الثالثة هذه، "أساطير الأم"، وبعد مجموعتيها السابقتين، "ماريا لوسيا" 2012 و"عزيزي سوان" أو سڤن 2016، غاصت الشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد في غابات الأمومة العميقة، بين الكلاب والخيول والأرانب البرية، والأمهات تدفعن عربات الاطفال أمامهن، في مزيج من الأسطورة والحياة اليومية، للكتابة عن تجربة الأمومة شعرا. الشعر السويدي مثل السينما السويدية، عصي على الفهم، لا يشبه الا نفسه. ثمة المناظر الطبيعية والحيوانات، والعنف، والألم، والحنان والرعاية والهجران والفقد، تنسج بعضها البعض وتخرج من بعضها البعض. التوقعات والأعراف تحمل أيضًا حكايات خرافية. في "أساطير الأم"، تكمن الأسطورة خلف سرير طفل، وبين ملاءات ربما قذرة، بجانب جلد الطفل الناعم، ورائحة التالك، ممزوجة بالحليب. وكما قال الشاعر ت. س. اليوت فالإنسان ليس سوى ولادة وحياة وموت. وهذا الكتاب الشعري احتفاء بتفاصيل الحياة على الطريقة السويدية.
فيما يلي ترجمتي لقصيدتين من الكتاب الشعري "أساطير الأم"، للشاعرة السويدية اليزابيث بيرشتولد، والصادرة عام 2021 في ستوكهولم عن دار نورشتيدس للنشر، في سبيل تقديم شاعرة سويدية مهمة تنتمي لتيار ما بعد الحداثة، إلى قراء العربية، وربما يكون ذلك لأول مرة.
عشتار.. إلهة الليل

قصيدة: اليزابيث بيرشتولد
ترجمة: حكمت الحاج

لدينا آذان تسمع عبر الترددات
أصواتا أخرى،
آذاننا
التي تميل مع الحافة
أوراق شجر سوداء
تضيء نومنا اللاسلكي
مع الوهج الوردي..
أنا أحوكُ لكَ
وأنت
ضع يدك على بطن قطتك المشعر
كل منا يجلس على طرف من الأريكة
شريط الليلة السوداء أرجواني
يطرز الزهرة على صورة العين
والحلق الأحمر لا يزال يتدلى في اليد
في منحنيات صغيرة
صغيرة
في حماقات صغيرة
مفارش الكروشيه حزينة
تغزل الزهور
تثور أعصاب النبات
من الغرز التي يدخلها الهواء
إعادة غرس التعرجات يحمل خيطًا رفيعًا
يربط الوجه بصفائح المساحات الخضراء
الملاءات تدفن سرير حياتنا المخملي
مع الفتحة المتبقية المرقعة
وخلفك ما أنت تسميه البنفسج
أعد زهور الدم الى صدرك
على شكل حيوان
من الخيط الأحمر -
المس البراعم،
المسْ
براعمي.
__________________
أهدي هذه الترجمة إلى من لا يمكن إلا أن يرد على بال كل من يقترب من اسم عشتار وظلال تاريخها واسطورتها وعلاقتها ببلاد وادي الرافدين، الى ابني العراق، الشاعرين الخالدين، بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، اللذين قالا عن عشتار ما لا يذوي أو يموت.
يقول السياب:
نَابُ الْخِنْزِيرِ يَشُقُّ يَدِي
وَيَغُوصُ لَظَاهُ إِلَى كَبِدِي
وَدَمِي يَتَدَفَّقُ، يَنْسَابُ
لَمْ يَغْدُ شَقَائِقَ أَوْ قَمْحَا
لَكِنْ مِلْحَا
«عِشْتَارُ» وَتَخْفِقُ أَثْوَابُ
وَتَرِفُّ حِيَالِي أَعْشَابُ
مِنْ نَعْلٍ يَخْفُقُ كَالْبَرْقِ
كَالْبَرْقِ الْخُلَّبِ يَنْسَابُ
لَوْ يُومِضُ فِي عِرْقِي
نُورٌ، فَيُضِيءُ لِيَ الدُّنْيَا!
لَوْ أَنْهَضُ! لَوْ أَحْيَا!
لَوْ أُسْقَى! آهٍ لَوْ أُسْقَى!
لَوْ أَنَّ عُرُوقِي أَعْنَابُ!
وَتُقَبِّلُ ثَغْرِي عِشْتَارُ
فَكَأَنَّ عَلَى فَمِهَا ظُلْمَهْ
تَنْثَالُ عَلَيَّ وَتَنْطَبِقُ
فَيَمُوتُ بِعَيْنَيَّ الْأَلْقُ
أَنَا وَالْعَتَمَهْ.

ويقول البياتي:
تبكي على الفرات عشتروت
تبحث في مياهه عن خاتم ضاع
وعن أغنية تموت
تندب تموز
فيا زوارق الدخان
عائشة عادت
مع الشتاء للبستان
صفصافة عارية الأوراق
تبكي على الفرات
تصنع من دموعها
حارسة الأموات
تاجا لحب مات.

وربما من خلال هذه الترجمة المتواضعة للقصيدة الرائعة "عشتار، إلهة الليل" للشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد، والإشارة الى قصيدتي الشاعرين العراقيين الرائدين، بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي، أن نلقي ضياءا خافتا على تجربتين ابداعيتين مختلفتين، لشعراء من حضارتين متباعدتين، من شمال العالم حتى جنوبه.

"أتروپوس": اللامستدعى مع المقصات..

قصيدة: إليزابيث بيرشتولد
ترجمة: حكمت الحاج

اشحذ سكاكين البركان السوداء
قطّع عصير الفاكهة
وقدم لها
الدم والبيض.

يحلم فم البركان بالحشرات التي
تتجمع أسرابا
حول وجهك الواسع
كهوف العين بيضاء
حيث يجلس البصر.

عثرة
وسقوط
اربطي الخيط الهش للطفل
في لهيب الظلام
عين النار على الجانب الآخر
تبحث عن خدش القمر المفقود.

اغزل رحم اللحم
العنب حار
اشطفه للتو من المصدر
هل تعيش
هل تحترق
أنت تحترق حيا.

قطّعَ مقصُ
القطع
‏‏خيطَ
النبض
ووجه
النار نحو اللسان
-----------
أهدي هذه الترجمة الى صديقتي الكاتبة التونسية عواطف محجوب التي سبق لها وأن نشرت قصة قصيرة بعنوان "أتروبوس" ضمن كتابها "لاعب الظل" الصادر عام 2021 عن منشورات مومنت بالمملكة المتحدة، في الوقت الذي قامت فيه بإخراج فيلم روائي قصير عن القصة نفسها وبالعنوان نفسه ومن بطولة الفنان شاهر المسعودي وشاركت به مؤخرا في مهرجان ابن جرير السينمائي بالمغرب.
وربما من خلال هذه الترجمة المتواضعة لقصيدة "أتروپوس" للشاعرة السويدية إليزابيث بيرشتولد، والإشارة الى قصة "أتروپوس" للقاصة التونسية عواطف محجوب، أن نلقي ضياءا خافتا على تجربتين ابداعيتين مختلفتين، لكاتبتين من حضارتين متباعدتين، من شمال العالم حتى جنوبه.

إشارات الترجمة:
* عشتار:
عشتار هي إلهة الحب والحرب عند البابليين، وهي إنانا لدى السومريين، وعشتروت عند الفينيقيين، أفروديت في اليونان القديمة، فينوس لدى الرومان. أطلق عليها السومريون اسم ملكة الجنة، وكان معبدها يقع في مدينة الوركاء، وقد تعددت صورها ورموزها وظهرت في معظم الأساطير القديمة وتغنى بحبها الشعراء وتفنن بتصويرها الفنانون رسما ونحتا. تصور عشتار على هيئة امرأة عارية على ظهر أسد وهي إلهة في بابل القديمة تجمع بين الجنس الإباحي والإجرام الدموي وتحكم الشرق الأوسط منذ آلاف السنين وهي التي خاطبها گلگامش في ملحمته الشهيرة قائلا:
"ما أنتِ إلا مَوقد سرعان ما تخمد ناره في البرد
أنتِ باب لا ينفع في صدِّ العاصفة
أنتِ قصرٌ يتحطم في داخله الأبطال
أنتِ بئر تبتلع غطاءها
أنت حفنةُ قيرٍ تلوِّث حاملَها
أنت قربةُ ماء تبلِّل صاحبها
أنت حذاء تقرص قدم منتعلها"
وعشتار هي التي يصفها الكتاب المقدس في سفر الرؤيا قائلا:
"الزانية العظيمة الجالسة على المياه الكثيرة
التي زنى معها ملوك الأرض
وسكر الناس من خمر زناها،
المرأة الجالسة على وحش دموي،
المتسربلة بأرجوان،
والمتحلية بذهب ولؤلؤ ومعها كأس من ذهب،
في يدها نجاسات زناها،
وعلى جبهتها مكتوب سر بابل العظيمة
أم الزواني ورجاسات الأرض.

* أتروبوس:
أتروبوس أو آيسا، في الأساطير اليونانية، آلهة القدر والمصير. معادلها الروماني هو (مورتا). وهي واحدة من المويراي أو المصائر في الميثولوجيا الإغريقية وهن ثلاث أخوات يُجَسدن القدر، وأسماؤهن كلوثو (الغزالة أو الناسجة)، لاشسيس (الموزعة)، وأتروپوس (حرفيًا: "التي لا يمكن تفاديها"، أي الموت).
في الأساطير الكلاسيكية، الأقدار هي ثلاثة آلهة تتحكمن في خيط الحياة. هن تجسيد للقدر (أو الاقدار). الأولى، كلوثو، تمسك بخيط الحياة، والثانية، لاشيسيز، تتحكم في طوله، والثالثة، أتروبوس، تقطعه. إنها ترمز إلى الولادة، والمرور عبر الحياة، والموت، على التوالي. تقليديا، تم تصوير كلوثو وهي تحمل بكرة، ولاشيسيس تحمل خيطًا ممتدا من البكرة، وأتروپوس تقطع الخيط بالمقصات. وقد تجسد ذلك ببراعة في لوحة الرسام الاسباني "غويا" بعنوان المصائر (المعروفة أيضًا باسم المصير أو أتروبوس).
تعتبر أتروبوس هي الأكبر بين الأقدار أو المصائر أو الآلهة الثلاثة، وكانت أتروبوس هي من اختارت آلية الموت وإنهاء حياة البشر بقطع خيوطهم. إن أصل هذه الأسطورة غير مؤكد، على الرغم من أن البعض يطلق عليهن بنات الليل. أما في كتاب "الجمهورية" لأفلاطون فيتم اعتبارهن بنات أنانكي. غير أنه من الواضح أنهن لم يهتمن إلا بالموت وأصبحن أيضا القوة التي تقرر ما يمكن أن يحدث للبشر.
من الممكن أن يكون الفيلسوف الاغريقي أفلاطون وراء إطلاق اسم أتروبوس كما العديد من الأوصاف المبكرة للمصائر الثلاث. ولكن يبدو أن الأدلة تشير إلى أن آيسا هو الاسم الأكثر استخداما في وقت سابق، مع اكتساب اسم أتروبوس شعبية في وقت لاحق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو


.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : مفيش نجم في تاريخ مصر حقق هذا




.. كل يوم - الفنانة إلهام شاهين : أول مشهد في حياتي الفنية كان