الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأي العام وصناعة الأزلام

علي الحاج حسين

2006 / 9 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


لو حاولنا وضع ما يشبه التعريف أو تبسيط لمفهوم الرأي العام، سنجد أنه وببساطة عبارة عن مجموعات متوازية او متقاطعة من المواقف والآراء والمفاهيم والأقوال، تشترك في جزئيات وتختلف بأخرى حيال مسألة محددة.. هذا بافتراض أن المرجعية في اتخاذ الرأي متشابهة أو متطابقة، وانتفاء الحالة المرضية، إذ لا يمكن الركون لرأي مجموعة ممن يعانون من مرض دالتون وأصحاء حيال تناسق أو تباين لوني كما تحظر القوانين العصرية مثلا حيازة المصاب بمرض دالتون على شهادة قيادة سيارة. لكن على صعيد آخر حتى على صععيد الفرد نفسه وفي حالات متباينة يتغير موقفه وفقا لعاملي الزمان والمكان، وبالتالي يكون لزاما علينا التفريق بين أكثر من وجه للرأي العام، إذ نجد أن المتفقين بالرأي حول مسألة حماية البيئة والتلوث أو مكافحة الأمراض السارية أو إلغاء عقوبة الإعدام مثلا ليس بالضرورة أن يكون بينهم قاسم مشترك بالنسبة لموضوع المساواة بين الجنسين أو الموقف من الليبرالية أو الثيوقراطية وقد يتفقون أو لا يتفقون حول مسألة الزواج في سن مبكرة أو قوننة تعدد الزوجات لرجل واحد مثلا...
يتكون الرأي العام نتيجة لفعل أو سلسلة أفعال تقاس برصيد معرفي فردي، وتتغير المواقف، أي الآراء وفقا لتطور الأحداث. يوجد الآن في العالم مدارس لصياغة أو صناعة أو تكوين الرأي العام أو التأثير فيه، أو توجيه أو تأطير وأدلجة المجتمع وهذه المسألة منوطة بالدرجة الأولى بوسائل الإعلام، وإلى حد ما في مجتمعنا تخضع لمؤثرات مرجعيات اجتماعية أو اقتصادية وغالبا سلطوية.. وبما أن الإعلام مملوك للسلطة المستبدة في سوريا لا يمكن التعويل على خلق رأي عام واقعي واضح من موضوع محدد وليكن في حالتنا هذه مسألة العنف أو التغيير الديمقراطي السلمي وعملية الإصلاح.. إن الرأي العام في سوريا ومنذ أربعين سنة خلت لا يأتي نتيجة للترويج أو الدعاية والتحريض له، بل غالبا ما يكون قسريا في بداياته ثم يمهد له ويترسخ، والنظام قادر على تكوين رأي عام يجزم أن لون الحليب أسودا، وهكذا تم تصوير الهزيمة على أنها نكسة، وخدعت مقولات نظام الاستبداد أجيال متتالية. انعكست هذه التراكمات والرواسب سلبا على المستبد نفسه فيما بعد. كان ومازال الاستبداد يعالج المقدمات التي انتجها بمنطقه المعوج، فحينما يصور للمواطن أن أجهزة الأمن والمخابرات التي تقض مضاجع الناس قبيل الفجر تقوم بمهمة وطنية وحين تعتقل أصحاب الرأي المخالف المسالم أو المتنورين والطلبة بسبب أفكارهم أو نشاطاتهم المدنية وغيرها، هو في ذلك لا يمنع الاستفادة من القدرات الكامنة فحسب، بل ويساهم في تخلف المجتمع وينتج الجريمة.. حينما يصور الدكتاتورية على أنها ديمقراطية وأمان وحينما يصور السلب والنهب ومجمل الفساد على أنه تجاوزات بسيطة وحين يكم الأفواه بحجة أن لا صوت يعلو على صوت المعركة والهزائم متكررة، وقتئذ يكون قد أفلح نظام الاستبداد وانتصر ، وهذا تأكد على مدى أربعين سنة وحقق أنتصارا باهرا على الشعب الأعزل المعزول...
أما وصفات تفعيل الرأي العام الموجود على علاته وتوظيفه في خدمة عملية التغيير والإصلاح... ورغم أهمية هذا الأمر، لكن للأسف الرأي العام في سوريا مصنوع صناعة رديئة، ونتيجة لغياب الشفافية والتعتيم الإعلامي لا يمكن معرفة المدى الحقيقي لمثل هذه الاستخدامات أو التطبيقات.. ولا يمكن للمواطن أن يكوّن رأيا حيال مسألة لا يكاد يسمع بها من إعلام بلده وغالبا يتم تسريبها من أذن لأذن أو عبر وسائل إعلام أجنبية أو مصادر غير معنية بالحدث.. ورغم شيوع وسائل التواصل الإلكتروني الحديثة وخصوصا الانترنيت الذي يعاني في سوريا الويلات، يبقى الرأي العام مهلهلا ولا يمكنه أن يعكس حالة حقيقية عن المجتمع نتيجة الخوف والتعتيم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سباق التسلح العالمي يحتدم في ظل التوترات الجيوسياسية


.. جنوب إفريقيا تقدم طلبا عاجلا لمحكمة العدل لإجراءات إضافية طا




.. إخلاء مصابين من الجيش الإسرائيلي في معارك غزة


.. هجوم روسي عنيف على خاركيف.. فهل تصمد الدفاعات الأوكرانية؟ |




.. نزوح ودمار كبير جراء القصف الإسرائيلي على حي الزيتون وسط مدي